الأقلية المسلمة في مالطة.. وعودة الأذان بعد ثمانية قرون
الثلاثاء - 28 ديسمبر 2021
- أعداد المسلمين تتزايد في جزيرة مالطة بصورة مستمرَّة في إطار الحرية الدينية
- الوجود الإسلامى فى الجزيرة شاهد على الحضارة الإسلامية من خلال مفردات اللغة
تتزايد أعداد المسلمين في جزيرة مالطة بصورة مستمرَّة في إطار الحرية الدينية التي يكفلها الدستور المالطي، حتى أصبح الإسلام الدين الثاني من حيث عدد معتنقيه بعد الكاثوليكية، وهي الديانة الرسميَّة للجزيرة.
وعندما أصبحت اللّغة العربيّة موضوعًا إلزاميًّا في المدارس المالطيّة، أرسلت بعض الدّول العربيّة مثل ليبيا، ومصر، والكويت معلّمين لتدريس اللّغة العربيّة في مالطة، وجلب الكثير من هؤلاء المعلّمين عائلاتهم معهم، وتمّ افتتاح مدرسة للأطفال العرب فيما بعد، وفي وقت لاحق افتُتحت كلّيّة عربيّة، واكتسبت مالطة سمعة جيّدة بأنّها مركز هامّ للطّباعة العربيّة.
مع الوقت أصبح هناك زيجات بين المالطيّين والعرب، وكثير من هذه الحالات كانت مصحوبة بتغيّير الدّين من المسيحيّة إلى الإسلام، وهكذا بدأ يظهر مجتمع إسلاميٌّ جديد، يُشبه الأقلّيّات المسلمة في البلدان الأوروبيّة الأخرى، ومهما كانت هذه الجالية صغيرة، إلّا أنّها استمرّت في تأكيد وتعزيز وجودها.
عودة الآذان بعد قرون
استمر غياب الوجود الإسلامي بجزيرة مالطة لقرون، وفي عام 1973م تأسست جمعية الدعوة الإسلامية الليبية، وقامت بدوركبير في نشر الدعوة الإسلامية ومد جسور التواصل مع مالطة، إذ استدعى التعاون بين البلدين تواجد جالية إسلامية بمالطة من مختلف البلدان الإسلامية.
و كان المسلمون يؤدون صلاتهم في البداية فى غرفة بالمقبرة التركية، لكن المكان ضاق بعدد المصلين فبادرت جمعية الدعوة الإسلامية الليبية، ببناء المركز الإسلامي عام 1982 وافتتح رسميا عام 1984 وارتفع صوت الآذان من جديد بعد قرون من الغياب.
وقد كان العامة قبل ذلك يضربون المثل بمن تفشل جهوده في أمر ما بأنه كمن "يؤذن في مالطة" بلا جدوى.
الموقع والمساحة والسكان
مالطة دولة صغيرة تقع في حوض البحر المتوسط، وتوجد بين جزيرة صقلية والساحل الشمالي لأفريقيا، وتبعد عن صقلية 80 كيلومترا، بينما تبعد عن ساحل تونس وليبيا حوالي 290 كيلومترا، ولها أهمية كبيرة بحكم موقعها الاستراتيجى.
خضعت لحكم الأغالبة المسلمين، ثم الفاطميين حتى نهاية القرن الخامس الهجري، واستولى عليها النورمانديون بعد ذلك، ثم حكمها العثمانيون، ثم استولى عليها فرسان القديس يوحنا، وأخرجهم العثمانيون منها في منتصف القرن العاشر الهجري، ثم استولى عليها البريطانيون، وبقيت تحت الاحتلال البريطانى حتى نالت استقلالها في سنة 1964م.
تبلغ مساحتها 316 كم2، وتتكون من عدد من الجزر الصغيرة أبرزها جزيرة جوزو (Gozo) وجزيرة كومينو (Comino) وفيلفولا (Filfola) . وعاصمتها مدينة "فالتا" التى يبلغ عدد سكانها حوالي 40,000 نسمة.
ويتحدث المالطيون اللغة المالطية، وهى لغة غنية بالمفردات العربية، واللغة الإنجليزية.
يبلغ عدد سكان مالطة نحو 450 ألف نسمة تقريباً، يدين معظم سكانها بالرومانية الكاثوليكية بنسبة 98%، بينما تدين النسبة الباقية بالإسلام واليهودية، ويبلغ عدد المسلمين نحو 50 ألف نسمة.
كيف وصل إليها الإسلام؟
كانت مالطة خاضعة للدولة البيزنطية قبل وصول الإسلام إليها، واتخذها البيزنطيون قاعدة لشن هجماتهم على البلاد الإسلامية في شمالي أفريقيا، خاصة تونس وليبيا، ثم أرسل الأغالبة حكام تونس حملة تأديبية إلى مالطة في سنة 209 هـ، ثم تمكنوا من فتحها في سنة 250هـ.
واستمرحكم الأغالبة لها حتى سنة 297 هـ، ثم حكمتها الدولة الفاطمية حتى سنة 483 هـ.
وخلال هذه الفترة انتشر الإسلام بين سكان الجزيرة، وهاجرت إليها عناصرعربية، واستخدمت اللغة العربية بين سكانها، وتركت آثارها في اللغة المالطية، كما انتشرت المساجد في أنحائها.
عودة الأذان بعد قرون
كانت فترة فرسان القدّيس يوحنا (1530-1798) فترة صعبة من تاريخ الاسلام في مالطة حيثُ استخدم الآلاف من المسلمين كعبيد، وكان يتمُّ القبض عليهم في غارات بحريّة.
كما تم التنكيل بهم وتعذيبهم لترك دينهم وتغيير أسمائهم ، لذا فر الكثير منهم إلى شمال إفريقيا.
وفي عام 1971، كانت إدارة العمل في مالطة في حالة يُرثى لها، لذلك طلبت المساعدة الماليّة من ليبيا، ومنذ ذلك الحين أصبحت مالطة على علاقات ودّيّة جدًّا مع ليبيا، والدّول العربيّة الأخرى، ولكنّ النّزاع في أوائل الثّمانينيات بين مالطة وليبيا، على الجرف القاريّ، أثّر مؤقّتًا على العلاقات الودّيّة بين البلدين.
وفي عام 1973، أرسلت جمعيّة الدّعوة الإسلاميّة العالميّة الليبية، طلبًا للحصول على قطعة أرض في كوردين في مالطة، بهدف إنشاء مركز إسلاميّ هناك، ومنحت الحكومة الإذن لبناء المركز، الذي يتكوّن من مسجد فيه قاعات متجاورة، وغرف لأغراض دينيّة وثقافيّة.
وبدأ المسلمون في مالطة بإقامة المركز الإسلامي، والمركز عبارة عن مسجد ومدرسة، ومكتبة ومسكن للعاملين، ويقدم المركز العديد من الخدمات للمسلمين ، كما توجد جمعية القادة الإسلامية، وأهدافها هي نفس أهداف المركز الإسلامي، وتصدرعن الجمعة صحيفة متميزة تسمى صحيفة "الحوار".
وقد كان لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية فضل في إعادة صوت الآذان إلى مالطة من خلال مسجد المركز الإسلامى ،بعد انقطاع دام ثمانية قرون.
تحديات تواجه المسلمين
يعانى المسلمون فى مالطة من تحديات كثيرة تتمثل فى نشر العنصرية ضدهم من قبل المسيحيين، بزعم أن المسلمين سيحولون مالطة إلى جزيرة مسلمة، حتى أن أحد الكتاب المسيحيين، كتب يقول: إذا لم نوقف المد الإسلامي، فستتحول مالطة إلى دولة مسلمة"، للتحذيرمن تصاعد الدين الإسلامي في مالطة، كما أن مواقع الإنترنت والصحف تنشر معلومات خاطئة عن نسبة عدد المسلمين للتحريض ضدهم، فقد ذكر أحد الموقع على الشبكة العنكبوتية أن نسبة المسلمين تصل إلى 14%، لكن واقع الحال غير ذلك.
كما يعانى المسلمون من عدم توفر الكتاب الإسلامى، والدعاة المتخصصين فى نشر الدعوة الصحيحة، فضلاً عن إهمال المنظمات الإسلامية والعربية لهم ، مما يؤدى إلى تغريب أبنائهم، وذوبانهم فى المجتمع المالطى.
نشاط الحركة التبشيرية
لا يوجد في مالطة سوى مسجد واحد بناه العقيد القذافي ، وكانت ليبيا تقوم بالإنفاق على الأنشطة التي تقام فيه، كما توجد مدرسة لتعليم الإسلام واللغة العربية أنشأتها ليبيا أيضا.
وتنشط الحركة التبشيرية الصليبية بشكل كبير بين المسلمين المهاجرين هناك من خلال خطة تنصيرية واسعة، حيث توزع مجانا ًكتيبات أنيقـة في طباعة فاخرة على هيئة مجلة مصغرة، مطعمة بعلامات الصليب المعتادة والأيقونات النصرانية المعروفة، في صورة مجلات عربية عامة.
وهذه المطبوعات تدس السم فى العسل- كما يقولون- لأنها تضع القواعد الإسلامية ثم تحاول ملئها بضلالات الشرك والانحراف العقدى، مثل التأكيد على أن الله أحد لم يلد ولم يولد، لكنها تستطرد بوضع استثناء المسيح بتفاصيل من أجل التلبيس على المسلمين.
كما توجد حملة مدروسة، باستخدام معلومات مضللة يقودها رجال الدين الكاثوليك الرومان، للتخلص من الروابط التاريخية لمالطة مع إفريقيا والإسلام.
تاريخ مخفي وراء الجدران
تختلف مباني مالطة عن المباني الشاهقة الموجودة في أوروبا، فهي مبان محدودة الارتفاع، والعديد منها يفوح من أشكالها المختلفة عبق التاريخ، فقد توالى على حكمها منذ مئات السنين العديد من القوى كاليونانيين والفرنسيين والإسبان والأغالبة والفاظميون والعثمانيون.
شيء واحد فقط هو الذي سلم من التدمير، إنه اللغة العربية، لدرجة أن البعض يعتبر اللغة المالطية لهجة من لهجات العربية، فالجنة في مالطة جنة والذنوب ذنوب والسماء سيما والأرض أرت وكيف حالك: كيفية أنت والجميلة: صبيحة وغيرها من المفردات العربية.
فمفردات اللغة العربية تشكل حوالى 80% من اللغة المالطية.
مقبرة الشهداء الأتراك
مقبرة الشهداء الأتراك التى تم تشييدها بأمر من السلطان العثماني عبد العزيز في منطقة "مرسى" قرب العاصمة فاليتا، وهي لا تشكل مكانا مهما لزوار الجزيرة من تركيا فحسب، بل للمالطيين أيضا، إذ يعتبرونه جزءًا من تراثهم الثقافي.
وقد شيدت المقبرة عام 1874، ويصفها سكان الجزيرة بأنها "تاج محل البحر المتوسط" بسبب هندستها المعمارية المتميزة.
وتعتبر واحدة من 78 مقبرة للشهداء الأتراك في 34 بلدًا، وتضم رفات جنود استشهدوا في حصار مالطة عام 1565م، إضافة إلى رفات 22 شهيدا تم أسرهم على جبهات عدة في الحرب العالمية الأولى، وإحضارهم إلى مالطة حيث توفوا هناك، إضافة إلى مجموعة قبور تعود لمسلمين مجهولي الهوية.
وقد قال الدكتور "كونراد ثاكي"صاحب كتاب "المقبرة العثمانية الإسلامية في مالطة" الصادر عام 2016، وعضو هيئة التدريس في جامعة مالطة: إن السلطان عبد العزيز زار مالطة أثناء رحلته إلى أوروبا عام 1867. وعقب زيارته، كلف المهندس المعماري المالطي إيمانويل لويجي غاليزيا ببناء مقبرة إسلامية في الجزيرة.
والمقبرة تعتبر واحدة من أفضل نماذج العمارة الشرقية في الجزيرة، فضلًا عن تصميمها المنسجم مع روح المقابر الإسلامية، الذي أخذ شكل "الحديقة المخفية".
وقال الدكتور "كونراد ثاكي":"تم إنفاق الكثير من الجهد والمال على أعمال الترميم ، التي شهدتها مقبرة الشهداء الأتراك في مالطة مؤخرا.
مالطة فى الأمثال الشعبية
لايعرف المسلمون عن مالطة شيئا ، إلا من خلال الأمثلة الشعبية، التى تنتشر على لسان العوام، مثل المثل الشعبى القائل، جاء ” بعد خراب مالطة”، ويطلق على محاولات الإصلاح التي لافائدة منها، أو أن الشخص يأتى بعد فوات الأوان. أو المثل الشعبى الآخركمن"يؤذن في مالطة".
وقصة هذا المثل، أرجعها المؤرخون لعام 958 م في حقبة الفتح العثمانى للجزيرة، وكانت ديانة أهل مالطة المسيحية، ولم يُجبر العثمانيون أحداً من سكان مالطة على الدخول فى الإسلام، وظلوا متمسكين بديانتهم ، ومع ذلك كان يُرفع الآذان ولا يذهب أحد للصلاة .
ويضرب هذا المثل عند الحديث مع شخص ما، أو القيام بفعل معين يكون في مسار مختلف ولا ينتبه إليه أحد، أوعندما "تكون أنت في وادٍ وغيرك في وادٍ أخر".أو عندما تتناول موضوعا لايهتم به أحد.