الإعلام "شاهد زور" بامتياز .. هكذا برّر بيع تيران وصنافير قبل 6 سنوات

الثلاثاء - 13 يونيو 2023

  • حاول إقناع المصريين أن الجزر سعودية لقاء تمرير صفقة الـ 16 مليار دولار
  • يحاول حاليا تشتيت الانتباه بمزاعم أن مرسي "حاول" بيع حلايب وشلاتين
  • "عادت الوديعة إلى أهلها".. مانشيت الأهرام والأخبار والجمهورية بعد التنازل
  • "موسي" راهن بمليون جنيه على سعوديتهما و"بكري" ألف كتابا ليؤكد ذلك!

 

إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:

قبل 6 سنوات، وتحديدا في يوم 14 يونيو 2017، وافق البرلمان المصري على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين لصالح المملكة العربية السعودية، في استجابة مريبة لصفقة أبرمها قائد انقلاب مصر العسكري، عبد الفتاح السيسي، مع المسئولين بالسعودية دون علم الشعب، مقابل اتفاقيات تمويلية، بين منح واستثمارات، بقيمة 16 مليار دولار .

وافق البرلمان (الذي شكلته المخابرات بعناية ولم يكن ممثلا للشعب) في ذلك اليوم على هذا التنازل الفضيحة، وطبل إعلامه لهذه الجريمة المصنفة وفق الدستور المصري بوصفها "خيانة"، ثم صادق السيسي عليها بعد عشرة أيام.

شارك إعلام السلطة في الجريمة وسوّغها في محطتيها الأولى (البرلمان) والثانية (مصادقة السيسي)، بما يمثل نموذجا واضحا للحالة التي وصل لها بعدما أصبح ألعوبة في يد السلطة، يسير أينما توجهه.

حاولت الصحف المصرية، بكل ما أوتيت من قوة، إقناع المصريين بأحقية السعودية بامتلاك جزيرتي تيران وصنافير.

ولم يكن مستغربا حينئذ أن يشهد منزل سفير السعودية وجودا شبه دائم لإعلاميي السلطة، ربما لقبض الثمن، حتى أن الصحف نشرت صورة لبعض هؤلاء الإعلاميين الذين أيدوا تنازل مصر عن الجزر للسعودية وهم يصلون خلف السفير، في لقطة موحية.

ومع اقتراب ذكري التنازل عن تيران وصنافير هذا العام، لجأ إعلام السلطة إلى حيلة خائبة هي إلهاء المصريين بقصص أخري عن أن السيسي أنقذ حلايب وشلاتين من أن يبيعها الرئيس الراحل مرسي!

مذيع السلطة، محمد الباز، زعم في حلقة برنامجه يوم 10 يونيو 2023، أن السيسي أنقذ حلايب وشلاتين من البيع للسودان، وقال لـ مرسي: "أرض مصر مش للمجاملة ومش هنفرط فيها!!"

وهي قصة كاذبة قديمة سبق أن كررها إعلام السلطة، لكن توقيت إعادة الكلام عنها ارتبط بذكري التنازل عن تيران وصنافير، للتشويش على فضيحة خيانة السيسي بادعاء أن مرسي كان سيفعل شيء لم يحدث أصلا!

مرسي رفض المساومة

وقد كشف حاتم عزام، نائب رئيس حزب "الوطن"، خلال اتصال هاتفي على قناة "الشرق"، 10 أبريل 2016، أن أحد الوزراء في حكومة الدكتور هشام قنديل، في عهد الرئيس محمد مرسي، رفض ذكر اسمه، لأنه اعتزل السياسة نهائيا بعد الانقلاب، كشف عن رفض مرسي التنازل عن الجزيرتين للسعودية.

أوضح عزام أنه خلال زيارة وفد سعودي لمصر، اقترح مرسي عليهم إنشاء الجسر البري الذي يصل بين مصر والسعودية، والذي رفض مبارك من قبل فكرته بسبب اعتراض إسرائيل، إلا أن الوفد السعودي طلب من مصر التنازل عن جزيرتا تيران وصنافير مقابل هذا الجسر. وتابع: "مرسي رفض رفضا قاطعا هذا الأمر ، مشيرا إلى أنه ليس من حقه التنازل عن شبر من تراب وطنه.

 وأكد عزام أن ذلك الوزير ليس تابعا لجماعة الإخوان المسلمين، موضحا - بعد سرده لهذا الموقف- أن مرسي كان رجلا شريفا ولم يفرق في حقوق مصر التاريخية.

وخلال لقاء سابق له على قناة الجزيرة الإخبارية قال الرئيس مرسي: "إن أرض مصر حرام على غير المصريين، رافضا التفريط في حبة رمل من أرض مصر".

وكانت تصريحات الرئيس مرسي على خلفية اتهامه آنذاك من إعلام العسكر، بأنه يبيع مصر لقطر، وهي الاتهامات التي ثبت زيفها عقب الانقلاب العسكري.

متى بدأت قصة الخيانة؟

تقع جزيرة تيران في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، على مسافة 6 كيلو مترات من ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحة الجزيرة 80 كيلو مترا مربعا، بينما جزيرة صنافير تقع شرق مضيق تيران، وتبلغ مساحتها 33 كيلو مترا مربعاـ وكانت إدارتهما مصرية.

بدأ التنازل عن الجزيرتين باتفاقية وقعها نظام السيسي مع السعودية في أبريل عام 2016 لترسيم الحدود البحرية، جعلت تيران وصنافير مملوكة للسعودية، ما أثار حملة غضب ودشن مغردون على "تويتر"، هاشتاج "عواد باع أرضه"، واتهموا السيسي بالخيانة.

قدم مواطنون ومحامون دعاوى أمام محكمة القضاء الإداري منذ ذلك الحين لإلغاء الاتفاقية، وصدر الحكم من قبل القاضي المستشار يحيى الدكروري، في 21 يونيو 2016، بمصرية الجزر ومن ثم بطلان اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.

ونص الحكم أيضا على أن تستمر السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين المتحكمتين في مدخل خليج العقبة.

وطعنت الحكومة على هذا الحكم، فأعادت النظر فيه المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، وصدر حكم بات ونهائي، في يناير 2017، من القاضي المستشار  أحمد الشاذلي نائب رئيس مجلس الدولة المصري بمصرية الجزيرتين، وهو ما دفع السلطة للتحاليل عبر المحكمة الدستورية ومحكمة الاستئناف؛ لينتهي الأمر باعتراف قضاة السيسي أن الجزر سعودية، ثم موافقة النواب عليها في يوم 14 يونيو 2017 وتصديق السيسي عليها في 24 يونيو 2017.

سوغ قضاة الانقلاب في المحكمة الدستورية للسيسي البيع وشرعنوه عبر لعبة تحايل قانونية لإجهاض حكم المحكمة الإدارية العليا، الذي صدر في أبريل 2017، الذي أصدره المستشار يحيي دكروري نائب رئيس مجلس الدولة ببطلان اتفاقية "تيران وصنافير" والتي تنتقل بمقتضاها الجزيرتين للمملكة، فألغوا الحكم.

 ثم قضي قضاة محكمة الأمور المستعجلة الذين عينهم السيسي بسقوط أسباب حُكم القضاء الإداري الذي يمنع التنازل عن الجزر، وصدق السيسي على التنازل يوم 24 يونيو 2017.

وكان "ثمن الخيانة" المدفوع هو تعيين رئيسي المحكمة الدستورية، الذين أيدوا بيع الجزر، في منصبي رئيسي مجلس النواب والشورى!!.

عادت الوديعة إلى أهلها!!

وقعت الحكومة المصرية اتفاقية "بيع الجزيرتين" يوم 10 أبريل 2016، وبدأ على الفور تسويغ الإعلام للتنازل عن الجزيرتين، حيث صدرت الصحف في اليوم التالي (11 أبريل 2016) تزعم في مانشيتات عريضة: "عادت الوديعة إلى أهلها"، ونقلت عنها الصحف السعودية في سعادة بالغة.

 افتتاحية صحيفة "الأهرام"، في ذلك اليوم كانت بعنوان يقول: "وعادت الوديعة إلى أهلها"

بررت التنازل بأنه "ضمن التنسيق مع الأشقاء العرب، كان طلب السعودية من مصر رسميا عام 1950 خضوع الجزيرتين للسيطرة المصرية؛ بسبب ضعف البحرية السعودية آنذاك، وعدم قدرتها على الدفاع عنهما في مواجهة إسرائيل".

وأضافت "الأهرام" أنه "بعد حرب 1967 احتلت إسرائيل الجزيرتين حتى خاضت مصر حرب أكتوبر، وأبرمت اتفاقيات "كامب ديفيد" مع إسرائيل لتستعيد الأراضي المحتلة، ومنها جزيرتا تيران وصنافير، ولكن وفق ترتيبات خاصة".

زعمت الصحيفة أن: "مصر لم تتنازل عن شبر واحد من أراضيها تحت أي ظرف من الظروف، لكن من غير المعقول أن نحرم أشقاءنا أيضا من التمسك بأرضهم التي تثبت كل الوثائق حقهم فيها"!!.

أيضا نقلت "الأهرام" عن مؤرخين وخبراء عسكريين تأكيدهم أن "مصر لم تبع جزيرتى تيران وصنافير، أو تتنازل عنهما للسعودية، بل إن ما حدث عبارة عن "رد الوديعة لأصحابها"، وأنه لم يكن هناك نزاع بين البلدين على أحقية ملكيتهما للجزيرتين، فضلا عن أن كل ما يتم تداوله في وسائل الإعلام يتنافى مع الحقائق التاريخية والعملية، بحسب "الأهرام".

وذلك رغم أن نفس الصحيفة (الأهرام) كتبت في مانشيت عدد 19 يناير 1982: "رفع العلم المصرى على تيران وصنافير"، مؤكده مصريتها.

هكذا عالجت الصحف قضية تيران وصنافير في عهدين مختلفين

 

ونقلت صحيفة "المصري اليوم" تصريحات لمساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق، أحمد القويسني، قال فيها إن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان، وإنهما وديعة لدى مصر، وفقا للقانون الدولي، ومعايير تقسيم الحدود البحرية"

ونقلت صحيفة "الشروق" عن وزير الخارجية السعودي وقتها، عادل الجبير، قوله خلال لقائه عددا من رؤساء تحرير الصحف المصرية: "إن جزيرتي صنافير وتيران سعوديتان، ومصر طلبت حمايتهما فوافقنا ثم طلبنا عودتهما فوافقت"، مشيرا إلى أنه لا توجد وثيقة مصرية تتحدث عن مصرية الجزر"، على حد قوله.

وآثرت صحيفة "الوطن" أن تنشر مخاطبات وزارة الخارجية المصرية عن الجزيرتين، مؤكدة أن "مصر سيطرت على الجزيرتين بمباركة سعودية عام 1950"

وروجت "اليوم السابع"، 11 يونيو 2017، للتنازل بدعاوي حكومية أن نقل ملكية الجزيرتين للسعودية لا يعنى أن مصر تنازلت عنهما، ولكنه بمثابة رد الحق لأصحابه، وأنه الاعتراف بسيادة المملكة على الجزيرتين يدعمه مبدأ دولي، وهو أن الإدارة لا تكسب السيادة، ولو طالت.

 زعمت أنه "إذا لم يوافق البرلمان على اتفاقية تعيين الحدود، فليس من المستبعد أن تقدم السعودية شكوى دولية ضد مصر لتعيين وترسيم الحدود البحرية بينها وبين مصر، ومن المؤكد أن مصر ستخسر القضية"، وفق الصحيفة.

وحينما حاول مسلسل المخابرات (الاختيار 3) الترويج لمنع السيسي الإخوان من بيع سيناء سخر منه مصريون على مواقع التواصل وقالوا إنه باع تيران وصنافير وتنازل لأثيوبيا عن نهر النيل!! (تويتر)

إعلاميو السلطة يبررون 

كان إعلاميو السلطة هم صوتها الذي سعي لإقناع المصريين أن ما جري ليس بيعا أو تنازلا وإنما رد الحقوق لأهلها كما زعم أحمد موسي والديهي وبكري وغيرهم.

لم يكتف أحمد موسي وقتها بدعم قرار البيع بل انتقد أحكام القضاء التي صدرت تعتبر البيع غير قانوني وأن تيران وصنافير مصريتين، بل هدد في يوم الحكم التاريخي لمحكمة القضاء الإداري، 16 يناير 2017، بالتهديد بلجوء السيسي للأمم المتحدة لإبطال حكم القضاء المصري!!

ثم عاد ودافع عن سعودية تيران وصنافير بما وصفه بـ"الخرائط والوثائق،" حيث قال في برنامجه بقناة صدى البلد، بتاريخ 16 يناير 2017: "أنا أتمنى أن تكون تيران وصنافير مصرية ولكن بالوثائق والخرائط فالأمر ليس كذلك"!.

أيضا أصدر الصحفي مصطفى بكري، الذي سبق أن نشرت وثائق ويكليكس حصوله علي أموال من السعودية، كتابًا بعنوان «تيران وصنافير.. الحقيقة الكاملة»، يتناول فيه أزمة تبعية الجزيرتين ويؤكد أنهما سعوديتان!

وقد تقدم المحامي عمرو عبد السلام، في يناير 2017، ببلاغين للنائب العام ضد كل من مصطفى بكري وأحمد موسى، لاتهام الأول بتأليف كتاب يثبت فيه ملكية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بينما الثاني لاتهامه بالتنصل عن دفع مليون جنيه في حالة إثبات مصرية الجزيرتين.

الرافضون في مرمى الهجوم

وحين بدأ الحديث عن التنازل عن الجزر لأول مرة عام 2016، كانت بعض الصحف الخاصة لا تزال بعيدا نسبيا عن تبعية المخابرات التي اشترتها لاحقا أو دجنتها بالترهيب لتشير في ركاب "الإعلام المخابراتي"، حيث هاجمت تلك الصحف في ذلك الوقت اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية الممهدة للتنازل عن الجزيرتين.

ساعتها كثف صحفيون بتلك الصحف انتقاداتهم لتنازل الحكومة عن الجزر للسعودية، وشاركهم كتاب حكوميون أبرزهم أحمد السيد النجار رئيس مجلس ادارة الاهرام، الذي شدد على أن الجزر مصرية، فيما انبرى كتاب آخرون مؤيدون للحكومة في الدفاع عن احقية السعودية بالجزر. حينئذ أصدر برلمان السيسي بيانا يوم 14 أبريل 2016 يهاجم الإعلام ويتهمه بتشويه صورة الرئيس والجيش.

واتهم رئيس مجلس النواب المصري حينئذ علي عبد العال، "مجموعة من وسائل الإعلام المختلفة"، بتوجيه النقد إلى المجلس وأعضائه، والرئيس والجيش، بسبب تنازل الحكومة المصرية عن ملكية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، زاعما أن "ذلك خارج حدود القانون ويتجاوز حدود حرية الرأي والتعبير". وزعم أن "رئيس الجمهورية والجيش تعرضوا لهجوم غير مبرر من قبل وسائل إعلام مختلفة"

أيضا هاجم السيسي الصحفيين ومواقع التواصل، مشيرا لقدرته علي احتلال فيس بوك بكتيبتين من الجيش، بحسب تعبيره، "يقولوا ما يشاء النظام"، وهو ما فعله لاحقا.

وكانت كلمة السيسي مقدمة أو طلقة البداية لعملية تدجين الإعلام وانطلاق إعلام السلطة، خاصة الصحف الحكومية والفضائيات، في حملة للدفاع عن التنازل عن الجزر ونفي أن "عواد باع أرضه" وتسويغ الخيانة بالتنازل عن الجزر.

منذ ذلك الحين تعاونت الصحف الخاصة مع الحكومية للدفاع عن التنازل عن الجزر وعن قرار مجلس النواب، واحتفت بقرار البرلمان الخياني بالتنازل عن الجزر.

صحف وصحفيون ضحايا

مقابل صحف وصحفيون باعوا أنفسهم لتسويغ ملكية الجزر للسعودية وادعاء أنها ليست مصرية، كان هناك صحفيون وصحف ضحايا لهذه الجريمة.

صحيفة "المصري اليوم" الخاصة كانت (قبل سيطرة العسكر علي خطها التحريري حاليا) ضحية اتفاق "تيران وصنافير"، بعدما أوقفت جهات رقابية طباعتها لحين تغيير المانشيت الرئيسي الذي اعُتبر مسيئا للسيسي والملك سلمان بسبب الجزر، ولذلك بدأت تتخذ موقفا داعما للسلطة تدريجيا.

ومن الضحايا الصحفي أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة الأهرام، الذي اعترض وأغلق صفحته علي فيس بوك بعدما كتب يقول "إن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان إلى الأبد"، حيث عوقب باختفاء مقاله الأسبوعي من "الاهرام" وترددت أنباء عن إقالته أو استقالته.

ولكن عاد «النجار» ليؤكد رفضه التنازل عن الجزر، و ظل مقاله الذي يشرح فيه رفضه ممنوعا رغم أنه رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهرام!!(فيسبوك)

ولضمان الولاء والسيطرة التامة لوسائل الإعلام له، بعدما فضحه بعضهم لبيع تيران وصنافير، اتبع السيسي ثلاثة أساليب، أولها شراء الصحف والفضائيات بالترغيب والترهيب من رجال الاعمال لتسير في خط تحريري واحد تقرره المخابرات.

والثاني اعتقال أي صحفي يعارض سياسته؛ ليضع بذلك نوعا من الرقابة الذاتية على الصحفيين والإعلاميين فيمتنعون عن النقد؛ خشية البطش بهم أو حرمانهم من مزايا مالية، والثالث، سن سلسلة قوانين اعلامية قمعية تمنع حرية التعبير والرأي من المنبع.