وعد بالتنمية مقابل الحرية فأضاع الاثنين|"فورين بوليسي": السيسي نموذج لفشل مدمر
الأربعاء - 6 مارس 2024
- دكتاتور مصر يرفض الخروج من قفص السياسات الفاشلة وكأنه يستدعي الثورة ضده بنفسه
- حكومة "السيسي" قمعت المعارضة بعنف وأبادت الحريات بطرق أسوأ من أي نظام استبدادي
- أسعار السلع الأساسية ترتفع على أساس يومي وأحيانا تتغير أثناء وجود الشخص داخل المحل
- أزمة الدولار الخانقة دفعت سعر الصرف في السوق السوداء إلى تجاوز ضعف السعر الرسمي
- حقوق المصريين الأساسية عرضة للخطر بسبب التضخم الذي قفز إلى 40% بالأشهر الأخيرة
- حكومة السيسي تلجأ إلى أساليب يائسة لكسب الوقت دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة
- الأزمة الاقتصادية في مصر عميقة ومتعددة الأوجه لكنها في عديد من النواحي نتاج مأزق سياسي
- السيسي دمر الركائز اللازمة لبناء اقتصاد قوي بسحقه سيادة القانون و الصحافة الحرة
- كلما طال أمد استمرار السيسي في حرمان البلاد من إمكاناتها زاد الخطر على الاستقرار
إنسان للإعلام- قسم الترجمة:
على مدار سنوات الانقلاب العسكري العشرة الأخيرة، لم يخلُ عدد من مجلة "فورين بوليسي"، الأمريكية الشهيرة، من التحذير مما يفعله قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر وتحويلها لـ"خراب"، رغم أنه قدم نفسه منقذا ومخلصا مزعوما.
في عددها يوم 26 فبراير 2024، ركزت المجلة على فكرة القفص الحديدي الذي بناه الديكتاتور السيسي حول نفسه، والذي هو عبارة عن سلسلة من السياسات الفاشلة المدمرة، ورغم ذلك يرفض "السيسي" الخروج منه أو القيام بأي تغيير، كأنه يستدعي الثورة ضده بنفسه.
التقرير، الذي نشرته مجلة "فورين بوليسي إن فوكاس" هذه المرة، كتبه الباحث المصري في منظمة "هيومان رايتس وواتش" الحقوقية "عمرو مجدي"، وركز فيه على أن الدكتاتور المصري طالب مواطنيه بالتخلي عن الحريات من أجل التنمية، ولكن "الآن ليس لديهم أي شيء .. لا حريات ولا تنمية"، وهذا هو واقع مصر في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، كما يلخصه التقرير.
تقرير "فورين بوليسي إن فوكاس" أكد أنه في أي محادثة مع المصريين في الأشهر الأخيرة، لا يمكن للمرء أن يتجنب سماع كيف أن أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية ترتفع بسرعة على أساس يومي، وأحيانا تتغير حرفيا أثناء وجود الشخص داخل محلات السلع نفسها!
أكد أن أزمة الدولار والعملة الأجنبية، خلال الأسابيع الأخيرة، دفعت سعر الصرف في السوق السوداء إلى تجاوز ضعف السعر الرسمي البالغ 31 جنيها للدولار الواحد.
وباتت حقوق الملايين من المصريين الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الحق في الحصول على الغذاء ومستوى معيشي لائق، معرضة للخطر بسبب التضخم الذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 40 في المئة في الأشهر الأخيرة.
كل هذا مجرد غيض من فيض الأزمة الاقتصادية والمالية المتصاعدة والمطولة في مصر، "والأسوأ من ذلك أنه لا يبدو أن هناك مخرجًا معقولًا" وفق المجلة.
إلهاء المصريين بانتخابات مزورة
قال التقرير: "رغم أن الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة حولت بعض الانتباه عن الأزمة الاقتصادية المؤلمة في مصر، فقد لجأت حكومة عبد الفتاح السيسي إلى ما تتقنه وهو: أساليب يائسة لكسب الوقت، من دون معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، والدخول في دوامة الفشل المستمرة."
على سبيل المثال، عندما شعرت الحكومة بتصاعد السخط العام بشكل واضح، قدمت الانتخابات الرئاسية إلى ديسمبر 2023 قبل الموعد المعتاد في مارس 2024، على الرغم من عدم منح أي شخصية أو مجموعة معارضة الفرصة لخوض الانتخابات وضمان نزاهتها.
ففي يناير 2023، وافق البرلمان بسرعة على التشريع الذي اقترحته الحكومة والذي يمنح الجيش، الحاكم الفعلي للبلاد، المزيد من السلطة لمحاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية على جرائم واسعة النطاق تتعلق بالاقتصاد وأية جرائم أخرى يرى الرئيس أنها تُقوض متطلبات الأمن القومي.
وهذا ليس به جديد سوي إضافة المزيد إلى كومة القوانين والمحاكم المسيئة المستخدمة لمعاقبة المعارضة، وابتزاز الثروات، والضغط على الشركات الكبرى لمنح الجيش النصيب الأكبر من عائداتها.
قمع المعارضة وإبادة الحريات
يوضح التقرير أن السيسي طالب المصريين بالتخلي عن الحريات من أجل التنمية، ولكنهم الآن ليس لديهم أي منهما!
قال: "عندما وصل السيسي إلى السلطة في أعقاب الانقلاب العسكري الذي دبره في عام 2013، أشار ضمنا في تصريحات متعددة إلى أن المصريين سيحتاجون إلى التخلي عن حرياتهم المدنية والسياسية بينما يركز على تحقيق الرخاء والتنمية.
وقد تحدث السيسي دائمًا كما لو أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تتعارض مع الحقوق السياسية والحريات المدنية، وأن الاحتجاجات السلمية والتعبير بشكل عام هي مؤامرات لا تجلب سوى الفوضى.
لكن بعد عشر سنوات من الانقلاب العسكري وتسع سنوات من رئاسته، لم يستغرب أحدا عدم تحقق رؤية السيسي المشوهة أبدًا.
فقد قمعت حكومته بعنف المعارضة السلمية وأبادت الحريات الأساسية، بطرق أسوأ كثيرًا من أي نظام استبدادي في تاريخ مصر الحديث، في حين أن الوعود بالرخاء والتنمية لا تعدو أن تكون أكثر من سراب. وقد تزايد الفقر في ظل حكم السيسي".
ورصد التقرير أن السيسي بدا متوترا في الآونة الأخيرة، فبدأ يهدد المصريين بالبديل وهو الخراب لو ثاروا ضده، ويهيئهم لمجاعة، ففي 30 سبتمبر 2023، وفي مقارنة بالمجاعة الصينية الكبرى التي أودت بحياة الملايين في القرن العشرين، أشار السيسي حرفيًا إلى أنه "من المقبول لهم أن يواجهوا المجاعة أو الموت جوعًا" لتحقيق رؤيته للتنمية، والسبب الذي يجعله يبدو متوترًا هو أن فرضية حكم السيسي نفسها كانت تنهار أمام عينيه.
"السيسي" يعفي نفسه من المسؤولية!
ومع أنه هو سبب كل هذا الخراب، يستغرب تقرير المجلة الأمريكية من محاولات السيسي إعفاء نفسه من المسؤولية مع أنه يدرك عمق الأزمة الاقتصادية
قالت إنه حاول إلقاء اللوم على العوامل الخارجية، وتوبيخ المصريين على تطلعاتهم الديمقراطية وثورة 2011 التي أنهت 30 عامًا من حكم الرئيس الاستبدادي حسني مبارك.
وانضم السيسي بذلك إلى قائمة طويلة من الحكام المستبدين الذين لا ينظرون إلى التنمية على أنها حق إنساني غير قابل للتصرف، بل على أنها منفعة أو هدية من الحاكم إلى الشعب، وقد أخبر المصريين مرارًا أن الحل هو الاستمرار في التضحية بحقوقهم والتحلي بالصبر، أو الانتقاد، فالمعارضة يمكن ان تُدمر البلاد، وفق تصوره.
أين ذهبت مليارات الخليج والصندوق؟
وتعود المجلة لتسأل عن المليارات التي حصل عليها السيسي منذ الانقلاب وأين ذهبت؟
وتقول: نظامه تلقى مليارات الدولارات من الدعم السخي من الجهات المانحة السعودية والإماراتية الغنية، بالإضافة إلى قروض كبيرة ومساعدات فنية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما.
وبدلًا من أن تؤدي هذه القروض إلى إصلاحات ملموسة، فقد أصبحت في الغالب عبئًا على الأجيال القادمة، إذ أن مصر، وفقًا لوكالة "بلومبرج"، أكثر عرضة لخطر أزمات الديون من أي دولة أخرى في العالم إلى جانب أوكرانيا.
أوضحت أنه في حين يعاني المزيد من المصريين لتأمين احتياجاتهم الأساسية، شرع السيسي في مشاريع فخمة، اعترف هو نفسه في بعض الأحيان بأنها غير قابلة للتنفيذ، لكنه مع ذلك أنجزها "لتعزيز معنويات المصريين".
ويؤكد تقرير "فورين بوليسي إن فوكاس" أن العديد من الدراسات كشفت كيف وسع جيش السيسي غزوه الهائل للبيزنس والأسواق الاستهلاكية، مستفيدًا من عدم تكافؤ الفرص والامتيازات الممنوحة له ونقص الرقابة المدنية، ما أدى إلى الفساد وإهدار الأصول العامة.
أوضح أن هذه واحدة من القضايا الرئيسة التي لم تُعالج بالقدر الكافي، بما في ذلك قرض صندوق النقد الدولي المتعثر حاليًا، والذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار.
أيضا قامت حكومة السيسي، بدعم من صندوق النقد الدولي، بإلغاء عديد من دعم المواد الغذائية والوقود، دون اتخاذ تدابير كافية لتوسيع نطاق نظام الضمان الاجتماعي في البلاد وتخفيف الضرر.
وفي الوقت الحالي، بالكاد تغطي برامج التحويلات النقدية للمساعدات الاجتماعية ثلث الستين مليون شخص الذين يعيشون بالقرب من خط الفقر أو في حالة فقر من بين السكان البالغ عددهم 100 مليون نسمة. كما فقدت المساعدات النقدية بشكل متزايد قوتها الشرائية بسبب التضخم.
المساعدات الغربية وراء بقاء السيسي
وتشدد المجلة الأمريكية على أن المساعدات الغربية غير المشروطة هي التي تُبقي السيسي واقفًا على قدميه، لكنها قد لا تكون كافيه، فالأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر عميقة ومتعددة الأوجه، ولكنها أيضا في عديد من النواحي نتاج مأزق سياسي أدى فيه نظام حكم مدعوم من المؤسسة العسكرية وغير خاضع للمساءلة إلى سحق احتمالات التداول السلمي للسلطة.
فقد رفض السيسي عمدًا إنشاء حزب سياسي، أو رئاسة أحد الأحزاب الموالية له التي تهيمن على برلمانه المطيع، وبدلًا من ذلك، يعتمد على الإكراه المجرد وعلى الأجهزة العسكرية والأمنية باعتبارها أدواته الأساسية للسيطرة.
والسبب هو أنه كان يسعى إلى تجنب ما يعتبره خطأ مبارك عندما حكم من خلال حزب سياسي أسس حكم الأقلية في مجال الأعمال والمحسوبية، وبدلًا من ذلك، ركز السيسي على تفكيك مؤسسات الدولة المستقلة وتعزيز آليات الحماية من الانقلابات، بينما اعتمد بشكل شبه كامل على الجيش لإدارة البلاد.
وصاية الجيش على الدولة
وفي المقابل، عزز الجيش حكمه كلاعب سياسي واقتصادي بطرق غير مسبوقة، بما في ذلك إدخال تعديلات دستورية وقانونية تجعله الوصي الرئيس على الحياة السياسية، وتسمح للجنرالات بتراكم المزيد من الثروة في الشركات العسكرية الغامضة، لكن هذا يترك المؤسسة العسكرية في موقف غير مريح، حيث تتلقى حصة كبيرة من الغضب الشعبي بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة في ظل فراغ البدائل السياسية.
وتشير الأدلة إلى أن مستوى الاستياء الشعبي من السيسي بعد عشر سنوات في السلطة يذكرنا بما احتاج مبارك إلى 30 عامًا ليراكمه. ولا تزال حكومة السيسي تسعى للحصول على الدعم الخارجي والمصادقة عليه كوسيلة للبقاء.
وقد ساعدت التوترات الإقليمية حكومة السيسي عدة مرات، حيث فضل المتبرعون له في الحكومات الغربية في كثير من الأحيان الحلول قصيرة النظر للتحديات الأمنية المتزايدة والهجرة عبر البحر المتوسط على حساب حقوق الإنسان والديمقراطية.
ويظل هذا هو الحال فيما يتعلق بالصفقات الجديدة والمستمرة التي جرى الإعلان عنها والتي قد تمضي قدمًا قريبًا، بما في ذلك مع الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.
ولا يزال السيسي يراهن على التكتيكات القديمة ذاتها، مستخدمًا حجم مصر ونفوذها الجيوسياسي، وإن كان ضعيفاً، لإقناع العواصم الغربية بضخ المزيد من المساعدات المالية على خلفية الأزمات والحروب الإقليمية كما هو الحال في غزة والسودان وليبيا. لكن كل هذه الأمور لا يمكن أن تكون أكثر من مجرد تكتيكات لشراء الوقت.
وينطبق هذا أيضًا على صفقة الاستثمار الغامضة التي تبلغ قيمتها 35 مليار دولار مع دولة الإمارات، والتي احتفلت بها الحكومة في أواخر فبراير باعتبارها انتصارًا.
لكن مثل هذا الدعم ذو الدوافع السياسية أثبت أنه لا يؤدي إلا إلى زيادة نفوذ الحلفاء الخليجيين على الطبقة الحاكمة في مصر ، مع مكاسب فعلية ضئيلة أو معدومة لملايين المصريين.
الفشل يجعل الإصلاح أقل احتمالا
ويقول التقرير :إن دورة الفشل والإكراه تجعل الإصلاح أقل احتمالا، مشيرًا إلى أن البعض يرى أن العد التنازلي للانفجار الاجتماعي أو السياسي قد بدأ بالفعل لكن الأمر المؤكد هو أن السيسي سقى بذور فشله وأحاط نفسه بسجن فشله، فمن خلال سحقه لسيادة القانون واستقلال مؤسسات الدولة و الصحافة الحرة، دمر السيسي الركائز اللازمة لبناء اقتصاد قوي قائم على المساءلة وبيئة مواتية يمكنها جذب استثمارات قوية بدلًا من الحصول على قروض غير مستدامة.
ومن غير المرجح أيضًا أن يعكس السيسي مساره لأن حكومته لم تظهر سوى القليل من القدرة على التفكير الذاتي أو الإصلاح، حيث يخشى نظامه حدوث أدنى انفتاح سياسي، ولجأ في كثير من الأحيان إلى الإكراه لإخفاء المشاكل، وهو ما يخلق بدوره المزيد من المظالم ويجعل آفاق الإصلاح أكثر صعوبة. ومن نواحٍ عديدة، حبس السيسي نفسه في قفص.
ويختم التقرير بالتأكيد على أنه: "كلما طال أمد استمرار السيسي في حرمان البلاد من إمكاناتها، زاد الخطر على الاستقرار على المدى الطويل في مصر، وارتفع الثمن الذي يجب دفعه لإصلاح المستقبل".