"بطلوا هري".. نتيجة طبيعية " للخرس الشعبي "

الاثنين - 16 يناير 2023

- مصري حر
( هموم وطن )

تعجبت كثيرا من ردود الأفعال، التي توالت على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، بعد التصريحات الهزلية للسيسي، والتي قال فيها للمصريين: "بطلوا هري"، خلال فعاليات المؤتمر الأول للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، الذي عقد في يناير الجاري،  بسبب الشكوى الشعبية المتصاعدة من ارتفاع تكاليف الحياة.

 وليس مكمن العجب هنا من هذا التطاول والسفه من قبل حاكم مستبد ومغرور، نجح في تطبيق المثل الأعلى لكل معاني الديكتاتورية على مر التاريخ البشري،  وأفسد البلاد والعباد، ويحاول الأن الهروب من المسئولية عن إهدار أموال الشعب، بقوله: " نحن لم ندخل حروبا ضيعنا فيها أموال مصر، ولم نخض مغامرات ضيعنا فيها أموال مصر"، بل وبشر المصريين  بظروف أسوأ معيشيا في العام الجديد،  بقوله : «الظروف صعبة جدا في عام 2023 ، و أرى الناس تتحدث بكلام غير منظم أو مرتب يثير المخاوف، اسمعوا منا لأننا أصدق من غيرنا» .

وقد تناسى هذا الديكتاتور الفاسد أنه المسئول الأول سياسيا، عما وصلت له مصر من انهيار اقتصادي وسياسي واجتماعي وقيمي، بسبب سياساته الفاسدة التي استهدفت عن عمد  تخريب هذا الوطن، وتسليمه لأعدائه من الصهاينة كفريسة سهلة الإجهاز عليها، بل والتفريط في ثروات مصر كما حدث في ملف "غاز المتوسط "،  والذي تنازل فيه عن حقوق تاريخية لمصر لصالح الصهاينة واليونان وقبرص، بل والتفريط في الأرض كما حدث في تيران وصنافير.

 كما لا ينسى له التاريخ جريمة التفريط في الحصة التاريخية لمصر في نهر النيل، من خلال اتفاقية كلها عوار قانوني ، سمحت لأثيوبيا ان تتلاعب بوطن جذوره ضاربة في عمق التاريخ. 

كما تناسى الديكتاتور الفاسد إهداره أموال المصريين على مشروعات لم تجن منها مصر أي ثمرة حتى الآن ، والقائمة لهذه المشروعات طويلة، وتكلفتها تجاوزت 5 تريليون جنية باعترافه في أحد المؤتمرات، ومنها عاصمة الكبار التي أهدر في مرحلتها الأولى 50 مليار دولار حتى الآن،  والعلمين الجديدة وتفريعة قناة السويس، و ما هذه المشروعات إلا عينة واضحه لكيفية إهدار اموال الشعب فيما لا يفيد .

كما تناسى هذا الديكتاتور أنه نجح بجدارة في تأميم الحياة السياسية، ومصادرة الحريات العامة، وتكميم الأفواه من خلال سيطرة أجهزته الأمنية على المؤسسات الإعلامية والصحفية، والتخلص من كل معارضيه بقبضته الأمنية التي استباحت الدماء والأعراض والأموال، على مدار تسع سنوات، ودخل بسفينة الوطن في بحر لجى ظلماته بعضها فوق بعض، وأمواجه العاتية المتلاطمة أجهزت على قدرتها على الإبحار ومواصلة رحلتها التاريخية .

ولكن رغم كل ذلك، لم أعجب من استخفافه بشعبنا، ولكن علينا الآن ان نعترف ان مكمن العجب كل العجب  في ردود أفعال المصريين الآن ، على  وقاحة هذا الحاكم، لأن "الخرس الشعبي " على مدار السنوات التسع الماضية، أسفر عن تراكم الجرائم في حق الوطن والشعب،  وأورثنا ما وصل إليه حالنا الآن .

 فمنذ انقلاب 3 يوليو، وكان واضحا أن مصر مقبلة على مرحلة تخريب غير مسبوقة، حذرت منه أصوات وطنية مخلصة  من قوى سياسية مختلفة، صوب إليها أسهم التخوين ، وزج بها في السجون بقضايا ملفقة والصق بها تهم الإرهاب .

وقد بدأت مراحل التخريب   بقتل حلم الحرية والتجربة الديمقراطية ، التى نتجت عن ثورة يناير الشعبية، ومرورا بمرحلة استباحة الدماء، وسط تشجيع بعض المحسوبين على القوي السياسية والثورية للقوة العسكرية الغاشمة  على استحلال الدماء، تحت مظلة المكايدة السياسية لفصيل بعينه، لم يمد يده بسوء لأحد من مخالفيه على مدار عام حكم فيه مصر، ومنهم من فاء للحق الآن،  واعترف بجرمه في مشاركته في مؤامرة 30 يونيو، وإثمه بالسكوت على مذابح الميادين ومنها مذبحة العصر في "رابعة العدوية "،  كممدوح حمزة وعمرو واكد وغيرهم، وعلينا جميعا أن نرحب بهذه المراجعات العاقلة، وإن أتت متأخرة،  "فإن تأت متأخرا خيرا من أن لا تأتي" .

وعلينا أن نتساءل: أين كانت هذه الردود الغاضبة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، من استخفاف الديكتاتور بالمصريين، عندما استخف هذا المستبد بمنظومة القانون والدستور،  التي هي الحصن الحصين لهذا الشعب، والتي عدلها مرارا وتكرارا، ليمدد لنفسه فترات الحكم، ويستحدث من خلالها قوانين الجباية المستمرة، ويقنن من خلالها  لفرض الطوارئ بشكل دائم، ويهيمن من خلال آليات التشريع على صوت العدالة، وإخضاع المؤسسات القضائية بشكل كامل لنفوذه وسلطته .

بل أين كانت هذه الأصوات الغاضبة من فرض منظومة اقتصادية بنيت على الاقتراض الذي بلغ قرب 170 مليار دولار حتى الآن، بشروط مجحفة نالت من السيادة الوطنية، وأضرت بالأمن القومي، وأخضعت ممتلكات الشعب في القطاع العام للبيع بأبخس الاثمان،  بل ووصل الخرس الشعبي منتهاه نحو  رفع الخدمات الحكومية في قطاعات الكهرباء والماء أكثر من 14 مرة، ورفع الدعم المستمر عن الفقراء، حيث انخفض قيمته من ربع مليار جنية في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي إلى 37 مليار جنية الآن، بل أين السخط الشعبي من الزيادات المستمرة في أسعار السلع الأساسية، التي زادت اكثر من 500 % على مدى السنوات التسع الماضية،  و أين هذا الغضب من  توالى قرارات رفع أسعار المحروقات لأكثر من 13 مرة؟

أين هذا الغضب من سياسات خارجية أخضعت وطن بحجم مصر لأقزام من أمثال أبناء زايد الذين تحولوا لمستعمرين جدد لمصر، ينفذون فيها كل ما يهدف له الصهاينة، وابناء سلمان الذين حولوا مصر إلى تكية منهوبة يأخذوا منها ما يشاءون، ذلك بخلاف تبعية ذليلة وخضوع كامل لكل مخططات الامريكان بالمنطقة.

يا سادة ما نعيشه الآن ثمرة مسمومة لخرس شعبي تراكم أمامه فساد تستغيث  منه كل أجهزة الدولة، و جبال من المظالم لا نستطيع نسفها الآن إلا بحراك شعبي تتناغم فيه جهود كل القوي السياسية المخلصة لهذا الوطن في الداخل والخارج. وعلي الشعب المصري أن يكفر بفكرة "انتظار المُخَلص"، فلن  يتخلص هذا الوطن من أزمته غير المسبوقة إلا بسواعد أبنائه، بشكل سلمى كامل، مع الاعتقاد الكامل بأن ذلك له تكلفته الباهظة، التى لابد أن تدفعها الشعوب الحرة، إذا أرادوا فعلا  عودة الروح لوطنهم من جديد.