السودان: بصمة مخابراتية مصرية في اتفاق التسوية بين العسكر واليساريين

الاثنين - 16 يناير 2023

  • لماذا زار عباس كامل الخرطوم قبل توقيع الاتفاق.. ولماذا طلب لقاء القوي السودانية بالقاهرة؟
  • الوثيقة الدستورية المطروحة لمستقبل السودان "علمانية" ولا تعترف بالشريعة الإسلامية!!
  • الإخوان والتيارات الاسلامية تطرح مبادرات جديدة وترفض اتفاق العسكر واليساريين
  • عسكر السودان يسعون لاتفاق ينقذهم من المساءلة عن الدماء ويحمي بيزنس الجيش

 

إنسان للإعلام- خاص:

أُعلن في الخرطوم، 8 يناير 2023، بدء المرحلة النهائية في العملية السياسية للعودة للحكم المدني التي ترعاها الآلية الثلاثية (الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد) والأمم المتحدة)، والأخيرة عبر بعثة "اليونتامس" لدعم المرحلة الانتقالية في السودان. (تويتر)

قيل إنه خلال الفترة بين 9 و13 يناير 2023 جري التفاوض بين العسكريين والمدنيين حول خمس قضايا محددة في الاتفاق السياسي الإطاري "للوصول إلى خارطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام الـ 30 من يونيو"، و"خرائط طريق حول كلّ من القضايا التي سيتم النظر فيها في الاتفاق السياسي النهائي"، بحسب بيان "اليونتامس" 7 يناير 2023، لكن التفاوض لا يزال مستمرا لوجود خلافات ورفض لقوي سودانية.

نص البيان الأممي على "تفكيك نظام الـ 30 من يونيو 1989"، والذي يقصد به نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير معناه استبعاد القوي السياسية التي دعمته وبينها قوي إسلامية، ما يثير تساؤلات حول أهداف التدخل الدولي لحل مشكلة السودان وهل هو السعي لإقصاء التيارات الإسلامية؟

ما رشح حتى الآن، بحسب المصادر السودانية، أنه لم يتم في هذه المرحلة معالجة المطالب التي جاءت في بيان مجلس الأمن الدولي ورئيس مفوضية الاتحاد الافريقي والتي دعت بأن تكون عملية سياسية شاملة ومستدامة وديمقراطية ولا تستثني القوى السياسية الأساسية.

بيان مجلس الأمن، الصادر 8 ديسمبر 2022، للترحيب بالمرحلة الأولي للعملية السياسية كان قد شجع بشدة "القوى السياسية الرئيسية التي لم توقع بعد على الاتفاق على الانضمام إلى العملية السلمية"، وهو ما لم يحدث حيث ظلت القوي المدنية التي تتفاوض مع العسكر هي القوي اليسارية.

وتعرض الاتفاق الذي حدد الخطوط العريضة لعملية انتقالية دون التطرق إلى التفاصيل والمهل الزمنية، لانتقادات محللين ونشطاء في مجال الديمقراطية اعتبروه "غامضاً" و"غير شفاف" وشككوا في قدرته على إخراج البلاد من الأزمة التي تشهدها منذ 14 شهراً.

وكان الجيش السوداني، وقع في المرحلة الأولي اتفاقا مع قوى مدنية يسارية، 5 ديسمبر 2022، لإنهاء أزمة سياسية، مصحوبة بأخرى اقتصادية، تعصفان بالبلاد منذ سيطرة القوات المسلحة على السلطة وعزل الشركاء المدنيين في السلطة الانتقالية التي تشكلت عقب إطاحة البشير عام 2019.

وقبل مفاوضات المرحلة النهائية الحالية للوصول لحكومة انتقالية لعامين ثم انتخابات عامة، طالبت قوي الحرية والتغيير المدنية اليسارية بضرورة تحديد العلاقة الهيكلية بين الجيش والسلطة المدنية المحتملة بشكل واضح قبل بدء المرحلة الانتقالية الجديدة.

وطمأنهم رئيس مجلس السيادة السوداني، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، يوم 8 يناير 2023، بأن "القوات المسلحة ستخضع لإمرة السلطة المدنية"، وذلك خلال إطلاق المرحلة النهائية من العملية السياسية مع من وصفهم بـ “الشركاء السياسيين والمدنيين"، لكن التعهد الشفوي شيء والتوقيع على ذلك شيء آخر، لأنه وعد سابقا ثم انقلب عليهم.

شدد نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو على التزام الشق العسكري بتشكيل سلطة مدنية كاملة في السودان، مطالباً القوى السياسية السودانية "بوضع خلافاتها جانباً والمضي قدماً بتنفيذ الاتفاق الإطاري".

كما اعتبر نائب رئيس مجلس السيادة أن الاتفاق الإطاري يشكل اختراقاً مهماً للأزمة السياسية في البلاد، لافتاً إلى تأخر إطلاق العملية السياسية في السودان إلى "محاولات ضم أطراف سياسية للاتفاق الإطاري".

قصة الدستور العلماني

وتجري العملية السياسية الحالية على أساس وثيقة دستور انتقالي أعدتها اللجنة التسيرية للمحامين في سبتمبر 2022 ووجدت قبولا محليا ودوليا واسعا باستثناء قوي اسلامية وقبلية وصوفية.

وتنص الوثيقة على تولي المدنيين السلطة بشكل كامل خلال الفترة الانتقالية التي حددت بعامين، وتتضمن بنودها أيضا توحيد الجيش وتنقيته من الانتماءات الحزبية، وإبعاده عن السياسة ومزاولة الأنشطة الاقتصادية والعمل التجاري الاستثماري باستثناء أنشطة التصنيع الحربي والمهمات العسكرية، إضافة إلى تفكيك نظام 30 يونيو وإطلاق عملية شاملة لتحقيق العدالة والعدالة الانتقالية؛ وإصلاح أجهزة الشرطة والمخابرات والأمن ووضعها تحت إشراف رئيس الوزراء

ويوم 8 أغسطس 2022 عُقد لقاء في نقابة المحامين لوضع دستور مؤقت، وكان ملفتا حضور ممثلي السفارات الغربية والولايات المتحدة والأمم المتحدة وسفراء الإمارات والسعودية، بجانب قوي سياسية سودانية.

بعد ثلاثة أيام، قدمت قوي المعارضة اليسارية مشروع الدستور، الذي صاغته نقابة المحامين للجيش، والذي نص على سلطة انتقالية بقيادة مدنية، تشرف على القوات المسلحة، وخروج الجيش من السياسة بعد توقيع الاتفاق.

ثلاثة مصادر سياسية قالت لوكالة "رويترز"، يوم 4 نوفمبر 2022، إن قادة الجيش اعترضوا على بعض بنود مسودة الدستور الذي قدمته التيارات اليسارية التي يجري التفاوض معها بوساطة عربية ودولية، لحلحلة الجمود السياسي.

أكدوا أن الجيش طلب أن يكون له حق تسمية قائده العام، كما قدم "وجهة نظره" بخصوص إعادة الهيكلة، ومشاريع الجيش الاقتصادية والتجارية.

حيث نصت مسودة الدستور التي اعترض عليها الجيش على "حظر ممارسة القوات النظامية للأنشطة التجارية والاستثمارية، وخضوع القوات المسلحة للسلطة المدنية".

وكان ملفتا تقديم اليساريين تنازلات مقابل تمرير مسودة الدستور، حيث أكد مصدران من قوى الحرية والتغيير لـ "رويترز" أنه تم التوصل إلى تفاهم بألا يخضع كبار الضباط العسكريين للمحاكمة، والتشاور حول مواضيع حصانتهم من المحاكمة.

ويطالب المتظاهرون بتقديم الجنرالات للعدالة بتهمة قتل المتظاهرين وانتهاكات أخرى منذ عام 2019، رافضين فكرة الحصانة.

برغم أن مشروع الدستور الانتقالي جاء ليكون بديلا للوثيقة الدستورية، الموضوعة 4 أغسطس 2019، والتي أغفلت دين الدولة وهو الاسلام ومصدر التشريع وهو الشريعة الإسلامية، واللغة الرئيسية وهي العربية، وإجراء تعديلات جوهرية عليها.

فقد جاء نص مشروع الدستور الجديد أغسطس 2022 متجاهلا أيضا للشريعة والنص على "الإسلام" دين الدولة ولغتها "العربية"، مكتفيا بالقول: "إن السودان دولة مدنية تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان وكل المعتقدات"!.

تحدث عن تكوين «دولة مدنية كاملة» تكفل الحريات الدينية، ونص على أن "طبيعة الدولة ديمقراطية فيدرالية تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والإثنيات واللغات والأديان والمذاهب، وفق نظام حكم برلماني"، وفق ما نشرت صحف السودان.

لذا عارض مشروع الدستور القوي الإسلامية، من ثلاثة زوايا: أولها أنه يتجاهل هوية السودان الإسلامية، والثاني أنه لم يشارك في وضعه كل أطياف السودان، والثالث أن قوي دولية تدخلت في صياغته.

وعارضت تيارات إسلامية بينها جماعة الإخوان المسلمين، و"قوى التوافق الوطني" (جناح منشق من قوي التغيير والحرية اليسارية)، وأحزاب أخري، مشروع الدستور المقترح من نقابة المحامين.

وقال المراقب العام لجماعة الإخوان سيف الدين أرباب، أن الوثيقة الدستورية المطروحة "مزاجية وسياسية" ومعيبة قانونيا، وتلبي أجندة السفارات الأجنبية التي يظهر بوضوح تدخلها في الصياغة لتفكيك الجيش السوداني.

أكد إن الدستور الانتقالي، هو "انتقام سياسي"، ويسيطر على من كتبوه "فوبيا" النظام السابق، ويكرس لسياسة الانتقام، فهو يتحدث عن الحريات ويتناقض معها، بحسب موقع "النيلين"، 14 سبتمبر 2022.

ومقابل مسودة الدستور العلماني لـ "قوي الحرية والتغيير"، تمثلت بنود مبادرة الشيخ "الطيب الجد" في إيقاف خطاب الكراهية الذي يهدد السلم المجتمعي، وإجراء حوار جامع يؤسس لتحقيق وفاق وطني لا يستثني أحد، و"العودة لدستور 2005 ‏ مع إلغاء بعض التعديلات التي أدخلت عليه، والمحافظة على الهوية الإسلامية واستعادة عزة الشخصية السودانية صاحبة الفضيلة ورفض كافة أشكال التدخلات الخارجية".

والتأكيد على "قيام وإجراء الانتخابات خلال ثمانية عشرة شهرا، بناء دولة القانون والمواطنة والحقوق والواجبات، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، تأسيس تيار وطني منفتح على كل أهل السودان".

إضافة إلى تفويض المجلس السيادي بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة لتسيير ما تبقى من الفترة الانتقالية، لكن الرافضون لمبادرة الشيخ الجد، من القوي اليسارية خصوصا، أكدوا أن الأهداف الأساسية للثورة غابت من بنود مبادرة الشيخ الطيب، ووصفوها بأنها تُبقي العسكر في السلطة.

قالوا إن المبادرة لا تسعى لتحقيق أهداف الثورة من اقامة نظام حكم مدني، ولا محاسبة قتلة الثوار، وأنها واجهة من واجهات حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، بحسب صحيفة "الجريدة" السودانية 13 أغسطس/آب 2022.

مبادرة مصرية مرفوضة

قبل تدشين المرحلة الأخيرة، زار مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، الذي تطلق عليه المعارضة السودانية لقب "مهندس انقلاب السودان" الي وقع أكتوبر 2021، وألتقي الحاكم العسكري هناك عبد الفتاح البرهان.

كما أجتمع مع ممثلي تيار "الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية"، بقيادة جعفر الميرغني وجبريل ابراهيم، وهو تيار منشق عن التيار الأساسي اليساري "الحرية والتغيير" الذي قاد الثورة ضد الرئيس السابق البشير، وهو تيار تدعمه مصر لشروطه المخففة لصالح العسكر، بحسب مصادر سودانية لـ "الاستقلال".

وتتحفظ القاهرة، التي دعمت انقلاب 25 أكتوبر عام 2021، على التقارب بين المكون العسكري بقيادة البرهان وقوى إعلان الحرية والتغيير، والذي قاد الطرفين للتوقيع على اتفاق إطاري 5 ديسمبر 2022 وهو ما دفعها نحو دعم ائتلاف سياسي يناهض الاتفاق الإطاري، هو "الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية".

ما أعلنته القاهرة رسميا هو أن عباس ذهب للخرطوم لنقل رسالة من عبد الفتاح السيسي للبرهان حول العلاقات الثنائية وملف سد النهضة، لكن القوي السياسية السودانية أكدت أن عباس ذهب لدعم البرهان والضغط على المعارضة السودانية كي تقبل بشروط الجيش لاتفاق انتقالي والوثيقة الدستورية.

وعلى طريقة المجلس العسكري في مصر برئاسة المشير الراحل طنطاوي أستاذ السيسي، عقب ثورة 25 يناير 2011، يسعي عسكر السودان لاشتراط أمران في الاتفاق الانتقالي والوثيقة الدستورية.

أولهما: الخروج الآمن للعسكر ومنع محاكمتهم عن جرائم قتل المتظاهرين، والثاني: عدم المساس ببيزنس العسكر، فضلا عن شروط أري تتعلق بأن يتولى العسكر تسمية وزير الدفاع والمناصب العسكرية الأخري لا المدنيين.

وفي وقت سابق جري الحديث عن صفقة محتملة تستهدف مبادلة "حصانة الجيش" من المحاكمة عن جرائم قتل المتظاهرين، بـ "دستور علماني" وضعته "قوى الحرية والتغيير" يسارية التوجه، وفق مصادر سودانية.

عباس ذهب لنقل رسالة من السيسي تؤكد دعم القاهرة لجهود الانتقال المدني الديمقراطي في السودان وأنها ستعمل مع القوى المختلفة لضمان انتقال سلس يفضي إلى استقرار البلاد، حسبما قالت الصحف الرسمية المصرية.

مصادر سودانية أوضحت أن مدير المخابرات المصرية أجتمع مع ممثلي تيار "الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية"، بقيادة جعفر الميرغني وجبريل ابراهيم، وهو تيار منشق عن التيار الأساسي اليساري "الحرية والتغيير" الذي قاد الثورة ضد الرئيس السابق البشير، وهو تيار تدعمه مصر لشروطه المخففة لصالح العسكر.

وتتحفظ القاهرة، التي دعمت انقلاب 25 أكتوبر عام 2021، على التقارب بين المكون العسكري بقيادة البرهان وقوى إعلان الحرية والتغيير، والذي قاد الطرفين للتوقيع على اتفاق إطاري 5 ديسمبر 2022 وهو ما دفعها نحو دعم ائتلاف سياسي يناهض الاتفاق الإطاري، هو "الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية".

لكن عباس اجتمع أيضا مع قيادات من الحرية والتغيير منهم عمر الدقير ومريم الصادق وأكد لهم دعم مصر لحل الأزمة التي خلقها انقلاب البرهان عليهم يوم 25 أكتوبر 2021 لكنه دعاهم لتخفيف شروطهم في مواجهة الجيش.

وفي التاسع من ديسمبر 2022 استقبل عبد الفتاح السيسي، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، بالعاصمة السعودية الرياض، على هامش القمة العربية الصينية لطرح أفكار حول مواجهة معارضيه وبحث تدخل مصر لإقناعهم.

وفي نوفمبر 2021، عقب انقلاب البرهان، قالت صحيفة (وول ستريت جورنال): مدير جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل الخرطوم دعا إلى تنحية رئيس الحكومة حينئذ "حمدوك" وهو ما حدث.

وذكرت 3 مصادر مطلعة للمجلة أن مدير المخابرات المصرية، عباس كامل، أبلغ البرهان أن "حمدوك يجب أن يرحل"، معرباً عن استياء المصريين من حمدوك "بسبب انفتاحه على إثيوبيا في قضية سد النهضة".

سبب آخر قيل لزيارة عباس كامل هو ملف سد النهضة بعدما وضعت اثيوبيا مصر والسودان أمام الأمر الواقع وملئت السد وانتهي من تثبيت أوراق ضغط قوية في يدها، تمثلت الزيارة في بحث أوراق أخري غير معلنة للضغط على اثيوبيا.

ولم يعلن خلال اللقاء سوي "تأكيد التوافق حول الأهمية القصوى لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصري والسوداني باعتبارها مسألة أمن قومي، وتمسك البلدين بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لعملية ملء وتشغيل السد"، وهو أمر مكرر ترفضه اثيوبيا.

وفي 24 سبتمبر 2022 زار البرهان القاهرة وأجرى مباحثات مع السيسي بشأن تطورات ملف "سد النهضة" الإثيوبي، إضافة إلى علاقات التعاون بين البلدين.

وقد أعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان (الائتلاف الحاكم سابقاً)، 3 يناير 2023 أنها بحثت مع وفد مصري برئاسة رئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل "العملية السياسية" في البلاد، وذلك في لقاء في العاصمة السودانية الخرطوم.

وشددت قوى الحرية والتغيير على أن "الاتفاق الإطاري يشكل الأساس المتوافق عليه للحل السياسي بموضوعاته وأطرافه المتفق عليها"، وأعربت عن ترحيبها بكل أشكال الدعم المصري الممكن للاتفاق.

ثم طرح سفير مصر بالخرطوم، هاني صلاح، الثلاثاء 10 يناير 2023، على رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، مبادرة مصرية للتوصل إلى "تسوية سياسية سريعة" في السودان، وفق ما ذكرته وكالة الأناضول.

جاء ذلك خلال لقاء جمعهما بالخرطوم، وفق ما أعلنه السفير المصري في تصريح متلفز عقب اللقاء، بحسب بيان ومقطع فيديو نشره مجلس السيادة عبر صفحته على فيسبوك دون تعقيب من القاهرة بشأن بنود المبادرة.

قال صلاح: "تحدثنا (مع البرهان) عن المبادرة المصرية لإيجاد والتوصل لتسوية سياسية سريعة على الساحة السياسة السودانية، والزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس المخابرات المصري اللواء عباس كامل للخرطوم، في 2 يناير (كانون الثاني) الجاري"

أضاف سفير القاهرة في تصريحه المتلفزة قائلاً: "استعرضت عناصر المبادرة (لم يكشف تفاصيلها)، وتم الاتفاق مع رئيس مجلس السيادة على توضيح تلك العناصر بشكل أكبر وبصورة فاعلة لمختلف الدوائر الرسمية والإعلامية والشعبية بالسودان"

كما لفت إلى أن "المبادرة المصرية تأتي في ظل دور القاهرة المعتاد، يهدف للحفاظ على المصالح السودانية ووحدة واستقرار السودان، وتسهيل كل ما من شأنه الوصول لحوار سوداني-سوداني يؤدي في النهاية لتسوية حقيقية ودائمة وشاملة"

وحسب وكالة الأناضول فإن هذا أول إعلان من القاهرة عن زيارة اللواء عباس كامل، والتقى خلالها البرهان، و"نقل رسالة شفوية من عبد الفتاح بشأن العلاقات الثنائية"، وفق بيان من إعلام مجلس السيادة آنذاك.

وقد كشف نشطاء سودانيين أن عباس كامل اقترح على الفرقاء السودانيين الاجتماع في القاهرة من أجل التأثير عليهم واقناعهم بدور لمصر فيما يجري لكن طلبه تم رفضه.

تحديات الاتفاق

لا تقتصر التحديات التي تواجه المرحلة النهائية، على التعقيدات الخاصة بتوافق أطرافها، حيث ما تزال عدد من القوى الفاعلة في المعارضة خارج العملية السياسية، أبرزها لجان المقاومة التي تقود التظاهرات في البلاد منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية.

وترفع اللجان شعار اللاءات الثلاث «لاتفاوض، لا شراكة، لا شرعية» لقادة الانقلاب، معتبرة التسوية مع العسكر خيانة للثورة السودانية، وتتمسك بعدم الاعتراف بمخرجات العملية السياسية الجارية مؤكدة مواصلة التصعيد حتى إسقاط الانقلاب والتأسيس لسلطة مدنية كاملة.

ويرفض الاتفاق أيضا الإسلاميون، وتنظيمات دعمت الانقلاب العسكري، أبرزها مجموعة التحالف الديمقراطي التي تضم حركات مسلحة وأحزاب على رأسها الاتحادي الديمقراطي الأصل، بقيادة جعفر الميرغني وقادة عشائريين، بينهم نظائر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

والمشكلة الأن أن الاتفاق مرهون بتوقيع القوي السياسية المعارضة له وخاصة القوي الاسلامية وتيار "الحرية والعدالة –التغيير" المعارض لتيار الحرية والعدالة اليساري الذي يقود المفاوضات مع العسكريين، وبدون توقيعهم سيظل السودان يعاني من عدم استقرار لوجود طرف واحد سياسي في الحكم هو اليسار.

وقد توعدت "الحرية والتغيير -الكتلة الديمقراطية" في نفس يوم إطلاق المرحلة النهائية بإسقاط الاتفاق الاطاري عبر الجماهير، معلنة توقف المشاورات غير الرسمية مع الموقعين عليه، بحسب موقع "سودان تربيون"، 8 يناير 2023

موقف الإسلاميين

يوما 7 و13 نوفمبر 2022 أطلق قائد الجيش السوداني، رئيس مجلس السيادة في السودان، عبد الفتاح البرهان، تحذيرين للإسلاميين وفصائل أخرى من التدخل في شؤون الجيش، أو محاولة المشاركة في الحكم.

التحذيران جاءا بالتزامن مع سعي العسكر لإبرام صفقة مع القوي اليسارية، التي كانت تشاركهم الحكم منذ الانقلاب علي الرئيس السابق عمر البشير 2019، والذين أنقلب عليهم الجيش أيضا، يبدوان كـ "صفقة" مع "قوي التغيير والحرية".

الصفقة المحتملة يبدو أنها تستهدف مبادلة "حصانة للجيش" من المحاكمة عن جرائم قتل المتظاهرين، بـ "دستور علماني" وضعته "قوي التغيير والحرية" اليسارية التوجه.

جاءت ردا علي حشد القوي الإسلامية مظاهرة ضخمة ضد مسودة الدستور الجديد الذي يتجاهل الإسلام في مواده، وتدخل قوي عربية ودولية في شئون السودان بغية ترسيخ إقصاء الإسلاميين بدعوي تبعيتهم لنظام البشير" وفق المصادر القريبة من التيار الإسلامي.

"الصفقة تجري بفعل ضغوط مكثفة علي الجيش من أطراف عربية خاصة مصر والإمارات والسعودية، وأخري إفريقية ودولية لتسهيل عودة القوي اليسارية للحكم مع مؤيدين لهم من أحزاب أخري، وبإغراء استئناف المساعدات للسودان".

تحذيرات البرهان للإسلاميين جاءت بعد إعلان "الآلية الثلاثية" المشكلة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة الإيقاد، التوصل إلى "تفاهمات أساسية" بين العسكريين والمدنيين (القوي اليسارية)، واعترض عليها التيار الإسلامي.

كما جاءت بعدما سلّمت نقابة المحامين مشروع دستور انتقالي إلى الآلية الثلاثية انتقدته القوي الإسلامية، لأنه ألغى الإسلام واللغة العربية والبسملة، وطالبت باحترام إرادة الشعب والاحتكام لصناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة.

وقد أقلقت المظاهرة الضخمة من الآلاف من القوي الإسلامية وأنصار البشير، 12 نوفمبر 2022، أمام مقر بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم، احتجاجا على "التدخلات الأجنبية في شؤون البلاد" ولنصرة الشريعة، الجيش واليساريين معا.(تويتر)

المظاهرة دعا لها "نداء أهل السودان للوفاق الوطني"، وهي مبادرة أطلقها الداعية الإسلامي البارز الشيخ الطيب، وتضم تيارات إسلامية عدة، وشارك فيها "التيار الإسلامي العريض" الذي يضم 9 حركات إسلامية.

لكن القوي الإسلامية ورموز نظام البشير السابق بدأت تفرض وجودها السياسي عبر التظاهر الجماهيري القوي وتتحدي القوي اليسارية التي ترغب في إقصاء التيار الإسلامي للاحتكام للصناديق في انتخابات حرة.(تويتر)

انتقدوا مساعي قادة الجيش لتشكيل شراكة مع مجموعات مدنية يسارية، كما انتقدوا التدخل الدولي من الأمم المتحدة وتدخل وسطاء غربيين، لدعم هذا التحالف الذي يُقصي الإسلاميين.

بالتزامن مع طرح مسودة الدستور اليساري، طرح الشيخ "الطيب الجد" من كبار مشايخ الصوفية والقاضي السابق، رئيس "نداء أهل السودان"، مبادرة مضادة تقوم على المصالحة في كل السودان وعدم استثناء أحد، وناقشها مع القوي الدولية التي تشرف على حل أزمة السودان.

كان ملفتا أن محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة رحب بمشروع الدستور الانتقالي، ولم يتحدث عنه البرهان، الذي ليس سرا أنه يرحب ويدعم مبادرة الشيخ الطيب الجد، كما تؤكد المصادر السودانية.

وهو ما طرح تساؤلات: هل يجري توزيع أدوار بين البرهان وحميدتي؟ أم هناك خلاف حقيقي بين الرجلين في ظل سعى حميدتي للرئاسة؟.

أم أن الأمر لا يعدو أن يكون بحث الانقلاب عن توفير مساحة وقت لإطالة عمره في السلطة مستغلا تصارع القوي المختلفة، كما يري مراقبون سودانيون؟.

مراقبون يرون أن تحذيرات البرهان المتكررة ربما وراءها تحركات للإسلاميين يخشى أن تطيح به بدعم مجموعات موالية للحركة الإسلامية داخل الجيش، وفي ظل ضغوط مصر والإمارات وقوي دولية من عودة الإسلاميين.

فريق آخر يري أن البرهان أطلق هذه التصريحات للرد فقط على اتهامات اليساريين له بأنه موال للحركة الإسلامية ونظام البشير السابق.

أكد هذا القيادي بالحركة الإسلامية السودانية أمين عمر، قائلا إن البرهان "يخضع للابتزاز من قبل قوى سياسية"، ولذلك تبرأ من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، ولنفي شائعات واتهامات اليسار بأنه موال للحركة الإسلامية.

وصف "عمر" ما قاله البرهان حول الحركة الإسلامية بأنه "كلام منابر"، ونفى لـ الجزيرة مباشر، 7 نوفمبر 2022 ، وجود أي صفقات بين الحركة الإسلامية ورئيس مجلس السيادة، مؤكدا "نحن لا نؤمن بالصفقات، هو لم يبعنا ونحن لم نشتره".

أشار لوجود "قوة إقليمية لا تريد أن يكون للإسلاميين أي نفوذ سواء في السودان أو الدول المجاورة، وتضغط على البرهان في هذه النقطة".

وجاء حديث البرهان بعد تزايد الجدل في السودان، عن عودة بعض أفراد حزب المؤتمر الوطني (حزب البشير) للحياة العامة والخدمة في الدوائر الحكومية.

حيث روجت صحف غربية وإماراتية لما قالت إنه "عودة الإسلاميين في السودان للساحة على مرأى ومسمع الجيش"، وسط موقف الجيش "المتأرجح"، وفق دويتش فيله 22 أبريل 2022.

وزعمت أنه سُمح للكثير من حلفاء الرئيس السابق عمر البشير بالعودة إلى الخدمة المدنية، بينما أُخرج آخرون من السجون في محاولة على ما يبدو لتشكيل حكومة وطمأنة المانحين.(تويتر)

وصدر قراران قضائيان في أكتوبر ونوفمبر 2022، أبطلا قرارات "لجنة إزالة تفكيك النظام السابق" التي شكلها اليساريون وقامت بفصل قضاة وموظفين والاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم بحجة أنهم من أنصار نظام البشير السابق.

وفسرت القوي اليسارية ذلك بأنه توجه من جانب الجيش للتقارب مع نظام البشير السابق، رغم إنها قرارات قضائية لا علاقة لها بالجيش.