10 سنوات من التجسس الصهيوني على "الجنائية الدولية"
الأحد - 2 يونيو 2024
- كيف وظف الكيان الصهيوني أجهزته الاستخبارية في تتبع وابتزاز قضاة المحكمة وموظفيها؟
- تحقيق لـ"الغارديان" و مواقع صهيونية يكشف النقاب عن محاولات تعطيل عمل المحكمة
- زراعة برامج تجسس في هواتف القضاة.. والتحرك في حماية أمريكية وفق قانون "غزو لاهاي"
- مكتب المدعي العام "كريم خان" كان هدفاً لأشكال مختلفة من التهديدات والاتصالات غير القانونية
- "خان" طلب من الفلسطينيين مساعدته في الدخول إلى غزة ليحقق شخصيا في جرائم "إسرائيل"
- "يوسي كوهين" هدد المدعية العامة السابقة " فاتو بنسودا" لإيقاف التحقيقات ضد "إسرائيل"
إنسان للإعلام- قسم الترجمة:
كشف تحقيق استقصائي أجرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، وموقع "سيحا ميكوميت" أو"Local Call" بكيان الاحتلال الصهيوني، ومجلة "972+" بالكيان الصهيوني أيضا، ونُشرت نتائجه 28 مايو/أيار 2024 تفاصيل قرابة 10 أعوام من تجسس ثلاثة أجهزة أمنية "إسرائيلية" على قضاة المحكمة الجنائية الدولية.
التحقيق كشف أن أجهزة الاستخبارات "الإسرائيلية"، شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وجهاز الموساد، وجهاز الأمن العام (الشاباك)، تجسست، طوال أعوام، على قضاة وموظفي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
التحقيق كشف أيضا كيف مارست الاستخبارات "الإسرائيلية" ضغوطا على هؤلاء الموظفين كي يوقفوا التحقيقات الجارية ضد "إسرائيل"، على خلفية سياساتها في تلك المناطق.
وجمعت هذه الأجهزة معلومات عن هؤلاء القضاة والموظفين، وعلاقاتهم مع فلسطينيين زودوا هذه المحكمة بتقارير بشأن انتهاك حقوق الإنسان في الأرض المحتلة.
واستهدفت عمليات التجسس الإسرائيلية أساساً المدعية العامة السابقة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، والمدعي العام الحالي كريم خان، وطاقميهما.
واستند التحقيق، حسبما أشار معدوه، إلى إفادات 20 مصدراً في جهازي الأمن والعدل "الإسرائيليين"، وشهادات مسؤولين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية، ودبلوماسيين، وخبراء قانون دوليين.
ووفقاً للتحقيق، نقلت أجهزة الاستخبارات "الإسرائيلية" المعلومات التي جمعتها، والمتعلقة بموظفي المحكمة الجنائية الدولية وفلسطينيين زودوهم بمعلومات، إلى طاقم خاص من الخبراء القانونيين والدبلوماسيين الإسرائيليين، والذي أجرى أعضاؤه، بدورهم، اتصالات سرية مع بنسودا وطاقمها في الفترة 2017 – 2019، بهدف الضغط عليها بوقف التحقيق ضد "إسرائيل".
التحقيق كشف أن يوسي كوهين، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق، قام بتهديد بنسودا، كمدعية عامة في المحكمة الجنائية الدولية، خلال سلسلة لقاءات سرية جاءت بهدف ممارسة ضغوط عليها، لكي توقف التحقيق ضد "إسرائيل."
ونقل التحقيق عن أحد المصادر قوله: إن التجسس على كريم خان استمر في الأشهر الماضية، ووصل إلى رأس سلم الأولويات، كما جرى تتبع كل اتصالات خان بموظفين فلسطينيين.
وخلال ذلك، تم رصد طلب خان من الفلسطينيين مساعدته على الدخول إلى قطاع غزة، من دون علم إسرائيل، لكي يُجري التحقيق في الجرائم الإسرائيلية، شخصياً.
كما أفاد المصدر نفسه بنشر خبر، عبر قنوات عسكرية وحكومية إسرائيلية، مفاده أن "خان" يعتزم المطالبة بإصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، على الرغم من ضغوط أميركية هائلة مورست عليه للامتناع من ذلك.
وأكدت الدائرة الإعلامية في المحكمة الجنائية الدولية، رداً على استجواب قدمته "الغارديان" لها، أن المحكمة كانت على علم بعمليات التجسس من جانب عدة وكالات قومية معادية للمحكمة، لكنها أكدت أن أياً من هذه العمليات لم تنجح في التوغل إلى صلب مخزون الإفادات التابع للمحكمة، وأشارت إلى أن مكتب المدعي العام "خان" كان هدفاً لأشكال مختلفة من التهديدات والاتصالات، وفي الإمكان النظر إليها على أنها محاولات لممارسة ضغط غير نزيه على نشاطاته.
عرقلة عمل المحكمة
ونقل التحقيق عن خبراء قانونيين وموظفين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية قولهم: إن محاولات التأثير في "خان" و "بنسودا"، من شأنها أن تُعتبر مخالفة، بموجب البند 70 لمعاهدة روما، ويتعلق هذا البند بعرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية والقيام بمهماتها، وهو يسري كذلك على مواطني دول لم توقّع المعاهدة، مثل "إسرائيل".
وأفاد مصدر استخباراتي بوجود علاقة شخصية ومباشرة لديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع فريق الاستخبارات الذي تجسس على المحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف مصدر آخر أن ديوان نتنياهو كان يرسل تعليمات بشأن معلومات حيوية إلى فريق الاستخبارات، ويحدد المواضيع التي تهمه ومهمات جمع معلومات، بموجب سلّم أولويات، وكذلك أوامر تتعلق بالتجسس على نشاطات في الحلبة الدولية.
وأشار مصدر ثالث إلى أن نتنياهو كان مذعوراً من المواد التي حصلت عليها المحكمة الجنائية الدولية من الجانب الفلسطيني.
وقال أحد المصادر إن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) ركزا على جمع المعلومات من المحكمة الجنائية الدولية، بينما قرر الجيش الانضمام من أجل حماية ضباطه، بعد أن تبين له أن ضباطاً كباراً باتوا يتحفظون عن تولي مهمات في الأراضي المحتلة، خشية تقديم شكاوى ضدهم إلى محكمة لاهاي.
كما أن وزارة الشؤون الاستراتيجية كانت ضالعة في تعقب منظمات حقوق إنسان فلسطينية تنشط في الحلبة الدولية، وتعقبها جهاز "الشاباك" أيضاً، وهي منظمات: الحق، والميزان، والضمير، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
وأظهر التحقيق، كذلك، أنه في موازاة عمليات التجسس هذه، أوعز رئيس الحكومة نتنياهو بتشكيل فريق من الخبراء القانونيين في وزارتي العدل والخارجية، والنيابة العسكرية، برئاسة طال بيكر، وسافر أعضاء هذا الفريق إلى لاهاي من أجل الإدلاء بالمواقف الإسرائيلية، ولم تُعلن هذه التحركات، كون إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.
جرائم ضد العدالة
التحقيق يكشف تاريخ 10 سنوات من "المؤامرة السرية" وابتزاز القضاة والموظفين بالمحكمة الجنائية الدولية وتهديدهم.
كما يكشف دعم نواب الكونجرس الأمريكي و"قانون غزو لاهاي" الأميركي لهذا الابتزاز الصهيوني وتشجيع "إسرائيل" عليه، باعتبار أن أميركا ستحميها.
ووفق خبراء القانون الدولي، ترقى هذه الممارسات إلى مستوى "جرائم ضد إدارة العدالة" يجب التحقيق فيها من قبل المدعي العام للمحكمة كجرائم جديدة للاحتلال. ويؤكد الخبراء أن سلوك أجهزة المخابرات الإسرائيلية يرقى إلى مستوى الجرائم الجنائية.
ومن هذه الجرائم الاتصالات السرية التي أجراها "كوهين" مع "بنسودا" في السنوات السابقة بعد قرارها، في عام 2021، بفتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب الإسرائيلية السابقة.
وبحسب مسؤول "إسرائيلي" كبير لـ«الغارديان»، تورط كوهين شخصيًا في تهديد المحكمة الجنائية الدولية بحجة أن المحكمة شكلت تهديدًا بملاحقة أفراد عسكريين، في حين أفاد مصدر إسرائيلي آخر مُطّلع على العملية ضد بنسودا، إن هدف الموساد كان تعريض المدعية العامة للخطر أو تجنيدها كشخص يتعاون مع مطالب إسرائيل.
وأفادت الصحيفة البريطانية بأن تورط كوهين شخصياً في ممارسة الضغوط على المحكمة الجنائية الدولية حدث عندما كان مديراً للموساد. وقد تمت الموافقة على أنشطته من قبل المستويات العليا، واستندت على أن المحكمة شكلت تهديداً بملاحقة أفراد عسكريين، وفقاً لمسؤول إسرائيلي كبير.
أما ذروة الجرائم الإسرائيلية بحق المحكمة فكانت الأسبوع الماضي، عندما أعلن خليفة "بنسودا"، كريم خان، سعيه لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت بشأن ممارسات الاحتلال في غزة.
وقالت "الغارديان" إن قرار المدعي العام بتقديم طلب إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، إلى جانب ثلاثة من قادة حماس، هو نتيجة كانت تخشاها المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية منذ فترة طويلة.
تكتيكات "كوهين" الحقيرة
وأكد أربعة مصادر أن "بنسودا" أطلعت مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية على محاولات كوهين التأثير عليها، وسط مخاوف بشأن طبيعة سلوكه المستمرة والمهددة بشكل متزايد.
وكان ثلاثة من تلك المصادر على دراية بإفصاحات بنسودا الرسمية للمحكمة الجنائية الدولية حول هذه المسألة. وكشفت المعلومات أن كوهين مارس ضغوطاً عليها في عدة مناسبات لعدم المضي قدماً في التحقيق الجنائي في قضية فلسطين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ووفقاً للروايات التي تمت مشاركتها مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، يُزعم أنه قال لها: "يجب عليكِ مساعدتنا ودعينا نعتني بكِ. أنتِ لا تريدين التورط في أشياء يمكن أن تعرض أمنكِ أو أمن عائلتك للخطر".
وقال أحد الأشخاص المطلعين على أنشطة كوهين إنه استخدم "تكتيكات حقيرة" ضد بنسودا كجزء من جهد فاشل في النهاية لتخويفها والتأثير عليها. وشبهوا سلوكه بـ "المطاردة".
كما اهتم جهاز الاستخبارات (الموساد) بشدة بأفراد عائلة "بنسودا" وحصلوا على نسخ من التسجيلات السرية لزوجها، وفقاً لمصدرين. ثم حاول المسؤولون الإسرائيليون استخدام هذه المواد لتشويه سمعة المدعية العامة.
وبصفته رئيساً لمجلس الأمن القومي بين عامي 2013 و2016، أشرف كوهين على الهيئة التي بدأت، وفقاً لمصادر نقلت عنها الغارديان، في تنسيق الجهود التي قامت بها وكالات عدة ضد المحكمة الجنائية الدولية، بمجرد أن قررت "بنسودا" فتح التحقيق الأوَّلي بشأن الجرائم الإسرائيلية المزعومة في عام 2015.
ويبدو أن أول تواصل بين "كوهين" و"بنسودا" قد حدث في مؤتمر ميونيخ الأمني في عام 2017، عندما قدم مدير الموساد نفسه للمدعية العامة السابقة.
ولم يمضِ سوى عام واحد حتى تمكن كوهين من مقابلة "بنسودا" مرة أخرى في اجتماع يبدو أنه كان معداً له، ففي عام 2018 زارت بنسودا نيويورك للاجتماع مع جوزيف كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية آنذاك، وكانا قد عقدا اجتماعات عدة من قبل بشأن التحقيق الذي كانت تجريه المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المزعومة المرتكبة في الكونغو.
وخلال الاجتماع، وبعد أن طُلب من موظفي "بنسودا" مغادرة الغرفة، دخل كوهين، فأثار ظهوره المفاجئ قلق بنسودا ومجموعة من مسؤولي المحكمة كانوا بصحبتها، وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة على الاجتماع.
ولم يتضح سبب مساعدة كابيلا لكوهين، غير أنه تم الكشف في عام 2022 عن العلاقة بين الرجلين، حيث أشارت صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية إلى سلسلة من الرحلات السرية التي قام بها مدير الموساد السابق إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية طوال عام 2019.
وذكرت ثلاثة مصادر أنه بعد الاجتماع المفاجئ مع كابيلا وبنسودا في نيويورك، اتصل كوهين مراراً هاتفياً بالمدعية العامة وطلب عقد اجتماعات معها. ووفقاً لشخصين مطلعين، سألت بنسودا كوهين في إحدى المراحل كيف حصل على رقم هاتفها؟ فأجاب: "هل نسيتِ ما أفعله من أجل لقمة العيش؟"
وأوضحت المصادر أن كوهين "حاول في البداية بناء علاقة" مع المدعية العامة، ولعب دور "الشرطي الصالح" في محاولة للضغط عليها. وقالوا إن الهدف الأوّلي يبدو أنه كان تجنيد "بنسودا" للتعاون مع إسرائيل.
ومع مرور الوقت، تغيرت لهجة كوهين وبدأ في استخدام مجموعة من التكتيكات، بما في ذلك "التهديدات"، حسبما قال أحد الأشخاص المطلعين على الاجتماعات. ودفع هذا "بنسودا" إلى إبلاغ مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بسلوكه.
وقالت المصادر إنه بين أواخر عام 2019 وأوائل عام 2021، كانت هناك ثلاثة لقاءات على الأقل بين كوهين وبنسودا، جميعها بمبادرة من مدير الموساد. ويقال إن سلوكه أصبح يثير قلق مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بشكل متزايد.
وقال مصدر مطلع على روايات "بنسودا" عن الاجتماعين الأخيرين مع كوهين، إنه أثار تساؤلات حول أمنها وأمن عائلتها، بطريقة دفعتها إلى الاعتقاد بأنه كان يهددها.
وفي إحدى المناسبات، يقال إن كوهين عرض على "بنسودا" نسخاً من صور زوجها، والتي تم التقاطها سراً عندما كان الزوجان يزوران لندن.
وأكدت 4 مصادر مختلفة أن بنسودا وصفت "سلوك كوهين بالإصرار والتهديد" لبعض المسؤولين البارزين في المحكمة الجنائية الدولية.
وأفادت مصادر المحكمة أن كوهين قال لبنسودا: "عليك مساعدتنا حتى نتمكن من الاهتمام بك، أنت لا تريدين التورط في أشياء من شأنها أن تعرض سلامتك وسلامة أسرتك للخطر"
وفي مناسبة أخرى قال لها إن "قرار إجراء تحقيق شامل سيضر بحياتها المهنية"، وفق الصحيفة.
وفقا لمصدرين مختلفين، حصل الموساد أيضاً على نسخ من بعض السجلات السرية الخاصة بزوج بنسودا. وقالت المصادر: إن "إسرائيل" استخدمت هذه الوثائق لاحقاً لتشويه سمعة "بنسودا."
كذلك، لفتت إلى تغير لهجة كوهين لاحقاً واستخدامه مجموعة من التكتيكات، بما في ذلك "التهديدات والتلاعب.
وفي فبراير 2021، نشرت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية قراراً يؤكد أن المحكمة لها اختصاص على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الشهر التالي أعلنت "بنسودا" عن فتح تحقيق جنائي.
وبعد ثلاثة أشهر من هذا التطور، أكملت بنسودا فترة ولايتها البالغة 9 سنوات في المحكمة الجنائية الدولية (2012-2021) وتركت التحقيق لخليفتها كريم خان.
ضغوط على "خان"
ولم تكن "بنسودا" الوحيدة التي تتلقى تهديدات، حيث كشف كريم خان، المدعي العام الحالي للمحكمة الجنائية الدولية، عن جانب من الضغوط والتهديدات التي تعرض لها من قادة غربيين، وذلك عقب طلبه إصدار مذكرات اعتقال في حق نتنياهو وغالانت.
وفي حوار له مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية قال خان إن عدداً من القادة تحدثوا معه عقب قراره الأخير، ووصف تعليقاتهم بشأن ذلك بـ"الوقحة"
وصرح "خان" قائلاً: "لقد تحدث معي بعض القادة وقالوا لي بوقاحة إن هذه المحكمة مخصصة لأفريقيا والبلطجية مثل بوتين، وقد أخبرني أحد كبار القادة أننا لا ننظر إلى المحكمة بهذه الطريقة"
وجاءت تصريحات خان بعد أن حذّر أعضاء جمهوريون بمجلس الشيوخ الأمريكي، خلال مايو المنقضي، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين، وهددوه بـ"عقوبات ثقيلة"
مراقبة موظفين فلسطينيين
وقد كشف تحقيق آخر نشرته "الغارديان" البريطانية، 28 مايو 2024، أن الاحتلال "الإسرائيلي" شن حرباً سرية دامت لنحو عقد من الزمن ضد المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة أنها راقبت هواتف موظفين في منظمات فلسطينية كانوا في تواصل مع المحكمة، إلى جانب أعضاء في السلطة الفلسطينية.
وقالت الصحيفة إن أجهزة المخابرات التابعة لدولة الاحتلال راقبت موظفي منظمات فلسطينية كانت تتواصل مع الجنائية الدولية ومسؤولين في السلطة، وثبتت برنامج "بيغاسوس" للتجسس على هواتفهم.
كذلك، كشف التحقيق أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان مهتماً بشكل كبير بالعمليات الاستخبارية ضد المحكمة الجنائية الدولية.
وذكرت مصادر إسرائيلية تحدثت للغارديان أن هدف كوهين "كان المصالحة مع بنسودا أو التعاون معها لصالح إسرائيل، وأنه كان رسولاً غير رسمي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو".
أمريكا متورطة أيضا
وأشار التقرير إلى الجهود المنسقة لحكومتي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ونتنياهو للضغط على المدعين العامين والموظفين علناً وسراً.
وفي قرار غير مسبوق، فرضت إدارة ترامب قيوداً على التأشيرة وعقوبات على المدعية العامة السابقة "بنسودا" في 2019 و2020، رداً على التحقيق المنفصل الذي أجرته في جرائم الحرب المنسوبة لحركة طالبان والعسكريين الأفغان والأمريكيين في أفغانستان، وتم إلغاء العقوبات الأمريكية بعد تولي الرئيس جو بايدن منصبه في البيت الأبيض.
وعارضت واشنطن، إلى جانب الحكومتين البريطانية والألمانية، قرار "خان" بالسعي للحصول على أوامر اعتقال بحق قادة "إسرائيل"
ودعا بعض الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي إلى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ردا على ذلك، لكن البيت الأبيض قال إنه لن يفعل ذلك.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميللر، إنه قرأ تقرير صحيفة "الغارديان"، مؤكدا أن الولايات المتحدة تعارض "التهديد أو التخويف" ضد أعضاء المحكمة الجنائية الدولية.
وقال: "لا أريد أن أتحدث إلى افتراضات حول ما قد تفعله الولايات المتحدة أو لا تفعله.. لكننا بالطبع نعارض التهديدات أو الترهيب ضد أي مسؤول عام"
ماذا يقول القانونيون؟
وقال عادل حق، أستاذ القانون في جامعة روتجرز في نيوجيرسي، إنه "يجب على مكتب المدعي العام التحرك بسرعة إذا كان يرغب في التحقيق، ويجب على الدول الأعضاء تقديم مساعدتها"
وردا على سؤال عما إذا كان المدعي العام يدرس تحقيقات المادة 70 في ضوء ما كشفت عنه صحيفة "الغارديان"، أشار متحدث باسم مكتب خان إلى التحذيرات التي أطلقها خان هذا الشهر بأن "كل محاولات إعاقة أو تخويف أو التأثير بشكل غير لائق على مسؤولي هذه المحكمة يجب أن تكون توقف فورا"
وقبل هذا الكشف، أكد خان أن محاولات غير محددة "لعرقلة أو تخويف أو التأثير بشكل غير لائق على مسؤولي هذه المحكمة" قد تمت بالفعل من قبل أطراف لم يذكر اسمها، حسبما تشير "الغارديان".
ويمكن أن يشكل هذا السلوك جريمة جنائية بموجب المادة 70 من النظام الأساسي للمحكمة المتعلق بإقامة العدل.
وقال توبي كادمان، وهو محام بريطاني متخصص في القانون الجنائي الدولي والإنساني، إن النتائج التي توصلت إليها صحيفة الغارديان كانت "مزعجة للغاية" وتتضمن مزاعم "تشكل محاولة لحرف مسار العدالة من خلال استخدام التهديدات" للمدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا"
ومن الواضح تماما أن هذه الأمور تقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ولا سيما بموجب المادة 70 من النظام الأساسي.
وأوضح كادمان أن "أي شخص يحاول عرقلة التحقيقات المستقلة للمدعي العام يجب أن يواجه العواقب"
وقال مات كانوك، رئيس مركز العدالة الدولية التابع لمنظمة العفو الدولية في لاهاي: "من الواضح تمامًا أن العديد من الأمثلة التي تم تسليط الضوء عليها في التقرير قد ترقى إلى مستوى (جرائم بموجب المادة 70)"
وينبغي توجيه مثل هذه الاتهامات ضد أي شخص يسعى إلى "إعاقة مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية أو ترهيبهم أو التأثير عليهم بشكل فاسد"، وفق حديثه.
وقال خبير آخر في المحكمة الجنائية الدولية، وهو مارك كيرستن، الأستاذ المساعد في القانون الجنائي بجامعة فريزر فالي في كندا: "من الصعب أن نتخيل ما يمكن أن يكون محاولة أكثر فظاعة للتدخل بشكل غير مشروع في عملية الادعاء".
وأشار العديد من الخبراء إلى أنه يتعين على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وعددها 124 دولة، أن تتصرف بناءً على النتائج لإرسال رسالة واضحة إلى الجهات الفاعلة التي "تحاول تخريب عمل المحكمة"
وقالت دانيا تشيكل، ممثلة الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان لدى المحكمة الجنائية الدولية: "يجب أن تكون هذه الادعاءات بمثابة دعوة للاستيقاظ للدول الأطراف فيما هو على المحك... إنهم بحاجة إلى التجمع معا ودعم المحكمة التي بنوها"
أضافت: "وللحفاظ على نظام العدالة الدولي، لا بد من حمايته من التهديدات، وخاصة التهديدات الفظيعة ضد أولئك الذين يقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة تتمثل في العمل من أجلنا جميعا لمقاضاة "أسوأ الجرائم التي عرفتها الإنسانية".
وقال مسؤول فلسطيني كبير، لم تكشف "الغارديان" عن هويته إن "التكتيكات التي تم استخدامها ضد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال تُستخدم الآن ضد مسؤولين دوليين من بعض أهم المؤسسات في العالم".
وأضاف:"يظهر هذا التحقيق أن إيمان إسرائيل بإفلاتها من العقاب يتجاوز الآن حدود فلسطين"
وتابع:"أمام المجتمع الدولي الآن خياران.. إما تغيير المسار وحماية القانون الدولي والمؤسسات الدولية، أو تدمير النظام القائم على القواعد من أجل الدفاع عن إسرائيل."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر التقرير:
- Revealed: Israeli spy chief ‘threatened’ ICC prosecutor over war crimes inquiry
- Surveillance and interference: Israel’s covert war on the ICC exposed
- Spying, hacking and intimidation: Israel’s nine-year ‘war’ on the ICC exposed