سياسة "الأرض المحروقة"| هكذا استنزف "المجلس العسكري" اقتصاد مصر
الخميس - 4 يوليو 2024
- المجلس هوى بالاقتصاد إلى مستويات متدنية بالمؤشرات الدولية وضاعف حجم الديون قبل مجئ "مرسي"
- استنزاف 19.5 مليار دولار من الاحتياطي النقدي لمصر خلال 17 شهرا بمتوسط 1.145 مليار شهريا
- 21.6 مليار دولار عجز في الميزان الكلى للمدفوعات وخروج استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 12 مليار دولار
- 276 مليار جنيه زيادة في الدين الداخلي بين عامي 2011و 2012 وارتفاع مخصصات سداد الديون الخارجية
- سيطرة الدولة العميقة وتبعية بعض مراكز الأبحاث لجهات سيادية حالا دون دراسة الأداء الاقتصادي للعسكر
خاص لـ"إنسان للإعلام"- ممدوح الولي:
تسبب الأداء الاقتصادي المصري، خلال فترة تولي المجلس العسكري، برئاسة المشير حسين طنطاوي، فى تراجع المؤشرات الاقتصادية؛ ما ترتب عليه انخفاض التصنيف الائتماني لمصر إلى مستويات متدنية، بلغت "بى سالب" (B-) لدى وكالة ستاندرد آند بورز (S & P) فى مارس/ آذار 2011، والتي تمثل نسبة 25 % فقط من درجات التصنيف .
وعليه انحدر اقتصاد مصر إلى الدرجة السادسة عشرة من درجات التصنيف الائتماني الإثنى والعشرين، وهي الدرجة التي حالت دون التمكن من الاقتراض من الأسواق الدولية؛ لعلاج العجز الحاد بالميزان الكلي للمدفوعات خلال تلك الفترة .
لكن فى ضوء انتماء عدد من المراكز البحثية إلى الجهات السيادية، وسيطرة أذرع الدولة العميقة على وسائل الإعلام الخاصة، لم تظهر دراسات بحثية أو تناول تحليلي للأداء الاقتصادي لتلك الفترة .
ويمثل استنزاف الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي، العامل الرئيس المهيمن على المشهد الاقتصادي خلال فترة المجلس العسكري، التي امتدت من الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011، وحتى الثالث والعشرين من يونيو / حزيران 2012، حيث بلغت أرصدة احتياطيات العملات الأجنبية بنهاية الشهر السابق على تولي المجلس العسكري 35 مليار وسبعة ملايين دولار، ومنذ الشهر الأول للمجلس العسكري استمر استنزاف أرصدة الاحتياطيات بشكل مستمر لمدة 14 شهرا حتى مارس / آذار 2012 حين بلغ 15 مليارا و119 مليون دولار ، أي أقل من النصف .
وكان المجلس العسكري قد بدأ التفاوض مع بعض المؤسسات الدولية، خلال عام 2011 للحصول على قروض منها، لكن صندوق النقد الدولي طلب منه إعداد خطة للإصلاح حتى يوافق على إقراضه، وهي الخطة التي أعلنها المجلس بالفعل فى مارس/ آذار 2012 ، لكن تيارات شعبية رافضة للاقتراض من الصندوق تسببت في تأجيل الاتفاق .
وتمت الاستعاضة عنه بخفض البنك المركزي نسبة الاحتياطي القانوني من الودائع بالعملة المحلية من 14 % إلى 12 % ، وهو ما وفر حوالي 20 مليار جنيه للبنوك، تعادل قيمة القرض المقترح من الصندوق ليتم ضخها فى أوجه النشاط الاقتصادي .
ورغم حصول المجلس العسكري على منحة بقيمة نصف مليار دولار من السعودية بالربع الثانى من عام 2011، ومنحة أخرى من قطر بقيمة نصف مليار دولار بالربع الرابع من نفس العام، إلا أن الاحتياج للنقد الأجنبي كان أكبر من ذلك.
قروض وسندات وتصرف بالأرصدة الدولارية
ومن هنا وبعد بلوغ الاحتياطي من العملات الأجنبية أدنى مستوى له فى مارس / آذار 2012، والذي لم يكفي لواردات ثلاثة أشهر، فقد لجأ المجلس العسكري للسعودية للحصول على وديعة دولارية منها بقيمة مليار دولار ، كما أصدر سندات بقيمة نصف مليار دولار؛ الأمر الذي مكّن من إيقاف نزيف الاحتياطي من العملات الأجنبية وتماسكه، حيث زادت في شهر أبريل / نيسان بقيمة 94 مليون دولار ، وفي الشهر التالى بقيمة 302 مليون دولار، وفى شهره الأخير بالحكم بقيمة 19 مليون دولار .
حدث ذلك نتيجة حصول المجلس العسكرى خلال فترة توليه على قروض من عدة جهات، أبرزها 398 مليون دولار من البنك الدولي و292 مليون من صندوق النقد العربي، و148 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقى و48 مليون من صندوق "أوبك"، و32 مليون دولار من الصندق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، و16 مليون من البنك الإسلامى للتنمية و15 مليونا من برنامج تمويل التجارة العربية، و3.5 مليون من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، بخلاف زيادة أرصدة القروض من الكويت بقيمة 144.5 مليون دولار ، والسعودية بقيمة 34 مليون دولار.
ولم تكن القروض التي حصل عليها هي الوحيدة المسببة لتلك الزيادة بالاحتياطيات، والبالغة 415 مليون دولار خلال الربع الثاني من عام 2012، حيث اتجه المجلس العسكري للحصول على الأرصدة الدولارية بالجهاز المصرفي؛ مما تسبب فى انخفاض أرصدة صافي الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفي بقيمة 22.916 مليار دولار، ما بين يناير/ كانون ثان 2011 حين بلغت 48.9 مليار دولار ونهاية يونيو / حزيران حين بلغت 26 مليار دولار .
سياسة الأرض المحروقة قبل انتخابات 2012
وهكذا ترك المجلس العسكري للرئيس محمد مرسي احتياطي من العملات الأجنبية بقيمة 15.534 مليار دولار، مما يعنى استنزافه 19.473 مليار جنيه خلال سبعة عشرة شهرا قضاها بالحكم، أى بمتوسط شهري للنزيف بلغ 1.145 مليار دولار، ولأن هذا الاحتياطي يغطي أقل من ثلاثة أشهر من الواردات السلعية والخدمية حينذاك، فقد استمر التصنيف المتدني لمصر لدى وكالات التصنيف الثلاثة البارزة "ستاندر أند بورز " و"موديز" و"فيتش" .
من هنا مهّد المجلس بما يشبه "سياسة الأرض المحروقة" للرئيس الجديد القادم، حيث لا يطمئن الموردون لما تحتاجه البلاد من سلع خارجية بسبب ضعف الاحتياطي، وبالتالي سيتشددون فى شروط السداد، كما كان يصعب اللجوء لأسواق التمويل الدولية بسبب تدني التصنيف الائتماني .
وربما يقول البعض: إن المجلس العسكري قد ترك الحكم وأرصدة الدين الخارجي أقل مما كانت عليه عند توليه بنحو 692 مليون دولار، لكن هؤلاء يتناسون مقابل ذلك استنزاف الاحتياطيات بنحو 19.5 مليار دولار ، والحصول على معونات بقيمة 1.3 مليار دولار من السعودية وقطر والولايات المتحدة والصين وألمانيا واليابان وسويسرا وكندا، ونقص صافي الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفي بقيمة 22.9 مليار دولار .
وذلك بخلاف الموارد الدورية التى تحققت خلال فترة توليه، مع بلوغ تحويلات العاملين بالخارج خلال العام والنصف 24 مليار دولار ، وبلوغ حصيلة السياحة بنفس الفترة 13 مليار دولار ، وصافي الاستثمار الأجنبي المباشر 3.9 مليار دولار و39.4 مليار دولار من الصادرات السلعية و29.7 مليار دولار من مجمل الصادرات الخدمية.
ورغم ذلك فقد أسفر الميزان الكلي للمدفوعات خلال عام ونصف من توليه عن عجز بلغ 21.6 مليار دولار ، حيث بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي خرجت من مصر فى فترة توليه 12 مليار دولار، كما شهد الربع الأول من عام 2011 للمرة الأولى صافي سالب للاستثمار الأجنبي المباشر ، حين زادت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من البلاد عن قيمة الاستثمارات الداخلة بقيمة 164 مليون دولار .
وتكرر الأمر باستثمارات الحافظة للأجانب بمصر أو ما يسمى بالأموال الساخنة، والتي حققت تدفقا سلبيا متجها للخارج 12.1 بقيمة مليار دولار خلال فترة تولي المجلس العسكري .
زيادة الدين الداخلي وارتفاع أقساط الخارجي
ولم يكتف المجلس العسكري باستنزاف الاحتياطي من العملات الأجنبية؛ بمبرر الدفاع عن سعر الصرف وتلبية الاحتياجات السلعية المستوردة للمصريين، وسداد أقساط وفوائد الدين الأجنبي، بل توسع بالاقتراض الداخلي أيضا، حيث زاد الدين العام المحلي بفترة توليه بقيمة 276 مليار جنيه، بمتوسط أى بمتوسط شهري 15.3 مليار جنيه.
ولم يكتف بذلك بل قام بالتوسع فى طبع النقود بقيمة 51.3 مليار جنيه بنسبة نمو 33 % للنقد المصدر، بمتوسط شهرى 3 مليارات جنيه.
كما قام بزيادة أعداد العاملين بالجهاز الإداري للدولة، الأمر الذى تسبب فى زيادة مخصصات الأجور بالموازنة العامة، إلى جانب زيادة مخصصات فوائد وأقساط الدين بالموازنة، وبلوغ قيمة العجز الكلي بالموازانة 166.7 مليار جنيه خلال العام المالى 2011/ 2012 ، ومن ثم تمت إضافته للدين الحكومي الضخم ؛ الأمر الذي أدى لصعوبة الوفاء بمخصصات الاستثمارات الحكومية، سواء بفترة توليه أو بفترات من سيأتي بعده، بسبب ضخامة النصيب النسبي لمخصصات فوائد وأقساط الدين الحكومي من إجمالي الإنفاق، والتى تنال الأولوية على حساب الاستثمارات الحكومية في مجالات الصحة والتعليم والبنية الأساسية والإسكان .