لا تَقِل ملحمةُ معركة السويس يوم 24 أكتوبر 1973 عن ملحمة عبور السادس من أكتوبر؛ فلولا المقاومة الشعبية الباسلة بعد فضل الله، لسقطت مدينة السويس، ولحوصر الجيش الثالث، ولصار الطريق مفتوحاً إلى القاهرة. ورغم ذلك لم تُوثِق أنظمة الحكم المتعاقبة تلك المعركة كما وثقت غيرها من المعارك!
وذلك لأن هذه المعركة قدمت الإطار الصحيح والوحيد للعلاقة بين المدني والعسكري، وربما لحرمان الحركة الإسلامية من نقطة قوة تُضاف إلى رصيدها في قدرتها على إنجاز عمل وطني جامع.
مقاومة إسلامية النشأة والوجهة
فقائد المقاومة أزهري النشأة، هو الشيخ حافظ سلامة، اعتقله عبد الناصر مع الإخوان المسلمين فى سجن أبى زعبل، ولم يخرج إلا بعد هزيمة 67، ثم اعتقله السادات مرة أخرى عام 1981، ثم صادر مبارك جمعيته الإسلامية ومسجده بالعباسية عام 1984.
أسس جمعية "الهداية الإسلامية" بمدينة السويس، وامتد نشاطه الدعوي إلى جبهات القتال برفقة علماء الأزهر الشريف، حيث كانت محاضراتهم سبباً في تعلق المقاتلين بمعاني الجهاد والاستشهاد.
كان الشيخ يقول: "اليد التي لا تعرف الوضوء، لا تصلح لاستخدام السلاح"، وهكذا اصطبغت جبهات القتال بالصبغة الإيمانية، حتى أن جريدة الأماني القومية الصادرة فى جمادى الآخرة 1394هـ، تذكر أن الرئيس الأمريكي نيكسون كان يسمي حرب أكتوبر بــ "حرب الله أكبر". (1)
معركة صاغها إجماع وطني فريد
التمهيد النيراني للاقتحام:
بعد أن استطاع العدو الصهيوني النفاذ إلى ثغرة "الدفرسوار" بين الجيشين الثاني والثالث، بسبب قرار فردي من الرئيس السادات، قام العدو الصهيوني بقصف مدينة السويس قصفاً عنيفاً يوم 23 أكتوبر، فتحولت المدينة إلى قطعة من الجحيم، فلم يعد بها لا مياه ولا طعام ولا كهرباء ولا أدوية ولا اتصالات هاتفية. فتوقع الصهاينة أن ترفع المدينة الأعلام البيضاء..
تشكيل المقاومة الشعبية:
تملك الذعر الجميع، فخلع عسكريون لباسهم العسكري! وغادر البعض المدينة إلى القاهرة سيراً على الأقدام، فقُتل بعضهم، وأُسر آخرون. ورُفعت الأعلام البيضاء على مباني مديرية الأمن، وقسم الأربعين!
فانتفض الشيخ حافظ سلامة يُذّكر الناس بالجهاد والاستشهاد، فاجتمع تحت قيادته مقاومة شعبية، متطوعون وعسكريون، بالإضافة إلى أبناء منظمة سيناء، وألهبت الجميع تلاوة الشيخ حافظ سلامة لآيات الجهاد وأحاديث الشهادة (2)
وبتدبير محكم، قرر الشيخ نصب الكمائن لدبابات العدو على مداخل المدينة..
اقتحام الدبابات الإسرائيلية المدينة:
في اليوم التالي؛ حاول الصهاينة اقتحام المدينة، إلا أنهم فوجئوا بمقاومة عنيفة، حيث أوقعت المقاومة 67 دبابة! وقتلت من بداخلها.
ثم استطاعت المقاومة فك الحصار عن مبنى المحافظة، فأجبرت الخسارة الصهاينة على الفرار خارج المدينة.
إنذار العدو بتسليم المدينة:
أنذر "شارون" المحافظ بتدمير المدينة إذا لم تستسلم، فجاءت الأوامر من القاهرة بالتسليم! لكن الشيخ رفضها من فوق مآذن المساجد (3)
فاستمر الحصار، إلى أن تدخلت القوات الدولية بعد فض الاشتباك
ليظل في التاريخ مقارنة بين عبور أفسده السادات بقراراته الفردية، وبين انتصار حققته مقاومة شعبية بقيادة إسلامية، أنقذت به مصر من هزيمة محققة، ولتكون هذه المعركة مثالاً فريداً على العلاقة الصحية الوحيدة بين (مدني) يحكم و(عسكري) يحمي.
وهذا سر تجاهل أنظمة الحكم المتعاقبة لتوثيق تلك الملحمة. وهو المعنى الذي ألمح إليه اللواء عادل سليمان في مقاله المعنون بـ (تاريخنا الحربي.. والعلاقات المدنية العسكرية) (4)
المصادر
- (ملحمة السويس في حرب العاشر من رمضان)
- شهادة العقيد أمين الحسينى مفتش مباحث أمن الدولة - المصدر نفسه
- رفضت أوامر السادات بتسليم السويس
- جريدة الشروق المصرية بتاريخ 27 ابريل 2013