هل باتت الهند مكانا خطرا على المسلمين بعد أن حكموها لقرون؟
الأربعاء - 16 فبراير 2022
- 200 مليون مسلم يتعرضون للاضطهاد الدينى والعرقى.. وآخرها الهجمة ضد الحجاب
- حملات هندوسية منظمة ضد المسلمين بزعم محاولتهم السيطرة على السلطة
- تعرض المسلمون في الهند لمجازر وتخريب للمساجد وبعضهم حُرقوا أحياء
بالرغم من أن عدد المسلمين في الهند، يصل إلى 200 مليون مسلم، مما يجعلهم أكبرأقلية مسلمة في العالم، وأن عددهم يضاهى عدد المسلمين فى دولة باكستان المجاورة ، لكن مع ذلك يتعرضون للكثير من الممارسات القمعية من الهندوس المتطرفين.
ربما يكون تنامى حركات اليمين المتطرف فى الغرب، ألقت بظلالها على الأوضاع فى الهند، التى وجدت ما يبرر أفعالها فى التطرف ضد المسلمين.
فقد أصبح هاجس التخوف من تزايد أعداد المسلمين، مبررا لما يقوم به الهندوس من أفعال إجرامية ضد المسلمين.
فضلاً عن اعتبار ولاء الأقلية المسلمة الضخمة فى الهند، ليس للدولة الهندية القومية، ولكنه لدولة باكستان العدو اللدود للهند .
خلفية تاريخية
لكى نتصور واقع المسلمين فى الهند، لابد من الإشارة إلى الانتشار الملحوظ للإسلام في الهند، الذى بدأ مع نهاية القرن الأول الهجري إثر حملة القائد محمد بن القاسم الثقفي عام 93هـ، ومع ذلك لم يسيطرالمسلمون على حكم الهند كاملا، إلا مع بداية القرن الرابع الهجري، واستمر حكمهم حتى القرن الثاني عشر هجري.
وعلى الرغم من استمرار حكم الدول الإسلامية المتعاقبة للهند لثمانية قرون وازدهار حضارتهم هناك، إلا أن المسلمين ظلوا أقلية مقارنة بالغالبية الهندوسية ولم يسعوا لمحو هويتهم وثقافتهم كما تفعل السلطات الهندوسية الآن مع المسلمين.
ومع سيطرة الاستعمار البريطاني على الهند في القرن التاسع عشر سعى البريطانيون للتمكين للهندوس في مؤسسات الدولة وصادروا أوقاف المسلمين، وبدأوا برامج الهندسة الاجتماعية بعلمنة التعليم وإطلاق العنان لحملات التبشير.
وحينما خشي المسلمون من تكرار ماحدث فى الأندلس، سعوا للحفاظ على مرجعيتهم الدينية والاجتماعية بعد سقوط مرجعيتهم السياسية، فقاطعوا المجالات العامة التابعة للمحتل وحاولوا النهوض عبر حركة دينية قلبها التعليم والتربية الدينية، إضافةً إلى تعزيز تماسكهم الاجتماعي.
وساعدهم على ذلك إعادة تموضع علماء الدين قادةً ورعاةً للمجتمع في شتى مجالات الحياة، وهو ما يفسر مكانة العلماء الاجتماعية الكبيرة هناك إلى يومنا هذا.
علماء الهند
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي – رحمه الله- عن علماء الهند: "أما علماء الدين فقد كانوا أقوى علماء العالم الإسلامي شخصية دينية، ومن أكثرهم رسوخاً في الدين وزهداً في الدنيا وإيثاراً للآخرة وغيرة على الإسلام"، ثم أشاد بدورهم في "تمسك الشعب الهندي الإسلامي بالدين وشريعة الإسلام وتفانيه في سبيله والتماسك أمام الحضارة الغربية الإلحادية تماسكاً لم يشاهد في بلد إسلامي آخر تَعرَّفَ بهذه الحضارة ووقع تحت حكم أجنبي"، وذكر شيئاً آخر هاماً للغاية، وهو تجانس المجتمع الهندي المسلم ثقافياً في جميع أنحاء البلاد الممتدة شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، لدرجة تجعلهم أشبه ببعض في الأخلاق والعادات والتقاليد من أبناء مناطقهم وجيرانهم من الهندوس وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى.
صعود حزب بهاراتيا جاناتا
وبعد استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947، وانقسامها إلى دولتين: الهند وباكستان، الأولى تحكمها الغالبية الهندوسية مع وجود أقليات، أكبرها المسلمون (تقريباً 15%)، والثانية أُسست دولة للمسلمين. تحالف المسلمون الذين بقوا في الهند مع حزب المؤتمر الوطني الهندي بقيادة غاندي لحماية أنفسهم، مع حفاظهم على خصوصياتهم الدينية والثقافية والاجتماعية، ولكن وقعت بعض أعمال عنف طائفية ضد المسلمين منذ قيام الدولة الهندية الديمقراطية الحديثة ولم تتوقف.
وبعد صعود الحزب اليميني المتطرف بهاراتيا جاناتا عام 2014 بقيادة قائده ناريندرا مودي، تغيرت الأوضاع بشكل لافت؛ فقد انتقل الأمر من هجمات أو مجازر متفرقة كل عدة أعوام ترتكبها جماعات هندوسية متطرفة بغض طرف أو تواطؤ من السلطات الحاكمة، إلى طرح الحكومة "قانون تعديل المواطنة" نهاية عام 2019.
هذا القانون تنزع بموجبه الجنسية عن ملايين المسلمين، ويهجَّرون من أرضهم في ولاية آسام شمالي شرقي الهند التي يسكنونها منذ عشرات السنين، وتجهز لهم معسكرات الاعتقال الجماعية بعيداً عن أسرهم وأطفالهم، بحجة أنهم ليسوا هنوداً أصليين ووافدين من دولة بنغلاديش، ما لم يثبتوا قدومهم إلى إقليم آسام قبل 24 مارس 1971 (تاريخ قيام دولة بنغلاديش).
الحرب على الحجاب
قبل أيام، أثارمقطع فيديو تداوله نشطاء يظهر طالبة مسلمة ترتدي النقاب وهى تتعرض للمضايقة والتنمر من قبل متطرفين هندوس في ولاية كارناتاكا جنوب الهند، موجة من الغضب والاحتجاجات ، فى ظل رفض بعض المدارس في الولاية دخول الطالبات المحجبات.
وبينما كانت الطالبة توقف "السكوتر" داخل كليتها، كان عدد من الطلاب المتطرفين الهندوس يصرخون في وجهها ويحاولون محاصرتها، ولكنها واصلت سيرها غير عابئة بضراخهم وهى تردد شعار "الله أكبر".
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة التى سلطت الأضواء على معاناة المسلمين فى الهند.
بل هناك مقطع فديو آخر يظهر طالبات مسلمات في ولاية كارناتاكا عند بوابة الجامعة المغلقة، يتوسلن إلى مديرهن للسماح لهن بدخول الحرم الجامعي.
وتم استبعاد الطالبات من حضور الدروس بسبب ارتدائهن الحجاب.
وقالت بعض سلطات الكلية إنها تعمل بموجب أوامر حكومية، بينما زعم المسؤولون أيضاً بلا أساس أن الحجاب ينتهك لوائح الزي الجامعي!
ولقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات المعلقين المسعورين الذين يقترحون أنه إذا تم السماح بالحجاب والبرقع في المؤسسات التعليمية، فإن المسلمين الهنود سيفرضون "قانون الشريعة" على البلاد.
وانتشرت هستيريا الغوغاء، التي رعاها القادة السياسيون في البلاد، من ولاية كارناتاكا إلى ولايات أخرى. وقال وزير التعليم في ولاية ماديا براديش مؤخراً إن الحجاب سيتم حظره في المدارس في تلك الولاية. وطالب بعض أساتذة الجامعات الطلاب المسلمين بالتخلي عن تحية بعضهم البعض بالتحية الإسلامية (السلام) وحتى التوقف عن التحدث باللغة الأردية، لغة المسلمين الهنود!
واقترح عضو البرلمان الهندوسي، براتاب سيمها، أن المسلمين الذين يرتدون ملابس دينية مميزة يجب أن يحضروا في المدارس الإسلامية، مضيفاً أن الهند بلد هندوسي حيث لا ينتمي الإسلام: "إذا كنتم لا تزالون تصرون على ممارسة الشريعة، فقد منحناكم بالفعل دولة منفصلة في عام 1947.. فلماذا بقيتم هنا؟".
حوادث متكررة
هناك حوادث أخرى تعرض لها المسلمون فى ولايات أكثر خطورة من هذه الحوادث فقد قامت سلطات ولاية أسام شمال شرقى الهند بارتكاب جريمة التهجير القسري، لآلاف المسلمن في ولاية آسام فضلاً عن حوادث القتل المتعمد لبعض المزارعين من الأقلية المسلمة، وكالمعتاد وعلى الصعيد الشعبي فقد بدت حملات جماهير المسلمين حول العالم، إلى هاشتاج قاطعوا البضائع الهندية، فالحادثة ليست فردية كما يحاول البعض تسويقها، خاصة وأن بعص وسائل الإعلام الهندوسية ذكرت صراحة أن تزايد المسلمين في آسام يمثل خطراً على الهندوس وأن نحو 20 ألفا من الأقلية المسلمة وجب تهجيرهم من بيوتهم قانوناً بعد قرار السلطات بذريعة أنها أقيمت فوق أراض مملوكة للدولة.
هناك تصاعد لاتنكره العين في السنوات الأخيرة في الهجمات وخطاب الكراهية من قبل أعضاء الأغلبية الهندوسية ضد المجتمعات غير الهندوسية، فإن مثل هذا العنف ليس بالشيء الجديد، فالهندوس المتطرفون يعتبرون المسلمين يمثلون نوع من التهديد الديموغرافي والسياسي.
وكم تعرض المسلمون في الهند للتهديد بالمجازر، وهاجمهم الغوغاء لإجبارهم على ترديد شعارات دينية هندوسية وقومية، وضربوا بوحشية وأحرقوا أحياء، وشاهدوا مساجدهم تتعرض للتخريب.
ولكن هذه التخوفات والمزاعم التى يثيرها الهندوس بين الحين والآخر لا وجود لها على أرض الواقع ، وهى فقط مجرد هواجس تسيطر على المتطرفين الهندوس، من أن المسلمين لديهم خطة للسيطرة على السلطة فى البلاد، ومما يفند هذه المزاعم التفوق العددى للهندوس، والذى يصل إلى خمسة أضعاف المسلمين ، وأن الأمر هذا قد يحتاج إلى قرنين من الزمان على الأقل لكى يتحقق فى ظل ضعف المسلمين وتفرقهم !!
البقرة المقدسة
كما أن هناك قضية أخرى يحاول الهندوس من خلالها التذرع ببعض الذرائع الواهية للتحرش بالمسلمين والتنكيل بهم من خلال تسويق قضية الأبقار التى ترتبط بعقيدة الهندوس فقد قام بعض الهندوس المتطرفين بقتل بعض المسلمين متهمين إياهم بأنهم ذبحوا البقرة أو أكلوا لحمها.
مهاتما غاندي الذي يعتبر أبا الدولة الهندية، له كلام طويل في قداسة البقرة حيث يقول: “إن حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هي هدية الهند إلى العالم، وهي إحساس برباط الأخوة بين الإنسان وبين الحيوان، والفكر الهندي يعتقد أن البقرة أمّ للإنسان وهي كذلك في الحقيقة، إن البقرة خير رفيق للمواطن الهندي، وهي خير حماية للهند.
عندما أرى بقرة لا أعدني أرى حيوانا، لأني أعبد البقرة وسأدافع عن عبادتها أمام العالم أجمع… وأمي البقرة تفضل أمي الحقيقة من عدة وجوه، فالأم الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين وتتطلب منا خدمات طول العمر نظير هذا، ولكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائما، ولا تطلب منا شيئا مقابل ذلك سوى الطعام العادي.
وعندما تمرض الأم الحقيقية تكلفنا نفقات باهضة، ولكن أمنا البقرة لا نخسر لها شيئا، وعندما تموت الأم الحقيقية تكلف جنازتها مبالغ طائلة، وعندما تموت أمنا البقرة تعود علينا بالنفع كما كانت تفعل وهي حية، لأننا ننتفع بكل جزء من جسمها حتى العظم والجلد والقرون. أنا لا أقول هذا لأقلل من قيمة الأم، ولكن لأبين السبب الذي دعاني لعبادة البقرة. إن ملايين الهنود يتجهون للبقرة بالعبادة والإجلال وأنا أعد نفسي واحدا منهم”.
أكذوبة أطلال المعبد الهندوسي
كما يزعم الصهاينة أن المسجد الأقصى شيد على أطلال هيكلهم المزعزم، كذلك يزعم الهندوس بماء المسجد البابرى على أطلال معبد هندوسى.
و تكررت تحديات الهندوس للمسلمين بخصوص محاولة هدم مسجد بابري في أيديا حيث يدعي الهندوس أن المسجد أقيم على أطلال معبد هندوسي منذ القرن السادس عشر الميلادي، ورغم صدور حكم من محكمة هندية بأحقية المسلمين بالمسجد وأن ادعاء الهندوس باطل إلا أن الهندوس هاجموا المساجد في عدة مدن هندية وقاموا بذبح وقتل مئات من المسلمين، وبلغ عدد شهداء المسلمين في أحداث المسجد البابري 400 شهيد.
وأخيراً بالرغم من كل ذلك نجح المسلمون الهنود في الحفاظ على هويتهم الإسلامية نجاحاً باهراً قل نظيره في العالم الإسلامي، على الرغم من أنهم أقلية دينية غير حاكمة في بلادهم. وأصبحت مدارسهم الدينية الديوبندية أهم نقطة إشعاع للثقافة الإسلامية واللغة العربية في آسيا منذ قرن ونصف.