تجارة الأعضاء والبلازما في مصر.. "بيزنس الجيش" يهدم قواعد الدين والإنسانية

الثلاثاء - 11 أكتوبر 2022

  • ماذا يعني إعلان السيسي إنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في الشرق الأوسط وأفريقيا؟
  • 8 مليارات جنيه للمدينة الطبية الجديدة ضمن مخطط تطوير مستشفى معهد ناصر بإشراف الجيش
  • الإحصاءات الرسمية تشير إلى إجراء ألف عملية نقل كلى سنوياً داخل مصر.. و90% منها غير قانونية
  • ارتفاع نسب الفقر والجوع أدى إلى رواج تجارة الاعضاء بمصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة
  • نقل الأعضاء يتم داخل مستشفيات خاصة بعد اتصالات بشخصيات عربية وأجنبية تحتاج إلى عمليات
  • 15 شخصا تمكنوا من توثيق توكيل رسمي للتبرع بأعضائهم حتي 2022 .. والسيسي يبدأ المتاجرة بالمصريين
  • سلطة الانقلاب تدرس إضافة اختيار التبرع بالأعضاء في البطاقة الشخصية و"الإفتاء" تساير حملة المتاجرة بالأعضاء!
  • مصر ضمن العشر الأول عالميا في تجارة الأعضاء.. وجاءت في المركز الثالث في عام 2016
  • «الكُلى» أكثر الأعضاء مبيعاً فى مصر ويصل سعرها إلى 80 ألف دولار وقرنية العين بالمرتبة الثانية
  • عصابات تجارة الأعضاء نشطت في مصر بعد الانقلاب بمساعدة بعض المستشفيات والمعامل الخاصة
  • بيع الأطفال لأعضائهم داخل مصر.. وعصابات تستدرج الشباب خارج البلاد بحجة العمل وتسرق أعضاءهم
  • مصر تحولت إلى مركز لتجارة أعضاء الافارقة بعد عجزهم عن دفع متطلبات سفرهم في الهجرات غير الشرعية
  • الجهات الأمنية والرقابية في مصر كشفت أكثر من 50 عصابة متخصصة في بيع الأعضاء..وما خفي أعظم
  • فضيحة نوفمبر 2021 ... تورط أساتذة جامعيين محسوبين على النظام في إجراء عمليات نقل أعضاء مجرمة قانونا
  • تسريب في أكتوبر 2021 يكشف تورط قيادات بالجيش في  سرقة أعضاء نحو 16 ألف طفل مشرد
  • أيدي النظام امتدت لتجارة البلازما بعد تمرير برلمان السيسي مشروع قانون"تنظيم عمليات تجميع بلازما الدم"
  • بعيدا عن الإجراءات الدستورية.. الجيش يعلن افتتاح "أول مركز متكامل في أفريقيا والشرق الأوسط لتجميع البلازما"!
  • الدولة تفرض تعتيما كاملا على طبيعة مشروع تجميع البلازما.. والجيش أنشأ 20 مركزاً للتبرع بها   
  • النشاط الجديد في تجارة البلازما أصبح حكرا على جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزير الدفاع مباشرة

 

إنسان للإعلام-خاص 

مقدمة

في ظل الظروف الاقتصادية المتأزمة التي يعيشها الشعب المصري، فتح السيسي الباب على مصراعيه أمام تجارة الأعضاء، بمخالفة القواعد الدينية والإنسانية وفي احتقار مهين للإنسان المصري، الذي يحاول السيسي المتاجرة في أعضائه ودمه، وذلك من خلال إعلانه مؤخرا إنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في الشرق الأوسط وقارة أفريقيا، داخل المدينة الطبية الجديدة المقرر إنشاؤها ضمن مخطط تطوير مستشفى معهد ناصر في العاصمة القاهرة.

الهيئة الهندسية للقوات المسلحة قدرت تكاليف أعمال تطوير معهد ناصر وإنشاء مركز زراعة الأعضاء بنحو  8 مليارات جنيه للإنشاءات فقط، مما يعني أن "بيزنس الجيش" سيشهد نشاط غير عادي في هذا المجال وسيكون مظلة كبيرة للانحرافات في تجارة الاعضاء البشرية، خاصة بعد أن سعى النظام لتقنين هذه التجارة من خلال تعديل قانون التبرع بالأعضاء البشرية الذي يعكف عليه برلمان العسكر بمصر، والذي أصدر قانونا خاصا في مارس 2021 للتجارة في بلازما الدم.

مؤخرا أثير الكثير من اللغط بشأن توجه السيسي إلى التجارة في الأعضاء البشرية والبلازما، خاصة بعد حملة ظهر فيها مستشار السيسي للشئون الصحية ليعلن أن الدولة تدرس وضع اختيار التبرع بالأعضاء ضمن بطاقة الرقم القومي للمواطنين، ضمن حملة إعلامية مخططة شارك فيها فنانون وغيرهم للتشجيع على التبرع بالأعضاء!  

وقانون البلازما الذي تم إقراره ينظم "عمليات تجميع بلازما الدم لتصنيع مشتقاتها وتصديرها"، ويهدف إلى جمع وتوزيع الدم ومركباته بغرض التصنيع في مصر، وتصدير بلازما الدم كمادة خام بغرض بيعها في الأسواق العالمية، بناءً على توجيهات السيسي. وبانظار قانون آخر معروض على البرلمان التابع للسلطة التنفيذية لتقنين التبرع بالأعضاء رغم اعتراض الأزهر.

من خلال هذه الدراسة نكشف مخاطر قرارات السيسي وقوانينه المصطنعة في مجالات زراعة الاعضاء وتجميع البلازما.

محاور الدراسة

1- السيسي يطلق مبادرة التوسع في زراعة الأعضاء

2- القوانين المنظمة للتبرع بالأعضاء

3- التبرع بالأعضاء بين الشرع  والقانون

4- المؤسسات الدينية الرسمية منقسمة بشأن التبرع

5- حملة ترويج إعلامية واسعة للتبرع بالأعضاء 

6- مصر أكبر سوق لتجارة الأعضاء 

7- تدهور الظروف المعيشية وراء ارتفاع معدلات الإتجار بالأعضاء

8- أخطر 6 عصابات لتجارة الأعضاء البشرية  في مصر

9- الجيش يتورط في سرقة أعضاء 16 ألف مشرد

10- تقنين التجارة بالبلازما

11- البلازما رافد جديد لاقتصاد الجيش

1- السيسي يطلق مبادرة التوسع في زراعة الأعضاء

في خطوة شكك في نواياها كثير من المراقبين، وجّه السيسي حكومته مؤخرا بإنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في الشرق الأوسط وقارة أفريقيا، داخل المدينة الطبية الجديدة المقرر إنشاؤها ضمن مخطط تطوير مستشفى معهد ناصر في العاصمة القاهرة، والذي قدرته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة (الجيش) بنحو 8 مليارات جنيه للإنشاءات فقط.

وتشير إحصاءات إلى إجراء ألف عملية نقل كلى سنوياً في المستشفيات المصرية، وأن العمليات التي تنال موافقة وزارة الصحة والأجهزة المعنية، بما فيها نقابة الأطباء، لا تتجاوز 10 في المائة من مجموع تلك العمليات، ليجري الباقي خارج إطار القانون.

وتُجرى عمليات نقل الأعضاء داخل مستشفيات خاصة في مصر بعد إجراء اتصالات بشخصيات عربية وأجنبية، في حاجة إلى عمليات زرع كلى أو فصوص أكباد نظير مبالغ مالية كبيرة يتقاضاها الأطباء، ومعاونوهم، فضلاً عن الوسيط. وفي المقابل، يحصل صاحب العضو على مبلغ صغير من المال في نهاية الأمر."1"

و كشف الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة بحكومة السيسي ، عن تفاصيل إنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر والشرق الأوسط، فقال إن المركز سيكون به 12 ألف غرفة عمليات بتصميمات عالمية تتقبل كافة الزراعات، وسيكون لدينا شبكة قومية لزراعة الأعضاء ومركز أبحاث أيضًا، ولأول مرة سيتم اعتماد زراعة الرئة في مصر."2"

وقال الدكتور عبد الغفار، أنه سيتم خلال الفترة المقبلة زراعة الرئة في مصر من الحالات المتوفاة حديثا، وأبدي مخاوفه من تحولها إلى تجارة وتصارع بين الورثة..

وتعود فكرة توثيق أول توكيل رسمي للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة إلى شخص يدعى يوسف راضي عام 2014، دشن مع آخرين مجموعة "التبرع بالأعضاء بعد الوفاة" على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتجاوز عدد أعضائها 10 آلاف بقليل."3"

2- القوانين المنظمة للتبرع بالأعضاء

أقرّت مصر قانون رقم (5) لسنة 2010 وكان أول قانون ينظم زرع الأعضاء البشرية، وتضمّن 28 مادة تتعلق بالأحكام العامة، ومنشآت زرع الأعضاء البشرية، وإجراءات زرعها، والعقوبات الخاصة بمخالفة تلك المواد.

ونصت المادة 5 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زراعة الأعضاء على "في جميع الأحوال يجب أن يكون التبرع صادرًا عن إرادة حرة لا يشوبها غلط أو تدليس أو إكراه ثابتًا بموجب إقرار كتابي من المتبرع معززا بشهادة اثنين من أقارب الدرجة الأولى أو مصدقا عليه من الشهر العقاري".

وقبل أن يفتح السيسي "بيزس" زراعة الاعضاء، أجاز الأزهر الشريف ودار الإفتاء التبرع بالأعضاء البشرية وزرعها في جسم الإنسان، على خلاف بين العلماء في كيفية التبرع والأعضاء المسموح التبرع بها، دون أن تتم المتاجرة بها.

في الوقت نفسه،  يخطو برلمان السيسي خطواته الأخيرة نحو التعديلات على القانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية بادرت وزارة العدل بتوجيهات عاجلة لمصلحة الشهر العقاري والتوثيق بشأن زرع الأعضاء.

وظهر "المنشور الفني" رقم 28 لسنة 2022 الذي عممته مصلحة الشهر العقاري إلى مكاتبها ومأمورياتها ومكاتب التوثيق وفروعها والإدارات العامة بالمصلحة على مستوى الجمهورية،  فأوضح كل ما يخص عملية زرع الأعضاء البشرية حيث الفئة العمرية المسموح لها بالتبرع وأنواع الأعضاء التي يمكن التبرع بها وشروط التبرع وموقف الأطفال من ذلك بالإضافة إلى وضع الأجانب.

ووفق المنشور، فإنه عند توثيق محررات متضمنة وصية من المتبرع إلى غيره بعضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسمه بعد وفاته إلى أي إنسان حي ولا يشترط تعيين الموصي إليه متى توافرت الشروط الآتية:

  • أن تكون جنسية الموصي والموصي إليه مصرية متى تم تحديده بالإقرار.
  • أن تتضمن الوصية بالتبرع البيانات الكافية عن العضو أو النسيج الموصي به.
  • أن تتضمن الوصية بالتبرع بيانات الموصي الشخصية ورقمه القومي.
  • أن تكون الوصية بالتبرع بدون مقابل مادي أو عيني أو مقابل منفعة مادية أو عينية سواء للموصي أو الموصي له أو ذويهما أو ورثتهما.

وبصدور القانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زراعة الأعضاء البشرية أصبحت مصلحة الشهر العقاري والتوثيق هي الجهة المنوطة بتلقّي عمل الإقرارات والتصديق على التوقيعات الخاصة بالتبرع.

ويقول رئيس مصلحة الشهر العقاري والتويثق الدكتور جمال ياقوت، قبل صدور هذا القانون كان يُحظر على جميع مكاتب الشهر العقاري توثيق أو التصديق على الإقرارات الخاصة بنقل الأعضاء ولا يجوز توثيقها بل كان يمتنع على السادة الموثقين إجرائها إلى أن جاء هذا القانون بشأن تنظيم وزراعة الأعضاء البشرية ووضع الضوابط والشروط التي على هديها يتم نقل وزرع الأعضاء بين الأحياء أو بين الأحياء والأموات وصدر هذا القانون بعد موافقة الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية."4"

3- التبرع بالأعضاء بين الشرع  والقانون

وبقرار السيسي بالتوسع في زراعة الاعضاء ، عادت قضية التبرع بالأعضاء بعد الموت إلى الواجهة في مصر مجددا وسط زخم إعلامي كبير،  ومخاوف من ان يكون ذلك بوابة للتوسع في تجارة الاعضاء بمصر على حساب الفقراء .

وأوضحت الدولة اتجاهها لهذا التوسع من خلال تصريحات السيسي، وتأكيد مستشارة لشؤون الصحة والوقاية الدكتور محمد عوض تاج الدين، أنه يتم دراسة إضافة اختيار التبرع بالأعضاء في بطاقة الرقم القومي، وهو معمول به في كثير من بلاد العالم.

وكان أول توثيق  رسمي (لسيدة) للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة عام 2018،  وإن عدد الذين تمكنوا من توثيق توكيل رسمي للتبرع بأعضائهم 15 شخصا  حتي 2022 .

وتعود فكرة توثيق أول توكيل رسمي للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة إلى شخص يدعى يوسف راضي عام 2014، دشّن مع آخرين مجموعة "التبرع بالأعضاء بعد الوفاة" على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتجاوز عدد أعضائها 10 آلاف بقليل، وهي مجموعة مغلقة.

وشهدت مصر انتشارا واسعا لتجارة الأعضاء البشرية، ولذلك شهدت التشريعات  مضاعفة الغرامة، وشهدت العقوبة تغليظا لتصل إلى الإعدام وفق قانون رقم (142) لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام القانون رقم (5) لسنة 2010، بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية."5"

4- مؤسسات دينية تبيح نقل الأعضاء وعلماء يعارضون

في فتوى حملت رقم 739 بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول 2003، أباحت دار الإفتاء المصرية التبرع بالأعضاء وفق ضوابط وشروط محددة، أهمها وجود غاية طبية ضرورية وملحّة، وموافقة المتبرع، وعدم تقاضي أي مقابل مادي أو معنوي بشكل مباشر أو غير مباشر.

وفي عام 2009 أجاز مجمع البحوث الإسلامية، التابع لمشيخة الأزهر، في مؤتمره العام، التبرع بالأعضاء للمتوفى. وحسب مواقع محلية، شهد المؤتمر تقديم 3 أبحاث لكل من شيخ الأزهر رئيس مجمع البحوث الإسلامية محمد سيد طنطاوي، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، وعميد كلية الطب بجامعة الأزهر السابق إبراهيم بدران، حيث أباحوا نقل الأعضاء، سواء بين الأحياء أو الأموات إلى الأحياء، وحرموا البيع.

وأكد مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الموقف نفسه عام 2009، وهو ما مهد لصدور قانون نقل وزراعة الأعضاء في العام التالي، حيث أصدر المجمع بياناً ينص على أن "تبرع الإنسان البالغ العاقل المختار غير المكره بجزء من جسده جائز شرعاً بين الأقارب وغيرهم ما دام التبرع يقول بنفعه الأطباء الثقات على أساس قاعدة الإيثار وبشروط منها ألا يكون العضو المتبرع به أساسياً لحياة صاحبه، وألا يكون حاملاً للصفات الوراثية ولا من العورات المغلظة، وألا توجد وسيلة أخرى تغني عن نقل الأعضاء".

على الناحية الأخرى، كان للشيخ محمد متولي الشعراوي، وزير الأوقاف المصري الأسبق، فتوى شهيرة تحرم التبرع بالأعضاء باعتبارها "ملكاً لله وليس البشر"، ودائماً ما تبرز إلى الواجهة عند إثارة القضية.

كما رأى أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشيخ أحمد كريمة أن إثارة قضية زراعة الأعضاء البشرية تهدف إلى "إلهاء وإشغال الرأي العام المصري عن مشاكله الرئيسة كما رأينا في المساجلات التي أثيرت بخصوص إرضاع المرأة لأطفالها وخدمتها في بيتها، فقد جرّوا العلماء والمفكرين وغيرهم إلى قضايا ثانوية".

وأشار كريمة مؤخرا -في حديث للجزيرة نت- إلى أنه لا توجد حتى الآن بنوك أعضاء لاستقبالها وحفظها، ومن ثم فإن إثارة تلك القضية من باب العبث، وهناك قضايا مهمة في المجتمع لا يتحدث عنها الإعلام ولا يجرؤ.

وفي ما يتعلق بالحكم الشرعي، يخالف الشيخ كريمة الرأي القائل بجواز وإباحة زرع الأعضاء، وقال إن رأيه الشخصي الذي يمثله فقط ولا يمثل الأزهر هو تحريم وتجريم نقل الأعضاء الآدمية من حي إلى حي ومن ميت إلى حي، لأن الآيات القرآنية واضحة حيث يقول عز وجل "إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كانَ عَنهُ مَسْئُولا"، أي إن الأعضاء الآدمية ملك لله.

وحذر كريمة من آثار زرع الأعضاء وفتح باب الاتّجار بها، واستغلال الفقراء، فقال "الذي ينتفع هم السماسرة والأطباء والمستشفيات، ويتم البيع تحت مسمى التبرع حتى لا يتعرض أحد للمساءلة القانونية، وسيتم تحويل أعضاء الفقراء إلى قطع غيار للمقتدرين، لذا فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".

لا توجد قواعد ولا آليات علمية

ورغم ما أثير حول قضية توثيق التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، فلا توجد قواعد ولا آليات لتنظيم مثل هذه الأمور، حسب الدكتور رشوان شعبان عضو مجلس نقابة الأطباء المصريين وممثل اتحاد نقابات المهن الطبية.

وأوضح شعبان، في تصريحات للجزيرة نت، أن عملية التبرع بالأعضاء بحاجة إلى إمكانات غير متوفرة، ولا توجد لديهم ملفات تتعلق بحالتهم الصحية، ومدى كفاءة أعضائهم، "ولا نعرف متى وأين سوف يموتون".

وأضاف شعبان أن عدم وجود بنوك خاصة بالتعامل مع أعضاء المتوفين يحول دون تطبيق التبرع في حال وفاتهم، "رغم أن بعض الدول العربية سبقتنا في هذا الأمر".

واستبعد عضو مجلس نقابة الأطباء أن يفتح تقنين التبرع باب الاتجار بالأعضاء، لأن المتوفى سيكون قد مات سواء أكان فقيرا أم لا، بخاصة أن القانون يجرّم بيعها بمقابل، فلن يستفيد حتى الورثة لأن عملية نقل الأعضاء ستكون خاضعة لقواعد وضوابط وزارة الصحة."6"

5- حملة ترويج إعلامية واسعة للتبرع بالأعضاء  

وتبع قرار السيسي بإنشاء اكبر مركز للتبرع بالأعضاء  حملة إعلامية واسعة للترويج ، شارك فيها فنانون، فوجدنا إعلان إلهام شاهين بشكل مفاجئ رغبتها في التبرع بأعضائها السليمة بعد وفاتها، مؤكدة أنها وثقت ذلك رسمياً في الشهر العقاري وأبلغت أشقاءها به!

كما أعلنت  الصحفية المؤيدة للنظام وعضو مجلس النواب المصري فريدة الشوباشي تبرعها بكل أعضائها بعد الموت قائلة "أوصيت ابني الوحيد بأن يتبرع بكل أعضائي بعد وفاتي".

وعلى الرغم من كل هذا الجدل القديم المتجدد في مصر في شأن قضية التبرع بالأعضاء، فإن مصر- رغم تعداد سكانها الضخم- من أقل الدول التي تشهد رواجاً للفكرة، في وقت تحتل البلاد مكاناً متقدماً في عدد الوفيات بسبب حوادث الطرق التي تعد مصدراً مهماً للتبرع بالأعضاء حول العالم، إذ سجلت الإحصاءات الرسمية نحو 12 ألف حالة وفاة في حوادث الطرق عام 2019."7"

6- مصر أكبر سوق لتجارة الاعضاء  

تزدهر تجارة الأعضاء البشرية داخل مستشفيات كبرى في مصر تحت مسمى (التبرع)، وتندرج مصر ضمن الدول العشر الأولى ذات الرواج الأكثر لتجارة الأعضاء في العالم. وصنفت الأمم المتحدة مصر في المركز الخامس عالمياً عام 2010، على خلفية اضطرار آلاف من مواطنيها إلى بيع أعضائهم مثل الكلى والكبد، بسبب معاناتهم من العوز والفقر والديون.

واحتلت مصر المركز الثالث عالميًا فى تجارة الأعضاء البشرية عام 2016، فى ظل مجتمع لا يأمن فيه الفقير على نفسه وأهله شر العوز والجوع، وصارت أجساد المصريين مصدراً لمواجهة ذل السؤال... وهي أجساد نال منها الجوع والفقر ما نال إلا أنها بضاعتهم الوحيدة يعرضونها فى سوق تسيطر عليه عصابات وتحكمه قوانين خاصة.

فحسب دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، أصبحت مصر تتصدر الدول فى تجارة الأعضاء البشرية على مستوى الشرق الأوسط.

وتؤكد دراسة للمركز القومى للبحوث الجنائية، رواج هذه التجارة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث إن القائمين على هذه التجارة غير المشروعة، وضعوا لأنفسهم قانوناً لحمايتهم حال وقوعهم فى أيدى العدالة، وهو إبرام «عقد تبرع» بين الطرفين المشترى والبائع، يقر فيه بتنازله عن العضو الجسدى الخاص به وهو فى كامل إرادته.

الغريب أن كل هذه الممارسات تحدث على الرغم من أن المادة السادسة من قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 64 لعام 2010، تنص على معاقبة كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه.

ووفقاً للعديد من التقارير، فإن تجارة «الكُلى» هى أكثر الأعضاء البشرية مبيعاً فى مصر، ويصل سعرها إلى 80 ألف دولار يتم توزيعها بين البائع والجراح وعدد من الوسطاء، بينما تعتبر قرنية العين من أفضل الأعضاء التى يمكن تهريبها، حيث يتم حفظها فى ثلاجات معينة، ويمكن استخدامها خلال 24 ساعة من يوم استخراجها، بالإضافة إلى أنها ليست من العمليات المعقدة ولا تحتاج لأدوات كثيرة.

وتعمل عصابات تجارة الأعضاء بمساعدة بعض المستشفيات والمعامل الخاصة، بعد إغراء الضحايا بالأموال، ويتورط فيها وسطاء وسماسرة شكلوا معاً عصابات للجريمة المنظمة تمارس عملها فى الخفاء بعيداً عن رقابة وزارة الصحة والأجهزة الأمنية، وترتبط بعلاقات مشبوهة مع منظمات دولية يمتد نشاطها بين الدول الفقيرة التى تواجه اضطرابات داخلية وحروباً أهلية مثل سوريا والعراق وفيتنام والسودان وباكستان وأفغانستان والدول التى يحتاج مرضاها إلى قطع غيار بشرية مثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.

وينحصر ضحايا تلك التجارة فى فئات اجتماعية بعينها، يأتى على رأسها الفقراء والمحتاجون الذين يقبلون ببيع أعضاء أجسادهم مقابل مبالغ مالية؛ لمواجهة ظروف الحياة الصعبة، وهو ما يبدو ظاهرياً أنه يتم وفقاً لإرادتهم، لكنَّ هناك الكثير من الطرق التى يتم بها إجبار فئات أخرى على التبرع بأعضائها، ومن ذلك قيام العصابات المنظمة باختطاف بعض المواطنين والأطفال وسرقة أعضائهم تحت التخدير، والدليل على ذلك ارتفاع عدد بلاغات المتغيبين والمفقودين، وكذلك سرقة الجثث بعد دفنها مباشرة، وجثث المحكوم عليهم بالإعدام وليس هناك من يتسلمها.

 كما يعد أصحاب الأمراض العقلية والنفسية المنتشرون بالشوارع صيداً سهلاً للسماسرة لعدم إدراكهم المخاطر الصحية التى يمكن أن يتعرضوا لها مقابل نزع أعضائهم.

ويعتبر أطفال الشوارع وبعض الجمعيات الخيرية سوقاً رائجاً لهذه المنظمات لكونهم الفئة الأضعف فى المجتمع التى لا تمتلك القدرة على الدفاع عن النفس ضد الإيذاء البدنى بالخطف أو القتل أو ضد عمليات النصب التى قد يقعون فريسة لها، بل إن فتيات الشوارع الحوامل لا يسلمن من تلك العصابات التى تقوم بتوفير الرعاية لهن فى أماكن محددة حتى ولادتهن، ثم يقومون بأخذ الطفل وهى عادة لا تريده وتتم المتاجرة بأعضائه أو بيعه فى الخارج للتبنى.

وفى بحث ميدانى أجراه المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بعنوان «صور الاتجار بالبشر فى المجتمع المصري» رصد بيع الأطفال لأعضائهم - من خلال عينة مكونة من 400 طفل - وبالتحديد الكلى فقط، حيث باع طفلان كليتيهما مقابل 15 ألف جنيه لأحدهما، و25 ألف جنيه للآخر، والاثنان من الذكور فى الفئة العمرية من 15 إلى 18 عاماً والاثنان من الذين تسربوا من مرحلة التعليم الابتدائى.

وكثيراً ما يلجأ أفراد العصابات إلى بعض الحيل لسرقة الأعضاء البشرية، ومن ذلك قيام سيارة بصدم أحد المارة فى الشارع وإسراع صاحبها بنقله إلى أحد المستشفيات التابعة لهم بحجة إسعافه، ثم يقومون باستئصال ما يريدونه من أعضائه، ولا يكتشف المصاب ذلك إلا عندما يقوم بإجراء أشعة عندما يعانى من مضاعفات بعد ذلك.

كما تستغل هذه العصابات حالة البطالة التى يعانى منها الشباب المصرى فى إغرائهم بالسفر إلى الخارج عن طريق خداعهم فيطلب منهم إجراء تحاليل فى معامل محددة، وعادة تشير نتيجة التحاليل إلى إصابة العضو المطلوب بمرض يتطلب إجراء جراحة بسيطة، ويعرض السمسار تكاليف العملية على الشاب على أن تكون ديناً يسدد من قيمة عقد العمل فيوافق الشاب ممتناً، وبعدها يكتشف أنه تمت سرقة أحد أعضائه وتم النصب عليه واختفى السمسار والعقد.

الأغرب من ذلك أن مافيا تجارة الكُلى فى سعيها للتغلب على العوائق التى تعترض أعمالها غير المشروعة، يلجأون إلى حيلة شيطانية عن طريق تزويج سيدات وفتيات فقراء يردن البيع من أثرياء عرب بشكل قانونى ظاهرياً، وبعدها يتم الطلاق عقب إجراء عملية الزرع.

وقد تخطى الأمر استغلال تلك الفئات من المصريين، ليتعداه إلى المهاجرين الأفارقة، ففى تقرير لصحيفة التايمز، ذكر أن الأفارقة يعدون سوقاً رائجاً لتجارة الأعضاء، حيث إنهم لا يبلغون عن الانتهاكات التى تحدث فى حقهم بالنظر إلى ارتفاع معدلات الأمية فيما بينهم، إضافة إلى وجودهم فى البلاد بصورة غير شرعية، حتى يتمكنوا من خوض رحلة الموت إلى أوروبا عبر البحر، لأن موقع مصر فى منطقة وسط، ووجود أكثر من مسار يتخذه المهاجرون الأفارقة نحو أوروبا يجعلها المكان المثالى لتلك التجارة.

وكشف التقرير، أن مهاجرين إريتريين لم يتمكنوا من دفع أموال المهربين، وتم بيعهم لبعض القبائل البدوية فى سيناء لحصد أعضائهم مقابل 15 ألف دولار.

وأشار التقرير إلى أن أحد المتبرعين دفع له ما يعادل 15.595 جنيه إسترلينى مقابل بيع كليته، وأن المتلقين يكونون فى أغلب الأحوال من مواطنى دول الخليج.

وأضافت الصحيفة أن صوراً تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعى أظهرت جثامين تسعة لاجئين صوماليين عثر عليها على أحد الشواطئ فى مصر، وقد امتلأت أجسادهم بالندوب، ما يرجح سرقة أعضاء منهم قبل قتلهم.

كما أشار تقرير الاتجار بالبشر الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية العام الماضى إلى أن الأعضاء التى تمت سرقتها من الأفارقة بعد قتلهم، تباع داخل إسرائيل بمبالغ تتراوح بين 100 و150 ألف دولار.

وعلى المستوي الرسمي قال نقيب الأطباء المصريين إن مصر أصبحت تحتل المركز الثالث عالمياً في تجارة الأعضاء البشرية، فيما اعترف وزير الصحة والسكان الأسبق في عام 2016  أن مصر ينتشر فيها تجار الأعضاء، وذلك لأسباب اقتصادية تتعلق بالفقر."8

 7- ارتفاع معدالات الاتجار في الأعضاء بسبب تدهور الظروف المعيشية

وفي ظل الازمة الاقتصادية التي يعيشها المصريين، يستغل سماسرة وتجار الأعضاء البشرية فقر كثيرين في مصر، خلال العهد الحالي الذي يشهد أسوأ الأزمات الاقتصادية، لشراء أعضائهم بأثمان بخسة، والتربح منها.

وقد ازدادت خلال الفترة الأخيرة جرائم الاتجار بالأعضاء البشرية في مصر، إذ انتشر أطباء وسماسرة يتولون عمليات البيع في عدد من المستشفيات الخاصة، وربما العيادات الطبية البعيدة عن الرقابة.

وفسر البعض ذلك بسوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة وضعف قدرة المواطنين على تلبية حاجاتهم اليومية الأساسية، وارتفاع نسبة الفقر ومتطلبات المعيشة، بعدما وصل الأمر إلى حد الإعلان عن بيع أعضاء بشرية بوسائل المواصلات العامة، وفي الشوارع، أو عبر وسائل الإعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.

وكانت الأجهزة الأمنية المصرية، قد تمكنت من ضبط عصابة للاتجار بالأعضاء البشرية بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، في عام 2019  بالقرب من القاهرة، تخصصت في استقطاب عدد من الأهالي. وتبين من التحريات أنّ العصابة تضم ممرضة بأحد المستشفيات الخاصة ومعها ثلاثة آخرون من بينهم زعيم العصابة.

وكشفت مصادر مسؤولة، أنّ مدينة السادس من أكتوبر، أصبحت معقلاً لتجارة الأعضاء البشرية خلال السنوات الأخيرة، لوجود كثير من الجنسيات العربية فيها، كما أنّ المدينة تضمّ عدداً كبيراً من المستشفيات الخاصة والاستثمارية. يتاجر بعض هذه المستشفيات بالأعضاء البشرية لعائدها المالي الكبير.

وفي   22 آب/أغسطس 2017  تم الكشف عن شبكة كبيرة لبيع الاعضاء في مصر، وتم  اعتقال 12 شخصا في محافظة الجيزة جنوب القاهرة يشكلون شبكة للإتجار بالأعضاء البشرية، وذلك بعد أيام قليلة من انتشار تحقيق صحفي ألماني على شبكات التواصل الاجتماعي يكشف عن بعض كواليس مافيا تجارة الأعضاء، ما أحدث حالة من الصدمة في الأوساط الاجتماعية المصرية. وبالرغم من نفي وزارة الصحة المصرية صحة ما جاء في التحقيق، إلا أن تقارير أممية أشارت إلى "ازدهار" هذه التجارة في مصر خلال العشرية الأخيرة.

ويوضح تحقيق أعده الصحافي الألماني تيلو ميشكي لصالح قناة بروشايبن proSeiben الألمانية المراحل التي تقوم على أساسها عملية "تجارة الدم" كما سماها في تقريره ، تبدأ هذه العملية بإقناع العميل ببيع أحد أعضائه، ليليها إجراء التحاليل الطبية اللازمة للتأكد من سلامة "البائع"، ومن ثم يقوم بالإقرار كتابيا أنه يتبرع بأحد أعضائه دون مقابل، للالتفاف على القانون الذي يجرم بيع الأعضاء البشرية بمقابل مادي.

ويكشف التحقيق أن شبكات التجارة بالأعضاء أصبحت أكثر تنظيما في العشرية الأخيرة، واكتسبت شكلا احترافيا بدءا من الوسيط الذي يكون في أغلب الأحيان، حسب التحقيق، سوداني الجنسية وانتهاء بالطبيب المصري الذي يجري عملية الاستئصال. ويتكفل (الوسطاء) السماسرة بكافة الإجراءات، ويلجؤون في بعض الأحيان إلى استقدام سودانيين من بلادهم بعد منحهم تأشيرات دخول لمصر.

وتقدر الأرقام الرسمية للمفوضية العليا للاجئين أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين في مصر بنحو 26 ألف شخص، ولكن الأرقام الفعلية ربما تكون أكثر من ذلك بكثير بسبب دخول العديد إلى البلاد بصورة غير شرعية.

ووفقا للتحقيق، لا تتم دائما عملية البيع بالتراضي مع البائع، وإنما يتم أحيانا "انتزاع" الكلية من الضحية دون موافقته عن طريق عصابات إجرامية مسلحة، كما يروي أحد الضحايا السودانيين في التحقيق الذي استعان خلاله الصحافي بكاميرات خفية للتصوير ، أما عن المقابل المادي، فيصل إلى 7 آلاف دولار عن كل عضو.

بينما تشير التقديرات إلى أن تجارة الأعضاء تحقق أرباحا عالمية تتجاوز المليار يورو، ويختتم الصحافي الألماني تحقيقه بالقول إن "الإنسان يتم استغلاله كمخرن لقطع الغيار البشرية وشبكات الإتجار بالأعضاء تحصد المكاسب. ويبقى الإنسان ليس له ثمن هناك".

وفي عام 2016، نشرت مجلة علوم الإجرام البريطانية دراسة حول تجارة الأعضاء البشرية في مصر، واعتبرت أن تلك التجارة انتشرت بصورة ملحوظة بعد عام 2010، وأن اللاجئين السودانيين، خاصة غير الشرعيين يشكلون قسما كبيرا من الضحايا، حيث يخاف أغلبهم الإبلاغ إذا وقع لهم سوء بعد العملية، وحتى في حالة الشكوى لا تعتبرهم السلطات المصرية ضحايا.

وسلطت الدراسة البريطانية هي الأخرى على مراحل "عملية البيع" بدءا من السمسار الذي يبحث عن ضحيته ثم التفاوض على المقابل المادي الذي يتراوح بين 5 آلاف 30 ألف دولار. وبعد ذلك يأتي دور معمل التحليل للتأكد من مطابقة الأنسجة بين البائع والمريض ثم في النهاية التواصل مع الطبيب والمستشفى لإتمام "الصفقة".

تقرير آخر أعدته منظمة cofs الأمريكية غير الحكومية ومقرها واشنطن، يعود إلى عام 2011، استطاع الحصول على شهادات 57 سودانيا باعوا أعضائهم، من بينهم 5 أطفال دون سن الـ18. ويشير إلى استخدام السماسرة ثلاثة سبل للإيقاع بالضحية، وهي الإغراء أو الإكراه أو حتى السرقة.

ويروي أحد الضحايا في التقرير "حين عرض علي بيع كليتي رفضت في بادئ الأمر ولكن في النهاية لم يكن أمامي خيار آخر للحصول على المال وتأمين حياتي أنا وأخي الأصغر مني الذي كان برفقتي".

وبالإضافة إلى اللاجئين السودانيين، يشكل الأطفال "سلعة" رائجة في تجارة الأعضاء. وتم الكشف في مصر مؤخرا عن عصابات متخصصة في هذا المجال، حيث تقوم "بتوريد" الطفل المخطوف إلى رجال أعمال وأطباء، وفقا لاعترافات طفل يبلغ من العمر 15 عاما قبض عليه ضمن شبكة للإتجار بالأعضاء في شهر نيسان/أبريل الماضي.

ويمثل أطفال الشوارع صيدا سهلا لهذه التجارة. كما يعد خطف الأطفال وقتلهم لسرقة أعضائهم أكثر ربحا للتجار حيث أن سرقة الأعضاء في هذه الحالة لن تقتصر على كلية واحدة وإنما "سيظفر التاجر" بصيد ثمين من كليتين وقلب وكبد وقرنيتي عينين.

وتشير دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية المصرية عام 2010 شملت 150 حالة بيع طواعية للأعضاء، إلى أن جميع البائعين ينتمون إلى مستوى اقتصادي منخفض ويمرون بأزمات مالية ملحة.

ويعتبر الفقر أحد أهم العوامل المؤدية إلى "ازدهار" تلك التجارة غير القانونية في مصر، ويقتنص "السماسرة" ضحاياهم من الأحياء الشعبية، حيث ينتشر الفقر والجهل، فيصبح الإنسان فريسة سهلة لبيع أجزاء من جسده بعد إغرائه ببضع آلاف من الدولارات."9"

وكشفت تقارير منظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى تقارير أممية وحقوقية مصرية عدة، عن ازدهار تجارة الأعضاء في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، لتصبح من أكبر الأسواق في تجارة الأعضاء البشرية في العالم، وأنّ تلك التجارة آخذة في النمو.

ويكشف أستاذ المسالك البولية في جامعة "عين شمس" الدكتور عادل حسين، أنّ بيع الأعضاء البشرية جريمة كبيرة وانتهاك لحقوق الإنسان، موضحاً أنّ بعض المستشفيات الخاصة تقوم ببيع الكلى أو جزء من الكبد عن طريق الأطباء والسماسرة الذين يتعهدون للمريض أو ذويه بإحضار من يرغب في البيع، مؤكداً وجود عصابات لسرقة الأعضاء البشرية من الجثث مجهولة الهوية وبيعها بأسعار خيالية، مشيراً إلى أنّ بيع الأعضاء البشرية منتشر في الأحياء الشعبية نتيجة البطالة والأزمات الاقتصادية المتعددة، وهو ما يدفع الأهالي إلى البيع يأساً وفقراً."10"

محسوبون على النظام يتورطون في تجارة الأعضاء البشرية

وقد شهدت مصر فضيحة في نوفمبر 2021 ، حيث  تورط فيها أساتذة جامعيين محسوبين على النظام ، حيث تم القبض على "تشكيل عصابي" متخصّص في تجارة الأعضاء البشرية خارج إطار القانون، برئاسة رئيس قسم الكلى في أحد مستشفيات القاهرة الشهيرة، ويضم أستاذ مسالك بولية في كلية الطب، وأستاذ تخدير بإحدى الجامعات، ومدير إدارة في معمل خاص للتحاليل الطبية، وموظفة في معهد الكلى، وممرّض في مستشفى خاص، و4 أشخاص آخرين.

أفادت تحرّيات الشرطة ،التي أعلن عنها في وسائل إعلام مصرية ، بأنّ التشكيل تخصّص في تجارة الأعضاء البشرية، لا سيما في مجال زراعة الكلى، مستغلاً الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض البسطاء، والمرضى الذين يواجهون مشاكل صحية تحتاج إلى إجراء عمليات جراحية، ولا تسمح أوضاعهم المادية بإجراء تلك العمليات.

وأضافت التحريات أنّ أفراد التشكيل أقنعوا العديد من المرضى بأنه يمكنهم إجراء العمليات التي يحتاجونها بالمجان، نظير تبرّعهم بإحدى كليتيهم، والضغط عليهم مستغلّين ظروفهم المرضية، للموافقة على نقل إحدى الكليتين مقابل إجراء جراحة أخرى، أو مقابل مبالغ مالية زهيدة تتراوح بين 20 و30 ألف جنيه (أقل من ألفي دولار أميركي).

وأشارت إلى حصول أفراد التشكيل، في المقابل، على مبالغ مالية ضخمة نظير بيع الكلية الواحدة، وتبدأ من 250 ألف جنيه (16 ألف دولار تقريباً) من المتبرّع له. وفي سبيل ذلك، زوّر بعض المتّهمين الأشعة والتحاليل الطبية، بغرض الحصول على موافقة الأجهزة المعنية لإجراء العمليات الطبية، في حالات كون المجني عليهم لا تتوافر فيهم الاشتراطات الصحية اللازمة.

وحصل أفراد التشكيل على موافقات كتابية من المجني عليهم، وتمّ تصويرهم بمقاطع فيديو تتضمن إقرارهم بموافقتهم على التبرّع من دون مقابل مادي، على خلاف الحقيقة، وذلك حتى يتمكنوا من إجراء عمليات زرع الكلى من دون مساءلة قانونية.

وأظهرت التحريات أنّ أفراد التشكيل أجروا نحو 120 عملية زراعة كلى بالطريقة ذاتها، خلال عامي 2019 و2020، ما دفع أجهزة الأمن في القاهرة إلى القبض على المتهمين، وإحالة القضية برمتها إلى النيابة العامة لتولي التحقيق في ملابساتها.

 وفي عام 2020  ضُبطت شبكة دولية كبرى تنشط في مجال الإتجار في الأعضاء البشرية بالأزبكية، مؤلفة من ثمانية أفراد، من بينهم أطباء من كليتي الطب في جامعتي القاهرة وعين شمس، ومن مستشفى أحمد ماهر التعليمي، ومعهد الكلى، ومختبرات ومعاهد خاصة.

وكانت الشبكة تعمل على استقطاب المرضى الأجانب الذين هم في حاجة إلى عمليات زرع كلى، لقاء مبالغ تصل إلى 150 ألف جنيه (نحو 9600 دولار) ، وجاء منطوق الحكم حضوريا لبعض المتهمين ى10 سنوات ، وغيابا 15 عام.

وفي عام 2016 ، تم ضبط أكبر عصابة للإتجار في البشر ، حيث أعلنت هيئة الرقابة الإدارية،عن ضبط أكبر شبكة دولية للاتجار بالأعضاء البشرية، تضم مصريين وعربًا.

واستغلت الشبكة الظروف الاقتصادية لبعض المصريين للاتجار في الأعضاء البشرية مقابل مبالغ مالية زهيدة في حين يحصلون هم على مبالغ مالية باهظة.

كما ضبطت الهيئة ملايين الدولارات والجنيهات لدى المتهمين من متحصلات الاتجار في الأعضاء البشرية، ومن بين أعضاء الشبكة أساتذة وأطباء وأعضاء هيئة تمريض وأصحاب مراكز طبية ووسطاء وسماسرة

وأكدت الهئية في بيانها، أن الشبكة تضم 41 متهمًا، منهم 12 طبيبًا و8 ممرضين وعدد من أساتذة الجامعة والوسطاء، الذي تمكنوا من تحقيق ثروات طائلة من خلال تلك العمليات غير المشروعة وباشرت وقتها اليابة تحقيقاتها في الجريمة ."11"

 8- أخطر 6 عصابات لتجارة الأعضاء البشرية  

وشهدت مصر بين عامي 2014 و2016 سقوط أخطر 6 عصابات للتجارة في الاعضاء البشرية،  وأغلبهم فى مناطق عشوائية سواء المرج أو السيدة زينب أو الخليفة والأزبكية، وتشكيل آخر فى المعادى.

وكشفت النيابة عن تورط طبيب وممرض وموظفة بمستشفى حكومى بالجيزة فى شبكة تجارة الأعضاء البشرية بمنطقة السيدة زينب، وذلك بعد استدراج  الفقراء والمغتربين والمتعسرين ماديا للتبرع بأعضائهم، ويتم إجبارهم على توقيع شيكات وإيصالات أمانة؛ لضمان عدم إخلالهم بالاتفاق أو إبلاغ الشرطة عن الواقعة.

كما كشفت الصدفة عن عصابة المرج، بعد أن أبلغ بعض الأهالى الشرطة عن صدور أصوات مشاجرات متكررة فى شقة سكنية يقطنها رجال ونساء غرباء عن المنطقة.

وداهمت الشرطة الشقة، واكتشفت وجود ثلاجات ممتلئة بأعضاء بشرية تم انتزاعها من الفقراء والمعوزين، مقابل مبالغ مالية، وأن المشاجرات الكثيرة التى نشبت بين أعضاء العصابة كانت بسبب الخلاف على تقاسم أرباح جرائمهم.

كما أعلنت أجهزة الأمن عن ضبط شبكة لتجارة الأعضاء البشرية، تتخذ من أحد المقاهى بوسط القاهرة مقراً لإدارة عملياتها، وأكدت التحريات أن 4 متهمين، بالاشتراك مع آخرين، وراء الحادث.

وتبين أن المتهمين يتخذون من مقهى بشارع "الألفى" وسط القاهرة، مكاناً لمزاولة نشاطهم غير المشروع، واعترفوا باستقطاب المواطنين، وتحريضهم على بيع أعضائهم البشرية، نظير مبلغ مالى، وأن عمليات الاستئصال تتم بمعرفة عدد من الأطباء بمستشفيات شهيرة.

كما اتخذت عصابة تجارة الأعضاء البشرية بالمعادى عقارا بمساكن صقر قريش الدور الرابع، مسرحا لمزاولة جرائمهم، وتبين أن بداخلها ثلاجة لتجارة الأعضاء البشرية، ومكان للنقاهة والتجهيز لضحايا المتهمين، وقررت النيابة حبس 4 سماسرة يتاجرون فى الأعضاء البشرية بينهم سيدة."12"

9- الجيش يتورط  بتجارة أعضاء 16 ألف مشرد

في اكتوبر 2021 ، تحدث معارض مصري عن "جريمة كبرى"، على حد تعبيره، متمثلة في سرقة أعضاء نحو 16 ألف طفل مشرد، متهما الجيش بالتورط فيها.

وبينما استبعد خبراء واقعية تلك المزاعم، من الناحية العلمية والمنطقية، فإن آخرين طالبوا بتحقيقات واسعة، لا سيما في ظل وجود قرائن تدفع نحو مخاوف عميقة.

واتهم الناشط واليوتيوبر المعارض تامر جمال، الشهير بـ"عطوة كنانة"، النظام، عبر مقطع فيديو نشره مساء 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بإخفاء أكثر من 16 ألف طفل شوارع ومشرد ومختل عقليا.

وزعم جمال أن كل هؤلاء الأطفال تعرضوا لعملية سرقة لأعضائهم، مؤكدا أن تلك الجرائم تجري في مستشفى "القنطرة غرب" بمدينة الإسماعيلية برعاية الجيش والمخابرات الحربية والشرطة، وفق شهادات لأطباء وصلته من تلك المستشفى.

وربط الناشط الأمر بمجموعة قرارات اتخذها النظام، بينها احتكار الجيش استيراد كل ما يتعلق بمجال الصحة والطب عبر "لجنة الشراء الموحد" التابعة له، وذلك قبل قرار بإغلاق بنوك "القرنيات" في مستشفيات قصر العيني وعين شمس وروض الفرج، بدون سبب واضح.

ونشر جمال ما قال إنه تسريب صوتي لأحد الأطباء في أحد مستشفيات مدينة السويس (شرق القاهرة) يؤكد فيه قيام السلطات بجمع أطفال الشوارع وفاقدي الأهلية، قبل إخفائهم.

وفي التسريب، قال الطبيب إنه منذ فترة يأتي إلى المستشفى عدد من أطفال الشوارع والمتسولين في عربات شرطة، ويتم سؤال طبيب الصحة بحقهم: هل هؤلاء مدركون أم غير مدركين (عقليا)؟، موضحا أنه من واقع الكشف يجري كتابة التقرير ثم تأخذهم سيارة الشرطة ثانية.

وتساءل الطبيب الذي لم يكشف عن هويته ولا اسم المستشفى الذي يعمل فيها: "إلى أين يذهب هؤلا؟ وما الهدف من سؤال طبيب الصحة عن حالتهم العقلية؟"، ليجيب بـ"لا نعرف"، مؤكدا أنها "ظاهرة ملاحظة مؤخرا ويعرفها كثير من الأطباء الحكوميين".

وبمجرد نشر المقطع، زعمت مصادر تامر جمال، أنه جرى تشديد أمني واسع بمحيط مستشفى "القنطرة غرب" الذي تجري فيه عمليات سرقة الأعضاء.

وبعد يومين من فيديو تامر جمال وتسريب الطبيب؛ نشرت صحف "الأهرام" و"الأخبار"، و"الجمهورية" و"اليوم السابع"، و"الشروق"، وغيرها من وسائل الإعلام المحسوبة على النظام، بشكل متزامن، نفي مصدر أمني من وزارة الداخلية -دون وزارتي الصحة أو التضامن- تورط الحكومة بسرقة وتجارة الأعضاء البشرية.

وأثارت قرارات النظام بغلق بنوك القرنيات في مصر إثر حملة إعلامية ضدها رغم ما كانت تقدمه للمصريين من قرنيات مجانية، الكثير من الجدل، خاصة أنه تبعها بأشهر احتكار الجيش لجميع أعمال الاستيراد بمجال الصحة والدواء.

وأعلن عميد كلية طب قصر العيني الدكتور فتحي خضير، في آب/ أغسطس 2018، في حديث تليفزيوني، وقف الخدمة في بنك العيون بالمستشفى، مؤكدا أنه منذ سنوات، تم إغلاق بنك العيون بمستشفى "الدمرداش"، بعد حملة ممنهجة مماثلة لصالح شركات تستورد القرنيات.

وفي 31 آب/ أغسطس 2019، أصدر رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسى، القانون رقم 151 لسنة 2019 بإنشاء "الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي"، برئاسة مدير "مجمع الجلاء الطبي" للقوات المسلحة اللواء بهاء الدين زيدان، ومنح الهيئة اختصاصات واسعة.

وباستطلاع جذور قصة اختفاء 16 ألف مشرد، نجد أن وزارة التضامن كانت أكدت أنها تعاملت مع 16 ألف طفل شوارع وجرى إيداعهم دور الرعاية، وفقا لتعليمات السيسي في شباط/ فبراير 2015، حينما أعلن رصد 100 مليون جنيه من صندوق تحيا مصر لاحتواء أطفال الشوارع.

وفي العام 2016، تمكن برنامج "أطفال بلا مأوى" التابع لوزارة التضامن من عمل تدخلات لـ16 ألفا و830 طفلا، مؤكدا أنه تم دمج 830 منهم في مؤسسات رعاية الأطفال وبعضهم جرى دمجه مع أسرهم وفق تقرير رسمي، ولكن دون الكشف عن مصير نحو 16 ألف طفل آخرين.

وبالبحث عن الأمر عبر الإحصاءات الرسمية، فإن دور الرعاية في مصر لا تتسع إلا لنحو 10 آلاف من المشردين، ولا يمكنها احتواء 16 ألف مشرد مع نزلائها القدامى الذين يشغلون نسبة 60 بالمئة وفق إحصاء رسمي، ما يدفع للتساؤل عن مصير 16 ألف مشرد اختفوا من الشوارع.

ووفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) عام 2016، فقد بلغ عدد المؤسسات الراعية للأطفال المحرومين من أسرهم 471 دارا، ترعى 9,729 طفلا، ما يكشف أن تلك المؤسسات لا يمكنها استيعاب الـ16 ألفا و830 طفلا الذين أعلنت وزارة التضامن عن إيوائهم.

رغم ذلك، يبدو أن رقم الـ16 ألف مشرد تزايد مع مواصلة وزارة التضامن احتواء وجمع أطفال الشوارع والمشردين؛ ففي حزيران/ يونيو 2021، أكدت وزارة التضامن، أنه تم التعامل مع 21 ألفا و738 من الأطفال والكبار في وضعية بلا مأوى ومتسول ومريض نفسي أو عقلي.

وأوضحت الوزارة أنه تم دمج 2,938 طفلا بلا مأوى و583 من الكبار بلا مأوى مع أسرهم وفي مؤسسات رعاية، كما أنه تم التعامل مع 11 ألفا و774 طفلا عاملا في الشارع، وذلك من خلال 21 مؤسسة في 13 محافظة أهمها القاهرة والجيزة.

وفي تعليقه على التسريب، يقول "محمد فؤاد"، المدير التنفيذي لـ"المركز المصري لحماية الحق فى الدواء" وفي ذلك الوقت ، إن "هذا الحديث يحتاج إلى التوثيق من المصدر نفسه"، لافتا إلى أنه لا يمكن الجزم بصحة ما جاء فيه أو نفيه على علته دون التأكد.

تابع فؤاد بأن "مصر من الدول التي تشهد من آن لآخر القبض علي متهمين بسبب موضوع اختفاء الأطفال، ولا أعتقد أن التصور المعروض بالفيديو صحيح لأن عملية نقل وزراعة الأعضاء أو سرقتها ليس بهذه البساطة ومعقدة جدا علميا".

ويوافقه الرأي رئيس لجنة الصحة بمجلس الشورى سابقا الدكتور عبدالغفار صالحين، بقوله لـصحيفة"عربي21": لا أستطيع التعليق على القصة دون صدور بيانات أو دلائل أو عمل تحقيق صحفي استقصائي يؤكد الجريمة أو ينفي حدوثها"."13"

 10- تقنين تجارة بالبلازما في مصر

وأذا انتقلنا لتجارة بشرية أخري، سنجد ان موضوع بيع بلازما الدم الذي أثير مؤخرا تسبب في الكثير من اللغط ، فقد وافق  برلمان السيسي في   مارس 2021 بصفة نهائية على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن "تنظيم عمليات تجميع بلازما الدم لتصنيع مشتقاتها وتصديرها"، والهادف إلى جمع وتوزيع الدم ومركباته بغرض التصنيع في مصر، وتصدير بلازما الدم كمادة خام بغرض بيعها في الأسواق العالمية، بناءً على توجيهات رئاسية.

شمل القانون عددا من المواد الكارثية، فنصت المادة الحادية عشر من الفصل الخامس على أن يلتزم مركز تجميع بلازما الدم بمنح المتبرع عِوضاً يتناسب مع نفقات الانتقال ومقابل التغذية، وأي نفقات أخرى يتحملها المتبرع في سبيل تبرعه. وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد احتساب "العِوض"، وتلك الصيغة المبهمة جاء تفسيرها واضحا ومحددا وصريحا على لسان وزيرة الصحة السابقة هالة زايد،، والتي أعلنت عن إعداد بطاقة للمتبرع يتم بها صرف مستحقاته بصورة مجمعة كل فترة، بما يؤكد على أنها عملية شراء سلعة من بائع يأخذ عِوضا عن سلعته التي يعرضها للبيع.

وتم استخدام مصطلح "المتبرع المنتظم"؛ وهو كل متطوع للتبرع بالبلازما بشكل منتظم طبقاً للقواعد الطبیة، يعني بوضوح أنه "بائع للبلازما براتب منتظم"، وهذا يخالف تعقيب لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على مسألة بيع البلازما، حيث أصدرت في شهر يونيو عام 2020 فتوى "تحريم بيع بلازما الدم للمتعافين من فيروس كورونا"، باعتبار أن البلازما من الأنسجة وينطبق عليها ما ينطبق على الأعضاء التي يجرّم بيعها وفقا لنص القانون، لقوله تعالى في إطار حرمة الدم المسفوح حتى من مأكول اللحم: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ". ودم ابن آدم جزء منه فهو تابع لأصله، كما نصت علي ذلك السنة القاضية بحرمة الدماء والأموال والأعراض، والناهية عن "ثمن الدم، وعلى ذلك فإنه يحرم بيع الدم مطلقا؛ وحيث أن البلازما جزء من أجزاء الدم، فيحرم بيعه كما يحرم بيع الدم.

وجاء القانون المصري موافقا للشريعة الإسلامية في ذلك الشأن حيث نص القانون رقم 124 لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام القانون رقم (5) لسنة 2010، بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية، على تجريم الاتجار بالأعضاء البشرية وغلظ من العقوبة.

لكن بيع البلازما سوف يكون متاحا قانونيا تحت سمع وبصر الجميع، خاصة وأن الحكومة قد أصرت على شراكة القطاع الخاص في عملية تجميع البلازما؛ وهذا يفتح الباب واسعا أمام الفساد كما هو معروف في الواقع المصري.

 ومن ناحية أخرى فقد نصت المادة الأولى من الفصل الثالث على السماح بعملية تسفير البلازما الخام إلى الخارج، بقصد تصنيع مشتقاتها ثم إعادتها في صورة مستحضرات حيوية، واستيرادها وتصديرها كمادة خام أو في أي مرحلة من مراحل التصنيع، وهذا يعني ببساطة إتاحة بلازما دماء المصريين للبيع في أسواق التجارة العالمية تحت مسمى خادع وهو إعادة التصنيع.

 وتم النص على أن الجهة المسئولة عن ذلك هي هيئة الدواء المصرية بالتعاون مع "الھیئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبیة"؛ والمعروفة باسم "هيئة الشراء الموحد" والتي يترأسها أحد كبار القادة العسكريين. وبذلك فقد أصبح الجيش هو المستحوذ فعليا على تجارة البلازما ومشتقاتها في مصر والخارج.

ولتبرير عملية تصدير البلازما الخام للخارج؛ فقد أعلنت وزيرة الصحة السابقة هالة زايد أن "مشروع القانون يستهدف تجميع البلازما خلال مدة أقصاها 45 يوماً، وتسفيرها إلى الخارج لفصل مشتقاتها البالغة 11 مشتقاً، لتعود منتجاً نهائياً إلى حين إقامة مصنع تجميع وفصل البلازما في مصر، والذي قد يستغرق عاماً أو عاماً ونصف العام، لا سيما أن مصر تنتج حوالي ثلاثين ألف ليتر فقط من البلازما، وبحاجة إلى زيادتها إلى مليون ليتر في العام". وأضافت أنه "توجد تكليفات من السيسي للوزارة بالاهتمام بهذا الملف من خلال جمع وتوزيع الدم ومركباته لغرض التصنيع، وبيعه في الأسواق العالمية وفقاً للمعايير الدولية"، وهو ما أيده رئيس لجنة الصحة في البرلمان السابق بقوله إن "منطقة الشرق الأوسط لا يوجد بها سوى مصنعين فقط لتجميع البلازما وفصل الدم، وهما في إيران وإسرائيل، ما يحفز مصر على دخول هذا المجال"

وجاءت الموافقة على مشروع قانون تنظيم عمليات تجميع بلازما الدم لتصنيع مشتقاتها وتصديرها بصورة متسرعة ودون أية حوارات مجتمعية، ودون شراكة من نقابة الأطباء كما ينص الدستور، ودون أخذ رأى الجهات المعنية.

وكان من الغريب أن تتحدث وزيرة الصحة السابقة عن أهمية الاكتفاء الذاتي أولا وقبل التصدير، وكأنها لا تدرك أنه وبحسب معايير منظمة الصحة العالمية فإن رصيد بنوك الدم في مصر يغطى نسبة 30 في المائة فقط من الاحتياج السنوي قياسا إلى عدد السكان، وهذا ينعكس بدوره على تلبية الاحتياجات، ويعني عدم القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال عام كما ذكرت الوزيرة، وبالتالي فإن القانون قد عجل بعملية تجارة البلازما الخام عالميا قبل بناء قاعدة في مصر أولا كما كانت الوعود الحكومية من قبل، وبالتالي يبدو أن عملية البيع لكل مقدرات شعب مصر قد أصبحت هي القاعدة السارية حاليا في جميع المجالات."14"

11- البلازما رافد جديد لاقتصاد الجيش

وفي ظروف غامضة بعيدة عن الإجراءات الدستورية والقانونية الاعتيادية، أعلن الجيش المصري في اكتوبر 2021 افتتاح  "أول مركز متكامل في أفريقيا والشرق الأوسط لتجميع البلازما بمدينة السادس من أكتوبر لتحقيق الاكتفاء الذاتي للأدوية المشتقة من البلازما، بالتعاون بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة وشركة غريفولز الإسبانية".

وكرّس الجيش بذلك إدارته وسيطرته المطلقة على ما يسمى "المشروع القومي لإنتاج أدوية مشتقات بلازما الدم"

وكان الوسط الطبي والعلمي المصري سيرحب بتدشين مشروع حكومي كبير مثل هذا لتلبية الاحتياجات الصحية للمواطنين، إذا كان المشروع مرتبطاً بالفعل بتلك الاحتياجات والمراكز الحكومية العاملة في هذا المجال بالفعل منذ سنوات على نطاق واسع، والتابعة لكل من وزارتي الصحة والتعليم العالي. لكن ما حدث هو صدور قرار شفهي من عبد الفتاح السيسي بإسناد هذا المشروع "القومي" إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، والذي أنشأ بدوره شركة استثمارية سيتبعها هذا المركز، خارجة عن نطاق سيطرة الأجهزة المعنية، وتابعة لوزارة الدفاع فقط، هي "غريفولز إيجيبت" بالشراكة مع شركة إسبانية تحمل الاسم نفسه.

وتُعتبر الشركة الجديدة امتداداً للمنظومة الطبية للجيش، من دون أي تغيير أو دمج لمراكز أو شخصيات حكومية أو مستقلة، ويرأس مجلس إدارتها اللواء طبيب مجدي أمين مبارك، الذي كان يشغل منصب مدير إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة.

وقالت مصادر مطلعة لـصحيفة "العربي الجديد" إن وزير الدفاع محمد زكي كان سيبقي على مبارك في المنصبين، لكن السيسي تدخل وأمر برئاسته للشركة فقط باعتبارها "كياناً سيعمل تحت إشراف مباشر من رئاسة الجمهورية"، فتم اختيار اللواء هشام الششتاوي الذي كان رئيساً لأركان إدارة الخدمات الطبية مديراً جديداً لها.

وينوي الجيش إنشاء 20 مركزاً للتبرع بالبلازما تابعاً للشركة الجديدة، وإنشاء مصانع ومخزن مركزي للبلازما، ومختبر معملي لاختبار عينات البلازما، بالإضافة إلى مركز تدريب وتطوير تابع لأكاديمية الشركة الإسبانية.

 أما الهدف النهائي للمشروع فهو أن تكون هذه الشركة هي المركز الرئيس لعمليات الدم والبلازما في مصر، بدلاً من منشآت وزارة الصحة والجامعات التي كانت مؤهلة للقيام بهذا الدور بالفعل، في حال توفير الإمكانات المالية والتسهيلات التشريعية المطلوبة منذ عقود لتمكينها من التعاقد مع الشركات الأجنبية النشطة في هذا المجال، ثم ستتجه الشركة العسكرية إلى تصدير المنتجات في مرحلة لاحقة.

وستصب ممارسة هذه الأنشطة بصورة احتكارية في مصلحة جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزير الدفاع مباشرة، شأنه شأن المشروعات الأخرى التابعة للجهاز ذاته، في مجالات الوقود والإنتاج الزراعي والحيواني والغذائي. وكل الأرباح ستصبّ لصالح الجيش الذي يحصل على الأراضي والتسهيلات المختلفة من الدولة بموجب إجراءات استثنائية وغير شفافة، وتحول دون حرية المنافسة.

وبينما وضعت اللائحة أسعاراً عالية للرسوم المطلوب سدادها من المستثمرين في مجال الخدمات الطبية للحصول على ترخيص تشغيل مراكز خدمات الدم والبلازما، من أول فحص الطلب ثم المعاينات ثم الترخيص النهائي، تعفي اللائحة الجهات الحكومية (والتي من بينها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية) من أي رسوم. كما أن تزامن افتتاح مركز بهذا الحجم مع صدور اللائحة قبل استعداد باقي المستثمرين الذين ينوون الدخول في هذه السوق الجديدة، سيعطي جهاز الخدمة الوطنية أفضلية كبيرة، إلى جانب التسهيلات الأخرى المضمونة في عمليات الفحص والتراخيص واستيراد الأجهزة والمواد ثم تصدير المنتجات.

وللأسباب نفسها، أصبح الجهاز يمتلك أفضلية كبيرة على حساب الجهات الحكومية والعلمية الأخرى والشركات الخاصة التي تساهم فيها الدولة وأي من الوزارات بحصة حاكمة، التي يمنحها القانون حق العمل في هذا المجال، لأن هناك شرطاً لذلك هو أن يكون العمل تحت إشراف فني لشركة عالمية متخصصة في مجال تصنيع مشتقات البلازما. ويعني هذا الأمر أن باقي الجهات الراغبة في المنافسة سيكون عليها البحث عن شركة مثل "غريفولز" الإسبانية لإجراء التعاقد معها.

كما أن دخول الجيش كمستثمر أكبر في هذا المجال سيصعّب استفادة المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والجامعات مباشرة من الفوائد المتوقعة لهذا المشروع، تماماً كما حدث عندما استورد الجيش لحسابه كميات من لقاح فيروس كورونا وعقاقير وأدوية ووجهها فقط للمستشفيات والمراكز التابعة له. وكما حدث سابقاً عندما فتحت الدولة الباب لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية لاستيراد الأجهزة الطبية فجعل الأولوية لنفس المستشفيات، وفي المرتبة التالية جاءت المستشفيات الحكومية التي يرتادها السواد الأعظم من المصريين.

وأصدر السيسي عام 2015 قراراً جمهورياً، يعتبر مفصلياً في تكريس قوة الجيش الاقتصادية، منحه به صراحةً صلاحية "تأسيس الشركات بكافة صورها، سواءً بمفرده أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي"، وذلك بهدف تجهيز وإعداد مدن ومناطق عسكرية، والقيام بجميع الخدمات والأنشطة التي من شأنها تحقيق أهدافه وتنمية موارده، وذلك بواسطة الأجهزة التابعة لوزير الدفاع، ويطبق هذا القرار على مشروع البلازما.

المصادر:

  1. العربي الجديد نشر بتاريخ  26 سبتمبر 2022
  2. موقع الرئيس نشر بتاريخ 26/سبتمبر/2022  
  3. موقع جريد أخبار اليوم  نشر بتاريخ 26- 9 – 2022
  4.  موقع جريدة الاهرام نشر بتاريخ 30-9-2022  
  5. الجزيرة نت  نشر بتاريخ 26/9/2022
  6. المصدر السابق
  7. موقع "اندبندنت عربية" نشر بتاريخ  2 أكتوبر 2022
  8.  المصري اليوم نشر بتاريخ 7 أكتوبر 2016 
  9.   موقع وكالة أنباء  " أ ف ب"  نشر بتاريخ 25 /08/2017  
  10. العربي الجديد نشر بتاريخ 21 ابريل 2019
  11. العربي الجديد   26 نوفمبر 2021
  12. اليوم السابع   نشر بتاريخ  07 ديسمبر 2016  
  13. موقع  عربي21 نشر بتاريخ   11 أكتوبر 2021
  14.   مقال للدكتور مصطفي جاويش نشر ب"عربي21" 9- 3- 2021