كيف نجح مسلمو أمريكا في التحول من "قلة مهمشة" إلى "صانعي قرار"؟

السبت - 26 نوفمبر 2022

  • 82 مقعدا للمسلمين في انتخابات الكونجرس ومجالس الولايات الأمريكية
  • 43 مشرعا مسلما على مستوى الولايات بينهم 5 في مينيسوتا و 4 في جورجيا
  • في تحول مهم: المحجبات يجتزن عقبة "الإسلاموفوبيا" ويفزن في أكثر من ولاية

 

إنسان للإعلام- خاص:

بعد عقدين من الكراهية والإسلاموفوبيا، نجح مسلمو أمريكا في التعلم من التحديات وتوحدوا وقرروا أن ينزلوا الي حلبة الانتخابات وانتزاع حقوقهم بانفسهم وتغيير معادلة الكراهية من تهميشهم إلى المشاركة في صنع القرار.

حققوا نصرا انتخابياً تدريجيا في كل انتخابات، ورقما قياسيا جديدا في الانتخابات النصفية التي أجريت في منتصف مدة الرئيس المنتخب، وشملت الكونجرس (مجلسي النواب والشيوخ) ومجالس الولايات لعام 2022 بعدما نجح 82 فائزا من إجمالي مرشحيهم الـ 146.

الـ 82 مسلم ومسلمة الذين حققوا انتصارات حاسمة في الكونجرس ومجالس الولايات، مقارنة مع 71 فازوا في انتخابات 2020، فاز منهم ثلاثة نواب بعضوية مجلس النواب (الكونجرس العام) و38 في برلمانات 23 ولايات أمريكية والباقي في مجالس إدارات مؤسسات أخري.

وكشف مركز "جيتباك" (Jetpack) الذي يديره مسلمون يرصدون نتائج الانتخابات بالتعاون مع مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR عن نشاط بارز هذا العام للمسلمين للانخراط في الحياة السياسية والدفاع عن هويتهم في مواجهة حملات الكراهية، والمشاركة في وضع السياسات المختلفة التي تخدم دينهم.

أوضح، في بيان أن عدد من ترشحوا هذا العام من المسلمين في الكونجرس العام لكل أمريكا، وكونجرس (المجلس التشريعي) الولايات المختلفة بلغ 146 مرشحًا مسلمًا.

وقد تنافس من هؤلاء ثلاثة في انتخابات مجلس النواب وفازوا جميعا، فيما تنافس 51 مرشحًا على مقاعد المجالس التشريعية في 23 ولاية، وحققوا نتائج ممتازة.

بجانب 21 مسلما أعضاء في المجالس التشريعية للولايات الأمريكية المختلفة، انضم لهم 16 مرشحًا مسلمًا فائزا ليرتفع العدد الإجمالي للمشرعين المسلمين في الولايات الأمريكية إلى 43 مشرعا مسلما على مستوى ولايات أمريكا كلها.

فوز محجبات مسلمات

المفارقة المهمة التي شهدتها الانتخابات هي فوز محجبات مسلمات بالجملة بعضهن من أصول فلسطينية أو صومالية أو هندية أو آسيوية وإفريقية، منهن الصومالية إلهان عمر في ولاية مينيسوتا للمرة الثالثة كعضو بمجلس النواب.

ومعها في الكونجرس العام، المسلم أندريه كارسون وهو المدعي العام لولاية مينيسوتا وعضو الكونجرس منذ 2017، والفلسطينية الأصل رشيدة طليب.

وكان من أبرز المحجبات الفائزات في مجالس كونجرس الولايات التشريعية "روى رمان" من أصول فلسطينية ومولودة في الأردن، التي اشتكت من ممارسات معادية لها بسبب حجابها طوال حياتها واتهامها بالإرهاب، لكنها نجحت في التغلب على هذا العداء للإسلام ودعمها أمريكيون من أطياف مختلفة لتصبح عضوا بالمجلس التشريعي لولاية جورجيا.

ومن المحجبات "نبيلة سيد"، من أصول هندية مسلمة وتغنت بفوزها صحف الولايات الأمريكية لأنها أصغر مرشحه في مجلس ولاية إلينوي حيث تبلغ من العمر 23 عامًا، وباتت أصغر عضو في برلمان الولاية، كما أنها تغلبت على الجمهوريين أنصار ترامب وهزمتهم في عقر دارهم.

 وأيضا زينب محمد من أصول صومالية التي فازت في ولاية مينسوتا مع زميلتها عضو مجلس النواب إلهان عمر، ومنيرة عبد الله.

ومن مفارقات الانتخابات أن ولاية "مينيسوتا" بات بها 5 نواب مسلمين منتخبين لتصبح الأولي إسلاميا في عدد النواب وتليها ولاية جورجيا التي بها ثاني أكبر عدد من المشرعين المسلمين في البلاد وهم أربعة مسلمين.

بالمقابل ابتهج مسلمون بخسارة المرشح المسلم العلماني التركي من أنصار أتاتورك، والذي أختاره ترامب ليكون أول مرشح مسلم في انتخابات مجلس الشيوخ مؤكدين أنه كان سيمثل صورة سيئة للمسلمين حيث يعتنق أفكار ترامب ويعادي الشريعة الإسلامية ويدعو لانخراط المسلمين في الحياة العلمانية.

مشاركة بعد التهميش

نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، قال في بيان إن هذا الفوز هو تحول مهم في تاريخ مسلمي أمريكا ينقلهم من مجتمع مُهمش ويجري تهميشه سياسيا إلى مجتمع فاعل يشارك في تشريع القوانين التي يعيش بموجبها المسلمون في الولايات.

وأكد أنه منذ اضطهاد المسلمين بشكل متزايد عقب هجمات 11 سبتمبر وتزايد الاسلاموفوبيا، تم التخطيط لمشاركة المسلمين بصورة أكبر في الحياة السياسية، وهذه النتائج والفوز شهادة على الصعود المستمر للمجتمع المسلم في السياسة الأمريكية.

أضاف: اعتبر أن هذا "تحول سياسي" مهم للمجتمع المسلم الأمريكي من اعتبارهم مجرد "أصوات مهمشة" أو "تم تهميشها" إلى "صناع قرار"، بحسب موقع "كير" 9 نوفمبر 2022.

وشجع مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، المسلمين على التصويت، وكشف أن استطلاع أجراه بيّن أن 91.2 % منهم شاركوا في الانتخابات النصفية، وهي نسبة قريبة من نسبة مشاركتهم في انتخابات 2018 التي بلغت 95 %.

وأتاح المجلس عبر موقعه الإلكتروني لأول مرة موقع خاص لتعريف المسلمين بالمرشحين ومواقفهم من القضايا المختلفة، خاصة الحريات والإسلاموفوبيا وحظر التمييز وغيرها، ضمن ما سمي "بطاقة أداء مجلس النواب للكونجرس".

أيضا وفر مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "نموذج أسئلة" للمرشحين والمسؤولين الحكوميين، يشجع الناخبين المسلمين على طرح أسئلة على المرشحين للمناصب حول قضايا مثل الحرية الدينية، والحقوق المدنية، ومكافحة التمييز.

وعلق مسلمون ومؤسسات بحثية على الفوز الأخير لـ 82 مسلما مؤكدين أنه نهاية عهد تهميش المسلمين مؤكدين أن خروجهم للحياة السياسية والمشاركة بقوة في التشريع يضمن للجالية المسلمة الكبيرة دورها في حماية هويتها.

واعتبرت صحف أمريكية هذا الفوز المهم للمسلمين مؤشر قوي على اختيارهم النزول للحلبة السياسية وعدم الاكتفاء بانتخاب غيرهم ليشرعوا لهم أسلوب حياتهم.

وجاء استمرار فوز المسلمين وتقدمهم في المناصب نتيجة نضوج استراتيجية دخول المسلمين الحياة السياسية وانتزاع حقوقهم وحمايتها بأنفسهم عبر المقاعد البرلمانية ومناصب الحكام.

وقال المدير التنفيذي لمركز الرصد جتباك (Jetpack) محمد ميسوري في بيان إن هذا الفوز وهذه "المكاسب التاريخية" لم تأت اعتباطا، ولكن بفعل سنوات من "بناء الجالية المسلمة بنية تحتية صلبة لتحقيق نجاح انتخابي مستدام".

أكد أن "القرارات السياسية المتعلقة بالتعليم، والإسكان، والمناخ، والحقوق المدنية تتشكل من قبل الهيئات التشريعية للولايات، لذا من الأهمية بمكان أن يتم تمثيل صوتنا (كمسلمين) في عملية صنع هذه السياسات ".

قال محمد ميسوري: "مُشرع الولاية اليوم هو عضو الغد في الكونغرس"، مشيراً إلى أن إلهان عمر ورشيدة طليب وكيث إليسون خدموا جميعاً في المجالس التشريعية للولايات قبل أن يحرزوا مقعداً في الكونجرس.

قال: "لم يأتوا من العدم (...) أمضوا سنوات في بناء ثقة المجتمع (...) وبعد ذلك عندما قرروا الترشح للكونغرس عرف الناس من هم"

وهي نتائج جيدة تسمح للمجتمع المسلم في أمريكا بالتقدم للدفاع بقوة عن مسلمي أمريكا والوقوف ضد موجات الاسلاموفوبيا.

ونما اقبال الناخبين المسلمين على التصويت في الانتخابات الأمريكية في انتخابات 2022 التي أدلى فيها ما يقرب من 1.1 مليون ناخب مسلم بأصواتهم وكانوا بأعداد كبيرة بما يكفي للتأثير في السباق الرئاسي بحسب موقع "بوليتيكو" 26 أبريل 2022

وسبق هذا تحقيق مسلمي أميركا "اختراقات تاريخية" في الانتخابات المحلية نوفمبر 2021، بعدما وصل 11 منهم للمجالس البلدية، بينهم ثلاثة في منصب "عمدة"، و فاز عام 2020، 57 مسلما أيضا في انتخابات الكونغرس والبلديات.

في سابقة هي الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، أصبح المجلس البلدي في مدينة "هامترامك" في ولاية ميشيغان كله من المسلمين، وعددهم ستة أعضاء، بمن فيهم رئيس (عمدة) المدينة عقب انتخابات 2021.

كما حقق مسلمو أميركا رقما قياسيا في الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حين ترشح 111 منهم في 25 ولاية أميركية وفاز 57 منهم.

واعتبرت "بي بي سي"، 16 نوفمبر 2021، فوزهم حينئذ "مؤشرا قويا على تغير المسلمين ومواجهتهم للتمييز ضدهم، بالنزول للحلبة السياسية متعددة الثقافات التي يشكلون فيها أكثر من نصف سكانها، وفرض رؤيتهم السياسية".

الكراهية وحدت صفوفهم

في أعقاب هجمات 11 سبتمبر انفجرت جرائم الكراهية ضد المسلمين وأوجدت "الحرب على الإرهاب" مناخاً من التمييز والخوف والتعصب"، و"حاصرت أتباع العقيدة الإسلامية في هذا البلد واستمرت لسنوات" حسبما وصفها أحد مراكز الابحاث الامريكية.

ولكن نتيجة لذلك، اختار كثيرون من المسلمين الأمريكيين المشاركة في السياسة بشكل أكثر فاعلية من أجل فضح الصور النمطية ومحاربة الكراهية وتعزيز الاندماج الاجتماعي والمشاركة المدنية.

وقد تصاعدت المشاعر المعادية للمسلمين في الولايات المتحدة عقب انتخاب دونالد ترمب رئيساً في عام 2016 على أجندة وُصفت بأنها معادية للمسلمين بشكل علني، لأنه يتبني تيارا انجيليا صهيونيا معاديا بشدة للإسلام والمهاجرين.

ودعم العديد من الجمهوريين سياسات ساهمت في الإضرار بالمجتمع المسلم، بما في ذلك برامج المراقبة الشاملة والتنميط الديني.

لم يستسلم المسلمون، وفقاً لمجلة "نيوزويك"، 29 يناير 2021، وقال الخبراء إن تجربة النضج في بيئة ما بعد 11 سبتمبر هي التي جذبت جيلاً جديداً من الشباب المسلم إلى النشاط، وحفزتهم على استخدام أصواتهم في الساحات السياسية والثقافية لفضح المعلومات المضللة، حتى بات عديد من الأمريكيين يفهمون الآن أن الخطاب المعادي للإسلام الذي قُدّم لهم في السنوات الأخيرة قائم على أساطير وغير صحيح.

"ثبت أن الكارهين كاذبون" حسبما نقلت مجلة "نيوزويك" عن المدعي العام لولاية مينيسوتا، كيث إليسون، الذي أصبح في عام 2007 أول مسلم يؤدي اليمين عضواً في الكونغرس.

"وحدت صفوفهم الكراهية، فإحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالي تظهر أن جرائم الكراهية ضد المسلمين تأتي في المرتبة الثانية بعد الحوادث المعادية للسامية"، وفق مجلة نيوزويك.

وقد نقلت صحيفة "أتلانتا نيوز فيرست"، 10 نوفمبر 2022، عن الفائزة المحجبة روى رومان في جورجيا، أنها تعرضت لهجمات إسلاموفوبيا عديدة بسبب عقيدتها، حتى أن مدرس المدرسة الثانوية اتهمها بالإرهاب، وبعض الأطفال كانوا يشيرون إلى منزلها ويقولون إن هذا هو معمل القنابل، لكنها صمدت بإيمانها.

ونشر موقع Salon تقريراً للكاتبة "صوفيا مكلنين"، 28 أغسطس 2022م، ذكرت فيه أن المسلمين يتعرضون لمستويات عالية من الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، وأن الظاهرة أكثر من مجرد مشكلة تنميط سلبي.

وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب، للتدليل على هذه الكراهية قال ثلث الأمريكيين و62% من الجمهوريين، إنهم لن يصوتوا أبداً لمرشح مسلم لمنصب الرئيس، وهو أقل دعم إلى حد بعيد للأشخاص من أي دين في الاستطلاع.

ورغم الكراهية القوية على مدار العقدين الماضيين، اندمج الأمريكيون المسلمون أكثر في المشهد السياسي ونمت معها قوتهم السياسية والثقافية نتيجة لتوسيع قاعدة الناخبين والأعداد القياسية للمرشحين الذين يتنافسون على المناصب على المستويَين المحلي والوطني.

وفي عام 2020 من أصل 1.5 مليون مسجل للتصويت، أدلى 71% بأصواتهم، بحسب موقع "ذا هيل" 11 سبتمبر 2022.

واللافت، أن ثلاثة من المرشحين المسلمين الفائزين، منهم اثنان في الكونجرس (رشيدة طليب وعبد الناصر رشيد)، وواحدة محجبة لعضوية مجلس ولاية جورجيا (روى رمان)، من أصول فلسطينية.(تويتر)

لذا يُعتقد ان هذا الفوز وزيادة عدد المسلمين والعرب في مجلس النواب، سيشكل صدمة للوبي الصهيوني، الذي ظل طوال السنوات الماضية يشن حملات كراهية ضد النائبتين عمر و طليب، وكل النواب الداعمين للقضايا العربية والإسلامية.

وكان أجمل تعبير عن هذا الإنجاز صدر عن النائبة "الهان عمر"، عندما قالت في رد غير مباشر على ترامب المعادي للأجانب: "لا نرحب باللاجئين فقط بل نعيدهم الى الكونجرس". (تويتر)

فيما اعتبر المدير التنفيذي لمركز الرصد جتباك (Jetpack) محمد ميسوري ذلك الانتصار ثاني هزيمة انتخابية على التوالي لـ "الترامبية" كظاهرة تمثل تهديدًا للديمقراطية. (تويتر)

للاطلاع أكثر على قائمة المسلمين الأمريكيين المنتخبين اضغط هنا