باندماج مشبوه بين شركة بريطانية وأخرى إسرائيلية.. الصهاينة يمتلكون غاز مصر!
الخميس - 13 أكتوبر 2022
- "كابريكورن" البريطانية تخطط للاندماج مع شركة "نيوميد" الصهيونية في صفقة تشمل جميع الأسهم
- المجموعة الجديد ستدرج في بورصة لندن تحت قيادة "يوسي أبو" الرئيس التنفيذي لشركة "نيوميد"
- الاندماج سيتيح للشركة الصهيونية تملك حقول للغاز في مصر وزيادة إنتاجها إلى أكثر من 200 ألف برميل من النفط المكافئ
- خبراء: ضخامة الانتاج المصري من الغاز لايحتاج لشراكة مع أحد خاصة بعد الاكتفاء الذاتي منذ عام 2018
- مخطط الشركات الصهيونية يستهدف مجالات الطاقة الشمسية والرياح وتخزين الطاقة والطاقة المتجددة
- بموجب الاتفاق.. يستحوذ مساهمو الشركة الصهيونية على نحو 90 % من كيان الشراكة الجديدة
- "الاتفاق المشئوم" جاء بعد 3 أشهر من توقيع مصر والصهاينة اتفاقية إسالة الغاز بـ"إدكو" و"دمياط" وتصديره لأوروبا
- "نيوميد"الصهيونية لعبت دورا رئيسيا في صفقة تصدير الغاز من الأراضي الفلسطينية المحتلة للقاهرة عام 2018
- "الاتفاق المشئوم" سيمكن "نيوميد" الصهيونية من مشاركة "كابريكورن" في نصف الأصول بصحراء مصر الغربية
- الوثائق والخرائط والأسانيد العلمية والتاريخية تؤكد سرقة الكيان الصهيوني للغاز المصرى فى البحر المتوسط
- حكومة الببلاوى لم تهتم بالوثائق التي قدمت لها للمطالبة باسترداد حقول الغاز المصرية من دولة الاحتلال
- السيسي تواطأ مع الصهاينة في فبراير 2018 بتوقيع عقد لمدة عشر سنوات لتصدير الغاز الطبيعي لمصر
- تركيا سعت لاتفاق لترسيم الحدود يعيد لمصر حقها من الكيان الصهيوني ولكن نظام السيسي تعنت في إتمام الاتفاق
إنسان للإعلام- خاص
مقدمة
بلغت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3٫9 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة نمو %550 عن عام 2020، وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية.
كما تبوأت مصر المركز الثانى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط فى إنتاج الغاز الطبيعى، والرابع عشر عالمياَ فى إنتاج الغاز الطبيعى في عام 2020. ويتوقع أن يرتفع الإقبال على الغاز المصري لتعويض نقص إمداد الغاز الروسي لأوروبا حال تزايد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا.
وبالرغم من ضخامة إنتاج مصر من الغاز، وتزايد صادراتها منه منذ عام 2018، وتحولها من دولة مستوردة للغاز إلى مصدرة، نجد أن السيسي ونظامه يواصل التفريط في هذه الثروة باتفاقات مشبوهة.
ففي خطوة غير مسبوقة في تاريخ مصر، تخطط شركة "كابريكورن إنرجي" (Capricorn Energy) البريطانية العاملة في مصر للاندماج مع شركة "نيوميد" الصهيونية في صفقة تشمل جميع الأسهم بعد دفع توزيعات أرباح خاصة قيمتها 620 مليون دولار لمساهميها، لتتخلى بذلك عن خطة سابقة للاندماج مع "تيوللو أويل" متعددة الجنسيات؛ مما يسمح للكيان الصهيوني بتملك أصول للغاز والنفط في مصر.
هذه الخطوة تؤكد مجددا خيانة النظام لشعب مصر ومصالحه، وعمالته للكيان الصهيوني. ومن خلال محاور هذه الدراسة نكشف بالتفاصيل مخاطر هذه الاتفاقية، والتاريخ المشبوه لتفريط العسكر في ثروات مصر لصالح الكيان الصهيوني، ونلقي الضوء على خطورة الاستحواذ الصهيوني على ثروات مصر من الغاز .
محاور الدراسة
- شركات صهيونية تمتلك أصولا للنفط والغاز بمصر
- مخاطر مخططات الصهاينة لتملك أصول نفطية بمصر
- بالأرقام.. انتاج مصر من الغاز ضخم لايحتاج لشراكة
- تعاون مرفوض شعبيا مع من سرق الغاز المصري
- تاريخ مشبوه من التطبيع في مجال الغاز
- مصر وتركيا والغاز والكيان الصهيوني
1- شركات صهيونية تمتلك أصولا للنفط والغاز بمصر
تخطط شركة "كابريكورن" البريطانية المتخصصة في اكتشافات النفط والغاز، والتي تعمل في مصر، للاندماج مع شركة "نيوميد" الصهيونية في صفقة تشمل جميع الأسهم بعد دفع توزيعات أرباح خاصة قيمتها 620 مليون دولار لمساهميها، لتتخلى بذلك عن خطة سابقة للاندماج مع "تويللو أويل" متعددة الجنسيات والتي تعمل من لندن أيضا.
سيخرج من رحم صفقة اندماج "كابريكورن" و"نيوميد" كيان منتج للغاز يركز في أنشطته على إسرائيل ومصر، بما يشمل حصة "نيوميد" في حقل "لوثيان" البحري الإسرائيلي العملاق في وقت تبحث فيه أوروبا عن بدائل لإمدادات الطاقة الروسية.
وستُدرج المجموعة الجديدة باسم "نيوميد"، التي كانت تعرف سابقا باسم "ديليك دريلينغ، في بورصة لندن على أن يقودها "يوسي أبو"، الرئيس التنفيذي لشركة "نيوميد" التي سيمتلك مساهموها 89.7% من الكيان الناتج عن الاندماج.
وقال "أبو" إن المجموعة الجديدة ستهدف إلى زيادة إنتاجها إلى أكثر من 200 ألف برميل من المكافئ النفطي يوميا بحلول نهاية العقد، مقارنة مع حجم الإنتاج الحالي البالغ 115 ألف برميل حاليا.
وسيكون الكيان الجديد أول شركة صهيونية تمتلك أصولا للنفط والغاز في مصر التي ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل ويبلغ عدد سكانها نحو 100 مليون نسمة يشكلون سوقا متعطشة للطاقة. وتزود إسرائيل مصر بالفعل بالغاز.
وبوجب صفقة الاندماج، ستصدر "كابريكورن" أسهما جديدة لمستثمري "نيوميد" استنادا إلى معامل مبادلة يبلغ نحو 2.34 لكل سهم في نيوميد، وهو ما يعني امتلاك مساهمي "كابريكورن" لما يزيد قليلا على 10% من الشركة الجديدة. ومن المقرر إتمام الصفقة في الربع الأول من العام المقبل.
وسيحتفظ "جيمس سميث"، المدير المالي لشركة "كابريكورن"، بمنصبه في شركة "نيوميد إنرجي" التي من المقرر أن تدفع ما لا يقل عن 30% من إيراداتها النقدية في صورة توزيعات أرباح. ومن المتوقع أن تصل الإيرادات إلى نحو 450 مليون دولار سنويا بعد الحصول على تمويلات على مدى السنوات الخمس المقبلة."1"
2- خطورة أول استحواذ إسرائيلي على أصول مصرية بقطاع الطاقة
يعد هذا أول ظهور علني لشركات تابعة لدولة الاحتلال في سوق الطاقة المصري، لذلك اعتبره مراقبون توجها مثيرا للقلق والمخاوف، لكنّ آخرين رأوه تطورا طبيعيا ناتجا عن اتفاقية مصرية إسرائيلية لاستيراد الغاز من الكيان، وإعادة تصديره من محطات الإسالة المصرية لأوروبا.
ففي منتصف آب/ أغسطس الماضي، أعلنت شركة الطاقة الإسرائيلية "نيوميد إنرجي" (ديليك دريلينغ سابقا)، عن خططها لإطلاق شراكة مع "إنلايت" للطاقة المتجددة المدرجة في بورصة تل أبيب، للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة مصر.
ولكن يبدو أن خطط الشركات الإسرائيلية التي تستهدف في مصر مجالات الطاقة الشمسية، والرياح، وتخزين الطاقة، وقطاعات الطاقة المتجددة الأخرى، بدأت في كتابة أول سطر فيها بتوجه للاستحواذ على إحدى شركات الطاقة التي تمتلك حقول نفط وغاز مصرية مهمة.
وبموجب الاتفاق الأخير بين الشركتين يستحوذ مساهمو الشركة الصهيونية على نحو 90 بالمئة من كيان الشراكة الجديدة، التي ستمنح "نيوميد إنرجي" السيطرة على أصول "كابريكورن" في مصر التي سيحصل مساهموها على 620 مليون دولار.
ومن المقرر أن يدرج الكيان الجديد باسم "نيوميد إنرجي" ببورصة لندن، وكذلك يتطلع الكيان الذي يصف نفسه بعملاق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للغاز والطاقة إلى الإدراج ببورصة تل أبيب.
وتستهدف صفقة الاندماج زيادة إنتاج حقول الغاز في مصر وإسرائيل، وفق تأكيد الرئيس التنفيذي لشركة نيوميد، يوسي أبو، الذي قال إن الشركتين تخططان لزيادة الإنتاج لأكثر من 200 ألف برميل من النفط يوميا بحلول عام 2030، من 115 ألف برميل يوميا.
هذا الاتفاق، يأتي بعد ثلاثة أشهر من توقيع مصر وإسرائيل في حزيران/ يونيو الماضي، اتفاقية تزيد بموجبها تل أبيب صادرات الغاز إلى محطتي الإسالة المصرية بـ"إدكو" و"دمياط"، ثم تصديره للاتحاد الأوروبي الذي يعاني نقص الإمدادات منذ حرب روسيا وأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير الماضي.
وتأتي صفقة الاستحواذ المثيرة تلك، والأولى لشركة طاقة إسرائيلية على أصول مصرية بهذا القطاع بعد أربع سنوات من اتفاق 2018 لتصدير الغاز من الكيان إلى مصر مدة 15 عاما بقيمة 15 مليار دولار، عبر خط أنابيب غاز شرق البحر المتوسط عسقلان-العريش.
ولدى "نيوميد" الإسرائيلية عمل سابق في مصر، حيث كانت الشركة التي عدلت اسمها من "ديليك دريلينغ" هذا العام، لاعبا رئيسيا في صفقة تصدير الغاز تلك من حقول الأراضي الفلسطينية المحتلة، للقاهرة عام 2018.
وتقوم "نيوميد" مع شركة "شيفرون" الأمريكية على أكبر حقلين بحريين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهما "تمار" و"ليفايثان"، اللذان يضخان الغاز الطبيعي إلى مصر للإسالة قبل أن يعاد تصديره إلى أوروبا.
وتمتلك مصر محطتين لتسييل الغاز بمدينتي "إدكو" و"دمياط" شمال البلاد، تتفرد بهما في الإقليم، وتسمح لها باستقبال الغاز من أية دولة مجاورة ثم تصديره عبر ناقلات الغاز المسال وخطوط الأنابيب، إلى دول أوروبا.
المثير هنا أن شراكة "نيوميد إنرجي" الإسرائيلية مع "كابريكورن إنرجي" البريطانية تأتي بعد عام فقط من دخول الأخيرة سوق الطاقة المصري بصفقة استحوذت فيها على جزء من أصول شركة بريطانية أخرى في مصر هي "شل" العالمية.
وفي صفقة شهدها أيلول/ سبتمبر 2021، أصبحت "كابريكورن إنرجي" تمتلك حقول نفط في الصحراء الغربية المصرية بعد استحواذها مع شريكتها "شيفرون" الأمريكية على تلك الأصول بالمناصفة من شركة "شل" للنفط والغاز متعددة الجنسيات البريطانية والهولندية الأصل، بـ926 مليون دولار.
وأصبحت محفظة أصول "كابريكورن إنرجي" و"شيفرون"، التي حصلا عليها من "شل"، تشمل "13 امتيازا بريا بإجمالي احتياطيات مثبتة ومحتملة تبلغ 113 مليون برميل بترول، إضافة إلى حصة (شل) في شركة بدر الدين للبترول (بابتيكو).
وكذلك أصول تنتج نحو 40 ألف برميل من النفط المكافئ يوميا، فيما كان متوقعا أن تضيف "كابريكورن إنرجي" بين 33 و38 ألف برميل يوميا لقدراتها الإنتاجية، ما يعني أن "نيوميد" الإسرائيلية ستشارك "كابريكورن إنرجي"، وفقا للشراكة الجديدة في نصف تلك الأصول، التي تقع أغلبها في صحراء مصر الغربية الغنية بالغاز والبترول، وتزخر بالعديد من الاكتشافات الجديدة والمتوقعة مستقبلا.
وفي قراءته لدلالات أول شراكة واستحواذ إسرائيلي على أحد أهم أصول شركات الطاقة في مصر، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب: "التعاون المصري الإسرائيلي بمجال الطاقة لم يعد سرا، والتعاون بقطاع غاز المتوسط معلوم ومنشور".
وأكد لموقع "عربي21" أن "اتفاق توصيل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر مصر، بداية لزيادة التعاون بينهما في مجال تسييل الغاز، أو إنتاج الهيدروجين الأخضر".
وأضاف: "إذا كانت (نيوميد) الإسرائيلية تسعى للاستحواذ على أصول بقطاع النفط والغاز المصري، وزيادة الاستثمار بمشاريع الطاقة المتجددة بالشرق الأوسط وخاصة مصر، فإنه أمر مبرر، بل وكان متوقعا، في ظل اتفاقية تصدير الغاز لأوروبا".
وعن ما يمكن أن يعود على سوق الطاقة المصري من فوائد في هذا الإطار، يعتقد عبدالمطلب، أن "المغارم من هذا التغول الإسرائيلي في قطاع الطاقة والغاز ستكون أكبر من المنافع، حيث سيذهب الجزء الأكبر من هذه المنافع إلى الجانب الإسرائيلي".
لكن الخبير المصري، استدرك بالقول: "لكن على الجانب الآخر فإن هذا النوع من التعاون سوف ينهي أو يؤجل مشاريع مد خطوط غاز منافسة لقناة السويس".
من جانبه قال السياسي المصري المعارض سمير عليش لـ"عربي21"، إن "موضوع التغلغل الإسرائيلي العلني في قطاعات الاقتصاد المصري موجود قبل هذه الصفقة بكثير، وليس فقط بقطاع الطاقة".
وأكد أن "ما يحدث في الإمارات من تغييرات سياسية واقتصادية منذ التطبيع مع إسرائيل في آب/ أغسطس 2020، وما نتج عنه من حصول الإسرائيليين على الجنسية الإماراتية، يفتح الباب لاستحواذ الشركات والمستثمرين الإسرائيليين على الشركات المصرية".
وتابع: "بل إن الأمر تعدى ذلك بكثير مع تغييرات قانون الجنسية في مصر، وأصبح من حق الأجانب وبينهم الإسرائيليون الحصول على الجنسية المصرية مقابل الاستثمار وجلب الأموال من الخارج وشراء العقارات والأراضي بها".
وجرى تعديل بقانون الجنسية المصرية عام 2019، يتخطى مبدأ حق الدم وحق الأرض للتجنس سعيا في زيادة التنمية الاقتصادية، إذ أصبحت حقا للأجنبي حال شراء عقار بمبلغ لا يقل عن 500 ألف دولار، أو بالاستثمار بمبلغ لا يقل عن 400 ألف دولار.
وهنا يتساءل عليش: "ما الذي يمنع أن تكون أغلب استحواذات الإمارات من امتلاك المستشفيات والمدارس والشركات تذهب إلى شركاء إسرائيليين؟ وما الذي يمنع إسرائيليين من التجنس في مصر وامتلاك الأصول والشركات المصرية؟".
عضو الحوار الوطني في مصر، أجاب قائلا: "التغلغل الإسرائيلي موجود وواضح في مصر منذ فترة، وهناك أمر واضح بوجود مخطط يتم تنفيذه، في هذا الإطار".
وعن أول استحواذ علني لشركة إسرائيلية في أصول مصرية بقطاع الغاز والبترول، أكد أن "تصدير إسرائيل الغاز لمصر، ثم الشراكة بينهما مع أوروبا لتسييل الغاز وتصديره للقارة، يعد تمهيدا لامتلاك شركة إسرائيلية حقول غاز ونفط مصرية".
وذهب للقول بأن كل ذلك "يأتي في سياقات سابقة منذ ظهور رجل الأعمال حسين سالم صديق حسني مبارك في ملف تصدير الغاز المصري لإسرائيل منذ العام 2005".
ويرى أن "ما يثار عن أن تلك الشراكة بين شركة إسرائيلية وأخرى بريطانية في حقول مصرية ستزيد إنتاجنا من النفط والغاز؛ حديث لا يؤخذ على محمل حسن، لأنها الآن تمسك برقبة مصر في قطاع حيوي واستراتيجي ويخص الأمن القومي".
ولفت إلى أنه "يستطيع أن يقتلك ويقلل إنتاجك، ويتحكم فيه وفي البلاد"، مشيرا إلى "تأثير نقص إمدادات الغاز الروسي على أوروبا منذ الحرب على أوكرانيا قبل 8 أشهر".
وأكد أنه "لو اعتمدت عليه فإنه يمكنه وقف إنتاجك ليسيطر على القطاع الهام"، موضحا أن "الحل لهذه الأزمة وغيرها من أزمات الاقتصاد المصري التي جاءت نتيجة جهل أو عدم علم؛ في زوال المسؤولين الجهلة عن تفاقم هذا الوضع"."2"
3- بالأرقام.. انتاج مصر من الغاز ضخم لايحتاج لشراكة
وفي الوقت الذي يوافق النظام المصري فيه على الشراكة مع الشركات الصهيونية خاصة في مجال الغاز، تؤكد الإحصائيات ضخامة الانتاج المصري، والذي لايحتاج لشراكة مع أحد.
و أكد تقرير صادر عن مجلس شيوخ السيسي أن صادرات مصر من الغاز الطبيعي في تزايد منذ عام 2018، حيث تحولت مصر منذ هذا العام من دولة مستوردة للغاز إلى مصدرة، ويتوقع أن يرتفع الإقبال على الغاز المصري لتعويض نقص إمداد الغاز الروسي لأوروبا حال تزايد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا، وقد تصل أسعار الغاز إلى أرقام قياسية، حيث بلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3٫9 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة نمو %550 وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية العام الماضي، بحسب بيانات رسمية.
المؤشرات تؤكد ان الانتاج بلغ أكثر من 342 مليون طن غاز طبيعي، وأن 6.8 مليار قدم مكعب يومياً هي معدلات الإنتاج من الغاز العام الحالي، وأنه تحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعى المنتج محلياً بنهاية شهر سبتمبر2018 ، و ارتفع إنتاج مصر من الغاز الطبيعى إلى معدلات غير مسبوقة .
وتبوأت مصر المركز الثانى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط فى إنتاج الغاز الطبيعى، والرابع عشر عالمياَ فى إنتاج الغاز الطبيعى في عام 2020 . "3"
واحتلت مصر المركز الأول عربيًا، خلال الربع الثالث من 2021، من ناحية حجم صادرات الغاز الطبيعي المسال، واختتمت العام الماضي بإعلانها -منتصف ديسمبر 2021- ربط 150 مليون قدم مكعبة يوميًا من الغاز، بخطوط الإنتاج في مصانع أبوقير، ما يضع اكتشافات الغاز في شمال إدكو والعامرية على خريطة الإنتاج ، وتتسع دائرة مشروعات تطوير حقول الغاز الطبيعي في مصر لتصل إلى 30 مشروعًا، باستثمارات تزيد على 22 مليار دولار."5" ، وهو ما يؤكد في النهاية أن مصر ليست بحاجة إلى شراكات أجنبية في الغاز.
4- تعاون مشبوهة مع من سرق الغاز المصري
وبالرغم من التاريخ الطويل من سرقات الكيان الصهيوني للغاز المصري، فإننا نجد النظام المصري الحالى يواصل تعاونه مع من سرق ثروات بلادنا، حيث اكدت الوثائق والخرائط والأسانيد العلمية والتاريخية سرقة الكيان الصهيوني الغاز المصرى فى البحر المتوسط.
وهناك تقرير علمى تقدم به الدكتور رمضان أبوالعلا، الأستاذ بكلية هندسة البترول وعضو مجلس علماء الثروة المعدنية ونائب رئيس جامعة فاروس بالإسكندرية، يثبت حقوق مصر فى حقول الغاز التى استولت عليها إسرائيل، وتم رفع التقرير إلى عدلى منصور وإلى مجلس وزرائه والجهات المعنية بالقضية في عام 2014 دون أن يجد أي صدى، لأن "منصور" كان مجرد دمية بيد العسكر أصحاب القرار الفعلي في البلاد..
أكد التقرير أنه لابد من إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، بما تضمنه التقرير من أسانيد علمية وثوابت قانونية تثبت أحقية مصر فى أكبر اكتشاف للغاز فى شرق البحر الأبيض.
ومن الملاحظات المهمة التى جاءت بالتقرير أنه بعد أن أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية فى مارس 2010 عن هذا الاكتشاف الأضخم للغاز على مستوى العالم، وقعت إسرائيل مع قبرص اتفاقية لترسيم الحدود فى 17 ديسمبر 2010 ، وبعد أقل من شهرين ونصف دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، وخلال نفس الفترة أعلنت قبرص عن اكتشاف حقل افروديت وأعلنت دولة الاحتلال الصهيوني عن اكتشاف حقل ليفياثان وقيمة ثروات الحقلين لا تقل عن 200 مليار دولار.. بعدها مباشرة زار مصر الرئيس اليونانى ووزير الخارجية للاطمئنان على التزام مصر بالاتفاقية الموقعة بين مصر وقبرص «الشطر اليونانى».
ولم ينتبه أحد فى ذلك الوقت إلى خطورة ما يحدث فى البحر المتوسط، لكن مع اهتمام وسائل الإعلام وبدء الصهاينة استغلال الظروف السياسية فى مصر فى إهمال التنقيب، تم عقد اجتماع بوزارة البترول فى 12 نوفمبر 2012 بحضور وزير البترول الأسبق أسامة كمال والعديد من الخبراء ووسائل الإعلام.
المفاجأة فى الموضوع أن حكومة الدكتور حازم الببلاوي، التي جاءت مع الانقلاب، لم تهتم بالوثائق وبدلا من ذلك قامت فى 12 ديسمبر 2013 بتوقيع اتفاقية مع قبرص لتبادل المعلومات حول اكتشافات الغاز، ليس لها أى معنى سوى ضمان قبرص وتأكدها من أن مصر مازالت مستمرة فى إهدار حقوقها لصالحها ولصالح إسرائيل.
وفى 28 أبريل 2014 أرسل عضو مجلس علماء الثروة المعدنية مذكرة للرئيس المؤقت عدلى منصور أوضح فيها أنه من الممكن أن يكون قد تم إخفاء بعض المعلومات عنه أدت إلى قبوله التوقيع على الاتفاقية الجديدة مع قبرص، وبعدها جاءت حكومة إبراهيم محلب لكن لم يحدث شىء.
ورغم تقديم مذكرة للسيسي بعد توليه مقاليد الحكم بانقلابه العسكري، إلا أنه لم يتحرك لاسترداد حق مصر في هذه الحقول حتي الأن، والقضية لا ترتبط فقط بالجوانب الاقتصادية ولكنها أيضا تتعلق بالتداعيات السياسية، فهى ترتبط بوجود منطقة الاكتشافات فى المياه الاقتصادية المحصورة بين العديد من الدول التى تتعارض مصالحها وتوجهاتها السياسية.. وأيضا وجود بعض الدول التى تتعرض لأزمات سياسية طاحنة وعدم استقرار لحكوماتها التى من المفترض أن تتعامل مع تلك القضية بشكل يسمح لها بالحفاظ على ثروات شعوبها، وكل ما سبق استغلته دولة الاحتلال لصالحها، بحيث فرضت سيطرتها على %40 من منطقة الاكتشافات واستنفرت كل إمكانياتها وعلاقتها السياسية والدبلوماسية وقوتها العسكرية وأعلنت الشروع فى بناء المنصات اللازمة تمهيدا لبداية الإنتاج من الحقول المكتشفة.
وقد رصدت إسرائيل حوالى 620 مليون دولار لإنشاء شبكة دفاعية باسم الدرع حول منصات الغاز، بالإضافة لتجهيز 4 سفن حربية مجهزة بنظام مضاد للصواريخ وطائرات استطلاع ودوريات لزوارق بحرية، وتوجت ذلك بعمل مناورات بحرية مع الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الاكتشافات.
مجمل ما سبق يعنى أنه كان يجب وعلى الفور اتخاذ الإجراءات القانونية لتعديل أو إلغاء الاتفاقية الموقعة بين مصر وقبرص ولا يجب الاستناد على الفقرة «هـ» من الاتفاقية والتى أخذت فى الاعتبار المادة 74."6"
وفي عام 2017 صدق عبدالفتاح السيسي على قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز، وأكد متخصصون وخبراء دوليون أن تصديقه أمر غير مقبول وغير قانوني.
وقالوا لـ "عربي21" إن تصديق السيسي على القانون يعد أمرا مباشرا من قائد الانقلاب بالسماح باستيراد الغاز من إسرائيل واليونان اللتان استولتا على حقلي الغاز المصري ليفياثان، وأفروديت، حيث تقدر قيمة احتياطيات الحقلين بأكثر من 200 مليار دولار.
ويقضي القانون، الذي صدق عليه السيسي، بإنشاء جهاز تنظيم أنشطة الغاز على أن يكون له الشخصية الاعتبارية ويتبع وزير البترول مباشرة، بعدما كانت الشركة المصرية للغاز هي الوحيدة التي لها حق استيراد الغاز وتسويقه للموردين المحليين.
ويسمح القانون للشركات الخاصة بإدارة مفاوضات مباشرة مع الشركاء في حقول الغاز الإسرائيلية الأمر الذي يمكنه التعجيل بدفع صفقات الغاز الطبيعي مع مصر، وفقا لموقع "جلوبس" الإسرائيلي ، وأشار الموقع إلى أنه حتى الآن كانت الشركة المصرية للغاز ( E-gas) هي الوحيدة التي تستورد الغاز وتسوقه لموردين محليين.
وتابع "جلوبس" الإسرائيلي:"قدرت مصادر في السوق أن التصديق على القانون سيسمح بإزالة أحد العوائق الرئيسية التي جعلت من الصعب توقيع اتفاقات لتصدير الغاز لإسرائيل، علاوة على ذلك، يظهر التغيير في القانون المصري الاستعداد المصري لتحسين اقتصاد الغاز المحلي ودفع عناصر جديدة لاستيراد الغاز".
وأكد الدبلوماسي المصري السابق السفير إبراهيم يسري، لـ "عربي21" وقتها ، إن لوبي البترول في مصر أقوى من الدولة والقضاء، وأقوى حتى من المؤسسة العسكرية قائلا: "شنط المليارات هي صاحبة اليد العليا على الجميع".
ووصف يسري، رحمه الله، قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز في مصر بأنه إجراء غريب وغير مقبول وغير قانوني، مشيرا إلى أن الهيئة العامة للبترول هي من تنظم أنشطة سوق الغاز ويوجد الشركة القابضة للغاز ولها الحق في إنشاء شركات خاصة ومن بينها شركة حسين سالم.
وتساءل حينها: ما الهدف إذا من هذا القانون سوى تقنين وتسهيل استيراد الغاز من إسرائيل، مضيفا: "ثروة مصر الهائلة من الغاز تنهبها إسرائيل ونكافئها بشراء غازنا منها بمليارات الدولارات والشعب مش لاقي يأكل والرز نأخذه بالمذلة و التبعية".
وتابع ساخرا من قانون السيسي: "يا حبيبتي يا إسرائيل أخذتي احتياطي غاز مصر بملاليم والآن سنشتري من غازنا المنهوب في حقلي سامسون و ليفياثان المصريين بمليارات الدولارات والشعب يعاني من الغلاء".
وأوضح أن حقلي الغاز المتلاصقين، ليفياثان (الذي اكتشفته إسرائيل في 2010) وأفروديت (الذي اكتشفته قبرص في 2011) باحتياطيات تُقدر قيمتها قرابة 200 مليار دولار، يقعان في المياه المصرية (الاقتصادية الخالصة)، على بعد 190 كم شمال دمياط، بينما يبعدان 235 كم من حيفا و 180 كم من ليماسول، وهما في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس الغاطس المُثبت مصريته منذ عام 200 قبل الميلاد.
وأشار إلى أن إسرائيل قد بدأت مسلسل إعلان استخراج الغاز من أراضي عربية في 2009، حين أعلنت عن اكتشاف حقل تمار المقابل لمدينة صور اللبنانية، ثم حفرت إسرائيل حقلاً في 2010 ثم بعدها رسّمت حدودها مع قبرص ولم تفعل ذلك مع مصر بعد، مؤكدا أن إعادة ترسيم الحدود البحرية ضرورة ملحة."7"
وأكد الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام ، أن الكيان الصهيوني سطا في غفلة من الزمن على ثروات العرب من الغاز الطبيعي والنفط في منطقة شرق البحر المتوسط.
وقال : رغم قرب حقل ليفياثان Leviathan من سواحل قطاع غزة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي سطا عليه بقوة السلاح، كما سطت قواته من قبل على الأرض الفلسطينية، بل ويواصل الاحتلال التنقيب عن الغاز في بحر غزة، وبالتالي نهب ما تبقى من ثروات الفلسطينيين.
وبشهادة الخبير البترولي المصري، إبراهيم زهران، فإن لمصر حقوقاً أيضا في حقل "تمار" الواقع شرق البحر المتوسط ونهبته إسرائيل منذ سنوات قليلة، بل وأكد وجود أربعة حقول أخرى تستولي عليها إسرائيل في منطقة المتوسط تزيد عوائدها على 400 مليار دولار.
وهناك حقل آخر نهبته دولة الاحتلال يسمى شمشون، وكذلك حقل ثالث نهبته قبرص. كما سطت إسرائيل على حقول غاز أخرى مثل "كاريش" القريب من سواحل لبنان وحيفا الفلسطينية.
وأكد أن الكيان الصهيوني سطا على أهم مواقع إنتاج الغاز في شرق البحر المتوسط، وبدلا من أن تطالب الدول العربية بحقها في ثرواتها واسترداد الحقول المنهوبة، راحت تبرم اتفاقيات طويلة الأجل تصل إلى 15 عاماً لشراء هذا الغاز، وهو ما حدث مع مصر والأردن، حيث تم إبرام اتفاقيات يتم بموجبها تحويل أكثر من 30 مليار دولار من البلدين للخزانة العامة الإسرائيلية.
والنتيجة أن 85% من الغاز الذي تنتجه إسرائيل حاليا مخصص للتصدير لكل من الأردن ومصر، كما ذكرت صحيفة "هآرتس" مؤخرا ، وترتفع النسبة حينما يتم تصدير الغاز المنهوب إلى الفلسطينيين، وربما لبلدان عربية أخرى في المستقبل، وهو ما يعني أن الاحتلال نجح في بيع ما نهبه من غاز لأصحابه الحقيقيين."8"
5- تاريخ طويل من التطبيع في مجال الغاز بين عسكر مصر والكيان الصهيوني
بدأت العلاقات الاقتصادية الرسمية بين مصر وإسرائيل في عام 1980، ففي 8 مايو/أيار 1980، وبعد التوقيع على معاهدة السلام عام 1979، وافق البرلمان المصري على الاتفاق التجاري الأول مع إسرائيل. وتمّ تشكيل عدد من اللجان المشتركة لتعزيز المشاركة في مختلف القطاعات، إلا أن التعاون الفعلي بقي ضئيلاً خلال فترة الحكم الطويلة للرئيس الأسبق حسني مبارك.
وفي عام 2005، وقعت الشركة القابضة للغاز (بصفتها ممثلاً للحكومة المصرية) اتفاقاً مع شركة إي إم جي لتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لإسرائيل، ولمدة 20 عاماً. وخرجت احتجاجات واسعة في مصر ضد هذه الاتفاقية، حتى إن حملة تأسست باسم "الحملة الشعبية لوقف تصدير الغاز المصري (لا لنكسة الغاز)". وخاضت الحملة نزاعاً قضائياً أمام الحكومة المصرية، في محاولة لإلغاء الاتفاقية وإلزام الحكومة بوقف التصدير. وكان من بين النقاط الأكثر إثارة للجدل آنذاك هي سعر بيع الغاز لإسرائيل، الذي تحدد عند سعر يتراوح بين سبعين سنتاً و1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية. في حين أن تكلفة إنتاج نفس الكمية تبلغ 2.65 دولار. لكن الاتفاقية نُفذت بالفعل وبدأ ضخ الغاز عبر خط عسقلان-العريش في فبراير/شباط عام 2008. وقُدر آنذاك أن مصر تمد إسرائيل بحوالي 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي.
وبعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني بدأ ما سمي بهجمات "الملثم" في فبراير/شباط 2011 استهدفت خط عسقلان-العريش، إذ تعرض على مدار حوالي عام ونصف للتفجير أكثر من 15 مرة. وفي كل واقعة تفجير، كانت المسؤولية توجه لمجموعة من "الملثمين" مجهولي الهوية. ثم في أبريل/نيسان عام 2011، وجه رئيس الوزراء آنذاك، عصام شرف، بمراجعة كل عقود تصدير الغاز بما في ذلك التعاقد مع إسرائيل والأردن. وفي أبريل/نيسان 2012، أعلنت الشركة المصرية القابضة للغاز إلغاء اتفاق تصدير الغاز لإسرائيل.
وصدر حكم قضائي في يونيو/حزيران 2012 ضد وزير البترول المصري السابق، سامح فهمي، ورجل الأعمال حسين سالم، بالسجن 15 عاماً في قضية تصدير الغاز لإسرائيل. وذكرت المحكمة أن كلاً منهما تورط في تصدير الغاز لإسرائيل بأسعار زهيدة "كبّدت الدولة قرابة 715 مليون دولار". لكن بعد قرابة ثلاث سنوات من النقض وإعادة المحاكمة، تمت تبرئة المتهمين في فبراير/شباط 2015.
و في فبراير/شباط 2018 أعلنت شركة "ديليك دريلينغ" الإسرائيلية توقيع عقد لمدة عشر سنوات، بقيمة 15 مليار دولار، لتصدير الغاز الطبيعي لمصر، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، إن الاتفاق لن يعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، لكنه سيعزز أيضاً علاقاتها الإقليمية، واصفاً الاتفاق بأنه "يوم عيد"،
من جانبه، علّق السيسي على الضجة التي أُثيرت حول قضية استيراد الغاز من إسرائيل، قائلاً إن الحكومة ليست طرفاً في هذا الموضوع وهو أمر يخص القطاع الخاص، وبحسب ما ذكرت "بوابة الأهرام"، والتي نقلت عن السيسي أن عملية تسييل الغاز ومشتقاته إما كانت تحدث في لبنان أو إسرائيل أو قبرص أو تركيا أو مصر.. لكن مصر هي التي أحرزت "جول كبير جداً" بالنجاح في الاستفادة من الغاز الذي يخرج من دول المتوسط، عبر المنشآت البترولية المصرية، على حد تعبيره، وتابع: "سمحنا للشركات الخاصة بأن تستورد الغاز من هذه الدول ثم تستخدم المنشآت البترولية المصرية في عمليات التكرير والتسييل والمعالجة والتنقية، على أن يتم تصديره مرة أخرى"، مشيراً إلى أن بلاده ستستفيد مادياً من كل هذه المراحل.
وفي سبتمبر/أيلول 2018 أعلنت شركتا "ديرليك" الإسرائيلية و"نوبل إنرجي" الأمريكية أنهما وشركة غاز شرق المتوسط المصرية، ستستحوذ على 39% من الشركة المالكة لخط أنابيب الغاز الطبيعي الذي بين مصر وإسرائيل، مقابل 518 مليون دولار، وقالت الشركتان، في بيانين على موقعهما الإلكتروني، إن الاتفاقية الجديدة تكفل إعادة تشغيل خط الغاز بين البلدين، خلال فترة العقد الذي سبق أن وقعته شركة دولفينوس لاستيراد الغاز من حقلي "تمارا" و"ليفاتان" الإسرائيليين لمدة 10 سنوات، كما ستتنازل الشركة عن دعوى التحكيم التي سبق أن تم الحكم فيها بتعويض ضد هيئة البترول المصرية والشركة المصرية للغاز الطبيعي "إيجاس" بقيمة 1.75 مليار دولار بسبب وقف تصدير الغاز عام 2012، على أن "يدفع الجانب المصري المبلغ على فترة 8 أعوام ونصف، مقابل أن يتنازل الجانب الإسرائيلي عن جميع مطالبه التي أقرها التحكيم في عام 2015″.
وزاد الجدل بشأن الصفقة ومبرراتها تأكيد الخارجية الإسرائيلية أن هذا الغاز مخصص للاستخدام في السوق المحلي المصري بخلاف المعلن من قبل الجانب المصري بأنه للتصدير الخارجي. ويتعارض هذا التأكيد مع ما أعلنه مسؤولون مصريون في أوقات سابقة عن اكتفاء مصر من الغاز الطبيعي وتصديرها الفائض، وسعيها لأن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة.
وبدأت إسرائيل بالفعل تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر فى شهر يناير/كانون الثاني 2020 بموجب إحدى أهم الصفقات التي جرى إبرامها بين الدولتين منذ إقرار السلام قبل عقود. ويتم توريد الغاز عبر خط أنابيب يمتد تحت البحر يربط بين إسرائيل وشبه جزيرة سيناء المصرية، الأمر الذي وصفه وزير البترول المصري بأنه "يمثل تطوراً هاماً يخدم المصالح الاقتصادية لكلا البلدين، حيث سيمكّن هذا التطور إسرائيل من نقل كميات من الغاز الطبيعي لديها إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعي المسال المصرية"
لكن على الجانب الآخر، هناك تحليل مغاير للقصة يقدمه أحد وكلاء وزارة الطاقة مفاده أن الحديث عن الاكتفاء الذاتي لمصر وتصدير الفائض يومياً هو محض تلاعب بالحقائق. فالغاز ليس ملكاً للبلاد كما يسوقون، الغاز المصري يتم اقتسامه بنسب بين الشركة المنقبة، فمثلاً حقل ظهر تمتلك مصر (ممثلة في الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"). ما يقرب من 40% فقط من إنتاجه أما الباقي فموزع بين شركات إيني الإيطالية، بريتيش بتروليوم البريطانية، روزنفت الروسية، ومبادلة الإماراتية.
هذه الشركات يحق لها بيع المنتج إما إلى الحكومة المصرية، أو تصديره للخارج، وهو ما يحدث بالفعل.
الجدير بالذكر أنه قد تم تمرير تعديلات على قانون جهاز المخابرات العامة في فبراير/شباط 2022، وهذه التعديلات فتحت الباب لمزيد من القدرة على ممارسة النشاط الاقتصادي، بعد أن منحت الجهاز الحق في تأسيس الشركات بجميع أنواعها أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، وتعيين أعضائه كرؤساء أو أعضاء مجالس إدارة تلك الشركات، الأمر الذي انعكس بقوة في ملفات الغاز، فمعظم اتفاقات الغاز وخصوصاً مع إسرائيل ومنذ نشأة العلاقات في هذا الملف تتم بواسطة المخابرات المصرية وليس الوزارة.
وفي يونيو/حزيران 2022 ، وقعت مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي بعد تسييله في مصر. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عقب التوقيع، إن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا أجبرت المفوضية على تنويع مصادر الطاقة، مشيرةً إلى أن المفوضية تدعم مصر لتكون مركزاً إقليمياً لنقل الطاقة.
من جانبها، قالت وزيرة الطاقة الصهيونية كارين الحرار: "إن هذا الاتفاق الأولي يدلل على أن مصر وإسرائيل تلعبان دوراً محورياً لتأمين احتياجات الطاقة للشركاء الأوروبيين"، وتوقع مسؤولون زيادة شحنات الغاز من مصر إلى الاتحاد الأوروبي بموجب هذا الاتفاق.
وباستعراض البيانات والمعلومات والرؤى للمتخصصين والخبراء يتأكد أن "إسرائيل" هي المستفيد الأكبر من الاتفاق من الناحيتَين الاقتصادية والجيوسياسية، فالصفقة المبرَمة تعدّ فرصة هائلة لتصدير الغاز إلى أوروبا بعد تسييله في مصر، إذ إنها لا تملك منشآت لتسييل الغاز، الأمر الذي يعني أنه بدون مصر لن تكون استفادة إسرائيل كما هي الآن.
الأكثر خطورة من ذلك أن مصر بهذه السياسة تسهم في أن تكون إسرائيل لاعباً أساسياً في سوق الطاقة العالمي، لا سيما السوق الأوروبي، وما سيجلبه لها ذلك من مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة. فهذه الاتفاقية بجانب أنها تعفي تل أبيب من كلفة بناء بنية أساسية لتسييل الغاز بميزانيات باهظة، فإنها تجنّبها كذلك المخاوف البيئية الناجمة عن وجود مثل تلك المصانع وسط الكتلة السكانية، فضلاً عن المخاوف الأمنية من سهولة استهدافها من قبل المقاومة الفلسطينية"9"
وتحت مظلة منتدى غاز شرق المتوسط، وقعت السلطات المصرية مذكرة تفاهم بشأن التعاون فى مجال تجارة ونقل وتصدير الغاز الطبيعى مع دولة الاحتلال والاتحاد الأوروبي، وقد وصفت الحكومة الإسرائيلية هذا التوقيع بالتاريخي لأنه يحول إسرائيل إلى لاعب أساسي في سوق الطاقة في ظل أزمة عالمية تسبب بها الغزو الروسي لأوكرانيا. "10"
6- مصر وتركيا والغاز والكيان الصهيوني
وإذا انتقلنا إلى بعد آخر في ملف الغاز المصري ، سنجد أن تركيا سعت لاتفاق لترسيم الحدود في البحر المتوسط يعيد لمصر حقها في الحقوقل التي سرقها الكيان الصهيوني، ولكن كانت المفاجأة ان هناك تعنتا من الجانب المصري في هذا الأمر.
ويركز الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، على ضرورة الارتقاء في العلاقات بالقاهرة، وعدم بقائها على مستوى الأمن والاستخبارات، وانطلاقها إلى دائرة أرحب على المستوى السياسي في ظل المتغيرات التي يعيشها الإقليم.
في تقدير الرئيس التركي أن تحسّن العلاقات المصرية -الإسرائيلية، وتطويرها على قاعدة المصالح المشتركة، وشراكة الغاز الذي يجري تسييله في مصر، كذلك تطور العلاقة بين مصر و"إسرائيل" والاتحاد الأوروبي، وتوسيع نطاق التفاوض المصري -الإسرائيلي بشأن المناطق الصناعية، وانضواء بعض الأطراف العربية و"إسرائيل" في منظومة التعاون الإقليمي، جميعها عوامل ستفتح الباب لانخراط مصر وتركيا في نطاق منتدى غاز المتوسط مع التعامل على أرضية مباشرة.
وتدرك تركيا أن مفتاح الدخول في المنطقة هو مصر، التي لا تمانع ما يُطرح من جانب تركيا شريطة عدم المساس بأمن شرق المتوسط، أو إعادة فتح ملفات محسومة، ومنها شراكة مصر مع قبرص أو اليونان، وقد رسّمت مصر حدودها البحرية بالكامل مع البلدين، وفي طريقها لرسم الحدود البحرية مع "إسرائيل".
وتركيا تضع ملف إمدادات الغاز على رأس الأولويات إقليمياً، وتدرك أن القاهرة باتت لاعباً قوياً ومركزياً في الإقليم مع السعودية والإمارات، وأن تحسّن العلاقات التركية بالبلدين سيؤدي إلى نتائج مهمة على مستوى العلاقات بمصر، لا سيما بعد التوافق القطري-المصري على تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
في ظل هذه المعطيات الاقتصادية، من مصلحة تركيا، وفي ظل علاقتها بدولة قطر، إنهاء المشكلات وحسمها وتصفيرها، وهو ما قد يحقق استقراراً حقيقياً للرئيس التركي داخلياً وخارجياً.
وفي هذا الإطار، يمكن قراءة الانفتاح التركي على حل المشكلات في الإقليم، لا سيما في سوريا، إذ تدرك أنقرة أن تصفير المشكلات سيحقق إنجازاً حقيقياً يمكن البناء عليه ، ولكن الاستجابة المصرية للمطالب التركية في ملف الغاز ما زالت شبه معدومة حتي الأن . "11"
ومؤخرا وقعت حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة اتفاقا مبدئيا مع تركيا بشأن التنقيب عن النفط والغاز، مما دفع اليونان ومصر لإعلان معارضتهما لأي نشاط في "المناطق المتنازع عليها" شرق البحر المتوسط.
وقوبل الاتفاق بالرفض أيضا من البرلمان الليبي الذي يتخذ من شرق البلاد مقرا له، ويدعم حكومة بديلة برئاسة فتحي باشاغا.
ولم يتضح بعدُ ما إذا كانت ستظهر أي مشروعات في الواقع تتضمن أعمال تنقيب في "المنطقة الاقتصادية الخالصة" التي اتفقت عليها تركيا وحكومة سابقة في طرابلس عام 2019، وهو ما رفضته اليونان وقبرص وانتقدته مصر وإسرائيل.
وقالت حكومة باشاغا -في بيان- إنها ستبدأ التشاور المباشر مع الشركاء الوطنيين والإقليمين والدوليين، للرد بشكل مناسب على هذه التجاوزات التي تهدد مصلحة الأمن والسلم في ليبيا والمنطقة ، ونبهت إلى حقها في اللجوء للقضاء من أجل وقف الاتفاقية، وفقا للبيان.
وأبرمت أنقرة اتفاقية تعاون عسكري وأمني واتفاق ترسيم بحري في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 مع حكومة الوفاق الوطني السابقة ومقرّها طرابلس. وفي أغسطس/آب 2020، ردت مصر واليونان على الخطوة باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط ، ويسمح الاتفاق البحري لأنقرة بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة شرق البحر المتوسط، وهو ما يثير استياء اليونان والاتحاد الأوروبي."12"
وأكد الدبيبة أن إجراء عمليات استكشاف النفط وفق الاتفاقية البحرية المبرمة مع تركيا سيعزز استكشاف الثروات النفطية الليبية الكبيرة ضمن مياه البلاد الإقليمية.
كما أبدى الكاتب والمحلل السياسي فيصل الشريف استغرابه التدخل المصري اليوناني في الاتفاق التركي الليبي بشأن الطاقة، وتساءل “من تدخّل في شؤون مصر التي أبرمت اتفاقية لترسيم الحدود مع اليونان؟ وكذلك من تدخّل في الاتفاقية التي أبرمتها مع إيطاليا؟”.
وقال في حديثه للجزيرة مباشر “بعض الدول تنتهك مواثيق الأمم المتحدة بتدخلها في شؤون الدول الأخرى، وتصنّف الأمور من منظارها الخاص إلى شرعي وغير شرعي”.
وأضاف الشريف “هذا مرفوض تمامًا، وعلى هذه الدول احترام سيادة باقي الدول وألا تتدخل في شؤونها”، واستطرد قائلا “ليس من حق مصر ولا اليونان ولا أي دولة أن تحدّد ذلك، الليبيون وحدهم يحددون من الشرعي ومن غير الشرعي، وهذا شأن داخلي”."13"
المصادر:
- الخليج الجديد نشر بتاريخ 29 سبتمبر 2022
- - عربي21نشر بتاريخ 3 أكتوبر 2022
- اليوم السابع نشر بتاريخ 14 يونيو 2022
- صدى البلد نشر بتاريخ 25/سبتمبر/2022
- جريدة المال المصرية نشر بتاريخ 9 يونيو 2022
- اليوم السابع نشر بتاريخ 6 نوفمبر 2014
- موقع عربي21 نشر بتاريخ 10 أغسطس 2017
- مقال للخبير مصطفى عبد السلام بموقع عرب 21نشر بتاريخ 10 يناير 2020
- موقع عربي بوستنشر بتاريخ 2- 9 2022
- موقع الترا صوت نشر بتاريخ 15-يونيو-2022
- مقال للخبيرة هدى رزقهدى رزقنشر بتاريخ 24 أغسطس 2022
- الجزيرة نت نشر بتاريخ 4/10/2022
- الجزيرة نت نشر بتاريخ 7/10/2022