"ميدل إيست آي": جمهورية "السيسي" الجديدة تنهار .. والانفجار قادم

السبت - 6 يوليو 2024

  • لا ظهير شعبي لنظام السيسي ولا تحالف يستثمر في بقائه.. والعقد الاجتماعي الوحيد هو القمع مقابل لا شيء
  • رؤية السيسي أدت إلى شلل الدولة .. وتحول هيكلي شامل بالمجتمع بعد سقوط ملايين المصريين في براثن الفقر
  •  الثروات تراكمت بأيدي قلة من النخب العسكرية وأعوانها.. وصفقة السيسي مع الجيش هي الولاء مقابل "النهب"
  • السيسي يماطل في كبح جماح إمبراطورية الأعمال العسكرية لأن ضباط "الجيش القمعي" هم من يمكّنونه و يحمونه
  • الجنرال تعهد للغرب بحماية "إسرائيل" ومنع الديمقراطية لأنها ستأتي بمن يعادون "الكيان" مثل نظام "مرسي"
  • هذه "الصيغة السامة" قد تمكن النظام من البقاء على قيد الحياة لمدة عقد من الزمن ولكنها تجعله عرضة للانفجار

 

إنسان للإعلام- قسم الترجمة:

بالتزامن مع حلول ذكري انقلاب 3 يوليو 2013، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني ثلاثة مقالات لمحللين سياسيين وعسكريين واقتصاديين، تؤكد أن عشرية السيسي السوداء وجمهوريته الجديدة تنهار بسرعة وأنه لا مفر من انهيار النظام الذي جاء بانقلاب عسكري.

الصحفي والناشط الأكاديمي في شؤون القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المصرية، "حسام الحملاوي"، كتب يؤكد في "ميدل إيست آي"،  28 يونيو 2024 أن "الانفجارات الاجتماعية أمر لا مفر منه".

أوضح أنه في ظل الدمار الاقتصادي والقمع القاسي، تدهورت نوعية الحياة في مصر بشكل حاد منذ عام 2013، وسواء كانت هناك معارضة منظمة أم لا، فإن الانفجارات الاجتماعية قادمة، لأن السياسات الاقتصادية المصرية فشلت في تحقيق أهدافها.

وقال: إن النظام المصري "لا يملك مجتمعاً مدنياً قادراً على استيعاب المعارضة أو صرفها، ولا تحالفاً عريضاً من الطبقات يستثمر في بقائه، والعقد الاجتماعي الوحيد القائم هو القمع في مقابل لا شيء".

وحذر المحلل السياسي والعسكري، ماجد مندور، في مقال ثان بموقع "ميدل إيست آي"، مطلع يوليو 2024، من أن "رؤية السيسي أدت إلى شلل مصر" لأن "الدولة تتأرجح على حافة الخراب الاقتصادي".

وقال: إن "مصر تمر الآن بتحول هيكلي شامل، حيث سقط الملايين من الناس في براثن الفقر وتراكمت الثروات في أيدي قلة من الناس، منها النخب العسكرية وأعوانها، وسوف يخلف هذا التحول عواقب طويلة الأجل يصعب التنبؤ بها إلى حد كبير"، وفق "مندور".

وفي المقال الثالث، الذي نشرته "ميدل إيست آي" قال الباحث أحمد عابدين، وهو من مجموعة "الأمل" اليسارية التي اعتقلها السيسي، وعمل مع المرشح الرئاسي المستبعد والمسجون حاليا أحمد الطنطاوي: إن "العقد المظلم الذي شهدته مصر بني على صفقة السيسي الخطيرة"

أوضح أن هذه الصفقة هي أنه "في مقابل الولاء، يسمح السيسي للجيش باستنزاف الأموال العامة، في حين يدعم هو إسرائيل والإبادة الجماعية في غزة خدمة للغرب".

وكانت صحيفة "نيو ريبابليك" حذرت من أنه "ربما كان من الممكن أن تمكن هذه الصيغة السامة النظام من البقاء على قيد الحياة لمدة عقد من الزمان، ولكنها تجعلها عرضة للانفجار إذا ثار المجتمع أو نضبت الأموال الأجنبية".

"الجمهورية الجديدة" والانهيار

في المقال الأول، يقول حسام الحملاوي: منذ نظم السيسي انقلابه العسكري المشئوم في 3 يوليو 2013؛ مستغلا موجة من الخوف الجماعي في المجتمع المصري المضطرب، واللعب على وتر الشوق إلى الاستقرار بين الطبقة المتوسطة والعليا، واعدا المصريين بالأمن والرخاء الاقتصادي، لكن وعوده والجمهورية الجديدة فشلوا.

أكد أن "الجمهورية الجديدة نجحت فقط في سحق الثورة وجميع أشكال المعارضة، ولكن كان لها تداعيات خطيرة في جميع أنحاء البلاد".

أشار إلى ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى مستوى قياسي يبلغ 165 مليار دولار، ارتفاعا من نحو 42 مليار دولار عندما تولى السيسي منصبه في عام 2014 ومطالبة مصر بسداد أكثر من 132 مليار دولار من خدمة الدين الخارجي.

أكد أنه منذ عام 2016، ارتفعت قيمة الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري بنحو 462 في المائة، في حين ارتفعت معدلات التضخم في المناطق الحضرية إلى 35.7 في المائة، وفقًا لبيانات حكومية.

وتدهورت جودة حياة شريحة كبيرة من المجتمع المصري بشكل خطير، لدرجة جعلت الحكومة تتوقف عن نشر إحصاءات عن معدل الفقر منذ ديسمبر 2020 (وفق البنك الدولي بلغت 32.5% من المصريين فوق خط الفقر)

ووصل معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية إلى 72 في المائة عام 2023 مع عواقب كارثية على الأسر المصرية، بما في ذلك العديد من غير القادرين على شراء الخضروات الطازجة واللحوم.

وأصبح انقطاع التيار الكهربائي على مستوى البلاد حقيقة يومية، ووصفته وكالة رويترز بأنه "رمز للضيق بعد عقد من صعود السيسي".

كما انخفض الإنفاق الحكومي على الصحة، الذي كان 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014/2015، ثم أصبح 1.4% في 2023/2024.

وأصبح النقص في الأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية مزمنًا، وتمتلئ منصات التواصل الاجتماعي بمنشورات من مصريين يائسين يبحثون عن أدوية لا يمكنهم العثور عليها في الصيدليات.

ويمضي مقال "ميدل إيست آي" معددا مظاهر فشل وانهيار جمهورية السيسي الجديدة مؤكدا أنه بحلول عام 2019، قدرت إحدى الدراسات أن ما لا يقل عن 62% من الأطباء المصريين استقالوا من وظائفهم الحكومية أو غادروا البلاد بسبب ظروف العمل غير المستقرة.

وفي عام 2021، انخفض عدد العلماء المصريين الحاصلين على درجة الدكتوراه من الجامعات المحلية والدولية بنسبة 73 بالمائة مقارنة بعام 2009، بحسب بيانات رسمية.

وفي عام 2023/2024، بلغ الإنفاق الحكومي على التعليم 1.9% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من المعدلات العالمية ومتوسط ​​الإنفاق في البلدان المتوسطة الدخل.

ووفق المقال: يغادر المصريون البلاد بأعداد كبيرة البلاد يأسا من اصلاحها، ففي عام 2013، قدرت الإحصائيات الرسمية عدد المصريين في الخارج بأكثر من ستة ملايين بقليل.

لكن هذا الرقم تضاعف تقريبًا إلى أكثر من 11 مليونًا في عام 2021، حيث تقدم آلاف المواطنين المصريين بطلبات اللجوء في الدول الأوروبية وفي الفترة بين عامي 2021 و2023، تضاعف عدد الطلبات أربع مرات، ليصل إلى أكثر من 26500 طلب.

وأشار  إلى أن النظام لا يمتلك أي تحالف طبقي واسع النطاق يستثمر في بقائه، والعقد الاجتماعي الوحيد القائم هو القمع في مقابل لا شيء.

وقال إن "بحلول نهاية عام 2022، أصبح أكبر داعمي السيسي، هي الإمارات والسعودية، اللتان تشعران بعدم الارتياح بشكل متزايد إزاء أخطائه الاقتصادية وسوء إدارته للموارد."

لذلك جاءت طلبات الإنقاذ من المانحين الدوليين مصحوبة بشروط، بما في ذلك خفض قيمة العملة، والتقشف، والأمر الأكثر خطورة بالنسبة للنظام هو خصخصة الشركات العسكرية المشاركة في الاقتصاد المدني، وإلغاء الامتيازات التي سمحت لهم منذ فترة طويلة بالتلاعب بالسوق الحرة.

حيث سارع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والإمارات إلى إنقاذ نظام السيسي بأكثر من 50 مليار دولار في شهر مارس 2024 معربين عن مخاوفهم من المزيد من عدم الاستقرار الإقليمي.

ولكن يبدو أن هذا التدفق من الأموال لم يغير النموذج الاقتصادي للجمهورية الثانية، والذي يعتمد على مشاريع ضخمة ممولة بالديون تديرها المؤسسة العسكرية وشركاؤها، وفق "ميدل إيست آي".

وأعلن السيسي في نوفمبر 2022 أن شركتين عسكريتين، هما شركة بترول وشركة مياه معبأة، سيتم طرحهما في البورصة وبعد بضعة أشهر، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أنه سيتم طرح 10 شركات عسكرية أخرى في البورصة.

في صيف عام 2023، وقع السيسي قانونًا لإنهاء الإعفاءات الضريبية للأنشطة الاقتصادية الحكومية، ولكن بحلول عام 2024، لم تتم خصخصة أي شركة عسكرية!!

كما ظلت الإعفاءات الضريبية للمشاريع التجارية للجيش قائمة، حيث تضمن القانون الجديد استثناءً للأنشطة الاقتصادية المتعلقة "بالأمن القومي"، والتي يمكن تفسيرها بسهولة على أنها أي شيء يتعلق بالجيش.

وشدد كاتب المقال على أن الخيارات المتاحة أمام السيسي محدودة للغاية إذا كان راغباً في البقاء في السلطة.

وأشار إلى أن مماطلة السيسي في كبح جماح إمبراطورية الأعمال العسكرية أمر مفهوم، ففي هذه المرحلة، أصبح ضباط جهاز الجيش القمعي التابع للدولة هم من يمكّنونه من القيام بذلك، والدائرة الانتخابية الوحيدة المتبقية التي يستجيب لها.

وفي مقابل ولائهم، سمح لهم بالاستيلاء على أجهزة الدولة وقطاعات من الاقتصاد. وقد يكون تقليص امتيازاتهم المادية بمثابة انتحار له.

لذا يرجح المقاتل أن يواصل السيسي التهرب من الدعوات إلى إصلاح المجمع العسكري الاقتصادي أو اللجوء إلى مناورات مثل بيع الشركات العسكرية لمستثمرين من القطاع الخاص يشكلون واجهة للمؤسسة العسكرية، ومواصلة إهدار الاموال.

ففي يناير 2024 تم الاعلان عن توسعة العاصمة الإدارية الجديدة، وواصلت الشركات العسكرية أعمالها كالمعتاد، وبدورها، أدت جبال الديون إلى تشكيل تحالف قوي بين المؤسسة العسكرية ورأس المال الدولي، الذي استثمر في بقاء النظام.

ويري تحليل "ميدل إيست آي" أن حمام الدم الذي أعقب الانقلاب المصري في عام 2013 كان فعالاً في سحق الثورة وتفكيك كل المنظمات الناشطة التي كانت قادرة على المبادرة إلى التعبئة في الشوارع أو دعمها.

أوضح أن هذا خلق تناقضاً صارخاً بين الغضب الشديد إزاء غزة وغياب شبه كامل لأي تعبير عن هذا الغضب وهو وضع غير مسبوق في التاريخ المصري الحديث.

مع هذا اندلعت بين الحين والآخر احتجاجات صناعية عفوية ومعارك مناهضة للتجميل الحضري، هنا وهناك.

وقبل ذلك اندلعت احتجاجات كبيرة مناهضة للنظام في عامي 2019 و2020 في عدة مدن، لكنها قوبلت بالقوة الغاشمة والاعتقالات الجماعية.

وكان غياب الشبكات المنظمة السبب الرئيسي وراء عدم قدرة مثل هذه الاحتجاجات على التنسيق والتصعيد والتعبير عن بديل سياسي.

وبحسب الموقع البريطاني، "يدرك السيسي ذلك جيداً، لذا يزيد المستوى المرتفع من القمع الذي كفل عدم تمكن المنظمات المفككة من إعادة تجميع صفوفها، ولكن إلى متى؟

ففي ديسمبر 2022، دفع المحامون قيادات نقابتهم إلى تأييد الاحتجاجات التي شارك فيها الآلاف في القاهرة وأماكن أخرى ضد نظام الفواتير الإلكترونية الجديد الذي اقترحته وزارة المالية.

وفي الشهر التالي، نظموا إضرابًا وطنيًا تضامنًا مع ستة من زملائهم المعتقلين. وتم إطلاق سراح المعتقلين في غضون أيام.

وبعد شهرين، في مارس 2023، فاز خالد البلشي، المعارض اليساري، بانتخابات نقابة الصحفيين، بينما فاز المرشحون المستقلون بأربعة من ستة مقاعد متنافس عليها في مجلس النقابة، مما ألحق بالنظام "أول هزيمة سياسية يتكبدها منذ 10 سنوات".

كما فشل النظام في محاولاته الأخيرة لعزل نقيب المهندسين طارق النبراوي، الذي ليس متطرفاً بأي حال من الأحوال، لكنه يحاول الحد من تدخلات الأجهزة الأمنية في انتخابات النقابة.

وقد اقترن الإحياء البطيء للمعارضة داخل النقابات المهنية بزيادة تدريجية في الإضرابات المتفرقة، والتي كانت ناجمة إلى حد كبير عن المطالبات بزيادة الأجور في ظل ارتفاع التضخم.

ولكن العديد من منظمي العمال المخضرمين تقاعدوا أو توفوا أو استُهدفوا في حملات القمع التي أعقبت الانقلاب، وغيابهم، وغياب النقابات المستقلة والشبكات الناشطة التي تطورت خلال العقد من النضالات التي سبقت الانقلاب، أمر محسوس بقوة؛ لذا تفتقر الإضرابات العمالية الحالية، إلى الكوادر المتمرسة وشبكات التضامن القادرة على ربط النضالات ببعضها البعض.

في النهاية يخلص المقال إلى أنه "سواء كانت هناك معارضة منظمة أم لا، فإن الانفجارات الاجتماعية أمر لا مفر منه، لأن السياسات الاقتصادية المصرية فشلت في تحقيق أهدافها. والنظام لا يملك مجتمعاً مدنياً قادراً على استيعاب المعارضة أو صرفها، ولا تحالفاً عريضاً من الطبقات يستثمر في بقائه. والعقد الاجتماعي الوحيد القائم هو القمع في مقابل لا شيء".

وأوضح أنه ربما كان من الممكن أن تمكن هذه "الصيغة السامة" كما وصفتها صحيفة "نيو ريبابليك" النظام من البقاء على قيد الحياة لمدة عقد من الزمان، "ولكنها تجعله عرضة للانفجار إذا ثار المجتمع أو نضبت الأموال الأجنبية".

رؤية السيسي شلت مصر

وفي المقال الثاني بموقع "ميدل إيست آي"، يقول الباحث الاقتصادي والعسكري، "ماجد مندور": إن الرؤية التي يطبقها السيسي في مصر دفعت البلاد للشلل وتم دفع ملايين الأشخاص إلى براثن الفقر بسبب أزمة الديون الشديدة التي تخنق ميزانية الدولة.

أضاف أنه "حين خطب السيسي في العاصمة الإدارية الجديدة قبل شهور في هذا المشروع الذي تبلغ تكلفته 300 مليار دولار والذي سيحدد في نهاية المطاف رئاسته، قال إن الجوع ثمن زهيد مقابل التقدم!"

يعلق "مندور" على ذلك بالقول: إن "هذه الصورة المروعة من الجوع والحرمان هي ما ينتظر ملايين المصريين في السنوات القادمة".

أوضح أنه "بعد مرور عقد من الزمان منذ توليه الرئاسة، دفع السيسي الاقتصاد إلى حافة الانهيار، والأعراض واضحة في كل مكان، فهناك أزمة ديون حادة تخنق ميزانية الدولة، والاقتصاد عسكري إلى حد كبير..وتم استثمار المليارات في مشاريع ذات فوائد اقتصادية مشكوك فيها، وأصبحت جواهر شركات ومصانع القطاع العام المصري معروضة للبيع لتلبية التزامات الديون المتزايدة".

وقال: "كل هذا ينبع من رغبة المؤسسة العسكرية في ترسيخ السلطة والثروة في أيديها بأي ثمن، ما يتوقع أن يؤدي لعواقب وخيمة سوف تظل محسوسة لأجيال قادمة، ويتطلب التعافي من هذه العواقب جهوداً جبارة.

ومقابل هذا الجشع العسكري أصبحت براثن الفقر تأكل ملايين المصريين في السنوات الأخيرة، ويتوقع أن يستمر ذلك في المستقبل المنظور بعدما بلغ معدل الفقر 33% عام 2022، فيما كان 26% عام 2012."

وتابع: "بدلا من رعاية الفقراء بدأ النظام تدابير التقشف التي ظهرت في زيادة بنسبة 300% في سعر الخبز المدعوم، وهو الغذاء الأساسي للناس الأكثر ضعفا".

وأشار إلى أنه "سوف يصاحب ارتفاع معدلات الفقر تحول هيكلي آخر، ألا وهو زيادة تهميش الاقتصاد المصري، الذي سيصبح أكثر عرضة للصدمات الخارجية ولحسن نية حلفاء النظام."

نقل الثروة من الفقراء للحكام

وأكد مقال "ميدل إيست آي" أن "هذه التدابير (زيادة اسعار السلع الأساسية) تشكل جزءاً من سياسة شاملة تهدف إلى نقل الثروة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة إلى النخب الحاكمة ودائنيها"، حيث سمحت زيادة الإنفاق على المشاريع الضخمة، الممولة بديون ذات فائدة مرتفعة، للجيش بتوسيع سيطرته الاقتصادية بسرعة، في حين يتم تمويل سداد الديون من خلال الموارد العامة، والتي يتم تحصيلها من ضرائب على المصريين"

بجانب ذلك، غابت الصناعة ولم تعد هناك قاعدة صناعية، ونقصت القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، وانخفضت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من نحو 40% في عام 2013 إلى 33% في عام 2022، وهو انخفاض حاد".

وهذا يعني أن الضغوط على احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد سوف تستمر في الأمد المتوسط، وهو ما من شأنه أن يفرض ضغوطاً على قيمة الجنيه المتدهورة.

أيضا سيزداد تفاقم الوضع بسبب أزمة الديون التي تستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الدولة، الأمر الذي يجعل الاستثمارات العامة الرامية إلى زيادة القدرة التنافسية الاقتصادية أمراً مستبعداً للغاية.

أوضح الكاتب أن " عبء الدين ضخم حتى أن الفجوة التمويلية تقدر بنحو 28.5 مليار دولار حتى بعد تلقت مصر أكثر من 50 مليار دولار من القروض والاستثمارات مؤخراً!! وهذا يعني أن الاقتصاد المصري سوف يحتاج في المستقبل المنظور إلى دعم خارجي مستمر، في شكل قروض واستثمارات، من أجل الحفاظ على قدر من الاستقرار، فبدون مبلغ 35 مليار دولار أميركي التي دفعتها الامارات لشراء رأس الحكمة، كانت مصر معرضة للتخلف عن سداد الديون أو إعادة هيكلة الديون."

وقال الكاتب: "المشكلة أن النظام لا يكف عن الاستدانة ولن يكون قادراً على كبح جماح الإنفاق العام وكبح جماح المحسوبية ما سيفاقم المشكلة؛ لذا يتوقع التقرير أن يزيد اعتماد الاقتصاد المصري على تدفقات رأس المال الخارجية، مما يجعله عرضة للصدمات الخارجية، وتقلبات السياسة الإقليمية، وتقلبات الأسواق المالية الدولية".

وحذر من أن "النفوذ المتزايد لرأس المال الخليجي في الاقتصاد المصري سوف يترتب عليه عواقب اقتصادية وخيمة"، موضحا أنه "في سبتمبر 2023 استحوذت شركة إماراتية على حصة 30% في الشركة الشرقية للدخان المملوكة للحكومة، والتي تسيطر على 70% من سوق التبغ في البلاد، وبلغت قيمة الصفقة 625 مليون دولار.

كما مولت الإمارات بيع عدد من الفنادق التاريخية بمبلغ 800 مليون دولار أي اشترتها (عبر قاتل المطربة سوزان تميم هشام طلعت مصطفي الذي عفا عنه السيسي)

ولن يؤدي هذا الاتجاه إلا إلى تعميق التبعية البنيوية للاقتصاد المصري من خلال حرمان الحكومة من مصادر مهمة للإيرادات العامة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من الضغوط على المالية العامة.

وسيترتب على هذا "تآكل مستويات المعيشة، وإضعاف الجنيه، ودفع التضخم إلى الارتفاع، كما سيعمل على تعزيز التحالف السياسي بين النظام وداعميه في الخليج، ما سيخلق المزيد من العقبات أمام آفاق التحول الديمقراطي أو تحسين حقوق العمال".

ولا يتوقع كاتب المقال أن يكون "مستقبل الاقتصاد المصري قاتماً"، ويؤكد أنه "حتى لو تراجعت احتمالات التخلف عن سداد الديون في الوقت الحالي، فإن العواقب المترتبة على عقد كامل من السياسات الاقتصادية الحمقاء لم تتراجع".

ويؤكد أن "عملية التهميش الجارية سوف تثري عددا من النخب المحلية، التي سوف تتماشى مع هذه الحقائق الجديدة، وهذا لا يقتصر على النخب العسكرية، التي سوف تستمر في الاستفادة من تدفق القروض ورأس المال، بل وسوف يشمل أيضا النخب المدنية.  وأبرز مثال على ذلك هو هشام طلعت مصطفى، قطب العقارات والقاتل المدان، والذي تربطه علاقات وثيقة بالإمارات وكان شريكها في صفقات الفنادق التاريخية، وقد قفزت أرباح شركته في الربع الأول من عام 2024 بنسبة 220%!!

وينتهي "مندور" إلى أن "مصر تمر الآن بتحول هيكلي شامل، حيث سقط الملايين من الناس في براثن الفقر وتراكمت الثروات في أيدي قِلة من الناس، هم النخب العسكرية وأعوانها"، مؤكدا أن "هذا سوف ينتج عنه عواقب طويلة الأجل يصعب التنبؤ بها إلى حد كبير، إذ أن الضرر الاقتصادي الذي ألحقه النظام يتجاوز أزمة الديون، وسوف يستغرق الأمر سنوات لعكس مساره."

هكذا مرت عشرية مصر السوداء

وفي مقاله حول "عشرية مصر السوداء" ركز  "أحمد عابدين" على مقولة للفيلسوف الإيطالي اليساري "أنطونيو جرامشي": "طريقة الوصول إلى السلطة تحدد طريقة ممارسة السلطة".

وأوضح أنه "حين أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 27 يناير من عام 2014 موافقته على ترشح رئيس المجلس ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي لمنصب رئيس الجمهورية، بإجماع جميع الأعضاء (بعدما رفض 3 منهم وأصر السيسي أن يكون القرار بالإجماع)، نجح السيسي في تخطي كل العقبات الدولية أمامه بعد مذبحة رابعة العدوية وبقية المذابح التي ارتكبت بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي "بفضل الجهود الشديدة التي قامت بها إسرائيل".

وحين حدث كل ذلك أصبح قرار المجلس العسكري "قاعدة أساسية ستصبح أحد أركان الحكم خلال السنوات العشرة التالية، وهي أن السيسي لا يمثل نفسه في هذا المنصب، وإنما هو ممثل للمؤسسة العسكرية في هذا المكان".

لذا فإن مصلحتها ومصلحة أفرادها وخاصة القيادات منها تأتي في مقدمة مهام هذا المنصب، بالإضافة إلى قاعدة أهم وهي أن الجهة التي وضعته في هذا المكان ستكون وحدها القادرة على استبعاده أو استبداله.

من هنا يؤكد الكاتب أنه "خلال هذه العشرية السوداء تحولت المؤسسة العسكرية من دور الوصي على الدولة، كما كان الحال منذ سبعينات القرن الماضي، إلى المالك والمدير والمشرف المنفذ لكل كبير وصغير فيها!!"، وهو وضع أقرب ما يكون لوضع الدولة خلال بداية ستينات القرن الماضي وحتى هزيمة يونيو عام 1967، لتصبح مقدرات وثروات ومصالح وكل مفاصل الدولة ووزاراتها وهيئاتها في يد عسكريين، يديرونها وفق مصلحتهم الشخصية أولاً، آمنين من الحساب تماماً، ومن أمامهم موظفين مدنيين بمناصب ومراكز لا قيمة ولا وزن لها.

وفي مقابل هذا الوضع، حصل السيسي على طاعة وولاء من المؤسسة، حتى عندما قام بإجراءات شديدة الخطورة على أمن البلاد القومي وفي ملفات لم تكن للمؤسسة أن تتسامح فيها أو تسكت عنها لأي رئيس قبله ولا حتى جمال عبد الناصر مؤسس الدولة العسكرية.

وعلى رأس هذه الإجراءات كان التفريط في واحدة من أهم النقاط الجيوسياسية بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير الواقعتان في أخطر نقطة جغرافية بمدخل خليج العقبة المؤدي لمينائي إيلات في فلسطين المحتلة والعقبة الأردني، والذي كانتا من أهم أسباب حرب 1967، وكذلك إدارة الامارات عدد من الموانئ الاستراتيجية مثل ميناء سفاجا على البحر الأحمر.

ويبين الكاتب أنه "كان لخبرة السيسي الطويلة في القوات المسلحة دور مهم في معرفة الحفاظ على الاستقرار الداخلي في المؤسسة، وذلك عبر عدة وسائل، أهمها كبح الطموح الشخصي ومنع تكون مراكز القوى وإبراز العصا والجزرة معاً.

فأصبح التغيير الدوري والسريع للقيادات سمة رئيسية، قام بتقنينها عبر تخفيض مدة تعيين الوظائف العليا في القوات المسلحة من 4 سنوات إلى سنتين فقط مع إعطاء نفسه صلاحية التمديد من عدمها، وذلك لعدم تشكل مراكز قوى خارج السيطرة الكاملة والولاء المطلق".

كما توسعت مزايا وعطايا ومكافآت الولاء بإغراق قيادات وضباط المؤسسة بمشاريع ومناصب تجلب لهم مزايا ومنح وثروات خرافية تجعل المخاطرة بها بالانخراط في أي عصيان للأوامر أم محاولة تمرد تُعد مغامرة انتحارية، خاصة عند مشاهدة ما حدث من تنكيل شديد بمن تجرأ على ذلك مثل الفريق سامي عنان، الذي لم يشفع له منصبه السابق كرئيس لأركان القوات المسلحة، وكذلك رئيس جهاز المخابرات العامة السابق خالد فوزي.

وفي سبيل ذلك، فقد عمل السيسي منذ اليوم الأول على منع تكرار يوم تنحي مبارك (28 يناير 2011) وذلك بمنع تكرار 25 و26 و27 يناير، أي عدم السماح بمظاهرات ولو بسيطة وقليلة العدد، حتى لا تتطور إلى انتفاضة حاشدة.

بل ووأد أية محاولة للوصول إلى 25 يناير نفسه بالقضاء على التنظيمات والقيادات والشخصيات التي يمكن أن تُحرك جماهير ولو بسيطة، ووأد كل محاولة سلمية للاعتراض المنظم على حكمه.

كما حدث في جمع توكيلات الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة الدكتور محمد البرادعي أو استمارات حركة تمرد ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، وتخطى شدة قمعه تجاه الشعب أي عصر من العصور التي مرت في تاريخ مصر الحديث، مطمئناً إلى إرضاء جميع الجهات التي يمكن أن تتدخل سواء أكانت داخلية أو خارجية.

يتابع الكاتب أنه "بعد تلك السنوات العشرة، اتضح أن لا مخرج من هذه الدائرة الجهنمية إلا بعودة صاحب الحق الأصلي، أي الشعب المصري، واستلام دوره الأصيل في إعادة تشكيل السلطة ومحاسبتها"، "ولكن الشعوب لا تتحرك دون قيادة أو تنظيم، وهي الأدوات التي عمل السيسي على سحقها وفق استراتيجية جز العشب من بدايته، إما بإفساد النخب وتطويعها، أو سحقها، وتحطيم كل ما هو منظم شعبياً، من الأحزاب وحتى روابط مشجعي كرة القدم" وفق تقرير ميدل إيست آي.

ولأن كاتب التقرير (أحمد عابدين) من المحسوبين علي أحمد الطنطاوي، يبين في مقاله أنه "لذلك عمل أحمد الطنطاوي، مرشح رئاسة الجمهورية المعتقل حاليا، وأنا، ومجموعة من رفاقنا خلال قرابة عام ونصف كنت فيها شريكاً ومستشاراً سياساً للطنطاوي، ومسؤولاً عن الشؤون السياسية والخارجية في حملة ترشيحه للرئاسة على استراتيجية "مشروع الأمل"، وهي خلق تنظيم لحظي وقيادة مفاجئة تستطيع وقف عجلة تبادل الاستبداد نحو عهد تداول السلطة، وذلك بالعمل على عودة الشعب بكل مكوناته إلى المعادلة بتقوية التنظيمات السياسية وخلق مناخ قادر على خلق وتقوية ودمج أكبر قدر من الشعب في هذه التنظيمات وفي العملية السياسية.

قال: "كان رهاننا على أمر واحد، وهو أن عودة الشعب إلى المعادلة عبر الصناديق أفضل وأكثر أماناً منها عبر المظاهرات، وأن عودته هذه مرهونة بتصديق مشروعنا، وأن السبيل الوحيد لكي يصدقنا هو أن نكون صادقين فعلا، أن يكون مشروعنا نزيهاً شريفاً، لا نلوثه بكذب أو وهم، أو اتفاقات سرية".

أضاف: "سار الأمر كما أملنا، لكن ما لم نتوقعه هو هذا المشهد المخيف لاستخدام آلاف البلطجية بطول البلاد وعرضها لمنع الشعب من إصدار توقيعات لمنح الطنطاوي حقه في الترشح، ثم تمترس أجهزة الأمن وتعاون باقي أجهزة الدولة ضد إرادة الناس".

تابع: "ولو كنا توقعنا هذا فماذا كان بوسعنا أن نفعل أمام عصابات مسلحة وقوى أمنية تعتدي على عشرات الآلاف من المواطنين في الشوارع سوى ما فعلناه من محاولة حشد الشعب للحصول على حقه؟

أما الأغرب من ذلك فقد كان صمت القبور من المجتمع الدولي، الذي تجاهل كل ما يحدث وغض بصره وحتى لم يكلف أحداً نفسه بإصدار بيان للتنديد، ولكن تم تفسير كل هذا سريعاً، فالمجتمع الدولي لم يقف صامتاً وإنما قام بمكافأة السيسي بعشرات المليارات وإنقاذ نظامه من أشد كارثة اقتصادية بعد أيام من ذلك المشهد العنيف والمخيف".

وأوضح "عابدين" في مقاله أن "السر في ذلك هو العلاقات بين نظام السيسي وإسرائيل، فلقد أصبح جلياً أن المجتمع الدولي لا يعنيه من أمر مصر سوى شيئين، عدم الانهيار حتى لا يطال انهيارها شواطئ أوروبا، وأمن إسرائيل، وخاصة أمن إسرائيل الذي برع السيسي فيه بشكل فاق جميع اسلافه".

لكن، كيف أصبحت إسرائيل جزء من معادلة الحكم في مصر؟. هنا يوضح "عابدين" أنه قبل الانقلاب العسكري عام 1952، كانت هناك عدة قوى تتنازع السلطة والقوة والحكم، الملك والاحتلال الإنجليزي، وبعض الأحزاب السياسية التي تعبر بقدر ما عن جزء كبير من الشعب.

وقد أطاح الانقلاب بالملك وبالأحزاب وأخرج الانجليز، ثم وضعت كل مقاليد الحكم في يد واحدة هي يد من يجلس على كرسي الرئاسة، ووضع مفاتيح الكرسي في يد الجيش، حتى جاء السادات ووضع مفتاح الجيش في يد الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع توسع النفوذ الكبير للوبي الإسرائيلي في واشنطن، أصبحت أهمية أي نظام يحكم مصر بالنسبة للولايات المتحدة أكبر داعم وممول ومسلح للجيش يتمثل في علاقته مع إسرائيل.

أوضح أن "السيسي فطن إلى هذه المعادلة جيداً، لذا فلم يكتف بأن يكون صديقاً لتل أبيب، بل أصبح حليفاً مقرباً منها، وأصبحت شراكتها بالسيسي ذات منفعة متبادلة، فهما يشتركان في أمر بالغ الأهمية، وهو خطورة الديمقراطية عليهما"، وذلك "لأن الديمقراطية تعني خروج السيسي من فوق عرشه، خاصة بعد كل هذا الفشل والقمع والفقر غير المسبوقين في تاريخ مصر الحديث.

وفي الوقت نفسه تعد الديمقراطية أخطر ما يمكن على إسرائيل، لأن أي نظام ديمقراطي (مثل الرئيس مرسي) سيفرز نظاماً يعبر عن الإرادة الشعبية المصرية التي لن تكون معادية لإسرائيل وحسب، وإنما ترى في إسرائيل عدواً وجودياً وترى في نفسها جزءً من القضية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني".

ويقول الكاتب: "من هنا تأتي أهمية ما يحدث في غزة وفي فلسطين اليوم، فلعقود طويلة، كان هناك شعاراً يتردد حول أن تحرير فلسطين من الاحتلال يبدأ بتحرير القاهرة من الدكتاتورية، وأن مصر، الدولة العربية الأكبر، وحدها قادرة على لم شمل العرب من جديد وحشدهم لتحرير فلسطين، ولكن يبدو أن العكس تماما هو ما يحدث، وربما هو أحد أهم أسباب الدعم المصري والعربي لإسرائيل".

لذا فإن التغيير الذي تحدثه الحرب على غزة في العالم لن يحدد مصير فلسطين وحدها، ولكنها سيحدد مصير مصر وربما باقي دول المنطقة أيضاً، فالتغير الكبير في الرأي العام الدولي تجاه الاحتلال الإسرائيلي سيكون له انعكاس على السياسة الدولية تجاه مصر، وربما ستصبح الديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقتنا هي أساس العلاقات بين النظام المصري والمجتمع الذي لم يكف يوماً عن دفع مئات المليارات من الدولارات لأنظمة فاسدة تضيعها هباء، مقابل حماية الاحتلال الإسرائيلي ومساعدته بل ومعاونته في عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي واسعة كالتي تحدث الآن في غزة والضفة الغربية".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • المصادر:
  • Why Egypt's 'New Republic' is increasingly vulnerable to implosion                  https://2h.ae/yvnG
  • Sisi's vision has crippled Egypt, a nation teetering on the brink of economic ruin       https://2h.ae/KvEB
  • Egypt's dark decade was built upon Sisi's dangerous bargain                           https://2h.ae/Pxvr