"طوفان الأقصى"... الإعلام المصري يعكس اضطراب الموقف السياسي
الأربعاء - 11 أكتوبر 2023
إنسان للدراسات الإعلامية- جهاد يونس:
مع بداية معركة طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر، ناشدت منصات دولية وأممية وقف الحرب وضبط النفس من الطرفين، وشاركت مصر أيضاً في هذه المناشدات العبثية لكن اللافت للنظر هو التصريح الأغرب من تحذير الحكومة المصرية لإسرائيل "من حدث كبير تخطط له حماس"، وهو ما دعا الكثيرين للتساؤل: في أي جانب بالتحديد تقف الحكومة المصرية من القضية الفلسطينية؟
نشرت "الجزيرة" عن "أسوشيتد برس" تجاهل "بنيامين نتنياهو" التحذيرات المصرية المتكررة والمعلومات الاستخباراتية عن الحدث الذي سيحدث من غزة، وهو ما أكدت علية الحكومة المصرية ونفاه مكتب نتنياهو في وقت لاحق.
وقالت تقارير إعلامية، نقلا عن موقع "يديعوت أحرونوت" إنه في أحد التحذيرات المذكورة اتصل رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل شخصيا بنتنياهو قبل 10 أيام فقط من الهجوم وحذره من أن المقاومة في غزة من المحتمل أن تقوم "بشيء غير عادي، عملية فظيعة". (الجزيرة: أسوشيتد برس: مصر حذرت إسرائيل من "حدث كبير" ونتنياهو تجاهل)، (الأناضول: نتنياهو ينفي تلقيه تحذيرات من مصر قبل الحرب مع غزة)
ومنذ اندلاع طوفان الأقصى قام السيسي بمكالمات لتهدئة الوضع وحث المجتمع الدولي على تهدئة الطرفين وضبط أذرعهم العسكرية، وتناولت الصحف ذلك التواصل الدولي بشيء من الحفاوة، وكأنما قام السيسي بدوره المطلوب في مناشداته بالتهدئة، برغم أنه عندما قصف الصهاينة معبر رفح وهدد قوافل الإغاثة من مصر لم يفتح فمه.
ونشرت "صدى البلد" العناوين التالية:
- السيسي يتابع الموقف العام للأحداث في غزة
- السيسي يُبلغ المجلس الأوروبي بضرورة حل الدولتين لوقف التصعيد في قطاع غزة
- التوصل لحل عادل.. السيسي ومحمود عباس يبحثان التصعيد الأمني والعسكري بين فلسطين وإسرائيل
- السيسي وأردوغان يحثان الفلسطينيين والإسرائيليين على الوقف الفوري للمواجهات والعنف
- السيسي وبن سلمان يدعوان لوقف المواجهات العسكرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين
- خفض التصعيد وحماية المدنيين .. تفاصيل اتصال هاتفي بين السيسي ومحمد بن زايد
- السيسي يشدد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وفقا لمرجعيات الشرعية الدولية
وفي رسالة تعبر عن توجهات مبدئية للنظام، قال الإعلامي أحمد موسى: "فين الواد الصهيوني ايدي كوهين وكمان أفيخاي ادرعي.. من ٥٠ سنة الجيش المصري العظيم سحق العدو الصهيوني وقطع ذراعه الطولي وأعدنا أسراهم بالبيجامات الكستور.. واليوم الشعب الفلسطيني يدافع عن أرضه ويصفع نتنياهو .. قلناها لن يكون هناك استقرار إلا بقيام دولة فلسطيني.(صدى البلد:رجعناهم بالكستور زمان.. أحمد موسى يتحدث عن طوفان الأقصى)
أهالي غزة وأمن مصر
ودعت حكومة الاحتلال في تصريح لها أهالي قطاع غزة للنزوح إلى سيناء فراراً بأرواحهم من صواريخ الاحتلال، فتناولت الصحف والقنوات المصرية التابعة للانقلاب تصريح الاحتلال بالرفض القاطع والمعارضة النارية المتوعدة، ومهاجمة جماعة الاخوان، مدعين أن تهجير أهالي غزة هي رغبة ومخطط الاخوان من البداية.
ظهر ذلك في "صدى البلد" بالعناوين التالية:
- توجهوا إلى تل أبيب بدلًا من سيناء.. أبوالعينين يوجه رسالة إلى الفلسطينيين..
- بكري: إذا كانت إسرائيل تخطط لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء فمصر لن تسمح
- مصادر رفيعة المستوى: سنتصدى بقوة لمساعي إسرائيل لتوطين أهالي غزة فى سيناء
- لا تهاون في الأمن القومي..رسائل قوية للرئيس السيسي بعد العدوان على غزة
وفي المصري اليوم: (خاخالد الجندي: كل المصريين يرفضون حل المشكلة الفلسطينية على حساب السيادة المصرية)
وفي موقع "فيتو": (مصطفى الفقي: مصر ستدفع الثمن حال توطين الغزاويين في سيناء)
وفي "الشروق": (عضو بالشيوخ: فكرة النزوح لسيناء يعرض مسار القضية الفلسطينية للخطر)
كما اتهمت تلك الصحف المرشح الرئاسي المغضوب عليه أحمد الطنطاوي، بأنه يدعم مخطط الاخوان المزعوم بعد مناشدته لفتح معبر رفح أمام الحالات الإنسانية من أهالي غزة. (صدى البلد: دعما لمخطط الإخوان .. حملة طنطاوي تدعو لفتح معبر رفح)
وعلى النقيض احتفت المواقع بالمرشح الرئاسي الآخر فريد زهران، عندما تضامن مع الشعب الفلسطيني وحقة في مقاومة الاحتلال! (المصري اليوم: تزامنا مع «طوفان الأقصى».. مرشح رئاسي محتمل يتضامن مع «الحق في مقاومة الاحتلال»)
فرصة لتصويب الاتهامات
ادعت الصحف الموالية للانقلاب أن هناك مخطط قديم للإخوان وفي مقدمتهم الرئيس محمد مرسي، "تضمن عرضا مشبوها بإسقاط ديون مصر من قبل واشنطن ولندن ودول بالاتحاد الأوروبي، مقابل توطين الفلسطينيين في سيناء".
كما نشرت "المصري اليوم":
- إبراهيم عيسى: توطين شعب غزة في سيناء فكرة صهيونية رفضها حكام مصر باستثناء «مرسي»
- سمير فرج: «مرسي اتفق مع إسرائيل على منح سكان غزة قطعة أرضًا من سيناء»
واليوم السابع:
- الإخوان وإسرائيل اختلفت الأسماء والمشروع الصهيوني واحد.. الإرهابية تستغل أحداث غزة للترويج لنزوح الفلسطينيين لسيناء.. الفكرة روجت لها تل أبيب 2008.. وعرضها المعزول مرسي على أبو مازن تحت مسمى صفقة القرن
- النزوح الفلسطيني إلى سيناء.. شيطان الإخوان يكمن فى التفاصيل.. دعوات الإرهابية تتبنى سيناريو غربي ـ إسرائيلي.. لقاء "كيري ـ مرسي" كشف ملامح المؤامرة فى 2013.. وتمسك القاهرة بـ"فلسطين التاريخية" ينسف المؤامرات
بعد ذلك ألحت الصحف وبرامج التوك شو على كراهية حماس، فنشرت المصري اليوم ما قاله تامر أمين «الناس فرحت مش لحماس، الناس فرحت في إسرائيل، وشافت إن ده عقاب إلهي يستحقونه نتيجة أفعالهم واحتلالهم واغتصابهم للأرض». وتابع: «حماس لها ما لها وعليها ما عليها، وإحنا شفنا تاريخنا مع حماس وتاريخ القضية الفلسطينية معاها، مفيش حد كامل ومكمل، كله عنده نواقصه... الشعب العربي يوم 7 أكتوبر فرح في إسرائيل مش لحماس».
ونقلت المصري اليوم: ("تامر أمين عن «طوفان الأقصى»: «الناس فرحت في إسرائيل مش لحماس»)
ونشرت الصحيفة نفسها ما قاله إبراهيم عيسى عن حماس في برنامج "حديث القاهرة": إن ما قامت به المقاومة الفلسطينية شيء بديع ومبهر وكسرت الكبرياء الإسرائيلي، لكنه وسط المقاومة قاموا بأعمال إرهابية عبر عمليات الأسر، وارتدت على شعب غزة على أنها أسلحة فاسدة انفجرت في وجه الشعب.
وأوضح «عيسى»، خلال تقديم برنامج «حديث القاهرة»، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أن هناك ارتباكًا إسرائيليًا واضحًا في التعامل مع الوضع تظهره التصريحات المتناقضة، مشددًا على أن حماس اختطفت القرار الفلسطيني والشعب يدفع الثمن. (المصري اليوم: إبراهيم عيسى: حماس اختطفت القرار الفلسطيني.. والشعب يدفع الثمن)، (عبر «طوفان الأقصى».. إبراهيم عيسى: حماس أنقذت نتنياهو)
التكلفة الباهظة للحرب
أشارت بعض الصحف أيضاً إلى التكلفة الباهظة التي ستخلفها الحرب على الاقتصاد العالمي خصوصاً الشرق الأوسط، فنشرت الأهرام أن المواجهات العنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين - التي اندلعت في غزة - تشكل تصعيداً خطيراً في المنطقة، سيكون له الكثير من التداعيات السلبية والأمنية والسياسية، ويتطلب ضرورة ضبط النفس من قبل الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، والتحرك العاجل من قبل المجتمع الدولي لاستعادة الهدوء، مشيرة إلى أن العنف والتصعيد لن يحققا أي أهداف، وإنما يطيلان من أمد الصراع ويزيدان من تكلفته الإنسانية والبشرية والاقتصادية الهائلة. (الأهرام: التصعيد بغزة يطيل أمد الصراع ويزيد تكلفته الإنسانية والاقتصادية)
ونشرت صحيفة صدى البلد تصريح السيسي المشابه. (السيسي: التصعيد الحالي خطير للغاية وله تداعيات قد تطول أمن واستقرار المنطقة)
أين رد الفعل المصري ؟
حرص السيسي على الظهور بمظهر القائد، من خلال متابعته لمجريات الأمور في غزة من داخل مركز إدارة الأزمات الاستراتيجي في العاصمة الإدارية، حسبما أعلن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية.
بعدها، حذّرت وزارة الخارجية من مخاطر التصعيد بين الجانبين، الذي من شأنه أن يؤثر سلبًا على مستقبل جهود التهدئة، داعية، في بيان، إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر.
مصدر حكومي على صلة بالملف الفلسطيني، قال لـموقع "مدى مصر" إن البيان صيغ بصورة تتفق مع المصالح المصرية مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، منوهًا إلى أن مصر لا يمكن أن تدعم تحركات لم يتم استشارتها بشأنها.
على الأرض، وفي الجانب المصري من الحدود، أعلنت محافظة شمال سيناء في ثاني أيام الحرب، رفع درجة الاستعداد بالمستشفيات والوحدات الصحية وغرف الطوارئ، بالإضافة إلى مرفق إسعاف شمال سيناء، مع استعداد مستشفيات المحافظة لاستقبال أي حالات إصابة من قطاع غزة، طبقًا لتوجيهات القيادة السياسية، وجهزت مصر قوافل إغاثية لدفعها للقطاع.
لكن سرعان ما تراجعت مصر في تقديم المساعدات الإغاثية، وأغلقت معبر رفح لأجل غير مسمى بعد قصف الاحتلال المعبر لثلاث مرات، وهو الممر الوحيد أمام سكان قطاع غزة الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، ويربط القطاع بمصر ويتم فتحه لمدة 5 أيام أسبوعيًا. (مدى مصر: توابع «طوفان الأقصى»: مصر تجهز مراكز إيواء شمال سيناء.. وتعليمات بتفادي التصعيد)، (إسرائيل تقصف معبر رفح.. ومصر تحذر من «النزوح الجماعي»)
وخلال قصف الاحتلال لغزة استشهدت سيدتان مصريتان في أثناء وجودهما بخان يونس جنوب قطاع غزة خلال القصف الإسرائيلي لقوات الاحتلال صباح الاثنين، حيث ذهبت هويدا خليل الدسوقي موظفة بإدارة عين شمس التعليمية، لفلسطين لتقديم واجب العزاء في وفاة زوج شقيقتها حياة خليل الدسوقي.(القاهرة 24: استشهاد شقيقتين مصريتين خلال القصف الإسرائيلي على قطاع غزة)
كما استشهدت سيدة مصرية مسنة كانت صحبة نجلها في زيارة لأهل زوجته الفلسطينية داخل القطاع، عندما سقطت على منزلهم قذيفة توفيت السيدة بسببها في حين أصيب نجلها "عبدالله محمد أحمد"وطفليه بإصابات متوسطة، وما زال حتى اليوم يناشد السلطات المصرية إعادته بعد أن فقد كل شئ. وحتى الآن لم يصدر أي رد فعل رسمي من الحكومة المصرية على مقتل السيدتين!
هكذا يبدو الموقف المصري متخاذلا حد التواطؤ، ويسير الإعلام على نفس الموجة، مبررا كل تصرفات النظام الصادمة للرأي العام.