أحزاب العسكر.. كيف أفسدت مصر على مدى 70 عاما؟ (3-3)

الثلاثاء - 13 سبتمبر 2022

  • ثورة يناير أجبرت العسكر على تغيير قواعد تأسيس الأحزاب  لتصبح بالإخطار فقط
  • السيسي صادر الحياة الحزبية تماما وعاد لمسار العسكر القديم بإنشاء ظهير سياسي
  • توالى تأسيس الأحزاب المدنية في عامي 2011 و 2012 وزاد عددها على 100 حزب
  • 1129 يوما عمر أول حزب أسسه "الإخوان" بعد الثورة..وحله كان مؤامرة قادها العسكر    
  • حزب الحرية والعدالة نجح في حصد أغلبية بالنواب والشوري وتقديم أول رئيس مدني
  • حرق مقرات "الحرية والعدالة" فى مايو و يونيو 2012 تحت سمع وبصر الشرطة
  • قيادات الحزب تعرضوا لتنكيل غير مسبوق بعد الانقلاب وصل حد صدور أحكام بالإعدام
  • الرئيس مرسي عمل بقوة على لم شمل الأحزاب والقوى الشبابية المحسوبة على  ثورة يناير
  • في عهد الرئيس مرسي مارست كل الأحزاب حقها في الفعاليات السياسية بحرية كاملة
  • الاحزاب الليبرالية واليسارية خذلت الرئيس مرسي وانخرطت في مخطط العسكر للانقلاب
  • تأسيس حزب مستقبل وطن كظهير شعبي علمانى عام 2014 قبل الانتخابات البرلمانية 2015 
  • "مستقبل وطن" ضم الكثير من أعضاء الحزب الوطني وكرر سيناريوهات تزوير الانتخابات
  • أعاد الحزب إحياء ظاهرة دخول رجال الأعمال انتخابات 2020 التي شابهت انتخابات 2010
  • "مستقبل وطن" حصل على أغلبية مقاعد البرلمان بالتزوير ومعه أحزاب صغيرة مؤيدة للسيسي
  • قيادات "مستقبل وطن" تورطت في وقائع فساد مالية وأخلاقية واحتمالية إجراء عملية تطهير
  • سياسيون يتوقعون أن مصير "مستقبل وطن" لن يختلف كثيرا عن نهاية الحزب الوطني

 

إنسان للإعلام- خاص

مع نهاية عهد مبارك وظهورأنوار هلال ثورة يناير في آفاق مصر، بدأت تتبدد سياسات تأميم الأحزاب، وحدثت طفرة زادت وتيرتها في عهد الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة.

ولكن سرعان ما انتكست الحياة الحزبية وعادت إلى سابق عهدها، بل أسوأ، بعد انقلاب 2013، الذي دبره السيسي والعسكر وأحزاب مدنية مساندة لهم،  وأطل برأسه ظهير سياسي جديد لسلطة الاستبداد تحت مسمى "مستقبل وطن" ليعيد تجربة الاتحاد الاشتراكي في عهد عبدالناصر، والحزب الوطني في عهد السادات ومبارك، ولكن يتوقع سياسيون أن يكون مصيره مصير سابقيه، لتبنيه نفس الممارسات دون تغيير.

في هذا الجزء الأخير من ملف أحزاب العسكر، نعرض للتجربة الحزبية الاستثنائية التي حدثت في عهد ثورة يناير والرئيس مرسي، والتي كانت الحريات فيها بلا سقف.

ونلقي الضوء على ما حدث بعد الانقلاب من مصادرة تامة للحياة السياسية والحزبية وإغلاق للمجال العام يوشك أن يؤدي إلى انفجار جديد.

رياح التغيير تهب بعد ثورة يناير

بعد قيام ثورة 25 يناير عام 2011، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون الحكم فى المرحلة الانتقالية حاول في أول الأمر أبطاء عملية التغير في الحياة الحزبية، ولكن تحت الضغط الشعبي، و عبر آلية الإعلانات الدستورية، والمراسيم والقرارات، بدأت عملية مراجعة شاملة للإطار الدستورى والقانونى المنظم للحياة السياسية فى مصر، على النحو الذى يعالج التشوهات والاختلالات التى هيمنت عليها خلال المرحلة السابقة، وبما يحقق ويلبى طموحات المصريين، ويتفق وأهداف الثورة، ويكرس الحياة الديمقراطية، ويرسى دولة القانون والمؤسسات  

أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 28 مارس 2011 مرسوماً  بقانون رقم (12) لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 ، وقد تمثلت أهم التعديلات والأحكام التى تضمنها المرسوم فيما يتعلق بشروط تأسيس واستمرار الأحزاب فى الآتى:

  •  إنشاء لجنة قضائية خالصة تختص بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقاً لأحكام هذا القانون، على أن تتشكل هذه اللجنة برئاسة النائب الأول لرئيس محكمة النقض، أعلى محكمة مدنية فى البلاد، وعضوية نائبين لرئيس مجلس الدولة، ونائبين لرئيس محكمة النقض، واثنين من رؤساء محاكم الاستئناف .
  • تأسيس الحزب وإنشاؤه بمجرد الإخطار، على أن يعرض ذلك الإخطار على اللجنة التى يتعين عليها الرد عليه، ويمارس الحزب نشاطه السياسى اعتباراً من اليوم التالى لمرور ثلاثين يوماً من إخطار لجنة الأحزاب دون اعتراضها .
  • أن يوقع على إخطار قيام وتأسيس الحزب 5000 عضو مؤسس من عشر محافظات على الأقل، بما لا يقل عن 300 عضو من كل محافظة
  •  عدم تأسيس أى حزب على أساس دينى أو طبقى أو طائفى، وألا تتعارض مبادئه أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع المبادىء الأساسية للدستور أو مقتضيات حماية الأمن القومى المصرى أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الديمقراط
  •   عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أى نوع من التشكيلات العسكرية، وعلانية مبادئ الحزب وتنظيماته ومصادر تمويله
  •  حذف الكثير من الاشتراطات والعبارات الفضفاضة من نصوص القانون رقم 40 لسنة 1977، ومنها مثلاً اشتراط أن يمثل برنامج الحزب إضافةً للأحزاب الموجودة، وعدم استغلال المشاعر الدينية
  •  إلغاء الدعم المادى الذى كان يتم تقديمه للأحزاب عن طريق الدولة، وتقليل مدة عضوية الأحزاب للمتجنسين إلى خمس سنوات وليس عشر سنوات .
  • مراقبة تنفيذ الأحزاب للاشتراطات والالتزامات المنصوص عليها فى القانون، والمساءلة فى حالة وقوع مخالفات لهذه الالتزامات يكون من خلال قوانين العقوبات، ويجوز للجنة الأحزاب حل الحزب وتصفية أمواله إذا ثبت من التحقيقات التى تجريها جهات التحقيق القضائية، أن الحزب يمارس أى نشاط يخالف أياً من الشروط المنصوص عليها فى القانون .

وقد شهدت تلك المرحلة صدور حكم دائرة شئون الأحزاب بمجلس الدولة فى 19 فبراير 2011، بالموافقة على تأسيس حزب الوسط الجديد، وإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية السابقة برفض تأسيس الحزب، وعليه أصبح الحزب يتمتع بالشخصية الاعتبارية والحق فى ممارسة نشاطه السياسى، كما شهدت هذه الفترة تأسيس حزبي الحرية و العدالة و حزب النور ."1"

توالى تأسيس الاحزاب فى مصر وشهد عام 2012 تأسيس احزاب الكنانة ، الدستور ،ومصر القوية ، وفى 2013 تأسس حزب الثورة مستمرة ، حماة مصر ، فرسان مصر وفى 2014 تأسس حزب السادات الديموقراطي ، حزب مستقبل وطن ، ثم حزب 30 يونيه فى 2015 ، ووصولا الى العام 2018 بلغ عدد الاحزاب  104 أحزاب سياسية مسجلة رسميا فى نظام الدولة، ومعتمدة من لجنة الأحزاب .

استمر الحراك السياسي في مصر وتنافست الاحزاب لأول مرة بشكل ديمقراطي حر، بعد أن خرجت من التبعية للعسكر وكانت هناك حالة من الأجواء الديمقراطية أفرزت انتخابات برلمان الثورة في 2012 وبلغت لاحزاب أكثر من 100 شارك الكثير منها في برلمان الثورة مع فوز الكتلة الإسلامية المتمثلة في حزب الاخوان الحرية والعدالة والأحزاب التحالفة معها ، وحزب النور السلفي بالأغلبية في برلمان 2012 الذي لم يمهله العسكر طويلا وتم حله بقرار قضائي بخلفية سياسية عسكرية. "2"

تأسيس حزب الحرية والعدالة الحاكم بعد الثورة

1129 يوما  هى عمر حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذي قرر القضاء المصري في 9 أغسطس 2014 ، حله في حكم نهائي غير قابل للطعن.

الحزب الذي أنشئ في 2 حزيران/ يونيو 2011، حقق خلال الثلاثة سنوات الماضية أغلبية في غرفتي البرلمان المصري (الشعب والشورى)، وحصد مرشحه مقعد رئاسة الجمهورية في انتخابات 2012، ليكون منه أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، قبل أن يتم عزله من قبل قيادات الجيش.

وقال الحزب في بيانه التأسيسي إنه يعمل لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قوية سليمة، بإرادة شعبية حرة، وتداول السلطة، وتكوين الأحزاب، وحرية الإعلام والتعبير، وحرية الاعتقاد والعبادة.

وأعرب عن إيمانه بأن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وأن اللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

ويعمل الحزب، حسب بيانه التأسيسي، على استعادة مصر لدورها الريادي في محيطها العربي والإسلامي والأفريقي، ويرى أن حماية الأمن القومي المصري ضرورة حياة، تقتضي تأكيد وحدة النسيج الوطني ودعمها، وتحقيق العدالة بين المواطنين، وأن الأمن الداخلي ضرورة للحياة ذاتها

في 21 حزيران/  يونيو 2011، بدأ النشاط الفعلي للحزب بالإعلان عن تدشين "التحالف الديمقراطي" لخوض انتخابات البرلمان، بزعامة الحزب وعضوية 18 حزباً أبرزها حزب الوفد، زادت إلى 34 فى آب/ اغسطس من نفس العام، ثم شهد التحالف انسحابات متوالية لتنخفض تركيبته إلى 11 حزباً.

في تشرين الأول/  اكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 2011، خاض حزب الحرية والعدالة في إطار "التحالف الديمقراطي" انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الاولى للبرلمان حينها)، بإجمالي 498 مرشحاً، ينتمى غالبيتهم إلى حزب الحزب، وحصل الحزب على 235 مقعداً من إجمالي 508 هي عدد مقاعد البرلمان بنسبة 46.5%، قبل أن يتم حله بحكم قضائي لبطلان القانون الذي أجريت الانتخابات بناء عليه، في حزيران/ يونيو 2012.

وفي 24  كانون الثاني/  يناير2011، انتخب محمد سعد الكتاتني رئيسا لمجلس الشعب، قبل أن يتقدم باستقالته من منصبه في حزب الحرية والعدالة للتفرغ لمهامه الجديدة، وبعدها انتخب حسين إبراهيم، خلفا له كأمين عام للحزب.

في كانون الثاني/  يناير وشباط/ فبراير 2012، خاض حزب الحرية والعدالة مع "التحالف الديمقراطي" انتخابات مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان في حينها)، والتي خاض فيها الحزب المنافسات بـ174 مرشحاً، ينتمى غالبيتهم له، وحصل على 106 مقعداً من إجمالي 180 هي عدد مقاعد المجلس بنسبة 59%.

في 28 شباط/ فبراير 2012، انتخب النائب عن حزب الحرية والعدالة، أحمد فهمي، رئيساً لمجلس الشورى.

في 31 آذار/ مارس 2012، أعلنت الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة موافقتها على ترشيح نائب المرشد العام للإخوان وعضو حزب الحرية والعدالة خيرت الشاطر، لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية.

في 2 نيسان/ ابريل 2012، أصدر المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة بياناً أعلن فيه دعمه الكامل لقرار الهيئة العليا للحزب بترشيح الشاطر لمنصب رئيس الجمهورية عن حزب الحرية والعدالة.

في 8 نيسان/ ابريل 2012، تقدم رئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسى بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية، كإجراء احترازي، في حال استبعاد خيرت الشاطر (وهو ما تم بالفعل لعدم استيفاءه أوراق الترشح)، وهو ما حدث ليعلن الحزب في 17 أبريل/ نيسان من ذات العام، أن مرشحه في الرئاسة هو محمد مرسي.

في 24 حزيران/ يونيو 2012، أعلنت اللجنة القضائية العليا المشرفة على الانتخابات الرئاسية فوز مرسي بجولة الإعادة بنسبة 51.73% من أصوات الناخبين المشاركين، قبل أن يتولى منصبه رسميا في 30 من الشهر ذاته بعد أداء اليمين الدستورية، ليعلن في اليوم ذاته استقالته من رئاسة حزب الحرية والعدالة.

فى 25 كانون الثاني/ يناير 2012، دشن الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين حملة تنموية حملت اسم "معا.. نبنى مصر"، استفاد منها قرابة أربعة ملايين مواطن فى خدمات متنوعة تضمنت قوافل طبية وعلاجية وأسواقا خيرية وقوافل بيطرية وحرفية فى جميع محافظات الجمهورية، بالإضافة إلى تجميل وتطوير الشوارع والمدارس والكباري فى عدد من المحافظات، بحسب بيانات صادرة عن الحزب.

في أيار/ مايو، وحزيران/ يونيو 2012، هاجم مجهولون مقرات حزب الحرية والعدالة بالقاهرة والمحافظات، وحرقوا عدد منها، وسرقوا أخرى.

الحزب عقب الانقلاب شهد القاء القبض على محمد سعد الكتاتني، رئيس الحزب في 3 تموز/ يوليو 2013.

وتولى بعدها بقترة، رفيق حبيب، نائب رئيس الحزب، مهام القائم بأعمال رئيس الحزب، إلا أنه لم يمارس صلاحيات رسمية متعلقة بالحزب، ويرفض دائما التصريح لوسائل الإعلام بصفته الجديدة.

في 3 تموز/ يوليو 2013، تم حل مجلس الشورى، الذي يحوز الحرية والعدالة على أغلبية مقاعده، بناء على خارطة الطريق التي توافقت عليها القوى السياسية ورموز دينية وقادة الجيش عقب الانقلاب

في الشهور التالية للانقلاب، ألقي القبض علي نائب رئيس الحزب عصام العريان، وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي للحزب وأعضاء الهيئة العليا له وأمناء المحافظات ونواب سابقين بمجلس الشعب والشورى، بتهم متعلقة بـ"الإرهاب والتحريض على العنف"، صدر ضد بعضهم أحكام غير نهائية تتراوح بين الإعدام والسجن."3"

الأحزاب والتحرر من العسكر في عهد الرئيس مرسي

وبعد ان تولى  الرئيس مرسي الرئاسة في أول انتخابات رئاسية نزيهة،  اعتمد عند بداية حكمه على استراتيجية تتلخص في مسارين: الأول، محاولة استمالة المؤسسة العسكرية التي كانت وما زالت تمسك بتلابيب الحكم في مصر، وتبنيه سياسة عدم الصدام المباشر معها؛ من أجل كسب المزيد من الوقت لتثبيت أركان حكمه وتفريغ الجهد الأكبر من أجل الإصلاح السياسي والإداري والقضائي للنظام

أما المسار الثاني، فكان توجه مرسي نحو الأحزاب السياسية المعارضة والقوى الشبابية التي شاركت في ثورة 25 يناير، من أجل إيجاد أرضية وطنية مشتركة، قادرة على وضع خطة استنهاض وطنية شاملة، تؤسس لقيام نظام حكم ديموقراطي حقيقي، يلبي طموحات وأهداف ثورة 25 يناير، ويضع مصر على سُلّم التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية لتحقيق دولة الرفاه والسيادة والحكم الرشيد.

وشهدت الحياة السياسية حرية مطلقة للاحزاب في نشاطاتها حتى لو ضد رئيس الدولة في حين كان حزب الحرية والعدالة حريص على التوافق مع كثير من القوي لكن قابلت الاحزاب اليسارية والليبرالية هذه المرونة بكثير من التعنت وأختلاق المشاكل، حقدا وحسدا وطمعا في كعكة السلطة.

ولعبت المصالح والاعتبارات الحزبية الضيقة دوراً كبيراً في تنظيم العلاقة وسبل بين أحزاب المعارضة ومرسي؛ كما أن التباينات الكبيرة التي ميزت أغلب البرامج والرؤى التي كانت تحملها الأحزاب في مصر في تلك الفترة، أسهمت في إضعاف أي إمكانية لإيجاد أرضية خصبة للتوافق؛ ما أدى إلى وقوع الصدام في نهاية المطاف.

كما ان  البيئة الداخلية لم تكن مساعدة لتحقيق سياسات مرسي، على العكس من حكم السيسي، فالجيش والمؤسسات الأمنية وأقطاب الدولة العميقة عمدوا إلى إيجاد بيئة غير متعاونة بل معرقلة داخل مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والإدارية والاقتصادي والإعلامية والقضائية، إضافة إلى التأثير الجلي داخل المؤسسات الخاصة بكل أشكالها خارج نطاق الدولة.

 ووجد عدد من الأحزاب والقوى السياسية المعارضة في هذه البيئة السياسية الداخلية، فضلاً عن البيئتين الإقليمية والدولية، فرصة سانحة لتحقيق أهدافها في إفشال حكم مرسي، حتى ولو بدعم الانقلاب العسكري عليه

وكان  الاختلاف واضحاً في سياسة تعامل هذه الأحزاب وسلوكها مع كل مرسي والسيسي،  ففي الوقت الذي عارضت فيه الرئيس مرسي في عدة مواقف وقرارات مستغلة الأجواء الديمقراطية، ساندت بقوة قرارات الرئيس السيسي في المواقف والقرارات نفسها، وظهر ذلك بوضوح من خلال الوقفة القوية ضدّ مرسي حينما أصدر الإعلان الدستوري في نهايات 2012، فيما غضت الطرف عن العديد من التشريعات التي سنها السيسي، والتي كرست سيطرته وسيطرة العسكر وتراجع الحالة الديموقراطية، كما وقفت الأحزاب وقفة المعارض لمرسي في تعامله مع أزمة سدّ النهضة فيما أشادت بحكمة السيسي في التعامل مع الأزمة، بالرغم من أن السيسي تنازل كليا عن حق مصر في مياه النيل!. كما طالبت الأحزاب بتواجدها في حكومة هشام قنديل بينما لم يكن لها تمثيل في أيّ حكومة شكلها السيسي حتى كتابة هذه السطور.

ووجدت هذه الأحزاب والقوى في قرارات مرسي وإصداراته الدستورية فرصة لتدعيم عضد هذه المعارضة ورصّ صفوفها، فأطلقت موجة تحريض غير مسبوقة ضدّ النظام القائم آنذاك، مستغلة حالة التقاطع في الأهداف مع المؤسسة العسكرية والدولة العميقة، إضافة إلى استثمار حالة العداء التي أظهرتها القوى الإقليمية والدولية تجاه مرسي."4"

مصادرة الحياة الحزبية والسياسية في عهد السيسي

كان من الواضح في بداية عهد السيسي انه حذر جدا من الاقتراب من أي تكوين سياسي، حتى لا يتكرر سيناريو الحزب الوطني في عهد مبارك معه، إلا أنه  انقلاب عام 2013، صادر العمل السياسي والحزبي، وحول أكثر من 100 حزب في مصر إلى مجرد ديكور سياسي دون أي فعالية تذكر .

 أجرت مصر انتخابات برلمانية في عامي 2015 و2020 كما أجرت انتخابات رئاسية في 2014 و2018، ولم تلعب الأحزاب السياسية أيَّ دور في الانتخابات الرئاسية التي ترشح فيها السيسي، سوي ان مرشحيها "صباحي"المحسوب على التيار الناصري  و"مصطفي موسى" رئيس حزب الغد لم يكونا سوي كومبارس في هزلية انتخابات الرئاسة في 2014 و2018 ،  وفاز السيسي  في المرتين بحوالي 97% من الأصوات، في ظل انخفاض حاد في إقبال الناخبين وعمليات التزوير الواسعة التي تمت ."5"

وتوالت في عهد السيسي خطوات التخلص من الأحزاب السياسية الكبري المؤثرة في الحياة السياسية مثل حزب الحرية والعدالة، وحزب البناء والتنمية التابعة للجماعة الاسلامية، كما تم تجميد حزب مصر القوية، وحل حزب الأصالة السلفي وغيرها من الأحزاب.

واستطاع الحكم العسكري في مصر أن يحقق ما أراده بانقلاب 2013؛ فشيد نظامًا سياسيًّا تُجرى فيه الانتخابات بدقة وفي الفترة الزمنية المحددة لها، ولكن مع إلغاء إمكانية المنافسة أو حرية الاختيار للناخبين. تمامًا كما كان الوضع في أيام مبارك بل أسوأ، وأصبحت مصر مرة أخرى مثالًا للنظام الاستبدادي؛ أى نظام يَدعي الديمقراطية شكلًا ولا يُقيمها فعلًا.

تم تصنيف التنظيمات الإسلامية - وهي الأقدر على بناء دوائر انتخابية وتكوين حاضنة والفوز بالانتخابات- على أنها إرهابية وقُمعت باعتبارها تهديدًا مباشرًا للمشروع العسكري الاستبدادي، فسجن قادتها أو أجبروا على السفر للمنفى، والأعضاء الذين نجوا من الاعتقال اختفوا عن الأنظار.

كما تم الاستيلاء على الأصول المالية للإخوان المسلمين والشركات التي ساعدت في تمويلهم، وحُلت شبكة المنظمات الخيرية والطبية والتعليمية التي أكسبتهم وجودًا فاعلًا في المجتمع، لكن المدهش فعلًا، هو درجة إصرار الحكومة على تعطيل الأحزاب العلمانية (المعتدلة) أيضًا، فالحكومة عملت جاهدة على خلق الانقسامات داخل أهم الأحزاب العلمانية، مثل حزبي المصريين الأحرار والوفد. كما أن قوانين الانتخابات، التي يعيد المصريون صياغتها مرارًا وتكرارًا، موجهة دائمًا للحد من مشاركة الأحزاب لحساب المرشحين الأفراد."6"

أكثر من 100 حزب لا يعرف عنها المواطن شيئًا

وقد أكد تقرير لجريدة اليوم السابع ان هناك أكثر من 100 حزب لا يعرف عنها المواطن شيئًا، وان الأحزاب لم تعد حاضرة فى المشهد السياسي، بل إن غيابها بات مشهدا معتادا.

الوفد والنور حالتان متفردتان فى هذا السياق، فقد تراجع دورهما بشكل ملحوظ فى الوقت الذى كان الرهان فيه كبيرا على الحزب السلفى الذى استطاع البزوغ خلال فترة حكم الإخوان، لكن الفترة التى تلت 30 يونيو شهدت ذبولا فى أداء ودور الحزب، مقتفيًا فى ذلك أثر حزب الوفد الذى قضت مضجعه الانقسامات والانتخابات والانتخابات المضادة فى عصر السيد البدوى.

والاحصائيات الرسمية تؤكد أن عدد المنضمين لـ100 حزب سياسي لا يتجاوز 3% من الشعب المصري"7"

السيسي وأجهزته يؤسسون حزب مستقبل وطن كظهير شعبي

حزب مستقبل وطن هو حزب سياسي مصري علمانى تأسس عام 2014 قبل الانتخابات البرلمانية المصرية 2015، من قبل إدارة المخابرات العسكرية ونما ليصبح أحد أكبر الأحزاب السياسية في مصر.

 بتاريخ مارس 2016 كان رئيس الحزب أشرف رشاد وقد وصف الحزب بأنه مشابه في طبيعته لـ الحزب الوطني الديمقراطي الذي حكم مصر في عهد حسني مبارك بسبب الدعم الذي يقدمه الحزب لعبد الفتاح السيسي ، الذي وصفته وسائل الإعلام الدولية بـ الاستبدادي ، فضلاً عن العلاقات التي تربط بعض أعضاء الحزب بكبار المسؤولين في حكومة السيسي. واستطاع مستقبل وطن في أول تجربة برلمانية له أن يحصل على 53 مقعد داخل مجلس النواب.

ثم أصبح حزب مستقبل وطن رسميًا أكبر حزب سياسي في البرلمان المصري ، ممثلا في الانتخابات البرلمانية المصرية 2020  "8"

نجح الحزب في ضم الكثير من أعضاء الحزب الوطني ، و احياء دور حزب الفساد، خاصة في الجانب السياسي، حيث كرر سيناريوهات تزوير الانتخابات واستخدام المال السياسي في أنتخابات برلمان 2015 و2020 .

كما كان سببا في إحياء ظاهرة دخول رجال الأعمال للبرلمان المصري من جديد، حيث دخل عدد كبير من أصحاب الأعمال تحت مظلة الحزب الوليد إلا أن اتهامات الرشاوى الانتخابية نالت مرشحي ذلك الحزب، فبعد انتهاء الانتخابات خرجت النائبة السابقة عن دائرة إمبابة شادية ثابت، والمرشحة المستقلة لبرلمان 2020، والعضوة بحزب مستقبل وطن سابقًا، في بث مباشر على صفحتها على “فيسبوك” تتحدث عن رشاوي مالية وسلع غذائية، وتستغيث بالسيسي أن يتدخل، واصفة حزب مستقبل وطن بـ “مستنقع وطن” ، كما أن المرشحة مي محمود في الإسكندرية، وثقت بمقطع فيديو توزيع رشاوي انتخابية على المواطنين لحثهم على انتخاب مرشحي حزب مستقبل وطن.

لم يرد حزب مستقبل وطن، المدعوم من الأجهزة الأمنية، على الخروقات التي صدرت من مرشحيه بشكل رسمي. لكن المهندس حسام الخولي نائب رئيس الحزب وعضو مجلس الشيوخ، قال إن حزبه يدعم المرشحين بشكل تنظيمي فقط، وأن الخروقات إذا حدثت من المرشحين ربما تكون 2% وهذه نسبة قليلة.

ويتعامل حزب مستقبل وطن مع الانتخابات بأسلوب يماثل الحزب الحاكم الذي يسعى إلى حصد الأغلبية في البرلمان، على الرغم من عدم اعتراف الدولة بدعمه بشكل رسمي، مثل الحزب الوطني الديمقراطي خلال حقبتي السادات ومبارك.

وتتشابه انتخابات برلمان 2010 مع نظيره 2020،  وقد فاز حزب مستقبل وطن، الداعم القوي  للسيسي، بما يقرب من 55 بالمئة من مقاعد مجلس النواب الخاضعة للانتخاب في انتخابات برلمانية امتدت لعدة أسابيع.

كان أنصار السيسي يسيطرون على البرلمان بالفعل، لكن مستقبل وطن زاد بشكل كبير جدا حصته من المقاعد في المجلس إلى 315 بعدما كان بحوزته 57 مقعدا في مجلس 2015 المؤلف من 596 مقعدا

وفازت قوائم يقودها حزب مستقبل وطن بجميع المقاعد المخصصة للانتخاب بنظام القوائم المغلقة المطلقة وعددها 284 مقعدا. وحصل مستقبل وطن على 145 من هذه المقاعد، بحسب بيانات الهيئة الوطنية للانتخابات.

كما فاز الحزب بعدد 170 مقعدا من أصل 284 مقعدا مخصصة للانتخاب بالنظام الفردي.

وفاز حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب آخر مؤيد للسيسي، بخمسين مقعدا، وحصد مرشحون مستقلون لا ينتمون لأحزاب 93 مقعدا."9"

تطهير قيادات «مستقبل وطن» على خلفية وقائع فساد

وأخيرا كشف موقع مدي مصر عن وقائع فساد لأعضاء في حزب مستقبل وطن، حيث أكدت  أربعة مصادر من الهيئة العليا وأمانة التنظيم المركزية في حزب مستقبل وطن، أن جهازًا سياديًا يعد حاليًا حركة تطهير في صفوف القيادات العليا للحزب، صاحب اﻷغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، وذلك بالتنسيق مع أجهزة رقابية، على خلفية تورط قيادات الحزب في وقائع فساد واستغلال نفوذ، بحسب المصادر التي أشارت إلى أن حركة التطهير ستُنَفَذ قبل عودة البرلمان للانعقاد في أكتوبر المقبل.

وأوضحت المصادر أن أجهزة رقابية في الدولة رصدت تورط أعضاء بارزين في الهيئة العليا للحزب في «مخالفات مالية جسيمة» كان أبرزها وقائع استغلال نفوذ وتربُح، عبر مساعدة رجال أعمال في عدد من المحافظات على بناء عمارات وأبراج مخالفة، وتسوية أوضاعها.

وبحسب المصادر، فإن أبرز من تطالهم حركة التطهير سيكون أشرف رشاد، الأمين العام السابق للحزب والنائب الأول لرئيسه، والذي يشغل حاليا رئيس الهيئة البرلمانية للحزب، وبات أحد أبرز المتهمين بالاستفادة من منصبه واستغلال نفوذه، وتضخم الثروة، والتوسع في نشاطات ومشروعات خاصة، وفق المصادر.

المصادر اتفقت أن هناك قرار وشيك بتنحية رشاد من موقعه في الحزب، و إبعاده عن رئاسة الأغلبية البرلمانية، التي عُين فيها قبل عامين، وانتخاب قيادي آخر مع بدء دور الانعقاد الثالث للبرلمان مطلع أكتوبر المقبل.

بخلاف رشاد، ينتظر أن تطال حركة التطهير قيادات في «مستقبل وطن» مثل، نائب رئيس الحزب، علاء عابد، رئيس لجنة النقل بالنواب، وكذلك نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، طارق رضوان، وأمين التنظيم المركزي في الحزب، يحيى العيسوي، ووكيل لجنة الاتصالات بالنواب، أحمد نشأت منصور، حسبما قالت المصادر.

بحسب المصادر، ستشهد الأيام المقبلة كذلك إقصاء العديد من أمناء التنظيم في الحزب من غير البرلمانيين، وهو ما بدأ تنفيذه بالفعل في عدد من أمانات المحافظات، في مقدمتها أمانة الإسكندرية، التي شهدت إقصاء عدد كبير من قيادات الصف الأول، وتصعيد قيادات شابة من القواعد التنظيمية.

بخلاف وقائع الفساد المالي، أشارت المصادر إلى أن ما فاقم أزمات قيادات «مستقبل وطن» كان تواتر الكشف عن تورط عدد منهم في فضائح أخلاقية، مثل واقعة تعدي النائب مصطفى سالمان، عضو الحزب في محافظة أسيوط، بالضرب على سيدة وزوجها بأحد المؤتمرات في دائرته، ما تسبب في حرمانه من الاشتراك في أعمال المجلس حتى نهاية دور الانعقاد الثاني، أو انتشار فيديو فاضح لأمين عام الحزب في أسوان، حسن سيد خليل، قبل عام، وهي الواقعة التي قالت المصادر إن الأجهزة الرقابية رصدت تكرارها مع قيادات أخرى، ولكن دون انتشار فيديو الواقعة على نطاق واسع.

ومع تواتر أنباء قرب الإطاحة بأشرف رشاد داخل أوساط الحزب والبرلمان، أشارت المصادر إلى حالة ترقب يعيشها رؤساء اللجان البرلمانية المحسوبين على رشاد، والذين ضمنوا مناصبهم داخل البرلمان لسنوات بفضل علاقتهم به، فيما ينتظرون حاليًا الكشف عن هوية من سيخلفه.

كان رشاد صعد إلى رئاسة «مستقبل وطن» في 2016، عقب استقالة مفاجئة للرئيس السابق، محمد بدران، الذي اختفى من المشهد السياسي بعد أن أعلن عن رغبته في استكمال دراسته بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي 2020 تراجع رشاد مجددًا إلى مقعد نائب رئيس الحزب، تاركًا الرئاسة للمستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، وذلك قبل شهور من انتخابات مجلس الشورى، الذي تولى عبد الرازق رئاسته

من جانبها، لفتت المصادر إلى أن التوقيت الذي يتم فيه الإعداد لإقصاء رشاد، يتزامن مع عودة بدران للبلاد، وتوليه منصب نائب رئيس حزب «مصر أكتوبر» منذ أسابيع، كتمهيد علني لعودته مرة أخرى للساحة الحزبية، ما ظهر كذلك في احتفاء الأكاديمية الوطنية للتدريب، المشرفة على الحوار الوطني الذي دعا له السيسي، به ودعوتها له وباقي قيادات حزبه لزيارة الأكاديمية وتقديم تصورهم بشأن الحوار الوطني.

عضو بالهيئة العليا لـ«مستقبل وطن» قال إن دوائر صنع القرار لم تفصح حتى الآن عن دور بدران الجديد، سواء العودة لـ«مستقبل وطن» عقب التخلص من عدد كبير من القيادات الحالية التي تدين بالولاء لرشاد، أو المنافسة بحزب «مصر أكتوبر»، أو تأسيس حزب جديد، لسحب البساط من تحت «مستقبل وطن» حال تم الاستقرار على إطلاق انتخابات المحليات في البلاد، أو انتظار أي من مخرجات الحوار الوطني التي قد تدفع به للواجهة بشكل أقوى.

وفى أعقاب ذلك، وخوفا من تكرار سيناريو الحزب الوطني قبل سقوطه، رد النظام على مانشر بموقع مدي مصر باستدعاء 4 صحفيات للنائب العام بتهمة نشر أخبار كاذبة وتم التحقيق معهن وإخلاء سبيلهن بكفالات مابين 20 و5 آلاف جنية، وما أشبه اليوم بالبارحة فكل أحزاب العسكر تسير على نمط الفساد في ظل حماية السيسي وجنرالاته لهم . "10"

المصادر

  1. موقع الهيئة العامة للاستعلامات  نشر في  سبتمبر2 202
  2.   موقع الجزيرة نت نشر بتاريخ 3- 4- 2014
  3. الاناضول نشر بتاريخ  09 أغسطس 2014  
  4. "مصر بين عهدين: مرسي والسيسي" دراسة مقارنة، (2)   الطبعة الأولى  2016
  5. نفس المصدر السابق
  6. نشر بموقع مركز العاصمة للدراسات  بتاريخ 20 أغسطس 2021
  7. اليوم السابع  نشر في  21 فبراير 2017  
  8. موقع المعرفة
  9. نشر بوكالة رويترز بتاريخ 14- ديسمبر 2020
  10. موقع  مدي مصر نشر بتاريخ 31 أغسطس 2022