3 اتجاهات | كيف تناول الإعلام العربي ذكرى "رابعة" هذا العام؟
الخميس - 15 آغسطس 2024
- صحف القاهرة تتبنى الخطاب المعادي والمشوه للإخوان بنفس مفرداته منذ 11 عاما
- الصحف العربية المحايدة ركزت على فكرة إفلات الجناة من المحاكمة وغياب العدالة
- إعلام المعارضة عكس توجهات الإخوان بالإبقاء على الحالة الثورية والقصاص للضحايا
إنسان للإعلام- خاص:
أحد عشر عاما على مذبحة رابعة، التي فقد فيها مواطنون مصريون حياتهم ثمنا لحماية اختيارهم الديمقراطي، ودفاعا عن حرية هذا الاختيار، في حين رأى من قاموا بالمذبحة ومن فرحوا بها أن الديمقراطية والحرية خطر على مصالحهم وفضح لفسادهم، ورأت فيه قوى إقليمية خطرا على مصالحها، وتهديدا للكيان الصهيوني المحتل لفلسطين.
وكان هذا البعد الأخير هو ما جعل القوى العالمية تتغاضى عن المجزرة، وتتعامل مع قائد الانقلاب على أنه صاحب سلطة شرعية!
أما تعامل الإعلام مع كل تلك الأبعاد، فقد تشعب بين منتقد لما حدث ورافض له، وخصوصا إعلام المعارضة، ومؤيد بشدة لأحداث الفض وما صاحبها من مجازر، وهذا ينطبق على الإعلام المصري الرسمي وشبه الرسمي والإعلام العربي، باستثناءات قليلة، وهناك إعلام محايد ناقش فكرة غياب العدالة في قضية رابعة وإفلات الجناة من المحاكمات، في حين يحاكم الضحايا.
مايهمنا في هذا التقرير هو إلقاء الضوء على مسارات الإعلام المصري والعربي – بكل ألوان طيفه- في تناول مجزرة رابعة هذا العام، بعد مرور أكثر من عِقد على وقوعها، مع رصد توجهات هذا التناول.
الإعلام المصري يتبنى رواية الأجهزة "السيادية"
الإعلام المصري لم يغير من أجندته المعبأة بكثير من المغالطات والأكاذيب بشأن المذبحة، حيث تبنى من اللحظة الأولى، وإلى اليوم، رواية الداخلية والجيش والجهات الرسمية، التي تتهم جماعة الإخوان المسلمين، المكوّن الأكبر في اعتصام رابعة، بالإرهاب والدموية وفرض القوة ومحاولة "اختطاف مصر"..هكذا!
ومن نماذج هذا التعامل الصحفي ما نشرته صحيفة "الوطن" المصرية، في 14 أغسطس 2024 بعنوان "حتى لا ننسى.. أكاذيب الإخوان وتاريخ جماعة الدم" تقريرا كتبه "محمد أباظة"، زعم فيه أن «الأكاذيب والدم» كان عنوان عام حكم جماعة الإخوان التي وصفها بـ"الإرهابية".
واعتبر أن سنة حكم الرئيس المنتمي للإخوان كانت "الفترة الأصعب على تاريخ مصر "، ومرت بها أحداث "كان هدفها تقسيم الشارع إلى أطراف متفرقة، وفرض القوة والإرهاب على الوطن، واستخدام الأكاذيب وسيلة لذلك".
وعدّد الكاتب جرائم "متخيلة" للإخوان، منها على سبيل المثال: استخدام الأسلحة البيضاء لمواجهة الأمن من منع فض اعتصام رابعة، فضلًا عن أحداث بين السرايات التي نتج عنها 23 قتيلًا وإصابة 220 آخرين، بخلاف أحداث المنيل وسيدي جابر ومصرع 6 أشخاص وإصابة 30 آخرين، واشتباكات مسجد القائد إبراهيم ومقتل 5 وإصابة 72.
وقال: "في أغسطس 2013 حاصر الإخوان مسجد الفتح، وعطّلوا خطوط مترو الانفاق لإحداث شلل مروري".
وهنا نلاحظ الخلط المتعمد للأحداث، فمثلا حادث مسجد الفتح وقع بعد رابعة وليس قبلها، ورغم ذلك، صور الكاتب أن مثل هذا الحادث كان سببا من أسباب الفض.
كما أن "الأسلحة البيضاء"-إذا صحت روايته- لا تستدعي استخدام القوة المفرطة ومن السهل التعامل معها في فض الاعتصام السلمي باعتراف كل من حضره او زاره من المحايدين.
هنا يتضح أن التعامل الإعلامي من الصحف الموالية للانقلاب اعتمد فقط على جانبين: الأول التشويه لفصيل وطني مصري، والثاني تبرير التعامل بقسوة شديدة أومميتة مع المتظاهرين.
كذلك نشرت صحيفة "الأسبوع"، يوم 14 أغسطس 2024 تقريرا بعنوان: "11 عامًا على أحداث اعتصام رابعة المسلح.. الحقائق الدامغة تكشف الأباطيل والأكاذيب"،
اعتمد كاتبه بشكل أساسي على كلام لمصطفى بكري، رئيس تحرير الجريدة، وعلى تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس القومي لحقوق الإنسان، واختار منه كاتب التقرير الجوانب السلبية فقط التي تضع "الإخوان" في دائرة الاتهام.
زعم بكري "فشل جميع محاولات الفض السلمي للاعتصامين"، وأن المعتصمين هم من "اعتلوا أسطح عقارات رابعة العدوية وأطلقوا الرصاص على قوات الأمن"!!
وتوسع التقرير في عرض فقرات انتقائية" من تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي شكلته سلطة الانقلاب، واعتمد بشكل أساسي على بيانات وزارة الداخلية التي قامت بالفض مع قوات من الجيش.
بهذا، تعمد تقرير "الأسبوع" توجيه الاتهامات للمجني عليهم والضحايا، في حين برأ الجناة، وهو أسلوب لا يتسم بأية عدالة أو نزاهة.
كما اعتمد بشكل أساسي على فكرة "التبرير" لما حدث من خلال اتهام المتظاهرين بالعنف، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعته صحيفة "الوطن".
ويمكن تفسير هذا السلوك الإعلامي بأن هذه الصحف تأخذ كل المضامين من الجهات المخابراتية والأمنية التي تعتمد رواية أحادية معادية للإخوان بطبيعة الحال، وبالتالي لا يمكن اعتبار ماتنشره عملا مهنيا.
هكذا تعامل الاعلام المحايد مع ذكرى المذبحة
إذا انتقلنا إلى الإعلام "المحايد" أو القريب من المهنية، سنجد الرواية مغايرة، فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة "العربي الجديد" تقريرا في 14 أغسطس 2024 بعنوان: "مذبحة رابعة: 11 عاماً دون تحقيق العدالة والمسؤول عن التحقيق أصبح مديراً لمكتب السيسي"، قالت فيه: "دخلت قضية فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة المعروفة باسم "مذبحة رابعة"، عامها الثاني عشر، دون تحقيق العدالة لمئات الضحايا الذين سقطوا في العملية العسكرية" أضافت: "رغم تكليف "لجنة قومية لتقصي الحقائق" في الأحداث، لم تنشر حتى الآن تفاصيل تقريرها التي قدمته لرئيس الجمهورية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ولم تكشف إلا عن ملخص تنفيذي له في مؤتمر صحافي روجت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة المصرية بعضَ تفاصيله التي تدين المعتصمين".
تابعت: "وعلى الرغم من عدم نشر تفاصيل تقرير اللجنة التي تشكلت بقرار جمهوري ، إلا أن ما تسرب من ذلك التقرير يؤكد على خمس حقائق رئيسية، وفق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي: استخدام الذخيرة الحية بشكل عشوائي وغير متناسب، واستبعاد بدائل الفض بخسائر بشرية أقل على أساس حجج واهية، ورغم وجود بدائل أخرى، وأن غالبية القتلى من المعتصمين السلميين ومن المدنيين الأبرياء، وأن "الممر الآمن" لم يكن ممراً ولا آمناً، وضرورة تشكيل لجنة قضائية للتحقيق واستدعاء الشهود ممن عاصروا هذه الأحداث ومن المسؤولين عنها، وهو ما لم يحدث حتى اليوم."
أكدت أنه "بعد مرور 11 عاماً على "مذبحة رابعة"، لم يتم تقديم أي مسؤول حكومي سواء عسكري أو مدني إلى المحاكمة، بل على العكس فقد حوكم المئات من المعتصمين في محاكمات غابت عنها معايير النزاهة القضائية بشهادة العديد من المنظمات الحقوقية".
هذا التناول ركز على غياب العدالة وعدم محاسبة الجناة، وأظهر مدى الظلم الواقع على الضحايا ومحاكمتهم بدلا من القتلة والمجرمين.
وبالمثل، نشرت صحيفة "عربي 21" تقريرا في 13 أغسطس 2024 بعنوان: "11 عاما على مذبحة رابعة.. هل من طريق لتحقيق العدالة الغائبة؟"، وجاء فيه أن "الذكرى الحادية عشر للمذبحة تأتي بعد استشهاد الالاف في أقل من أربع وعشرين ساعة من المصريين بدم بارد على يدي قوات الانقلاب٬ ووجود عشرات الالاف من المعتقلين السياسيين في السجون المصرية٬ حيث برأ الانقلاب العسكري نفسه وحاكم الضحايا في محاكمات مسيسة جائرة غابت فيها شروط المحاكمة العادلة.
أضاف:"لم تقتصر المذابح على ميدانين فقط٬ فقد استخدم الانقلاب هذه السياسة ضد المتظاهرين الذي خرجوا للتعبير عن رفضهم وغضبهم بسلمية في عدد كبير من الميادين في محافظات مصر المختلفة".
وأكد أنه "منذ آب/ أغسطس 2013، استمرت قوات الانقلاب المصرية في ارتكاب انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان دون مساءلة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية المتكررة، والإخفاء القسري، وتعذيب النشطاء السياسيين أو المشتبه بهم، وكذلك المواطنين العاديين، بذريعة مكافحة الإرهاب"، كما "أجبر العديد من المعارضين على مغادرة البلاد هربًا من انتهاكات الحكومة، حيث استخدمت السلطات أساليب مثل رفض إصدار أو تجديد وثائق هوياتهم للضغط عليهم للعودة إلى ما قد يؤدي إلى اضطهاد شبه مؤكد في مصر".
بالتالي ركزت "عربي 21" على فكرة غياب العدالة، كما هي معالجة "العربي الجديد"، لكنها تحدث بشكل أكثر تفصيلا عن الظلم الذي وقع على الضحايا في رابعة ومحاكمتهم ظلما بد من إعطائهم حقوقهم والانتصار للعدالة، وعن الانتهاكات الممنهجة والمقصودة من سلطة الانقلاب.
ودعمت المقال بكثير من التدوينات والصور التي تصف ما حدث أو تتناول الظلم في الأحكام الجائرة بحق المتظاهرين وأسرهم الذين اتخذهم الانقلاب أسرى لديه لإجبار المعارضين على التخلي عن موقفهم أو تغيير آرائهم، ولم يسلم من ذلك المعارضون في الخارج.
كيف تعاطى إعلام المعارضة مع الذكرى؟
كانت المعالجة التي تبناها إعلام "الإخوان" والمعارضة لمذبحة رابعة هذا العام قريبة من رواية الصحافة المحايدة، فقد نشرت "بوابة الحرية والعدالة" المعبرة عن الحزب الذي أسسه الإخوان بعد ثورة يناير، تقريرا بعنوان: "#القاتل_واحد ناشطون: رابعة أخت غزة الفلسطينية وحلب السورية"، في 14 أغسطس 2024، ربط بين موقف الرئيس الشهيد محمد مرسي من غزة وسوريا وما حدث في رابعة.
وأعاد ناشطون التذكير بمقتل نحو 1104 مواطنين في مذبحة رابعة العدوية بشوارعها ومسجدها ومستشفياتها الثابتة والميدانية وبمذابح غزة التي لا تنتهي وضحاياها بالعشرات مثل مجزرة مدرسة التابعين أو في آلاف قتلهم بشار الأسد في مدن سوريا.
وعرض الموقع تغريدة لناشط تحت عنوان "القاتل واحد" قال فيها: "بالأمس قام بمذبحة (رابعة العدوية) القاهرة لأجل الرئاسة واليوم بتواطأ منه مذبحة رفح الغزاوية لأجل إسرائيل"
وفي تغريدة أخرى، قال أحمد الطحاوي: "رابعة العدوية المصرية هي أخت غزة الفلسطينية هي أخت حلب وحماة السورية.. القاتل واحد والمقتول واحد والسلاح واحد والمؤيد واحد والمعترض واحد .. #مذبحة_الفحر #لن_ننسى_رابعة".
وقال آخرون "إن ما يحدث الآن في غزة والسودان وغيرهما كان بدايته في رابعة ومن ذلك حساب خمسة بالمصري الذي قال "من هنا.. بدأ كل شيء".
ونلاحظ هنا أن التقرير اعتمد على تدوينات أشخاص من المجتمع العربي، ربما ليسوا من الإخوان المسلمين، وكثف فكرة الربط بين ما حدث في رابعة وما حدث في حلب السورية وما يحدث في غزة والسودان، والسبب أن القاتل واحد وهو الصهيونية العالمية والاستكبار الغربي ومعهم بعض القوى الإقليمية التي دعمت الانقلاب وتدعم الكيان الآن.
ومن زاوية تناول أخرى، نشر موقع "إخوان أنلاين: بيان لجماعة الإخوان المسلمين عن ذكرى الفض، كما نشر تقريرا لحركة "نساء ضد الانقلاب"، في 14أغسطس 2024، بعنوان "نساء ضد الانقلاب: جريمة مذبحة رابعة لا تسقط بالتقادم"، ومما جاء فيه: "تمر الذكرى الحادية عشرة على مذبحة فض رابعة العدوية والتي شهدها العالم لا تسقط بالتقادم في 14أغسطس 2013، وقام بها قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي وميليشياته، عقب الانقلاب على الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسى والذي استشهد داخل السجن جراء الإهمال الطبي المتعمد وهي جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
وهذا اليوم من كل عام يشهد على جرائم السفاح السيسي فقد سالت دماء الآلاف من الشعب المصري الذي قتلهم بدم بارد في ميداني رابعة العدوية والنهضة بحق الأبرياء ومنهم النساء والأطفال والفتيات".
فضلا عن أنه يعبر عن "المرأة"، كان واضحا في تقرير "نساء ضد الانقلاب" التركيز على فكرة أن "الجريمة لا تسقط بالتقادم"، و أن "هذا اليوم سيبقى شاهدا على اجرام رئيس الانقلاب وقتله للأبرياء في رابعة والنهضة وكل ميادين مصر.
وهكذا نرى التباين في المعالجة بين إعلام يعتمد التشويه والتبرير، وإعلام يرى غياب العدالة، وأخيرا إعلام يمثل طائفة من الشعب المصري برجاله ونسائه ما زالوا يصرون على مقاومة الانقلاب والتمسك بالحق في الحرية.