"العملية سيرلي" .. فضيحة السيسي أمام القضاء الفرنسي والأمم المتحدة
الأربعاء - 14 سبتمبر 2022
- قوات فرنسية تنطلق من مطروح وتعمل على الحدود الغربية بين مصر وليبيا
- قوات فرنسا ضالعة فيما لا يقل عن 19 عملية قصف قتل فيها 40 ألف مصري
- حملة إعدام تعسفي ارتكبها نظام السيسي في الصحراء الغربية بتواطؤ فرنسي
- الجيش المصري يرتكب مجازر ضد مدنيين أبرياء..وطائرات تل أبيب تساعده
- لا أدلة على وجود إرهابيين شرق ليبيا ولا دليل على ارتباط نشاط التهريب بهم
- قتل 8 سياح مكسيكيين و4 مصريين بالصحراء الغربية كشف جرائم قتل المدنيين
إنسان للإعلام- خاص
في 12 سبتمبر 2022 قدمت منظمتان أمريكيتان غير حكوميتين، دعوى أمام محكمة باريس ضد مسؤولين مصريين وفرنسيين على خلفية عملية فرنسية مزعومة "لمكافحة الإرهاب في مصر"، كشفت تقارير أنها استغلت لتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القانون وتعذيب، وهي التي عرفت بـ "العملية سيرلي".
مصادر مطلعة على الملف أكدت لوكالة "فرانس برس"، أن منظمتين هما: "مصريون في الخارج من أجل الديمقراطية" و "كود بينك"، رفعتا الدعوي متهمتين نظام السيسي ومسئولين فرنسيين دعموه بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية وتعذيب في وقائع يعود تاريخها بين أعوام 2016 و2019.
وفي نوفمبر 2021 كشف تحقيق استقصائي لموقع "ديسكلوز" أو "اكشف"، الفرنسي، قيام الجيش الفرنسي بمشاركة نظيره المصري في عمليات إعدام ميدانية لمواطنين مصريين تورطوا في جرائم بسيطة، مثل تهريب سجائر أو أدوات مكياج، بالصحراء الغربية المصرية.
وبدأ التحقيق الذي أعدته مؤسسة "اكشف"، بعد أن تلقت المؤسسة عدة مئات من الوثائق السرية قدمها مصدر لم يعلن عن هويته، وكشفت الوثائق عن الانتهاكات التي حدثت خلال هذه المهمة الاستخبارية، التي نفذت باسم مكافحة الإرهاب، والتي بدأت في فبراير 2016.
ويكشف التحقيق كيف أصبحت فرنسا متواطئة في الضربات الجوية ضد المدنيين المصريين.
يقول التحقيق، إنه "منذ عام 2016، تقوم مديرية المخابرات العسكرية الفرنسية بعملية سرية في الصحراء الغربية المصرية (باسم العملية سيرلي)، لخدمة ديكتاتورية عبد الفتاح السيسي"
وكشفت مؤسسة "اكشف" (ديسكلوز)، وهي مؤسسة فرنسية في مجال الصحافة الاستقصائية، من خلال وثائق لـ"الدفاع السري"، حصلت عليها، أن مهمة "سيرلي" تم استخدامها لقصف مدنيين مصريين.
وعلى الرغم من التنبيهات العديدة، لم يضع الرئيسان الفرنسيان السابق "فرانسوا هولاند" والحالي "إيمانويل ماكرون" حدًا للعملية.
وتتهم المنظمتان الجنود المصريين بالاستفادة، بتواطؤ من السلطات الفرنسية، من المعلومات السرية لإرسال غارات جوية على مركبات للمهربين المشتبه بهم على الحدود المصرية الليبية. ويقال إن هذه التفجيرات تسببت في مقتل عدة مئات من المدنيين الأبرياء.
وقالت محامية المنظمتين الأمريكيتين "لويز دوماس"، أنها تتوقع حكم القضاء الفرنسي وتمكن العدالة "من اغتنام هذه الفرصة لوضع حد للإفلات من العقاب على الجرائم التي ارتكبها النظام المصري، بما في ذلك جرائم التعذيب، بمساعدة ممثلين فرنسيين".
قصة الفضيحة
لم يكن كشف موقع "ديسكلوز" الإلكتروني الاستقصائي، 21 نوفمبر 2021 ، أن فرنسا تُقدم معلومات استخبارية لمصر، لتستخدمها في قصف أهداف بالصحراء الغربية مهما بقدر ما كشف أن التواجد الفرنسي في الصحراء الافريقية وصل الي مصر.
تقرير الموقع الذي غالبا ما ينشر معلومات تُحرج الجيش الفرنسي، تحدث عن عملية استخبارية فرنسية مصرية في الصحراء على الحدود مع ليبيا لتصيد الارهابيين تسمي Mission Sirli أو "عملية سيرلي"، وأشارت لها أيضا "ليبراسيون".
لكن الموقع الاستقصائي الفرنسي، ذكر استنادا لوثائق عسكرية فرنسية، أن "الجيش الفرنسي ما زال منتشرا في الصحراء المصرية وهناك قوات تعمل من مرسى مطروح بالفعل"!!، بحسب نص التقرير من وثائق المخابرات الفرنسية.
ولو صح هذا فستكون هذه أول مرة تتواجد فيها قوات فرنسية على أرض مصر منذ هزيمة حملة نابليون بونابارت على مصر وعودته لفرنسا سنة 1799.
تحدث "ديسكلوز" عن "جرائم ضد الإنسانية" في صحراء مصر تشارك فيها فرنسا بالتواطؤ، حيث يقصف ويقتل الجيش المصري مدنيين بعضهم في قوافل الهجرة غير المنظمة أو مهربين وتجار مخدرات، وليسوا إرهابيين.
تساءل عن مسؤولية فرنسا عن "جرائم دكتاتورية المشير عبد الفتاح السيسي. الأكثر وحشية منذ صعوده لأعلى قمة الدولة المصرية".
ليست هذه المرة الأولي التي تكشف فيها جهات دولية انها تدعم نظام عبد الفتاح السيسي في الصحراء الغربية وسيناء، وتتواجد قواتها على أرض مصر، وتكتشف أن الجيش يقوم بمجازر ضد مدنيين مصريين أبرياء.
ففي 15 أغسطس 2016، نشرت مجلة فورين بوليسي القصة الكاملة لمقتل 12 سائح مكسيكي ومصريين في الواحات الغربية سبتمبر/أيلول 2026 بعد ضربات خاطئة للجيش المصري قيل إنها لإرهابيين ثم تبين أنها قصف لرحلة سفاري.
قبل ذلك كشفت تل أبيب عن تدخل طائراتها في سيناء لمحاربة تنظيم ولاية سيناء بجانب الجيش المصري، واعترف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بدخول إسرائيل سيناء لدعم جيشه ضد الجهاديين لقناة CBS 9 يناير/كانون ثان 2019.
فرنسا في مصر
أهمية التقرير الفرنسي أنه تحدث عن وجود عسكري فرنسي في الصحراء المصرية لمحاربة إرهابيين مزعومين قادمين من ليبيا.
التحقيق الذي أطلق عليهم أسم "تسجيلات الرعب" يكشف كيف تواجدت قوات فرنسية علي أرض مصر بدعاوي محاربة الإرهاب، لكنها تورطت بجرائم إنسانية في مصر بالمشاركة مع السيسي.
بدأ بعبارة: "أرسل إلينا "مصدر" مئات من وثائق "الدفاع السري" التي تكشف تورط فرنسا في جرائم الديكتاتورية المصرية".
شرح كيف أن الرئيس الفرنسي "ماكرون" على علم كامل بما يقع على الأراضي المصرية من انتهاكات، ومساعدة قواته العسكرية الجيش المصري في ارتكاب هذه الهجمات ضد مدنيين على الحدود مع ليبيا.
البداية 13 فبراير 2016
أبرزت الوثائق الاستخبارية الفرنسية التي نشرها الموقع الاستقصائي أن بداية تواجد فرنسا عسكريا على أرض مصر كانت يوم 13 فبراير/شباط 2016، حين وصلت حافلة تحمل فريقاً فرنسياً إلى ثكنة عسكرية للجيش المصري بمدينة مرسى مطروح.
كان ذلك الفريق يضم عشرة ضباط سابقين للجيش الفرنسي، ستة منهم يعملون لصالح متعهدين أمنيين، مجهزين بطائرة استطلاع خفيفة "ميرلين 3"، استأجرتها وزارة الدفاع الفرنسية بكلفة 1.45 مليون يورو لكل خمسة أشهر من الخدمة.
كان هدف العملية السرية، التي سُميت "سيرلي"، تأمين 1200 كيلومتر من الشريط الحدودي الليبي-المصري من اختراقات "الإرهابيين"، وتغطية نحو 700 ألف كيلومتر مربَّع بطلعات جوية استطلاعية لرصد تحركات "الجماعات الإرهابية" المحتمَلة.
اكتشف الفرنسيون أن الضباط المصريين يستغلون الطائرات والمعلومات الفرنسية لقصف قوافل مهربين للبشر أو السلع ويجري قتل الآلاف منهم.
كانوا يرون قوافل بشرية للتهريب في منطقة تسمي "الموزة" بين واحة سيوة ودلتا النيل، تنفذ مصر فوقها طلعات جوية تقصف "شاحنات مأهولة بشباب لا تزيد سنّهم على 30 عاماً، ينشطون في التهريب المعيشي"، و"لا وجود لإرهابيين".
ثم تعلن مصر لاحقا عن استهداف قوافل "إرهابيين"، وهو غير صحيح ما يجعل فرنسا شريكاً في "جرائم القصف العشوائي لمدنيين مصريين" حسب التحقيق.
في يوليو/تموز 2020 أعلنت الرئاسة المصرية أنها "دمرت 10 آلاف عربة كانت تُستخدم في أنشطة التهريب، وقتل 40 ألفاً من المهربين والإرهابيين".
وفي أكتوبر 2017 افتخر عبد الفتاح السيسي في تصريحات لقناة "فرانس 24" بـ "تدمير 1200 مركبة عبر الحدود المصرية الليبية".
لكن تقرير لـ "المعهد الأوروبي من أجل السلام" أكد أنه "لم تكن هناك أي أدلة عن وجود عناصر إرهابية داخل النصف الشرقي لليبيا، ولا دليل على ارتباط نشاطات التهريب بجماعات إرهابية في ليبيا".
وقد أكد الموقع الاستقصائي، نقلاً عن تقرير فريق العملية الفرنسي، أن "محاربة الإرهاب كانت تحل في المركز الثالث لأولويات الجانب المصري" بعد محاربة المهربين والهجرة.
قتلوا 40 ألفًا
بحسب الوثائق التي نشرها "ديسكلوز"، كانت "القوات الفرنسية ضالعة فيما لا يقل عن 19 عملية قصف ضد مدنيين بين العامين 2016 و2018"، قتل فيها قرابة 40 ألف مدني مصري في الصحراء الغربية.
لذلك أعربت الاستخبارات العسكرية والقوات الجوية الفرنسية عن قلقهما من "التجاوزات" في هذه العملية، في مذكرة أرسلت إلى الرئاسة الفرنسية 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أوردها موقع "ديسكلوز".
وتحدثت مذكرة أخرى بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني 2019 أرسلت لوزيرة القوات المسلحة فلورنس بارلي، قبل زيارة رسمية لمصر مع الرئيس الفرنسي ماكرون، عن وجود حالات مؤكدة لتدمير أهداف مدنية اكتشفها الاستطلاع الفرنسي.
تقرير أخر لموقع ديسكوز حول "معلومات الدفاع السرية" 21 نوفمبر 2021 تحدث عن حصوله على أوراق سرية أخرى تكشف "ما وراء كواليس مبيعات الأسلحة الفرنسية لمصر" على حساب حقوق الإنسان، سيتم كشفها لاحقا.
وصف ما تفعله مصر بالتواطؤ مع فرنسا بأنه "حملة إعدام تعسفي ضد المدنيين"، و"فظائع ارتكبت نظام السيسي في الصحراء الغربية".
وفي ردها قالت وزارة الجيوش الفرنسية لوكالة فرانس برس 21 نوفمبر 2021 إن "مصر شريك لفرنسا تقيم معها علاقات في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب".
قالت: "لن نعطي مزيدا من التفاصيل بشأن طبيعة آليّات التعاون المُنَفّذة في هذا المجال"، لكن الوزيرة فلورنس بارلي "طلبت فتح تحقيق بشأن المعلومات التي نشرها ديسكلوز".
وقد عقب على العملية سيرلي الحقوقي المصري بهي الدين حسن، عبر تويتر مؤكدا أن الفضيحة ستؤدي إلى تحقيقات برلمانية/قضائية/عسكرية في فرنسا مع المتواطئين.
أما السفاحون في مصر الذين يسفكون دماء المدنيين كل يوم بتواطؤ أجنبي أو بدونه، فمن يطالب بالتحقيق معهم سيختفي أو يضاف اسمه إلى قوائم الإرهاب".
تعاون عسكري سري
وقبل نشر هذا التقرير أثيرت تكهنات في مصر حول تعاون عسكري مصري فرنسي مشترك للانقلابي خليفه حفتر في ليبيا عبر الحدود المصرية، دون تفاصيل.
حيث وقع ماكرون والسيسي اتفاقات سرية للتعاون في ليبيا تتضمن تواجدا عسكريا فرنسيا على الحدود الليبية المصرية، على غرار ما تفعله مصر مع اسرائيل على حدود سيناء بحسب موقع "الاستقلال".
وقد رصدت الوثائق الفرنسية المسربة لموقع ديسكلوز بوضوح أن القاهرة لم تستهدف إرهابيين وإنما مدنيين، ما "سيشكل احراجا لبيانات المتحدث العسكري المصري المتكررة عن استهداف ارهابيين في الصحراء الغربية".
وتكررت حوادث استهداف الجيش المصري مدنيين بدعاوي أنهم إرهابيين عدة مرات في سيناء والصحراء الغربية على طريق الواحات، عدة مرات، ولم يكشف عنها، أو تم التغاضي عنها.
لكن قتل 8 من سياح المكسيك و4 مرشدين سياحيين مصريين معهم في هجوم مسلح علي قافلتهم بدعوي أنهم إرهابيين، وما أحدثه من ضجة، ألقي الضوء على جرائم قتل المدنيين.
وجاء كشف موقع "ديسكلوز" الفرنسي قتل مصر مدنيين بالقصف الجوي بدل إرهابيين وإثارة الأمر دوليا لفضح أخطاء أو جرائم القصف الجوي العشوائي للمدنيين رغم أنه يتكرر في سيناء دوريا دون اهتمام بسبب التعتيم الاعلامي.
وأحد هذه الهجمات ضد مدنيين جرت في 6 يوليو 2017، حين قُتل ثلاثة مواطنين في الواحات البحرية بينهم المهندس العامل في رصف الطرق "أحمد الفقي" إثر قصف طائرات مصرية لسيارتهم بصاروخ، بينما كانوا يتزودون بالماء من بئر.
فورين بوليسي نشرت القصة الكاملة لمقتل وفد السياح المكسيكيين ومرافقيهم المصريين في الواحات الغربية معتمدة على مقابلات مع شهود عيان وأقارب وأصدقاء للضحايا ووثائق تفصيلية قدمتها شركتا السياحة المنظمتان للرحلة.
أوضحت أن "جميع السيارات التي حملت السياح كانت تحمل شعارات الشركات السياحية التابعة لها على الجانبين"، ثم توجهوا للصحراء في رحلن سفاري.
أكدت أن القافلة مرت على 3 أكمن للشرطة والجيش المصري وتم السماح لها بالمرور، أي كان معلوما وجودها في المنطقة، ولم يكونوا في منطقة محظورة، كما زعمت الحكومة فيما بعد.
أكدت أن الطائرات المصرية قصفت قافلة السياح وهم يتناول الطعام بعدة صواريخ، وحين وصلت الشرطة إلى موقع الهجوم "كان بانتظارهم مشهد جحيمي من الهياكل المعدنية الملتوية، والجثث الغارقة في الدماء".
حاول عبد الفتاح السيسي تبرير الفضيحة في حوار أدلى به لقناة PBS الأمريكية في 28 سبتمبر 2016 قائلا: "كانوا في منطقة محظورة قريبة من الحدود مع ليبيا، مناطق خطيرة يستخدمها المهربون عادة للاختراق بالأسلحة والمقاتلين الأجانب".
كان واضحا أنه يكذب لأن الهجوم وقع على بعد 320 كم جنوب غربي القاهرة أي على بعد مئات الأميال من الحدود مع ليبيا، لذا تراجعت مصر بعد تكشف الفضيحة وخطأ الجيش وقامت بصرف تعويضات لأسر الضحايا.
لم يعترف السيسي بوجود تعاون مع فرنسا في الصحراء الغربية داخل حدود مصر لكنه اعتراف في برنامج 60 دقيقة 60Minutes على قناة CBS 6 يناير 2019 بسماحه لإسرائيل بقصف سيناء وقتل مدنيين وخرق السيادة المصرية.
دفع هذا رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق نتنياهو للتفاخر خلال مؤتمر السفراء الإسرائيليين في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا بالخارجية الإسرائيلية 17 ديسمبر 2018، بأنه سبب ما حققه الجيش المصري في سيناء.
أكد نتنياهو أنه "لولا الجيش الإسرائيلي لأقام "داعش" دولته بسيناء" بحسب مجلة "يسرائيل ديفينس" العبرية.