"الطوفان" و أزمة الكهرباء والغاز.. متلازمة الفشل والكذب تلاحق الحكومة المصرية
الخميس - 9 نوفمبر 2023
إنسان للإعلام – جهاد يونس:
بمجرد بدء الحرب الحالية في غزة يوم 7 أكتوبر، وانشغال حكومة الاحتلال الصهيوني بإبادة المقاومة والشعب الغزي، ظهرت في مصر أزمة كهرباء مجدداً، نتيجة اعتماد مصر بشكل كبير على استيراد الغاز، الذي يشغل محطات الكهرباء، من العدو الصهيوني.
قام "طوفان الأقصى"، فانقطعت إمدادات الغاز المسروقة أصلا من حقول مصرية في البحر المتوسط، وفورا شرعت حكومة الانقلاب في مصر في ترشيد استهلاك الكهرباء وقطعه بالساعات الطويلة عن المواطنين وهو ما زاد من معاناتهم، كما حدث خلال شهور الصيف الماضي.
الإعلام العربي والغربي تحدث عن الواقع المر الناتج عن انقطاع إمدادات الغاز، فقال موقع "الجزيرة": حرب إسرائيل على غزة تطال اقتصاد مصر، وقالت "القدس العربي": أزمة في قطاع الكهرباء المصري بسبب توقف واردات الغاز الإسرائيلي، وجاء في "سكاي نيوز عربية": استئناف تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر لكن بكميات صغيرة،
أما الإعلام المصري، كعادته، واصل تضليل الرأي العام والتماس الأعذار لسلطة الانقلاب الحاكمة، على عكس ما كان يفعله مع الرئيس المنتخب د. محمد مرسي.
وكانت حملة التضليل بدأت في الصيف الأخير، وقبله عندما بشرت وسائل الإعلام بوجود فائض غاز يمكن تصديره، مع التمهيد لرفع الدعم عن الكهرباء، وتم تسويق عناوين مثل:
- الكهرباء: لدينا مؤهلات كبيرة تسمح بتصدير الطاقة إلى أوروبا (الشروق)
- مصر تبدأ دراسات تصدير الطاقة المتجددة لأوروبا (العربية)
- مصر توقع اتفاقية لنقل الكهرباء وتصدير الطاقة المتجددة إلى أوروبا (روسيا اليوم)
وعندما ضاقت على الحكومة حلقات الفشل، خرج رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ليقول: استيراد المازوت أحد أسباب أزمة الكهرباء.. والاستهلاك ارتفع بشدة مؤخرا (الشروق)
تفاقم الغضب الشعبي
السيسي، في ١٣ فبراير 2023 معلنا أن كلفة تطوير قطاع الكهرباء هي ١,٨ تريليون جنيه!
و ظهر المتحدث باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية، أيمن حمزة، ليدعي أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من الكهرباء منذ يونيو ٢٠١٥.
وفجأة في شهر يوليو الماضي (2023)، أعلنت الحكومة المصرية عن خطة تخفيف الأحمال، وكان الأمر لمدة ساعة واحدة فقط، وفقًا لجدول محدد من أجل تعريف المواطنين بالمواعيد تحسبًا لأي أمر طارئ، لكن وزارة الكهرباء رفعت مدة تخفيف الأحمال إلى ساعة ونصف ثم إلى ساعتين في اليوم الواحد، حسب الحديث الرسمي، أما المواطنين فتحدثوا عن قطع ٤ ساعات يومياً.
وقبل بداية الأزمة، ظهر وزير الكهرباء المصري محمد شاكر في مارس 2023، ليجزم بأن "العودة لتخفيف الأحمال لن يحدث مرة أخرى"، مؤكدا أن "انقطاع التيار لن يتكرر في مصر مهما بلغت الأحمال على الشبكة القومية للكهرباء، سواء خلال أشهر الصيف أو الشتاء."
ولكن كلام الوزير ذهب أدراج الرياح مع أزمة انقطاعات الصيف، ثم مع تجدد الانقطاعات مع بدء الحرب الحالية في غزة، لتظل أزمة الكهرباء تؤرق المصريين وتزيد من معاناتهم.
وها هي شكوى على الصفحة الرسمية لشركة الكهرباء تقول: "النور منقطع في منطقتي لـ ١٢ ساعة، وشركة الكهرباء لا تجيب على الهاتف ولا ترد على الشكوى الإلكترونية. الرحمة!"
إلى ذلك، تصدر وسم انقطاع الكهرباء قائمة الأعلى تداولا على موقع «اكس»، وشارك فيه الفنان نبيل الحلفاوي وكتب: قطع الكهرباء مؤقتا ساعة في الصيف، رحبنا امتداده لشهر سبتمبر/ أيلول الماضي بسبب موجة حارة، تفهمنا امتداده لما بعد الموجة الحارة، تحملنا مضاعفته إلى ساعتين ونحن على مشارف نوفمبر/ تشرين الثاني، والآن نشكو تجاوز مدة الانقطاع الساعتين"
الإعلامي المصري شريف عامر كتب على موقع «إكس»: صديق ليست له علاقة بالسياسة، قال لي، منذ ٢٥ عاما، قالوا لنا إننا نصدر الغاز لإسرائيل حتى تصبح تحت رحمتنا، الآن الكهرباء منقطعة من ساعتين، ويقولون السبب إن إسرائيل توقفت عن تصدير الغاز لنا، لله الأمر من قبل ومن بعد"
لا دعم للكهرباء ولا انتظام
تُرجع قنوات الإعلام الموالية للانقلاب سبب انقطاع الكهرباء إلى ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع الاستهلاك المنزلي، فيما يشير متخصصون إلى أن مصر تفضل التصدير على حساب السوق المحلية ما يسبب أزمة.
وتحدث مراقبون عن أن مصر تولي الاهتمام الأكبر لسياسات تصدير الغاز على حساب السوق المحلي، وأنه رغم ارتفاع صادرات مصر من الغاز في العام الماضي، فلم يشعر السوق المحلي بأي تحسن، بل زادت الأسعار بشكل أكبر.
وتريد الحكومة إقناع المواطنين بأنها لاتزال تدعم الكهرباء، وبالتالي تحملهم مسؤولية هذه الأزمة بقطع الكهرباء، لكن الواقع يقول إن المواطن يتحمل أعلى من التكلفة الفعلية لإنتاج الكهرباء في مصر، وأن الموازنة العامة لا يوجد بها أي مخصصات لدعم الكهرباء.
وحسب وثيقة نشرتها صحيفة "الشرق" القطرية، في مارس الماضي، تبين أن الحكومة المصرية حررت أسعار الكهرباء، ولم تُوجّه أي دعم للمواطنين خلال آخر عامين ماليين ليسجل بند دعم الكهرباء صفراً في الحساب الختامي لأعوام ٢٠١٩-٢٠٢٠ ٢٠٢٠-٢٠٢١.
تصدير الغاز رغم الأزمة الداخلية
وفي السابع والعشرين من يوليو/تموز 2023، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن شهور الصيف تشهد توقف تصدير الغاز بالكامل، بسبب زيادة حجم الاستهلاك، على أن يُستأنف تصدير الفائض منه في باقي فصول السنة.
ومع ذلك، قالت صفحة "صحيح مصر" على فيسبوك، التي يقف وراءها مجموعة من الصحفيين المستقلين الذي يعملون على "تدقيق" تصريحات المسؤولين والإعلاميين: إن بيانات البنك المركزي تؤكد أن صادرات الغاز المسال لم تتوقف خلال أشهر الصيف منذ أن بدأت مصر في تصدير الغاز عام ٢٠١٨/ ٢٠١٩.
وجاء في منشور على الصفحة: "أظهرت مراجعة بيانات البنك المركزي أن مصر استمرت في تصدير الغاز طوال الأعوام المالية الماضية، خلال الربع الأول من العام المالي ما بين أشهر يوليو - أغسطس- سبتمبر، وهي أشهر ذروة ارتفاع درجات الحرارة في مصر، ولم يكن الأمر قاصرا على العام الماضي فقط كما ادعى الوزير".
وتساءل فريق "صحيح مصر": لماذا عادت أزمة تخفيف الأحمال من جديد رغم زيادة القدرات، في حين نشر موقع وكالة "مؤاب" عنوانا يقول: مصر : لم نتوقف عن تصدير الكهرباء إلى الأردن أو السودان
بين مرسي وقائد الانقلاب
في سنة حكم الرئيس الشهيد، محمد مرسي، توسع الإعلام في نشر فيديوهات حول أزمة الكهرباء التي شهدتها البلاد، فتناول الأزمة بالاستهزاء والتضخيم الأزمة ومن أمثلة الأخبار في تلك الفترة:
- مصراوي: الكهرباء في حكم الإخوان .. مصر ''مضلمة'' علي أهلها
- الوطن: في أزمة الكهرباء.. ما ينوب "المحصل" إلا تقطيع هدومه
- شبوة برس: في عهد الاخوان المسلمين : كهرباء مصر.. من التصدير إلى التقتير
- العربية: تكرار انقطاع الكهرباء.. أزمة جديدة تواجه المصريين
- اليوم السابع: وزير الكهرباء و«الراجل اللى بينزل السكينة
- المصري اليوم: نشطاء «تويتر» يسخرون من انقطاع الكهرباء في عهد مرسي: «كفاية نورك عليا»
- الوطن: ممنوع قطع التيار: هنا بيت هشام قنديل
وفي مقابل تلك التغطية الإعلامية "الواسعة"، كانت التغطية الإعلامية الحالية "ضعيفة جدا" بالمقارنة مع عهد مرسي، بل بدلا من انتقاد سياسات السيسي، تقوم دعاية الأبواق الإعلامية للسيسي بتذكير الجمهور بأزمة الكهرباء أيام مرسي!
وكلما اشتد الخناق على الشعب المصري جراء فشل سياسات أهل الحكم الآن، يتم الهروب للخلف، لدرجة أن مسلسل «الاختيار ٣»، ذكر في جانب منه تلك الأزمة التي عاشها المصريون مع "مرسي"، وكيف تحولت إلى ذكرى في عهد السيسي!!. ثم يجدد الإعلام الوعود بعودة الكهرباء تدريجياً، والتأكيد أن الأزمة مؤقتة، ومن أمثلة الأخبار التي نشرت بهذا الشأن:
- CNN بالعربية: السيسي متحدثًا عن انقطاع الكهرباء في مصر: "ربنا ساترها علينا"
- المصري اليوم: موعد انتهاء انقطاع الكهرباء في مصر ومتى تنتهي خطة تخفيف الأحمال 2023؟
- العربية: انتهاء أزمة انقطاع الكهرباء بمصر في هذا التوقيت
- اليوم السابع: جدول قطع الكهرباء فى مصر.. اعرف إزاى تحدد ميعاد الانقطاع عن منزلك
- مصراوي: انقطاع الكهرباء.. "الاستعلامات" تكشف الأسباب الحقيقية وكيفية حل الأزمة
- البديل: النور هيرجع تاني.. متى تنتهي أزمة قطع الكهرباء في المحافظات وعودة الطاقة بشكل كامل على مدار اليوم
- مصراوي: انقطاع الكهرباء.. "الاستعلامات" تكشف الأسباب الحقيقية وكيفية حل الأزمة
- صدى البلد: أسباب انقطاع الكهرباء في مصر.. وموعد انتهاء خطة تخفيف الأحمال
- روسيا اليوم: الحكومة توضح سبب زيادة فترة انقطاع الكهرباء في البلاد
مفاضلة في قطع الكهرباء
الأدهى من هذا التضليل الإعلامي، أن منظمات حقوق الإنسان كشفت في تفارير لها أن بعض المناطق مفضلة على غيرها في قضية قطع الكهرباء، حيث يبدو أن تخفيض التغذية الكهربية يستمر لفترات أطول في المناطق الريفية، التي فيها معدلات أعلى للفقر، ما يحرم الكثيرين من التيار الكهربائي وسط ارتفاع درجات الحرارة، ويعيق قدرتهم على أداء وظائفهم، كحال بعض الكوادر الطبية، كما يحرمهم من المياه.
وأرجع المتحدث باسم مجلس الوزراء السفير نادر سعد فترة التقنين الأطول في بعض القرى إلى خطأ بشري ومسائل فنية، إذ قال: "ربما الشخص المسؤول فصل الكهرباء ونسي أن يرجع التيار"!
ونقلت صحيفة "الشروق" المحلية عن مسؤول بوزارة الكهرباء قوله إن الانقطاع قد يستمر حتى ساعتين في المدن، لكن قد يصل إلى ثلاث ساعات في القرى.
وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "لطالما طالبت الحكومة المصرية ضمنيا المصريين بالتضحية بحقوقهم المدنية والسياسية مقابل الازدهار الاقتصادي. لكن انقطاع الكهرباء يقلص بشدة قدرة الناس على الحصول على حقوقهم، بما فيها الحق في الغذاء، والماء، والرعاية الصحية".
قال كوغل: "تعلم الحكومة منذ فترة طويلة أن صادرات الغاز الطبيعي المخطط لها تتعارض مع احتياجات المصريين من الكهرباء، ومع ذلك تفضل اللجوء إلى تقنين الكهرباء بدل الاستثمار في الطاقة المتجددة لتعويض الفارق. إذا اضطرت الحكومة إلى قطع الكهرباء، ينبغي لها على الأقل توزيع التقنين بالتساوي ودون تمييز".(مصر: تقنين استهلاك الكهرباء يهدد الحقوق)
بشكل عام، تستمر الحكومة المصرية في تجاهل معاناة شعبها في سبيل أهداف أخرى، وهذه طائفة من الأخبار التي تناولت هذا الموضوع في الإعلام المستقل:
- تخفيف أحمال، أم تصدير فائض الإنتاج؟ كل ما تريد معرفته عن أزمة قطع الكهرباء في مصر
- مصر والخليج في الصورة.. مشروع إسرائيلي لتصدير الكهرباء إلى أوروبا
- إسرائيل تعرض على مصر حل أزمة الكهرباء
- وزير الكهرباء يشاطر المصريين الأحزان: عاد الكابوس وما عادت لميس!
- الحكومة بتصدر الكهرباء بكام؟