انتخابات الصحفيين المصريين .. وإرهاصات التغيير المستقبلية

الخميس - 23 مارس 2023

- مصري حر
( هموم وطن )

في مفاجاة من العيار الثقيل،  شهدت مصر مؤخرا زلزالا سياسيا،  أشعر النظام المصري بنتائج سياساته الفاشلة، وتجريفه المستمر لثروات الوطن، حيث أسفرت انتخابات نقابة الصحافيين المصريين- "وهى مؤشر واضح على مدار تاريخها للواقع المصري"- عن نتائج غير متوقعة بالنسبة لمنصب النقيب والعضوية، حيث تم اختيار اليساري خالد البلشي نقيباً جديداً على حساب منافسه المحسوب على الدولة، خالد ميري، و6 أعضاء لمجلس النقابة معظمهم محسوبين على قوي المعارضة.

 هذه النتائج، التى حاول نظام السيسي وإعلامييه و كتابه التقليل من قيمتها وأثرها في الرأي العام، أصابتهم جميعا بخيبة أمل كبيرة، خاصة أن النظام سخّر كل قدراته من أجل السيطرة على هذه النقابة وسٌلمها الذي يعد رمزا للحريات،  تمهيدا  لما ستشهده المرحلة المقبلة  من انتخابات رئاسية مزعومة في عام 2024.

 جاءت رياح الغضب الصحفى بما لا تشتهيه سفن النظام الواهية، والكل يعلم أن نتائج هذه الانتخابات، التى أطاحت بمعظم المرشحين الحكوميين سواء على مستوى العضوية أو منصب النقيب، سبقتها صحوة نقابية في ظل العبث الحكومي الذي طال كل الفئات المجتمعية والمهنية بمصر.

من ذلك ما شهدناه على مدار الشهور الستة الماضية من انتفاضة المحامين التي تمثلت في مظاهرات اجتاحت معظم المحافظات، رفضا للفاتورة الإلكترونية، واعتراضا على طريقة تعامل الهيئات القضائية  مع المحامين، و ليس ببعيد عنا اسقاط  المرشح الحكومي اكثر من مرة في هذه النقابة العريقة، ولعل خير مثال لذلك فوز رجائي عطية "رحمه الله " بمنصب النقيب ضد مرشح الحكومة وسقوط سامح عاشور .

كما شهدنا نقابة الأطباء تنتفض ضد الحكومة وترفض سياساتها، خاصة في ظل تردي أوضاع الأطباء المهنية والمادية، ثم وجدنا نقابة المهندسين  تطيح في وقت سابق بمرشح الحكومة وتأتى بـ"طارق النبراوي"  المحسوب على تيار الاستقلال على حساب المرشح الحكومي الوزير السابق هاني ضاحى .

أصبح من الواضح لنظام السيسي،  في ظل الغضب الشعبي غير المسبوق، بسبب  تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والفشل العام، أن اللجوء لصندوق الانتخابات سيكشف عوارتهم ،  ويطيح بأمالهم ، ويقضي على مستقبلهم السياسي، مما يجعلهم في حالة رعب من سيناريوهات قاتمة  في الانتخابات الرئاسية المزعومة في العام المقبل .

إن أنتخابات نقابة الصحفيين، سيكون لها ما بعدها، سواءعلى المستوى المهني والإعلامي والنقابي، وأيضا على الحريات العامة، وأذا نظرنا لنتائج هذه الانتخابات سنجد أنفسنا أمام مجموعة من الحقائق التى نتجت عنها، ومنها مايلي:

  • فوز  خالد البلشي، الذي ترشح على العضوية مريتن سابقتين وفشل في تحقيق الفوز فيهما، ثم عاد ليكون نقيبا، يؤكد مدي حالة الغضب الذي تجتاح هذه الشريحة المجتمعية، وماوصلت له من رفض لكل سياسات النظام الذي حارب الجميع في أرزاقهم، وأطلق يد الأمن في مؤسساتهم، وجعل المناصب لأهل الثقة وليس أهل الكفاءة، فجاء التصويت العقابي ضد كل ذيول النظام.
  • فوز البلشي، وهو رئيس تحرير موقع درب الإخباري  المحجوب ، على حساب خالد ميري رئيس  تحرير صحيفة الأخبار المملوكة للدولة،  يؤكد رفض المجتمع الصحفى لفكرة الحجب والتلاعب بالمهنة واصولها، ورفض سياسات فرض الصوت الواحد على الواقع الصحفي والإعلامي،  وكلنا يعلم أن هناك أكثر من 700 موقع محجوب بمصر ، بسبب تغريدهم خارج نعيق سرب بوم نظام السيسي .
  • سقوط مرشحي الحكومة في العضوية ومن بينهم عضو مجلس نيابي بالتعيين، يؤكد أن هناك اتجاها حقيقيا داخل الفئات المثقفة للتحرر من فكرة الوسيط الحكومي، وأن المرحلة المقبلة لابد أن يتحمل أمانتها أشخاص إصلاحيون يرفضون الخضوع لنظام أضاع المهنة وأممها .
  • سقوط خالد ميري يحمل في طياته الكثير من المعاني، خاصة أن الكل في المجتمع الصحفى يعرف من كان يدعمه ووقف خلف ترشحه، حيث نجح "ميري" من خلال شخصية عسكرية بارزة من أحد أقاربه، ان يقنع عباس كامل رئيس المخابرات العامة  والرجل الثاني في النظام بترشحه لمنصب النقيب فصدرت الأوامر العليا بترشحه،  رغم أن التقارير الأمنية حذرت من ترشح "ميري" على هذا المنصب، لعدم تمتعه بتاريخ مهني أو نقابي يكفي لنجاحه.
  • من الواضح أن هناك خيانات حدثت في المعسكر الحكومي، حيث كان من المتوقع أن يكون المرشح لمنصب النقيب من جريدة الأهرام، كما هو معتاد، و كان يتوقع أن تطرح الدولة اسم النقيب السابق عبد المحسن سلامة، وهو رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، وهو ما لم يحدث، وهو ما يعني أن مايحدث في العلن من تأييد يخالف الحقيقة في المكاتب المغلقة، فكان الحشد لسلامة "يجرى من دون حماس كبير"، فشعر بأنه قد "غدر به" بعد استبعاد ترشحه، وبالتالي لم يهتم بتقديم الدعم اللازم لميري، بل استقبل البلشي  بود كبير وشت به صور اللقاء في مكتبه في "الأهرام". هي صورة لما يحدث على المستوى الاكبر في الدولة،  حيث يجري صراع كبير بين أطراف النظام وأجنحته وأجهزته، تظهر أثارها بين الحين والأخر علنا .
  • التحفيز المادي الذي أعلنت عنه حكومة السيسي " بزيادة البدل للصحفيين ب600 جنيه"، لم يجعل معركة الحكومة في الانتخابات سهلة كالمعتاد، فهناك قناعة عامة بين الصحفيين أن مؤسساتهم في حاجة ماسة للحريات، وأن سياسات الرقيب التى تسيطر على كل المؤسسات الصحفية الحكومية والمستقلة، جعلت جموع الصحفيين متعطشين لتحرير مهنتهم من القيود التى فُرضت عليهم، كما أن هذا المبلغ المالى أصبح لايعني شئ في ظل تغول الاسعار الذي فرّغ جيوب المصريين.

 كما ترسخ لدي جموع الصحفيين ان التحفيز المادي سيحصلون عليه، طالما أعلنت الحكومة عنه، وهناك تجربة سابقة في ذلك حيث نجح جلال عارف في الحصول على التحفيز الحكومي المالي بعد سقوط مرشح الحكومة صلاح منتصر .

  • أظهرت هذه الانتخابات أن القوى الإسلامية مازالت حيه وتلعب دورا كبيرا في توجيه الرأي العام،  حيث حرص المرشحون باختلاف انتماءاتهم ، على خطب ود الصحفيين الإسلاميين، فأوجد تصويتهم لقوي المعارضة فارقا كبيرا في النتائج، ظهرت بوضوح في نتائج النقيب حيث قدر عدد الأصوات الإسلامية التي وجهت للبلشي  بنحو 500 صوت، لو فقدها البلشي لمنى بخسارة كبيرة .

هذه بعض الحقائق التى رشحت عن نتائج انتخابات نقابة الصحفيين، والتي تؤكد حدوث تغيرات كبيرة في المزاج العام بمصر خاصة بين المثقفين، ومن بينهم محسوبين على النظام.

ولعل ما كتبه عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق مؤخرا بجريدته خير دليل، حيث طالب الحكومة بقراءة رصينة متأنية لنتائج انتخابات نقابة الصحفيين، والاستفادة منها قبل فوات الأوان.

لقد أدرك الصحفيون الآن، الخطيئة الكبرى التي دفعت النقابة والوطن والمصريون كلهم ثمنها بسبب تأييدهم  لانقلاب 3  يوليو 2013، الذي أغرق الوطن في وحل الاستبداد والديكتاتورية، وزج بسفينة الوطن في بحر الفشل الذي ظلماته بعضها فوق بعض .  

كما  أصبح من الواضح أن هناك حالة من التطلع لدي جموع المصريين ، وعلى رأسهم المثقفين، لتغيير يلوح في الأفق ينتظره الجميع ، وأصبح قاب قوسين أو أدني ، لينهي حقبة من أسوأ الحقب في تاريخ مصر .