قضية مسلمي الإيغور.. لماذا تغيب إعلاميا عن المنصات العربية؟
الأربعاء - 21 يونيو 2023
علماء ومتخصصون في ندوة نظمها "مركز إنسان للدراسات الإعلامية":
- الصين تمنع أي مناشط أو مظاهر إسلامية للإيغور وتعمل على طمس هويتهم
- الانتقائية الإعلامية عربيًا وإسلاميًا صنعت جدارًا عازلاً حول قضية "الإيغور"
- الصين تبني تحالفات اقتصادية مع الأنظمة العربية لإسكاتها سياسيا وإعلاميا
- محاولات لفرض الفكر الشيوعي قسريا بممارسات نازية وعنصرية مجرّمة دوليا
- غياب الاستراتيجية والتمويل وراء ضعف تغطية أخبار المسلمين حول العالم
إنسان للدراسات الإعلامية- أماني محمد:
ناقش علماء ومتخصصون، انعكاسات التقارب الصيني- العربي على تعاطي وسائل الإعلام العربية مع قضية مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية، ومحاولات الصين "إماتة" هذه القضية من خلال سياسات الإقراض والاستثمار في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، ورسم تحالفات جديدة مع الأنظمة العربية.
جرت المناقشات في الندوة التي نظمها مركز "إنسان" للدراسات الإعلامية بإسطنبول، الثلاثاء ٢١ يونيو ٢٠٢٣م، بعنوان "تراجع دور الإعلام العربي في تغطية قضية مسلمي الإيغور.. أسباب وحلول"، وقدمتها الإعلامية ندى محمود.
انتهاكات جسيمة
تحدث الدكتور عبد الوارث عبد الخالق، رئيس تحرير وكالة أنباء تركستان الشرقية، فأوضح أن الصين تمارس انتهاكات جسيمة في حق مسلمي الإيغور، مبينا ما تتمتع به دولة تركستان الشرقية-التي احتلتها الصين في عام 1949م- من ثروات طبيعية وموقع جغرافي متميز.
واستعرض عبدالخالق صورا من الانتهاكات التي يتعرض لها مسلمو الإيغور، وفي مقدمتها الاعتقالات، في معسكرات أشبه بالمعسكرات النازية، لكل من يمارس حقه كمسلم في العبادة والصلاة وقراءة القرآن، وعند ممارسة أي مظهر من المظاهر الإسلامية.
وتحدّث بشكل موجز عن بقية الانتهاكات، ومنها:
- إنشاء الصين معسكرات نازية، ومعسكرات تضم أطفال المسلمين لتصيينهم (تحويلهم إلى الثقافة الصينية تماما).
- إعدام العلماء والأكاديميين والفنانين بشكل جماعي دون محاكمة.
- هدم المساجد وتحويلها إلى دور ملاهٍ وإحراق الكتب الدينية.
- تغيير الأذان والإقامة، وفي المقابل تعليق العَلم الشيوعي في محراب المسجد.
- منع أي مظهر من المظاهر الإسلامية، ومنها الملابس والأسماء والصلاة وحيازة المصاحف.
- إجبار الفتيات المسلمات على الزواج من "صيني شيوعي" غير مسلم، وأيضا التعقيم القسري للنساء.
- إجبار الأسر على استضافة شخص صيني يعيش معهم لمراقبة ما إذا كانوا يؤدون أي شكل من أشكال العبادة.
- الإتجار بالأعضاء البشرية، حيث أنشأت الصين سوق سوداء لتجارة الأعضاء البشرية وأطلقت عليه سوق للأعضاء الحلال.
سياسة عدم التدخل
وحول تراجع دور الإعلام العربي في تغطية قضية مسلمي الإيغور، وكيف تمدد الصين نفوذها السياسي في دول الشرق الأوسط، تحدث الباحث السياسي والمهتم بالنظم السياسية في الشرق الأوسط، محمد الباز، فأوضح -من خلال ورقة بحثية- كيف استطاعت الصين تحييد نفوذ الدول العربية والإسلامية في دعم قضية الإيغور، وكيف أجبرت الأنظمة على غض الطرف عما يتعرضون له من قمع واضطهاد، مشيرًا إلى أن الصين تعمل على توسيع نفوذها الاقتصادي مع دول الشرق الأوسط، من خلال حِزَم الدعم والتعاون الاقتصادي غير المقيد بانتقادات لاذعة عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، وهو ما يُكسب الدعم الصيني أفضلية على حساب الدعم الغربي المصحوب بالمطالبة المتكررة بالمزيد من دعم حقوق الإنسان والديمقراطية، وهي سياسة تسميها الصين " سياسة عدم التدخل".
فخ الديون والنفوذ الصيني
قال الباز:"تعتبر الديون الصينية هي الملاذ الآمن للأنظمة المستبدة التي لا تحترم مبادئ الشفافية وحرية تبادل المعلومات، حيث بيّن تقرير للكاتب الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية عادل صبري، في أكتوبر2021، أنه "عند مراجعة تقرير البنك المركزي والموازنة العامة للدولة، عن العام المالي 20/21، لوحظ اختفاء أرقام الدين الخاصة بالشركات والجهات المحلية التي اقترضت أموالا من دول ومؤسسات أجنبية بالعملة الصعبة، والتي تحصل عادة على ضمان من وزارة المالية"، مشيرًا صبري إلى أن "المبالغ التي اقترضتها شركة العاصمة الإدارية من الصين لإنشاء البرج الأيقوني أو مجمع الوزارات التي تنفذه شركات صينية أو قيمة القروض المخصصة لشراء قطار العاصمة والقطار السريع، وكذلك قيمة القروض التي حصل عليها البنك الأهلي أو بنك مصر، وشركات قطاع الأعمال التي حصلت بمفردها على ما يزيد على نصف مليار دولار من الصين لتطوير قطاع الغزل والنسيج، هي ديون أصبحت لها حجة الديون الحكومية".
أضاف الباز أن الصين، التي أصبحت مصنع العالم، وأكبر شريك اقتصادي لمعظم دول الشرق الأوسط، تسعى من خلال نفوذها الاقتصادي الراسخ تمديد نفوذها السياسي في الشرق الأوسط، موضحًا أن الصين تعمل على طرح نفسها كوسيط حيادي قادر على تقديم مبادرات مبتكرة لحل القضايا الخلافية بين دول الشرق الأوسط، حيث نجحت في بلورة اتفاق تاريخي بين السعودية و إيران، في مارس 2023 الماضي.
كما تمد الصين يدها الآن للتدخل في القضية الفلسطينية، ففي 14 يونيو الجاري، استقبل الرئيس الصيني رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بكين، وخلال الزيارة أعلنت الصين دعمها لحصول السلطة الفلسطينية على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، كما أعلنت عن ثلاث مبادرات لحل القضية الفلسطينية على أساس فصل الدولتين.
وأشار إلى أنه على الرغم من اعتماد معظم دول الشرق الأوسط على السلاح الأمريكي، إلا أن التغيرات التي طرأت في السنوات الأخيرة دفعت هذه الدول للتفكير في تنويع خياراتها التسليحية، ويأتي السلاح الصيني في مقدمة هذه الخيارات، لما يتمتع به من أسعار اقتصادية وعدم التقيد بتقارير حقوق الانسان.
كما أوضح الباز أن الصين لا تتعامل مع منظمات المجتمع المدني، ولا تعترف بها، وهي ما تطمئن إليه الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط التي تعاني من "صداع المعارضة في الخارج"، التي غالبا ما تتخذ من الدول الغربية مقرات لها، وهذا ما يجعل الصين الحليف الأقرب إلى الأنظمة في العالم العربي، فهي قادرة على تفهم رغبات الحكام ولا تهتم بانتهاكات حقوق الانسان.
وقال في نهاية حديثه: "إن المصالح الاقتصادية بين الدول، تقيد حرية الطرف الأضعف في المعادلة الاقتصادية تجاه العديد من القضايا، ولكن الدعم الشعبي والتضامن الإنساني لا يمكن أن يتأثر بهذه المصالح الاقتصادية في حال كان هناك وعي متجدد بمثل هذه القضايا التاريخية".
الباحث السياسي محمد الباز متحدثا أمام الندوة
قضية سياسية أم دينية؟
وفي كلمته، تساءل الدكتور محمود محمد، نائب رئيس اتحاد علماء تركستان الشرقية: هل تعد قضية تركستان الشرقية سياسية أم دينية؟ موضحا أن الصين تحارب الإسلام والمظاهر الإسلامية في تركستان الشرقية، ولا تحارب المسلمين في الداخل الصيني، حيث توجد تفرقة في التعامل مع المسلمين داخل الصين والمسلمين في تركستان الشرقية، فالمسلمون في الداخل الصيني هم صينيون لغة وأعرافا وكل شيء، منتشرون في مدن مختلفة ولم يكونوا متمركزين في مدينة واحدة ولا يشكلون خطرا على الصين، أما تركستان الشرقية فهي دولة مستقلة منذ قديم الزمان، احتلتها الصين وتريد تذويب الشعب التركستاني في البوتقة الصينية، ورغم محاولاتها المتكررة إلا أنها فشلت في ذلك؛ لأن الشعب التركستاني متمسك بدينه وتاريخه وهويته.
وتطرق نائب رئيس اتحاد علماء تركستان الشرقية إلى جهود الصين في محاولات فرض الفكر الشيوعي، ورفض الشعب التركستاني القاطع لهذه الأفكار القائمة على الإلحاد وإنكار الذات الإلهية، ولهذا السبب تحارب الصين الإسلام في تركستان الشرقية، موضحًا أن هناك تفرقة تقوم على أساس العرق.
سبب "الصورة المنقوصة"
بدوره، أرجع الباحث الإعلامي، محمد سرحان، سبب "الصورة المنقوصة" لمعالجات الإعلام العربي لقضايا الأقليات المسلمة إلى أن الصورة التي يقدمها الإعلام العربي لواقع الأمة غالبا ما تكون منقوصة.
وأكد أن المتابع لوسائل الإعلام العربية يستطيع بقليل من الجهد أن يكتشف بسهولة أن المسلمين حول العالم في الدول غير المسلمة (الأقليات المسلمة) يحظون فقط باهتمام انتقائي ومؤقت من قِبَل الإعلام العربي، يرتبط حضوره في الأغلب بوقوع مذابح أو تهجير قسري لهؤلاء المسلمين، أو بصلوات التراويح في شهر رمضان أو الأعياد أي المناسبات، وبمجرد ما إن ينشغل العالم بحدث آخر سرعان ما ينصرف هذا الاهتمام على الحدث الجديد.
أشار سرحان إلى أن هذا النقص في حضور الأقليات وقضاياهم في الإعلام العربي يتحمله أبناء الأقليات أنفسهم، مبينًا أن الانتقائية الإعلامية عربيًا وإسلاميًا صنعت، بشكل غير مباشر، جدارًا عازلاً إلى حد بعيد بين المسلمين في البلدان العربية والإسلامية، والمسلمين في الدول غير المسلمة، الغائبين عن الصورة إلا قليلاً، وجعل ذلك أجيالاً كاملة من أبنائهم يفتقدون الشعور بالانتماء إلى أمة واحدة.
ويرى الباحث أن الإعلام حتى الآن لم يحظ بأهميته الحقيقية لدى أبناء الأقليات المسلمة، مضيفا: "وإن كان الإيغور لديهم جهود واضحة ومساع في التعريف بقضيتهم، لكن كثير من أبناء الوجود الإسلامي في الدو ل غير المسلمة لديهم حاجز كبير بينهم وبين الإعلام واستخدامه حتى ولو على مستوى إعلام وسائل التواصل الاجتماعي".
وأرجع سرحان ذلك إلى عدم إدراك أهمية الإعلام، وغياب الكوادر وعدم السعي لتأهيلها، بالإضافة إلى غياب الإمكانيات، وإن كانت وسائل التواصل لم تترك مبررا لأحد في هذا الجانب.
غياب الاستراتيجية و التمويل
وفي كلمتها، أكدت الإعلامية اليمنية د. نبيلة السعيد، أن ضعف الرسالة الإعلامية لقضايا المسلمين يعود لغياب التمويل، حيث ترى أن الاستراتيجية الإعلامية في العالم العربي والإسلامي ضعيفة.
وقالت: "مع غياب التمويل سنظل في تعثرات مستمرة"، مضيفة: "ما دمنا نختصر الإعلام في فتات التمويل، سيظل محصورا في فتات عدم الظهور"، مشيرة إلى أن "القضايا الإسلامية في كل المعمورة قضايا لم يُحَضّر لها ولم يُستَعد لها ولم تمول بشكل جيد".
وأوضحت أن هناك عدة عوامل لتراجع دور العمل الإعلامي المتعلق بقضية تركستان الشرقية، على رأسها الاستراتيجية الإعلامية وموقعها من الاهتمام، خاصة التمويل؛ لبناء خدمة إعلامية تلبي الطموح فضلًا عن أنها تحفظ جهد القائمين وتسعى للتطوير بصفة مستمرة.
وتساءلت: لماذا نتقدم خطوة ثم نتراجع خطوات؟ لماذا نئن ثم نصمت؟ مشيرة إلى أن السبب هنا يعود إلى صمت أصحاب القضية.
كما طرحت عددا من النقاط المهمة كمقترحات عمل منها:
- رفع الصوت حقوقيا بصفة مستمرة عن مطالب المضطهدين، وبصبغة إعلامية.
- تفعيل الأدوات الإعلامية، وخاصة تلك الأكثر حضورا لتوصيل المطالب المستحقة.
- صياغة محتوى رصين يُضخ باستمرار عن قضايا الإيغور، والأوضاع فى بلدان وجود المسلمين، ويكون المحتوى ابتكاريا يتوخى التعامل مع كل جديد في السوشال ميديا، ويسوق بشكل واضح وجلي أمام المجتمع الدولي.
توصيات لمناصرة القضية
خلصت الندوة إلى عدد من التوصيات لمناصرة قضية مسلمي الإيغور، منها:
1. تفعيل دور المؤسسات الإسلامية والمنطمات الحقوقية للقيام بدورها تجاه هذا الشعب المظلوم.
2. التحرك في الناحية الإعلامية؛ بالتوعية والتثقيف وإلقاء الضوء على هذه القضية.
3. تنظيم فعاليات لدعم الشعب التركستاني، والتعريف بقضيتهم في المجتمعات.
4. المواقف الموحدة تجاه الدولة الصينية بمقاطعة منتجاتها، وخاصة في العالم الإسلامي، لأن العالم العربي والإسلامي يعد سوقًا رئيسية للمنتجات الصينية.
5. العلماء والخطباء والكتاب و الأكاديميين والمدرسين لديهم أدوار مهمة في التوعية بالقضية والتذكير بها، وشرح معاناة المسلمين التركستانيين بكل الوسائل المتاحة.
6. الإعانة المادية لدعم تعريف القضية في الخارج خاصة الجانب الإعلامي.
7. الدعاء لهم بالنصر والتثبيت أمام محاولات التذويب من جانب الصين.
لمشاهدة فيديو الندوة كاملا اضغط هنا