مسلمو نيوزيلندا.. الأقلية الأكثر نمواً واندماجاً فى المجتمع

الخميس - 10 فبراير 2022

  • الإسلام وصل إلى نيوزيلندا قبل 150 سنة فقط ومع ذلك فالمسلمون من أكثر المجموعات نمواً  
  • المسلمون يؤدون عباداتهم بحرية كبيرة والمرأة تتمتع بحرية ارتداء الحجاب في الأماكن العامة
  • نقص المعلمين وقلة عدد المدارس الإسلامية والحاجة إلى وعاظ ..أبرز التحديات لمسلمي نيوزيلندا

 

في نيوزيلاندا، الدولة الواقعة جنوب غرب المحيط الهادي على بعد 1500 كيلو متر من استراليا،  والتي وقعت فيها مذبحة للمسلمين بمدينة كرايستشيرش في مارس 2019، يشتهر المجتمع المسلم بعلاقاته المتناغمة مع مجتمع نيوزيلندا الأوسع نطاقاً.

وبرغم أن الإسلام وصل الى البلاد قبل نحو 150 تقريبا، إلا أن المسلمين من أكثر المجموعات نموا في البلاد ويتمتعون بحريات كبيرة، منها حرية العبادة وحرية ارتداء المرأة للحجاب.

كيف وصل الإسلام؟

وصل الإسلام إلى نيوزلاندا من خلال هجرة عدد من المسلمين من جنوب شرق آسيا، وجزر فيجى، ومن منطقة كوجرات في الهند، وألبانيا ويوغسولافيا وتركيا وباكستان، وأثرت تلك الهجرات على السكان الأصليين، حيث أسلم عدد منهم، وبدأ الدين الإسلامي في الانتشار.

وتعود الهجرات الإسلامية الأولى نحو نيوزيلندا إلى النصف الثاني من القرن الـ19، حيث يسجّل أول أثر لإنسان مسلم في هذه الجزر عام 1874، فيما تسجل الإحصاءات الرسمية وصول ثلاثة رجال مسلمين إلى الجزر في الفترة ما بين 1907 و1911، وكانوا قادمين من منطقة واقعة غرب الهند.

استقر أول هؤلاء المسلمين الثلاثة، ويدعى محمد سليمان كارا، في مدينة كرايس تشيرش، بينما استقر الرجلان الآخران، وهما كل من إسماعيل بهيكو وعيسى موسى، في منطقة "نورث آيلند"، وقاما تدريجيا بتوسيع تجارتيهما في المنطقة، ثم استقدما أسرتيهما مدشنين موجة هجرة صغيرة من منطقة "كوجرات" الهندية.

أما ثاني أهم مصادر الهجرة المسلمة نحو نيوزيلندا فهو تركيا، حيث سافر عدد من المسلمين من تركيا ومنطقة البلقان خلال الحرب العالمية الثانية، ويقدّر عددهم ما بين 20 و30 شخصا استقروا في منطقة "أوكلاند". وهو رقم سرعان ما ارتفع ليفوق 260 شخصا حتى عام 1961، ثم أصبح تعداد هذه الساكنة يتضاعف تدريجيا.

ثالث مصدر للهجرة الإسلامية نحو نيوزيلندا يتمثل في موجات الطلاب المسلمين الذين يغادرون أوطانهم بحثا عن العلم، وهذه الفئة من المهاجرين كان لها دور كبير في النشاط الإسلامي داخل نيوزيلندا من خلال تأسيس الجمعيات وبناء المساجد وإيواء المهاجرين المسلمين الوافدين.

 ومن خلال هؤلاء الطلاب بدأت الهيئات المختصة في الدعوة للإسلام تنشط داخل نيوزيلندا.

وقيل إن أول المسلمين وصولاً إلى نيوزيلندا، كانت أسرة هندية استقرت في منطقة كرايس تشيرش، في القرن التاسع عشر، وهى أسرة وزيرا الهندي الذي ذهب مع زوجته وأبنائه إلى كانتربري عام  1854م، للعمل لدى السير جون كراكفورت الذي أطلق على ضيعته في نيوزيلندا، اسم كشمير.

وأوضح التعداد الحكومي لعام 1874 وجود 15 من صانعي الذهب الصينيين المسلمين، الذين  يعملون في مناجم دونستان للذهب في منطقة أوتاجو في سبعينيات القرن التاسع عشر. وفي أوائل القرن العشرين، جاءت 3 عائلات مسلمة غوجاراتية مهمة من الهند.

وعمل هؤلاء المهاجرون الغوجاراتيون والأوروبيون في الخمسينيات من القرن الماضي على شراء منزل وتحويله إلى مركز إسلامي في عام 1959.

وفى عام 1951، أحضر قارب للاجئين أكثر من 60 رجلاً مسلماً من شرق أوروبا، بما في ذلك مظهر كراسنيكي، الذي اختير مرتين كرئيس جمعية المسلمين النيوزيلنديين.

وساعد طلاب من جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا في إنشاء غرف للصلاة ومراكز إسلامية أخرى في أماكن أخرى منذ الستينيات وما بعدها، على الرغم من أن نيوزيلندا بها عدد قليل من المسلمين نسبياً حتى بعد سنوات عديدة.

وتشير الإحصاءات السكانية، إلى أن عدد المسلمين من أصل الماوري، زاد من 99 إلى 708 بحلول عام 2021.

وتعتبر جمعية أوتياروا ماوري المسلمة، هي الحركة الإسلامية الماورية الأكثر نفوذاً، ويمثل الإسلام لهم وسيلة مثالية للقومية الماورية.

كما تم اختيار الشيخ إسحاق تي أمورانجي مورجان كيريكا-وانجا، بين أفضل 500 مسلم تأثيراً.

وتقول المنظمة الوطنية الإسلامية النيوزيلندية -وهي عبارة عن اتحاد للجمعيات الإسلامية في نيوزيلندا- إن خمسينيات القرن التاسع عشر سجلت أول وافد مسلم على هذه الجزر، من خلال أسرة مهاجر قدم من الهند، واستقر في كرايس تشيرش تحديدا.

ثم تبع تلك الموجات من الهجرة ، موجات أخرى من بلدان المشرق العربي، من الشام ومصر والعراق، ودول المغرب العربي، ويتبعهم مواطنون مسلمون من الصومال والسودان وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا، مما أسهم في تزايد عدد المسلمين بطريقة مضطردة.

وفي السنوات الأخيرة، أدى تدفق طلاب الملايو من ماليزيا وسنغافورة، إلى زيادة نسبة المسلمين ، سيما مدينة دنيدن الجامعية.

ويتجمع المسلمون، فى نيوزلاندا، في ثلاث مناطق، في منطقة أوكلاند وخاصة في مدينة أوكلاند، وفي جنوب الجزيرة الشمالية عدد لابأس به من مسلمي نيوزلاند، وفي جنوب شرقي الجزيرة الجنوبية في مدينة (كريست تشرش)، ومعظم المسلمين من الطبقات الكادحة والقليل منهم من الفنيين المدربين.

ويوجد عدد من المسلمين المشهورين، ومن بين مشاهير المسلمين في نيوزيلندا لاعب الركبي "سوني بيل ويليامز"،الذى اعتنق الاسلام في سنة 2009 وفي 2018 أدى مناسك العمرة،  والباحث والكاتب والشاعر"جويل هايوارد"، والناشط عبدالرحيم رشيد.

والدكتور أشرف شودري، الباكستانى الأصل الذى نجح في الوصول إلى عضوية البرلمان، وهو أول مسلم يصل إلى هذا المنصب، كما أنه أصبح الممثل الدائم لرئيس وزراء نيوزيلندا، في المنتديات والاجتماعات ذات الطابع الإسلامي.

                        أتباع الإسلام في نيوزيلاندا من أكثر المجموعات الدينية نموا

ثاني أكبر ديانة

ويشكّل المسلمون حوالي 1٪ من مجموع سكان نيوزيلندا، حيث يصل عددهم إلى حوالي 50 ألف شخص من جملة سكان البلاد الذي يصل إلى 5 ملايين، وهم ثاني أكبر ديانة في البلاد بعد المسيحيين.

ويعتبر حوالي 77% من مسلمي نيوزيلندا مولودون في الخارج، وأغلبهم من الهند، حيث تبلغ نسبة الهنود من بين المسلمين حوالي 29%، أما نسبة مسلمي الشرق الأوسط فتبلغ حوالي 21%، وهم من العرب والإيرانيين، والباقون من أوربا الشرقية، وهذا التصنيف بحسب وزارة  التنمية الاجتماعية النيوزلندية.

وغالبية المسلمين في نيوزيلندا من السنة، مع وجود أقلية شيعية وأقلية من جماعة الأحمدية ، التى هى بالأساس جماعة قاديانية وقد صدرت عدة فتاوى من المجامع الفقهية، فى مصر والسعودية وشمال إفريقيا، باعتبارها جماعة مارقة عن الإسلام.

وعندما تم تصميم بحث استقصائيّ لفحص استراتيجيّات الهويّة والتّثاقف عند المهاجرين من الجيل الأوّل في نيوزيلندا وكيف تؤثّر هذه العوامل على اندماجهم في المجتمع النّيوزلنديّ، أوضحت النّتائج الأساسيّة ما يلي:

وافق 61٪ من المسلمين على أنّ المهاجرين يجب أن يحافظوا على ثقافتهم الأصليّة بالإضافة إلى تبنّي الثّقافة النّيوزيلنديّة.

ولم يوافق 62٪ من المهاجرين المسلمين على أنّه يجب أن يتخلّى المهاجرين عن ثقافتهم نهائياً  من أجل تبنّي الثّقافة النّيوزيلنديّة.

مضايقات للمسلمين

على الرغم من كون نيوزيلندا دولة صغيرة، وهادئة وبعيدة عن معظم الصراعات المندلعة في العالم، إلا أن بها تيارا قوميا متشددا معاديا للهجرة وقدوم الأجانب.

وهذا التيار يعد امتدادا لمثيله في أستراليا المجاورة التي ينتشر فيها الخوف من الغرباء.وفي يوم الجمعة 15 من مارس 2019، قام أحد الأستراليين المتطرفين العنصريين، بهجوم مسلح على مسجدين للمسلمين بمدينة كرايس تشيرش جنوب نيوزيلندا، فقتل نحو 50 شخصا وأصاب عشرات الآخرين،  وهي المجزرة الأولى من نوعها في تاريخ هذه البلاد الهادئة.

لكن بعد  حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تنامت ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، أو الخوف من الإسلام في البلاد.

وفى قضية إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم عام 2006، من قبل وسائل إعلام في نيوزيلندا، قد أدت إلى إحداث توتر مع السكان المسلمين.

وأعربت الجمعيات الإسلامية في البلاد عن غضبها إزاء هذه الخطوة، وخرجت وقتها في مظاهرات تنديدا بها.

وتتابعت الهجمات ضد المسلمين بشكل فردي كما حدث في الهجوم على سيدة مسلمة ترتدي الحجاب في فبراير 2017 في هانتلي، حيث هاجمها شخص قائلا: "ليس لك الحق في الوجود هنا أيتها المسلمة" قبل أن يقذفها بزجاجات خمر فارغ.

كما طالب "فريتشارد بروسر"، عضو البرلمان في العام 2013 ، بمنع الشباب المسلمين من ركوب الطائرات، لأن المسلمين إرهابيون.

الهيئات والمؤسسات الإسلامية

تأسست أول منظمة إسلامية في نيوزيلندا، وهي جمعية نيوزيلندا للمسلمين (NZMA)، في أوكلاند عام 1950، وكان عدد المسلمين آنذاك، حوالى 200 مسلم في جميع نيوزيلندا.

وفي أبريل 1979، كان عدد المسلمين قد وصل إلى مايقرب من حوالي 2000 مسلم في جميع نيوزيلندا.

واجتمع ممثلو الجمعيات الإسلامية الرئيسية الثلاث في كانتربري وويلنجتون وأوكلاند لإنشاء "اتحاد الجمعيات الإسلامية في نيوزيلندا" (FIANZ).

 وتم تعين "مظهر كراسنيكي"، زعيم الجالية المسلمة النيوزيلندية، وهو من أصل ألباني، كأول رئيس لاتحاد الجمعيات الإسلامية في نيوزيلندا (FIANZ) من 1979 إلى 1981م، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان.

وتم تكريمه لجهوده من قِبل حكومة نيوزيلندا في عام 2002، وحصل على ميدالية "خدمة كوينز".

وللمسلمين في نيوزيلندا سبع جمعيات إسلامية معترف بها من الحكومة، في كل من مدن "أوكلاند، ولينغتون، بالمرستون"، حيث تنشط هذه الجمعيات داخل الدولة وخارجها، إذ إنها على صلة بالمسلمين في جزر “فيجي”، وجنوب أفريقيا، والهند، وأستراليا.

وتعتبر جمعية حماية الإسلام، أول جمعية تأسست فى نيوزلاندا وبعد ذلك تم تأسيس عدد كبير من الجمعيات الإسلامية في ولنغتون و بالمرستون و كرايستشيرش.

وتأسست جمعية أخرى في مدينة كرايستشرش، وتوجد جمعيات إسلامية في مدن أوكلاند، وويلينغتون، وبلمرستون، وكرايستشرش.

وللجمعية الإسلامية النيوزلاندية نشاطها خارج نيوزلاند وداخلها، فهي على صلة بالمسلمين في جزر فيجي القريبة من نيوزلاند، وجنوب أفريقيا، والهند، وأستراليا، ويعتبر "اتحاد الجمعيات الإسلامية في نيوزيلندا" هو مظلة المسلمين في نيوزيلندا.

كما تأسست رابطة الطلاب والشباب المسلمين في نيوزيلندا عام 1997، وهي تابعة لاتحاد الجمعيات الإسلامية، و تتم إدارتها بشكل أساسي من قبل طلاب الجامعات والشباب الآخرين، ويقومون من خلالها بعدد من الأنشطة المنتظمة، مثل المحاضرات والبطولات الرياضية ومعسكرات الشباب المسلم.

وتوجد مدرستان للمسلمين، الأولى مدرسة “الشيخ زايد” الإسلامية للبنات، في "أوكلاند"، وتعد أول مدرسة إسلامية للبنات في نيوزيلندا، وقد تم افتتاحها للفتيات من عمر 11 إلى 14 سنة، واستقبلت طالباتها عام 2005 من المرحلتين الإعدادية والثانوية، وخرجت آلاف الطالبات اللواتي يمثلن الاعتدال والمحافظة على التسامح الأخلاقي، من خلال انخراطهن في المجتمع النيوزيلندي.

والثانية مدرسة تحفيظ القرآن الكريم للجالية الصومالية: وتتركز أنشطتها الاجتماعية والدينية في عطلة نهاية الأسبوع وذلك لتشجيع المسلمين للإقبال على الدروس.

34 مسجدا

تعتبر المساجد في نيوزيلندا قطع فنية جميلة وحقيقية تعكس جمال ثقافة وتراث الإسلام، ويوجد في نيوزيلندا حوالي 34 مسجداً، نصفها يوجد في مدينة أوكلاند ولكن أهم هذه المساجد:

- مسجد التّقوى، ويقع فى مدينة أوكلاند، ويعتبرمن أقدم المساجد الهندية في نيوزيلندا، ويشتهر بتصميمه الخارجي الجميل، وتصميمه الداخلي الجذاب، ويلتحق بالمسجد مركز للوعظ، ومدرسة للتعليم الإسلامي، ومركزًا للرعاية الاجتماعية.

- مسجد آل مكتوم، ويسمى بمسجد المطار، أو مسجد أوكلاند، وتمّ تشييده في عام 2005، وفيه مصلى للنساء، ويعد من أروع المساجد الموجودة في نيوزيلندا لروعة تصميمه.

- مسجد عمر، وهو أحد المساجد الجميلة، وتم بناؤه من الرخام الأبيض، وتقام فيه  الصلاة، كما تقام فيه الاحتفالات، والبرامج الدينية في رمضان، وبرنامج للحج، وخدمات للجنائز.

- مسجد عائشة، وهو مسجد صغير يقع في حي مانوروا في أوكلاند، ويعمل كمركز لتعليم الإسلام، ويعطي دروسًا في القرآن، ويقدم برامج تعليمية إسلامية، ومواعظ إسلامية.

- مسجد الجامع، وهومسجد كلاسيكي، ويتميز بهيكله الرخامي الأبيض الجميل، وهو من أكثر المساجد شعبية في نيوزيلندا، وغالبية المسلمين في منطقة هابي تراس، يقومون بأداء الصلاة فيه يوميّا.

- مسجد النّور، ويتميز بطرازه الإسلامي الفريد وموقعه الإستراتيجي الرائع، حيث يقع أمام حديقة "الهاقـلي"، وهي من أشهر حدائق العالم، ويزورها ملايين البشر من مختلف أرجاء العالم.

- مسجد الهدى، في مدينة دنيدن أقصى جنوب المعمورة، وهو المسجد الأكثر بعدا عن مكة المكرمة جنوبا.

وبالرغم من وجود  العديد من المساجد في نيوزيلندا، إلا أنها لا تكفي عدد المصلين هناك.

تحديات تواجه المسلمين

تنحصر مشكلات المسلمين فى نيوزلاندا، في نقص المعلمين وقلة المدارس الإسلامية، والحاجة إلى وعاظ يجيدون اللغة الإنجليزية، لتعليم أبناء المسلمين قواعد الإسلام الصحيح، والحاجة للكتب الإسلامية المترجمة.

ويضاف إلى ذلك صعوبة العثور على وظائف، رغم أنه وبحسب تحقيق أجرته صحيفة “هيرالد” النيوزلندية عام 2015 ، تبين أن المسلمين، كانوا أكثر مجموعة مؤهلة للعمل مقارنة بالجماعات الدينية الأخرى.

وأخيرا ظهرت مشكلة العنصرية ضد المسلمين، من خلال تصريحات بعض المنظمات اليمينية المتطرفة ، والتى أدت إلى مجزرة المساجد الشهير فى مارس 2019.