الحرب ضاعفت معاناتهم: مسلمو أوكرانيا.. أقلية تواجه التمييز محليا وأوروبيا

الثلاثاء - 15 نوفمبر 2022

يعيش المسلمون في أوكرانيا فصول الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير 2022،  بتفاصيلها، ويمكن اعتبارهم أكبر المتضريين منها،  إذ اضطر معظمهم إلى النزوح إلى الدول المجاورة، وبعضهم اتجه إلى مناطق غرب أوكرانيا بعيدا عن الشرق والجنوب حيث تستعر الحرب، لكن طريقة تعامل الأوربيين معهم تختلف عن أقرانهم من أبناء الديانة المسيحية، حيث يواجهون صعوبات جمة وتمييزا في المعاملة.

ومنذ الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم، يعاني المسلمون من التضييق عليهم في أداء الشعائر واستهداف الناشطين المعارضين لروسيا.

وقال رئيس مجلس مسلمي أوكرانيا سيران عريفوف لفضائية "الجزيرة مباشر": عارض المسلمون الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم، ولم يشاركوا في الاستفتاء الذي أجرته موسكو، مما أدى إلى محاولات روسية لإجبار هؤلاء المسلمين على الاعتراف بأنهم جزء من روسيا، وقد اختُطف عشرات المسلمين الناشطين والمعارضين لروسيا، ثم عُثر على بعضهم مقتولًا وعلى جسده آثار تعذيب، وبعضهم لم يظهر له أثر منذ 6 سنوات”.

الوجود الإسلامي في أوكرانيا

يَرجع تاريخ دخول الإسلام إلى الأراضي الأوكرانية إلى أواخر القرن التاسع وبدايات القرن العاشر الميلاديين عن طريق الرحالة والتجار المسلمين.

والمسلمون الأوكران يمثلون اليوم أقلية دينية، ويقدر عددهم بنحو  1.5 مليون نسمة، بنسبه 0.9٪ فقط من سكان أوكرانيا، ومعظمهم من تتار القرم، ويتوزع مليون منهم في كييف والمناطق الشرقية والجنوبية، ويعاني نصف مليون مسلم منذ عام 2014 من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم، "التي هي أرض المسلمين بالأساس"، بحسب رئيس مجلس مسلمي أوكرانيا سيران عريفوف.

ولكن وفقاً لمعطيات مركز دراسات الشرق الأوسط الأوكراني، فإن عدد السكان بالبلاد يبلغ 47 مليون نسمة، منهم 400 ألف مسلم أصلي تقريباً، بينما ترى بعض الإدارات الدينية أن عدد المسلمين أكبر من ذلك بكثير، حيث يصل إلى مليوني مسلم باحتساب مسلمي القرم المحتل.

وبعد استقلال اوكرانيا عام 1991 وانفصالها عن الاتحاد السوفيتي عاد التتار المسلمون  الى شبه جزيره القرم ضمن مجموعات عرقيه مختلفة.

وبمرور الوقت أصبح الوجود الإسلامي في أوكرانيا اكثر انتشارا عن عهد الحكم السوفيتي، حتى كون المسلمون نحو 445 مجتمعا وتم انشاء حوالي 160 مسجدا.

و يعيش المسلمون الأصليون أساساً في مدن الشرق الأوكراني: خاركيف، وزاباروجيا، وبالأخص في مدينتي دونيتسك ولوغانسك، وأغلبها اليوم واقع تحت سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا.

أما الجالية العربية في أوكرانيا فقد أشارت صحيفة أوكرانيا برس إلى أن عددهم يبلغ 81 ألف نسمة، تشمل الطلاب، والعائلات، ورجال الأعمال إضافة إلى الأسر المختلطة بالزواج من أوكرانيات، فيما تمثل الجالية السورية أكبر الجاليات العربية، بعد لجوء عدد من الأسر السورية، يليها الفلسطينية والعراقية والأردنية، وهم يتواجدون عادة في المدن الكبرى.

المسلمون أكبر ضحايا الصراع

كان المسلمون الأوكرانيون أكبر الضحايا بعد نشوب الصراع العالمي على أرض أوكرانيا بين روسيا وأمريكا، وخاصة بعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، وذلك لأسباب جغرافية، وأخرى دينية واقتصادية. وهم الآن أكبر الضحايا بعد نشوب الحرب الحالية. وبخلاف الحرب، فإن أخطر ما يواجه المسلمين في أوكرانيا بشكل علم يتمثل في عدة محاور:

1- المخاطر العقيدية:

يتعرض المسلمون السنة بأوكرانيا إلى تحديات عقدية خطيرة، من بينها مشكلة التشيع، التي بدأت تزداد بينهم، بسبب النشاط المحموم الذي يقوده مركز المصطفى الإسلامي في أوكرانيا، والذي صرّح به المرشد الإسلامي في مركز المصطفى لطيف الزركاني في حواره لشبكة الكفيل في زيارته للعراق طلباً للدعم والمساندة، إذ يقول: «إن الهدف من تأسيس مركز المصطفى الإسلامي هو لغرض توحيد العمل الإسلامي في أوكرانيا ويضم عدداً من المؤسسات والجمعيات والتي تعمل على تنظيم وتنسيق صورة التبليغ الإسلامي في أوكرانيا ويعد المركز الموجه الرئيس لحركة التبليغ في هذا البلد»، ويقصد بالتبليغ الإسلامي هنا نشر التشيع، وهذا أحد أبرز المخاطر التي قد يتعرض لها الشباب السني، الذي لا يجد حظه من التحصين الإيماني والعلمي.

وهناك تيار الأحباش، الذين يقودهم اللبناني الأصل أحمد تميم، والذي يقدم نفسه بصفة «مفتي أوكرانيا»، بعد أخذه منصب رئيس الإدارة الدينية التي تعترف بها الرئاسة الأوكرانية، وهو رجل عدواني، لا يدخر جهداً في إيذاء التيار السني، وافتعال المشاكل، ويلخص أحد المسؤولين عن النشاط الاجتماعي في منظمة الرائد ما قام به الأحباش بقيادة أحمد تميم خلال العقدين الماضيين في النقاط الآتية:

-  تخويف الشعب الأوكراني من كل إنسان عربي، فكل إنسان عربي عنده إرهابي حتى يبايعه.

-  الخروج في القنوات الأوكرانية محذراً من المؤسسات العربية في أوكرانيا ذاكراً إياها بالاسم.

-  إرسال أتباعه إلى مصليات السنة لافتعال المشاكل والفوضى حتى تكون المصليات نواة للفتنة وبالتالي تصبح للحكومة حجة في إغلاقها أو مضايقتها.

-  طرد كل مسلم لا يكفر شيخ الإسلام ابن تيمية من مصلياته.

   اتهام الجمعيات الإسلامية التي يعاديها بإنشاء معسكرات للتدريب على السلاح، وتم استدعاء جميع رؤساء الجمعيات الإسلامية من قبل أمن الدولة والتحقيق معهم؛ إثر تلقيهم رسالة تحذيرية من أحمد تميم بخصوص المعسكرات التدريبية. وانتهت التحقيقات ببراءة المتهمين من التهمة الخطيرة التي ألصقها بهم زعيم الأحباش بأوكرانيا وإلزامه بالاعتذار عن كذبه وافترائه.

إن الأخطار العقدية التي يواجهها المسلمون في أوكرانيا خطيرة جداً، وهي غير موجودة بنفس الزخم في الدول الأوربية الأخرى، وأبرز دليل على ذلك أن الأحباش حاولوا التعاون مع الروس الذين احتلوا جزيرة القرم، واستولوا على مساجد القرميين، محاولين فرض مذهبهم عبر الدعم الروسي.

2- بناء المساجد:

ليس من السهل على المسلمين بناء مساجد في هذا البلد؛ بسبب العراقيل الإدارية، والمماطلة في النظر في طلبات بناء المساجد، وكان المسلمون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي أتت بفولوديمير زيلينسكي، قد رفعوا رسالة إلى المترشحين، يطالبونهم فيها بتخصيص بعض الأراضي لبناء مساجد ومصليات، وكفالة حرية العبادة للمسلمين.

أما الأسباب الأخرى فهي ضعف الدعم المالي الذي يتلقاه المسلمون الأوكران والعرب، وكانت نتيجة هذه المعاناة ارتداد العديد من المسلمين، كما أن غياب المساجد أدى إلى ضعف أو غياب حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وتعليم اللغة العربية، ففي مسابقة حفظ القرآن التي نظمتها الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم لم يشارك سوى 60 مشاركاً.

 كما أن الكثير من المسلمات بعد اعتناقهن الإسلام لا يجدن حتى من يساندهن ويتابع مسيرتهن، وأدت مشكلة غياب المساجد أيضاً إلى ضآلة فرص المسلمة في الزواج بسبب عدم اجتماع المسلمين عادة.

3- قلة عدد المدارس الإسلامية:

من أخطر المشاكل التي يواجهها المسلمون الأوكرانيون والوافدون غياب مدارس تتوافق مع الهوية الإسلامية؛ وحتى تتبين خطورة هذه النقطة يحسن الإشارة إلى أن العاصمة كييف التي تأوي 100 ألف مسلم بحسب إحصاءات أخيرة، صادرة عن بعض المنظمات الإسلامية العربية، يوجد بها مدرسة نظامية واحدة، افتتحتها منظمة الرائد الإسلامية قبل سنة من الآن.

وترجع أسباب غياب المدارس الخاصة بالجالية المسلمة إلى أسباب قانونية ومالية بحتة، وفي هذا الشأن يعلق عماد أبو الرب، مدير مركز الحوار الأوكراني بقوله: «المدارس العادية فيها اختلاط فاضح إضافة لانتشار الأمراض الاجتماعية والأخلاقية المختلفة والتي تؤثر سلباً على أبنائنا وبناتنا خاصة هدمها لمفهوم العفة والحياء، حيث تختلف نظرتنا نحن المسلمين عن نظرة غير المسلمين في كيفيتها وأشكالها، والقانون الأوكراني لا يمنع إنشاء مدارس للأقليات لكن هناك صعوبات كثيرة للأسف بعضها من القانون الذي يطلب الكثير من التراخيص، ويلزم بشروط تحتاج وقتاً طويلاً لتوفيرها، إضافة للمبالغ الباهظة التي يجب توفيرها لبناء أو شراء مبنى مناسب وإيجاد مصاريف تسيير المدرسة، حيث إن قدرات الآباء تعجز عن تسديد الرسوم الحقيقية لدراسة أبنائهم. ونأمل في المستقبل القريب أن نحصّل الأوراق القانونية اللازمة وأن يقدّم لنا أهل الخير يد العون والمساعدة لتوفير محضن تربوي آمن لأبنائنا».

4- التضييق على المحجبات

لا توجد مادة صريحة في القوانين الأوكرانية تمنع العمل بالحجاب، غير أن الواقع يشهد طرد المسلمات من العمل بعد اعتناقهن الإسلام، وارتدائهن الحجاب، ويتم الطرد أحياناً بصورة مباشرة، وفي بعض الأحيان يتم التضييق على الموظفة المسلمة في الوظائف الحكومية، حتى تُدفع إلى الاستقالة والانسحاب.

كما يتعرض الكثير من المسلمات الأوكرانيات المتحجبات في المدن الأوكرانية الشرقية الأرثوذكسية إلى مضايقات عنصرية من العديد من السكان؛ حيث توصف الأوكرانيات المعتنقات للإسلام بخيانة الوطن وترك دين الآباء والأجداد، كما يقاطع الكثير من السكان الأرثوذكس المسلمين الملتزمين، ويتعرضون لهم بألفاظ تهكمية، وأفعال استفزازية في الأماكن العامة.

وفي خريف 2015م ناشدت المسلمات الأوكرانيات الرئاسة الأوكرانية السماح لهن بوضع صورهن على جواز السفر وهن متحجبات، وتم تنظيم حملة توقيعات بين المسلمين على شبكة الإنترنت؛ لأجل مساندتهن في مطلبهن، لكن الحملة تعرضت للفشل بسبب غياب التفاعل معها من المسلمين داخل وخارج البلد؛ ولعل أبرز سبب في ذلك عدم وصولها إلى أسماع المسلمين، بسبب الضعف الإعلامي للمسلمين.

وقد بذلت المسلمة «سوزان إسماعيلوف» مجهوداً كبيراً للتعريف بهذه القضية، بعد أن رفعت دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية الأوكرانية؛ بسبب منعها من أخذ صورة بالحجاب لجواز السفر، إلا إن إدارة المحكمة المركزية بالعاصمة الأوكرانية «كييف» رفضت الدعوى، وهذا الرفض يناقض قانون «حرية الضمير والمنظمات الدينية»، وكذلك المادة 35 من الدستور، ذات الصلة بضمان حرية المواطنين، هذه المواد تقر صراحة بحق المواطن في اختيار التيارات الدينية التي يريدها بكل حرية.

ويعتزم بعض المسلمين الأوكران رفع دعوى قضائية في المحكمة الأوربية ضد وزارة الداخلية الأوكرانية؛ لانتزاع هذا الحق.

هذا ما يحتاجه مسلمو أوكرانيا

ما يحتاجه المسلمون في أوكرانيا اليوم هو الدعم والمساندة المادية من جهة لمواجهة آثار الحرب الروسية كما أنهم بحاجة إلى الدعم المعنوي لتثبيت إسلامهم، وبناء مدارس ومساجد تحافظ على دينهم، خاصة أن الحرب الدائرة في شرق البلاد قد جعلت الكثير منهم يعاني بشكل لا يقل عن معاناة غيرهم من المسلمين في أقطار الأرض، خاصة أن البلد يعاني من أزمة اقتصادية حادة عصفت بقيمة العملة وأفنت الطبقة المتوسطة. كما تحتاج المسلمات إلى دعم على المستوى القانوني لتمكينهن من حقوقهن.

المصادر:

  • محمد الأمين مقراوي الوغليسي، المسلمون في أوكرانيا.. آلام وآمال، مجلة البيان، العدد 370 - 18 فبراير 2018م، https://bit.ly/3AihBeF
  • لماذا يُعد مسلمو أوكرانيا بين أكثر الفئات تضررا من الحرب الروسية؟، موقع "الجزيرة مباشر"، 27 مارس 2022، https://bit.ly/3UQ5zkE
  • أمين القاسم، هذه أبرز المحطات التاريخية للوجود الإسلامي في أوكرانيا خلال ألف عام، مسلمون حول العالم، 21 فبراير 2022، https://bit.ly/3g4b2W2
  • الإسلام في أوكرانيا، موقع "المعرفة"، https://bit.ly/3OeUo2D