أحزاب العسكر.. كيف أفسدت مصر على مدى 70 عاما؟ (1-3)
الأحد - 11 سبتمبر 2022
- التنظيمات السياسية المعضدة للنظام العسكري بدأت مع عبد الناصر الذي صادر الحياة الحزبية
- نظام عبد الناصر بدأ تشكيلاته السياسية بهيئة التحرير عام 1953 ثم «الاتحاد القومي» 1957
- الاتحاد الاشتراكي سيطر على الحياة السياسية في مصر منذ 4 يوليو 1962 وحتى وفاة عبدالناصر
- بعض الإخوان رفضوا عرضًا من زكريا محيي الدين بدخول الاتحاد الاشتراكي والشيوعيون وافقوا
- الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي ضمت أغلبية عسكرية وقلة مدنية.. والوطنية صارت حكرا عليه
- الاتحاد الاشتراكي احتكر الترشيح لمجلس الأمة وعضوية النقابات ومجالس إدارة الجمعيات التعاونية
- الاتحاد تحكم في اختيار العمد والمشايخ وأعضاء الإدارة المحلية وعمداء الجامعات وكل المناصب
- أفكار القومية العربية خدعت المصريين بشعاراتها البراقة..و"الميثاق" أصبح دستورا حقيقيا للبلاد
- الاتحاد الاشتراكي مرر في الحقبة الناصرية آلاف القوانين التي صادرت حرية الإعلام والعمل العام
- الاتحاد كان أداة عبد الناصر لتصفية كل منافسيه سياسيا وفي مقدمتهم جماعة الإخوان والشيوعيين
- جرائم الاتحاد الاشتراكي السياسية ظهرت مع نكسة 1967 فانقلب كثير من المصريين عليه
- التنظيم الطليعي أسس لـ"دولة البصاصين" وجعل في كل بيت "مخبر" وكتب «30 ألف تقرير»
- أعضاء الاتحاد الاشتراكي مارسوا الفساد في كل مناحي الحياة وفتحوا طريق الثراء أمام المفسدين
- رجال الحزب كونوا طبقة الرأسماليين العسكرييين وسرقوا مصر تحت ذريعة "من أين لك هذا؟"
- بسياسات الاتحاد الاشتراكي ذُبح المصرييون علي جبال اليمن لتحقيق الوحدة العربية الزائفة
- الاستيلاء على أموال وعقارات الخاضعين للحراسة كان من الممارسات الشائعة لرجال الاتحاد
إنسان للإعلام- خاص
شهدت مصر تجريفا سياسيا واقتصاديا وأجتماعيا في ظل حكم العسكر، منذ حركة الضباط في يوليو 1952 وحتي الآن.
استخدم الجنرالات، على مدار 70 عاما، أحزابا سياسية شارك فيها قلة من المدنيين، الذين كانوا بمثابة ستار سياسي ليمارس العسكر من خلفه كل أنواع الفساد والاستبداد والتحكم في مقدرات الوطن.
من خلال هذا الملف، وعلى مدى 3 حلقات، نرصد مخططات النظام العسكري وأدواته للسيطرة على الحياة السياسية في مصر منذ عام 1952م، في عهد جمال عبد الناصر والسادات ومبارك والسيسي ، وكيف حاولت هذه الأنظمة من خلال أحزاب وتشكليات سياسية شكلية، أن تسيطر على الشعب المصري، وما نتج عن ذلك من تكريس الاستبداد والفساد والفشل في كل مناحي الحياة.
وعندما وصل الحزب المدني الوحيد إلى الحكم بعد ثورة يناير، وهو حزب الحرية والعدالة، إلى الحكم صحح المسار، وأعلن الحرب على الفساد، ولكن عاجلته دبابات الجنرالات فلم تمهله أكثر من عام لتنفيذ مخططه في إصلاح مصر.
في هذه الحلقة نبين كيف تحول الاتحاد الاشتراكي في عهد عبدالناصر، كذراع سياسي للسلطة، إلى أداة تبرير وتزوير وإفساد، ثم انهيار، لحياة المصريين، وكيف انكشف تماما بعد هزيمة 1967م.
الاتحاد الاشتراكي مظلة لتخريب مصر
نبدا بأول التشكليات السياسية في عهد العسكر، حيث صادر جمال عبد الناصر فكرة تكوين الأحزاب السياسية، واحتكر العمل السياسي وجعله قاصرا على تشكيل سياسي عرف بالاتحاد الاشتراكي العربي.
تأسس الاتحاد الاشتراكي العربي في 4 يوليو 1962 كتنظيم موحد يقود الحياة السياسية وتم حله عام 1978، عندما قرر السادات عمل منابر سياسية تعبر عن الاتجاهات الموجودة في المجتمع. وركزت أيديولوجية الاتحاد الاشتراكي على القومية العربية، واعتمدت فكرته على الاشتراكية العربية
وكان عبد الناصر أنشأ في عام 1957 «الاتحاد القومي» ليكون تنظيمًا سياسيًا بديلًا لهيئة التحرير التي نشأت عام 1953، وأعلن أن هدف الاتحاد تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة، وحث الجهود على بناء البلاد بصورة سليمة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد حُل الاتحاد القومي ليحل مكانه الاتحاد الاشتراكي العربي عام 1962.
في نوفمبر 1961 عقدت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية اجتماعها الأول، وفي مايو 1962 عُقد المؤتمر الوطني للقوي الشعبية لاختيار قيادات من النقابات المهنية والعمالية والاتحادات الطلابية موزعة جغرافيًا.
في هذا المؤتمر تم إعلان «الميثاق الوطني» وقام المؤتمر بإقراره، وفيه التزام جمال عبد الناصر بالخط الثوري الذي يقوم علي الاشتراكية والقومية العربية، كما أعلن جمال عبد الناصر في خطابه في هذا المؤتمر عن تأسيس «الاتحاد الاشتراكي العربي» كتنظيم سياسي شعبي جديد بدلاً من «الاتحاد القومي» الذي أسس في مايو 1957، وهيئة التحرير التي أنشئت عام 1953.
أصدر المؤتمر الوطني لقوى الشعب العاملة قرارا بتفويض الرئيس جمال عبد الناصر في تشكيل لجنة تنفيذية عليا مؤقتة تقوم باتخاذ القرارات اللازمة لتشكيل تنظيمات الاتحاد، فأصدر قراراً بتشكيل الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي من أنور السادات، وحسن إبراهيم، و حسين الشافعي ، وكمال الدين حسين ، وعلي صبري، والدكتور نور الدين طراف ، والمهندس أحمد عبده الشرباصي، و كمال الدين رفعت، وعباس رضوان ، ومحمد عبد القادر حاتم، ومحمد طلعت خيري، وأنور سلامة
وصدر القرار رقم 1 لسنة 1962 بقانون الاتحاد الاشتراكي العربي. وعلى أساسه تمت انتخابات الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي العربي، ونصّ قانون الاتحاد الاشتراكي على أن هذا التنظيم هو «الطليعة الاشتراكية التي تقود الجماهير وتعبِّر عن إرادتها وتوجِّه العمل الوطني، وتقوم بالرقابة الفعّالة على سيره وخطِّه السليم في ظل مبادئ الميثاق».
وفي 23 مارس 1964 صدر دستور 1964، الذي سمي بالدستور المؤقت، إلى أن يتم مجلس الأمة الجديد وضع الدستور الدائم. نص الدستور المؤقت في مادته الثالثة على أن «الوحدة الوطنية التي يصنعها تحالف قوى الشعب الممثلة للشعب العامل، وهي الفلاحون والعمال والجنود والمثقفون والرأسمالية الوطنية هي التي تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لامكانيات الثورة والحارسة على قيم الديموقراطية السليمة»
أصبحت عضوية الاتحاد الاشتراكي لازمة فيمن يرشح لمجلس الأمة (القانون رقم 158 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 47 لسنة 1964)، ولعضوية النقابات المهنية (القانون رقم 31 لسنة 1966)، ولمجالس إدارة التشكيلات النقابية (قرار وزير العدل رقم 35 لسنة 1964)، والجمعيات التعاونية (القانون رقم 87 لسنة 1964)، والعمد والمشايخ (القانون رقم 59 لسنة 1964) ومجالس الإدارة المحلية (كان القانون 124 لسنة 1960 يشترط عضوية الاتحاد القومي فاعتُبر أن الاتحاد الاشتراكي العربي قد حل محل الاتحاد القومي واشترطت عضويته دون تعديل القانون). وفي عام 1963 أنشئ التنظيم السياسي القائد للتحالف سرًا.
وبذلك أفسد عبد الناصر والضباط الأحرار الحياة السياسية التي أحتكرها الاتحاد الاشتراكي، و من خلاله حول مصر لدولة عسكرية فاشية مستبدة تم فيها تأميم الحياة السياسية
كما أنه قام بتصفية كل منافسيه سياسيا ، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين التي لاقت قهرا واستبدادا من هذا النظام بلغ ذروته في إصدار أحكام إعدام للعشرات من قياداته في ظل مباركة الاتحاد الاشتراكي ، ومحاكمات عسكرية قام بها ضباط فاسدون . "1"
التنظيم الطليعي ودولة "البصاصين"
التنظيم الطليعي خلقه عبد الناصر عام 1963، وظل يحكم مصر حتى عام 1971، وانصب دور التنظيم حول كتابة التقاريرالسيادية والأمنية، وقدر عددها ب«30 ألف تقرير»، وأعضاؤه كانت مهمتهم الأساسية «كتابة التقارير وجمع المعلومات، تقارير تُكتب عن أي شخص، ومعلومات تُجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته».
وهو تنظيم عجيب من بين الجمعيات والتنظيمات السرية في تاريخ مصر الحديث، ولم يكن التنظيم الطليعي تنظيمًا شعبيًا، وإنما هو تنظيم سلطوي خُلق بقرار فوقي من السلطة الحاكمة. لم يكن التنظيم سريًا على أجهزة الدولة الأمنية، فقد كان أمين التنظيم هو وزير الداخلية «شعراوي جمعة»، بما يعني استخدام سلطاته للتنكيل بكل من تنال من لحمه تقارير مخبري وعصافير التنظيم الطليعي.
لم يكن التنظيم سريًا إلا على الجماهير، لكنها في الوقت ذاته تعلم بوجوده، بعدما كشف عنه رأس الدولة أكثر من مرة، لكن من هم أعضاؤه؟ قد يكون زميلك في العمل، جارك في السكن، رفيقك في مقاعد الدراسة، فقد قطع التنظيم الروابط الأسرية والاجتماعية بين الأب وابنه، الزوج وزوجه، الرفيق والصديق، فصارت أي كلمة نقد للنظام ولو بسيطة تخرج من الصدور وهي ترتعش كالعصفور المذبوح.
والتنظيم الطليعي هو صورة مُقلّدة من تنظيم الضباط الأحرار، صورة ضيقة من ناحية الولاء لشخص واحد، هو الزعيم عبد الناصر، وصورة مكبرة من ناحية عدد المنضمين، والذين تتراوح أعدادهم بين 30 ألفًا بحسب رؤية أحد الباحثين و150 ألف عضو بحسب شهادة سامي شرف، أحد المؤسسين للتنظيم.
ضم التنظيم عناصر متفرقة من الناحية الأيديولوجية، يسارية وشيوعية وقومية وإسلامية وانتهازية، تتقافز كالقرود بين أشجار السلطة، وتتلوّن كالحرباء لكي تتكيف مع كل عصر.
هذا التشكيل الفسيفسائي لم يخلق للتنظيم الطليعي أي أيديولوجية أو رؤية فكرية لمواجهة تحديات الواقع، فكان مناط الأمر الولاء لشخص عبد الناصر. وظلّت القيادة في أيدي مجموعة يثق فيهم الزعيم شخصيًا، ممّن ارتبط وجودهم السياسي بوجود النظام الناصري.
وبحسب شهادة أحمد حمروش، فقد أراد عبد الناصر التنظيم الطليعي بلا أيديولوجية محددة، مثل سائر التنظيمات السياسية التي خلقها، ليكون من السهل عليه التحرك فكريًا والاعتماد على العسكريين الذين يفتقدون للثقافة السياسية والرؤية الأيديولوجية، مُدركًا أن تشكيل التنظيم من عناصر مناضلة وثورية يعني احتمال مناقشة قيادته الفردية، ودخوله في مناقشات حزبية.
كان من الغريب أن لائحة التنظيم لم تُشِر إلى وجود رئيس التنظيم، سواء باسمه أو بصفته، فرئيسه عبدالناصر لا ذكر له، وبالتالي ليس له واجبات، وليس له حقوق، فصار عبد الناصر هو الرئيس الخفي، رئيس من باب البداهة، لا بحكم التعاقد. ألا يذكرنا ذلك بـ«الأخ الكبير» في رواية الكاتب البريطاني جورج أورويل «1984»؟!
تنظيمًيا، افتقر التنظيم الطليعي لأي ملمح ديمقراطي، فليس هناك اجتماعات عامة، ولا اجتماعات دورية بين أعضائه، فهم لا يعلمون بعضهم البعض، وبالتالي فلا مناقشات حول سبل مواجهة التحديات.
وهكذا، لم يكتف عبد الناصر بأجهزة الأمن التي خلقها في دولته من المباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة وأمن الرئاسة والمخابرات، فخلق تنظيمًا سريًا من أفراد مدنيين، ليكونوا عينًا له في كل مدينة وقرية ونجع، من الإسكندرية إلى أسوان، وقد استغل ذوو النفوس المريضة عضويتهم في هذا التنظيم السلطوي في كتابة تقارير تنال من أي شخص يبغضونه، مما أشاع جوًا من الرهبة والخوف في أوصال المجتمع، ومزّق روابطه.
وامتد التنظيم الطليعي إلى الجيش، وتولى شمس بدران مسئولية قيادته، مستمدًا قوته من عاملين أولهما: الثقة المطلقة التي منحه إياها كل من عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، وثانيهما: توليه منصب مدير مكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد، الأمر الذي أتاح له السيطرة على القوات المسلحة، وسهّل له وضع العناصر المرتبطة به في المراكز القيادية، حتى أصبحت تُشكِّل شلة ترتبط بشمس بدران شخصيًا، ولم يكن عبد الناصر نفسه يعرف أسماء جميع ضباط التنظيم.
كان هدف عبد الناصر من التنظيم الطليعي في الجيش حماية نظام الحكم من الانقلابات العسكرية، فعبد الناصر الذي قاد حركة للجيش أو «انقلابًا عسكريًا» على الملك فاروق بتنظيم سري في القوات المسلحة يضم 90 ضابطًا، خشي أن يتكرر معه الأمر، فحرص على منع ضباط الجيش من الانقلاب عليه، مثلما حدث في سوريا من انقلابات متكررة.
لكن شمس بدران انحرف بالمهمة التي أوكلت إليه، من ربط الضباط بعبد الناصر إلى ربط ولائهم به شخصيًا وبالمشير عبد الحكيم عامر، من خلال مراقبة نشاط ضباط القوات المسلحة واستكشاف نواياهم ونشاطهم، بتجنيد ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور فيه بالتفصيل.
ومع كارثة 1967، أطاح عبد الناصر بشمس بدران ومجموعة عبد الحكيم عامر، فيما استمر التنظيم الطليعي في الجيش، وقد انضم إلى عضويته، وبحسب شهادة أحمد حمروش، كل من: القائد العام للقوات المسلحة محمد فوزي، ثم وزير الحربية أمين هويدي، ورئيس الأركان أحمد صادق، الذي صار وزيرًا للحربية بعد مايو/أيار 1971. "2"
ومن خلال التقارير لهذا التنظيم، وصلت «عيون النظام» إلى كل مكان، في الداخل والخارج، ومارست الجاسوسية على مواطنيها، جرى كل ذلك بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيم بضرورة «تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار»، فإذا لم يُبلِّغ العضو صار موضع شبهة، بأنه «عَلِم ولم يُبلِّغ».
وتحت هذه الخشية، صار العضو يكتب أي شيء وعن أي شيء ولو كان تافهًا. فعدم الكتابة قد تُفسر بكونها نوعًا من المشاركة الضمنية لأعداء عبد الناصر، حتى ولو كان الفعل الصادر مجرد كلمة نقد بسيطة أو نكتة سياسية، خصوصًا وأن أعضاء التنظيم لم يكونوا يعلمون بعضهم البعض، فمنْ لم يكتب صار خائفًا من أن يكتب من كان حاضرًا من أعضاء التنظيم، فيُؤخذ بذنب أنه «عَلِم ولم يُبلِّغ».
لقد انضمت إلى طليعة الاشتراكيين بعض من نخبة مصر، وهم لا يعلمون بكل خبايا التنظيم، ولا بأعمال الانتهازيين ممّنْ تسرّبوا إليه كالجراد، فقد أرادوا عن نية سليمة المساهمة في إصلاح النظام من الداخل، لكن الفتق كان أكبر على الرتق.
كان من الأمور الغريبة أن يُمسِك أستاذ الجامعة قلمه ليكتب، لا في البحث العلمي، وإنما ضد زملائه، وأن يُمسِك قاضٍ بقلمه ليكتب، لا بحثًا فقهيا في القضاء، وإنما ضد زملائه.
من الشهادات المحزنة ما يرويه الدكتور أستاذ الجيولوجيا «رشدي سعيد» في كتابه «رحلة عمر»، إذ يذكر أن التنظيم الطليعي جنّد ضده أفراد من مكتبه أو من أفراد مجلس الشعب. وقد حرص هؤلاء على حضور الاجتماعات التي يعقدها مع أساتذة الجامعة.
وإلى جانب التقارير كانت هناك وسيلة أخرى لتدمير المجتمع، تسجيل المكالمات التليفونية، ويُشرِف عليها كل من سامي شرف وشعراوي جمعة، وتُحفَظ تقارير التنصت وتقارير المراقبة في مكتب تابع لسامي شرف. يجري كل ذلك دون الرجوع إلى أية جهة قضائية، مما فتح الباب لاستغلال تلك السلطة في أمور شخصية، أو تختص بعلاقات نسائية، والسيطرة على بعض الممثلات والراقصات.
الإخوان رفضوا دخول الاتحاد الاشتراكي والشيوعيون قبلوا
رفض الإخوان المسلمون الدخول في التنظيم الطليعي السري، فالعلاقات مقطوعة بين الجماعة وعبد الناصر منذ حادث المنشية. يذكر سيد قطب أنه علم حينما كان بالسجن أن بعض الإخوان رفضوا عرضًا من زكريا محيي الدين بدخول الاتحاد الاشتراكي، وكان العرض بحجة الوقوف في وجه التيار الشيوعي الذي توغل داخل الاتحاد الاشتراكي وبدأ في بث أفكار تمس العقيدة الإسلامية.
وبينما رفض الإخوان دخول التنظيم الطليعي، وافق الشيوعيون على الانتظام فيه، بل إنهم اتخذوا قرارًا لم يسبق له مثيل في تاريخ الحركات الشيوعية في العالم أجمع؛ فقد وافقوا طواعيةً على حل الحزب الشيوعي المصري والحركة الديموقراطية للتحرر الوطني «حدتو» والاندماج في السلطة.
وفي ظل التقارب بين عبد الناصر والاتحاد السوفييتي، ودور الأخير في بناء السد العالي، جرى الإفراج عن المعتقلين الشيوعيين بعد سنوات طويلة من الاعتقال بدأت في 1959.
نال الشيوعيون بعض رضا عبد الناصر، ولم ينالوا كل الرضا، فقد ظلّت قيادة التنظيم في يد أهل الثقة، وظلّ الشيوعيون يمثلون الطرف الضعيف في تحالفهم مع السلطة، وقد اعترف بذلك حمروش، حتى اقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير.
وفيما انشغل النظام الناصري بمدّ شبكة جاسوسية في طول البلاد وعرضها، كان عاجزًا عن قراءة ما تفعله إسرائيل، حتى كانت كارثة 1967، والتي لم نفق من آثارها حتى اليوم.
ورغم هول كارثة 1967، فإن التنظيم الطليعي استمر في مهمته الملوثة بكتابة التقارير، بل ووجد في الهزيمة مجالًا للكتابة، عمّنْ فرح بالهزيمة ومنْ حزن."3"
مفاسد الاتحاد الاشتراكي فاقت كل الحدود
الاتحاد الاشتراكي في ظل حكم عبد الناصر أذل مصر وأهان العروبة وأغرق مصر في ناصرية مُسوّفة بالإشتراكية لم تزد المصريين إلا جهلا وفقرا وهرِما، بل وفتحت أمام المفسدين طريق الثراء من خلال الإرتشاء، وتجاوز إجمالي قضايا الرشوة 300 ألف قضية، كما وهمّشت الطبقات المتوسطة والأقل منها رزقا لدرجة الإضمحلال، والآن كأن التاريخ يعيد نفسه.
وفي ظل حكومات الاتحاد الاشتراكي، تحكمت الدولة البوليسية في حرية الشعب بالحديد والنار فكُممت الأفواه وفتحت أبواب المعتقلات على مصاريعها وسيست المنظومة العسكرية لتحصل علي أهدافها ومكاسب إنقلاب (23 يوليو) .
كان العسكريون يتعاملون مع الشعب كفئران تجارب ويصنعون به مايريد! فتحولت ثورة (23 يوليو) إلى أكذوبة قدمت الطاغية وأفكاره الشعواء؟!
وفي ظل الاتحاد الاشتراكي قام رجال الحزب بسرقة مصر تحت ذريعة: من أين لك هذا؟! بدون محاكمة ولا دليل، وانهار الإقتصاد المصري بعد هيمنة العسكرية علي هيئات ومؤسسات الدولة، حتي تم إعلان إفلاس البلاد مع قرارات (زكريا محي الدين).. وأصبحنا نتعايش علي مانتلقاه من دعم مالي سنوي من دول (مجلس التعاون الخليجي).
وفي الاتحاد الاشتراكي ذُبح المصرييون علي جبال اليمن لتحقيق الوحدة العربية الزائفة.. حتي تم توريط جيشنا في سيناء بقرارات إرتجالية لتصفية حسابات ودفع فواتير شخصية؛ ليتم تكسير عظام جنودنا تحت جنازير الدبابات الصهيوينة في 1967
ورغم الهزيمة غير المسبوقة في التاريخ، وبعد أن قرر عبد الناصر إخراج تمثيلية التنحي، وجدنا الاتحاد الاشتراكي ينظم المسيرات في الشوارع ليطالب عبد الناصر بالبقاء حتي لو على أشلاء مصر . "4"
مراكز القوي ثمرة من ثمرات الاتحاد الاشتراكي
مراكز القوي، هى ثمرة من ثمرات الاتحاد الاشتراكي ورجالاته من الجيش ، كان معظمهم من ضباط عاديين من الجيش لم يكن أحد منهم قبل ظهوره يتمتع بأية ميزات أو مؤهلات خاصة ينفرد بها عن أقرانه، ولم تكن بينهم صداقات زمالة السلاح، فقد كانوا من أسلحة مختلفة. ولم تكن بينهم صداقات خاصة سابقة، إذ كانوا بحكم أعمارهم المتباينة من خريجى دفع مختلفة فى الكلية الحربية... ولم تكن الفرصة متاحة أمام أحد منهم للوصول إلى مركز للقوة أو السلطان فقد كان العهد الذى تواجدوا فيه بالجيش هو عهد الثورة.
كانت نقطة البداية والانطلاق هى العمل فى جهاز المخابرات العامة الجديد الذى أنشأته الثورة، وسنحت لهم الفرصة خلال العمل فى جهاز لكى يتعرف عليهم عبد الناصر شخصيا، وعندئذ برزت مؤهلاتهم وتألفت مواهبهم.
وكانت مؤهلاتهم عبارة عن خليط من مبادىء ( مكيافيللى) التى تعتبر أن الغاية تبرر الوسيلة، امتزجت فى كيانهم بمواهب شخصية كانت كامنة فى أعماقهم، وعندما حانت الفرصة انطلقت إلى السطح كبركان متدفق .. عناصر متباينة كانت تجمع بين المكر والدهاء والطموح والرياء، والخداع والولاء والعمل المتواصل فى المكاتب على حساب أية حياة اجتماعية خاصة.
كان الغرض إرضاء عبدالناصر بأى ثمن. كانت مشاعرهم مزيجا من هيام ملتهب بالقوة والسيطرة، وبحكم عدم انتمائهم قبل الثورة لتنظيم الضباط الأحرار، كان استياؤهم بالغا من نفوذ أعضاء مجلس قيادة الثورة، ومن الضباط الأحرار الذين برزوا على المسرح السياسى، على اعتبار أنهم أشد ولاء لعبد الناصر من كل هؤلاء، وأنهم يخدمون الثورة أكثر منهم.. وهكذا أسهموا بتدبيرهم فى معاونة عبد الناصر فى التخلص ممن بقى من أعضاء مجلس قيادة الثورة واحدا تلو الآخر..
وقد اعترف أحد أعضاء هذه الجماعة فى مذكراته، وهو الفريق أول محمد فوزي، أنه لعب الدور الرئيس فى معاونة عبد الناصر فى التخلص من أعز أصدقائه وأقرب زملائه إلى قلبه، وهو المشير عبدالحكيم عامر، حتى انتهى الأمر بمأساة انتحاره فى استراحة ريفية منعزلة فى طريق المريوطية المتفرع من شارع الهرم فى الساعة 6,40 مساء يوم 14 سبتمبر 1967.
ولم يبق بعد ذلك من أعضاء مجلس قيادة الثورة القديم فى الحكم سوى عضوين فقط هما أنور السادات وحسين الشافعي، ولكنهما كانا بلا نفوذ او سلطان، ومما زاد من شجونهما أن أى فرد من أعضاء هذه الجماعة كان أهم كثيرا منهما فى نظر عبد الناصر، وعلى الرغم من أن السادات أطلق على أفراد هذه الجماعة اسم جماعة علي صبري، وجرى المؤرخون والكتاب بعد ذلك على نهجه، فإن واقع الأمر وتصحيح التاريخ هو أن هذه الجماعة لم تكن جماعة علي صبري، وإذا كانت هناك تسمية تصح أن تطلق عليها فيجب أن تسمى جماعة ( شعراوى وسامى وفوزى).
إن أعضاء هذه الجماعة الثلاثية الذين كانوا يحكمون مصر بالفعل، والذين أحكموا قبضتهم بعد هزيمة يونيو 67 على جميع أجهزة الدولة الحكومية والشعبية هم شعراوى جمعة وزير الداخلية وقتئذ، وسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات الذى صدر قرار جمهورى فى 27 أبريل 70 بتعيينه وزيرا للدولة والفريق أول محمد فوزى وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الأسبق.
نجح هؤلاء في تكوين لوبي فساد سياسي واقتصادي ساعده في ذلك أعضاء من الاتحاد الاشتراكي ، وكونوا من خلفه ثروات طائلة ."5"
بداية الفساد الأعظم الذي اجتاح البلاد
تعتبر بداية عهد الاتحاد الاشتراكي في ظل حكم عبد الناصر بداية الفساد الأعظم الذي اجتاح البلاد في فترة زمنية قصيرة، فهو أول من أباح في مصر كافة أساليب خداع وتضليل الشعب المصري والعربي والإسلامي، بنشر الكذب والخداع والتضليل؛ بما أسس لعهد خداع وتشويه وتغييب الوعي المصري والعربي وذلك بفضل إعلامه وصحفه الفاسدة المضللة.
نأتي لقضية الاقتصاد المصري الذي تدهور مع بداية عهد عبد الناصر بعد وصول الجنيه المصري في عهد الملك فاروق إلى ما يعادل ثمانية جنيهات إسترليني وإنهار هذا المعدل بقدوم عبد الناصر، انهارت زراعة القطن أيضاً وانهارت الحضارة والثقافة وإنهار في عهده الدين الإسلامي بمحاربته للأزهر ورجال الدين في مصر، فعبد الناصر لم يكن يوماً ملاكاً كما يظن البعض، بل كان تمهيداً لبداية عصر الديكتاتورية في مصر.
والاتحاد الاشتراكي مرر لعبد الناصر من مجلس الأمة قوانين ومميزات لضباط الجيش غير مسبوقة، بل وأغرق مصر في الديون والفساد، وتحول معظم رجالاته الذين كانوا بسطاء إلى إقطاعيين جدد وامتلكوا من اموال الشعب ما أرادوا، في ظل قوانين "من أين لك هذا؟" التي تطبق على عامة الشعب دون رجال الاتحاد الاشتراكي وكبار الضباط . "6"
وكانت ممارسات الفساد الشائعة من بعض رجال العهد الناصرى خاصة من الاتحاد الاشتراكي، تتمثل فى الاستيلاء على أموال ومجوهرات وعقارات الخاضعين للمصادرة والحراسات، واختلاسات هنا وهناك من أموال القطاع العام، لكن الانصاف يقتضى أيضا الاعتراف بأن جميع رجال الصف الأول فى نظام يوليو (فى عهد عبدالناصر) لم يكونوا ثروات تستلفت النظر من مناصبهم.
ومع ذلك يتكرر هنا الشاهد على أن ممارسات الفساد السياسى تحت حكم جمال عبدالناصر قد جرت كلها بسبب الطابع الديكتاتورى للنظام، الذى غيب رقابة الشعب، واحتكر داخله أدوات الرقابة والمساءلة، بعيدا عن القضاء، والبرلمان، والرأى العام، لتصبح هذه هى القاعدة الذهبية مع كل الرؤساء التالين، ولتصبح أيضا من أهم أدوات الرئيس فى السيطرة على المؤسسات والرجال."7"
وقد نما الفساد في مصر بعد هزيمة 1967، وأصبحت مصر في عهد الاتحاد الاشتراكي دولة عاجزة عن التصدي للفساد بمنع حدوثه أو بمعاقبته، فيصبح المال العام وكأن لا صاحب له، ولكنها تعني أيضاً، في حالة مصر - في أواخر الستينيات - التوقف عن اتخاذ أي إجراء مهم يصحح التفاوت بين الطبقات، وكأن الدولة المهزومة في 1967 أصبحت تخشي مواجهة الأثرياء، ومستعدة للتغاضي عن نزواتهم، وعلي استعداد لأن تسمح لهم ولغيرهم بتهريب البضائع، الممنوع استيرادها، إلي داخل مصر، وتهريب النقد الممنوع تصديره إلي خارجها.
والطبقة الوسطي التي جرحتها الهزيمة أكثر مما جرحت أي شريحة اجتماعية أخري، يجب تدليلها بتوفير بعض السلع التي كانت تتوق إليها ولا تجدها، وتوفير بعض وسائل التسلية والترفيه التي لم تكن متوفرة، فلا بأس من استيراد بعض أفلام الجنس، وتوفير السلع الكمالية في الجمعيات التعاونية، والسماح لدور النشر الأجنبية بعرض الكتب التي كانت تتعرض لرقابة شديدة، وذلك في معرض سنوي للكتاب، ولبعض المسرحيات التي تنتقد النظام، بأن تعرض للناس لإتاحة فرصة للتنفيس عن الغضب.
ولا بأس أيضاً من السماح لمن استطاع تكوين ثروة صغيرة في ظل القوانين الاشتراكية، أن يفتح مطعماً أو ملهي يزيد به من ثروته، مع بعض التهاون في تحصيل الضرائب منه، بل ولا بأس من التراجع عن إصلاح الجامعة والعودة إلي نظام الأعداد الكبيرة، حيث يقبل حملة الثانوية العامة في الجامعة دون تمييز يذكر بين من يستحق أن يتعلم بالمجان في الجامعة ومن لا يستحق. فالمهم هو فقط إرضاء الناس وعدم إعطائهم سبباً جديداً للتذمر.
ولا بأس أيضاً من استخدام الدين في وسائل الإعلام استخداماً لصالح النظام، فيفسر الدين تفسيراً يؤكد الاستسلام للمقادير والصبر علي الشدائد، ويشجع الناس علي الانغماس في مظاهر التعبد، عسي أن ينصرفوا عن التفكير في أمور الحاضر. ويرتبط بهذا أيضاً ويساعده إحياء التاريخ المجيد للمصريين، عسي أن يكون في تذكره سلوي من مصائب الحاضر، وتشجيع الاهتمام بالتراث الثقافي والموسيقي والرياضة، عسي أن يجد الناس فيها نفس السلوي.
لقد انفضح أمر نظام الاتحاد الاشتراكي وعبد الناصر، وفقد معظم قوته التي كان يستخدمها لفرض إرادته وفرض احترام القانون. كانت النتيجة أن هاجر بعض المثقفين وانتحر بعضهم، كما انتحر قائد الجيش، ولكن كان من النتائج أيضاً أن التفت عدد متزايد من الناس إلي أمورهم الشخصية بدلاً من اهتمامهم بشؤون الوطن.
هذا النظام لم يجد لم يجد بأساً في ارتكاب أعمال غير أخلاقية، ففي مناخ ما بعد 1967 تحول بعض السياسيين إلي مستثمرين، وبعض الملحنين إلي تجار، وبعض أساتذة الجامعات إلي مدرسين خصوصيين.. إلخ، ولكن فرص الإثراء الحقيقي لم تتكاثر إلا بعد مرور ثماني سنوات علي الهزيمة، أي في منتصف السبعينيات، فهنا ظهرت بوضوح تام الفرص الحقيقية للفساد والإفساد، إذ تضافرت منذ ذلك الوقت عوامل حديثة تساعد علي مزيد من إضعاف الدولة، ومن إضعاف الولاء للوطن."8"
المصادر:
- موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة
- موقع إضاءات نشر بتاريخ 8/6/2022
- موقع أضاءات نشر بتاريخ 14/6/2022
- موقع الحوار المتمدن العدد: 3798 نشر بتاريخ 24/7/2022
- موقع وكيبديا الإخوان
- الجزيرة نت نشر بتاريخ 21/9/2017
- مقال فساد له تاريخ بقلم عبد العظيم حماد نشر بتاريخ 16 فبراير 2017
- مقال قصة الفساد في مصر، المصري اليوم بتاريخ 30-03-2008