مؤتمر "الحكاية" المزيفة.. السيسي يُصر على تمديد حكمه بالتهديد المباشر!

الخميس - 5 أكتوبر 2023

إنسان للدراسات الإعلامية – جهاد يونس:

يحاول الجنرال المنقلب، عبدالفتاح السيسي تمديد فترة حكمة لمدة ثالثة بإجراءات غير شفافة، بعد أن أجرى تعديلات دستورية عام 2019، تتيح له البقاء في منصبه حتى عام 2030.

 ومع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات فتح باب الترشح اعتبارا من اليوم الخميس، 5 أكتوبر 2023 وحتى يوم السبت 14 أكتوبر، لم يستوف شروط الترشح، التي يأتي في مقدمتها حصول المرشح على تزكية 20 عضوا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو جمع توكيلات لتأييده من 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة مختلفة، سوى  ثلاثة رؤساء أحزاب حصل كل منهم بالفعل على تزكية 20 نائبا أو أكثر. وهؤلاء الثلاثة سيدخلون الانتخابات استيفاء لشكل ديكوري يتيح للسيسي الفوز بجدارة، حيث لا شعبية لأحزابهم في الشارع، ولا هم منافسون حقيقيون للجنرال، إذ أعلنوا سابقا تأييدهم له!

أما المرشح أحمد طنطاوي، الذي يبدو حتى الآن أنه يحاول المنافسة بشكل حقيقي، فقد سلك طريقاً مختلفاً، وهو جمع التوكيلات الشعبية لاستيفاء أوراق ترشحه، لكنه لم ينجح في الحصول على العدد المطلوب منها،  نظرا للتضييق الشديد على أنصاره .

تفاعلات العملية الانتخابية (الشكلية) يظهر صداها يوميا في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، حيث المعارضة الحقيقية ممنوعة، في حين يهندس قائد الانقلاب ومعه أجهزة الدولة، شكلا أشد فجاجة من الدورات الانتخابية السابقة، بمحاولات فرض أمر واقع  يبدأ بجمع التوكيلات بالإكراه، وسوق حشود مصطنعة في الشوارع، ليبدوا الأمر وكأن السيسي استجاب لنداءات الجماهير وقام بإعلان ترشحه.

تقديم موعد الانتخابات

لأسباب تتعلق بفشله اقتصاديا، وكما توقع الكثيرون، قدم السيسي موعد الانتخابات؛ لتعجيز منافسيه وضغط الوقت أمامهم، ولتجنيب أي خسائر اقتصادية من المتوقع أن تقع قبيل الانتخابات فتضرب سمعته وتزيد من حالة من السخط الشعبي. وقد علقت صحف على تقديم السيسي موعد الانتخابات، من بينها هآرتس الصهيونية )هارتس: لماذا قدم السيسي موعد الانتخابات الرئاسية؟)

مؤتمر "الحكاية" المزيفة

أيضا فرض مؤتمر "حكاية وطن" الذي دشنه السيسي بأموال الدولة وسخر له أجهزتها على مدى ثلاثة أيام، نفسه إعلاميا، بين توسع مبالغ فيه في تغطيته بوسائل الإعلام الرسمية والخاصة داخل مصر، وتشريح له بانتقادات حادة من قبل وسائل إعلام المعارضة في الخارج.

قدم السيسي إنجازاته ومشروعاته، التي أغرقت الدولة في مستنقع الديون خلال تسع سنوات، مستنسخا "حكاية وطن" عام 2018 التي قدم فيها أيضاً كشف حساب لإنجازاته ثم اختتمها بإعلان ترشحه لفترة رئاسية ثانية، كما فعل في حكاية هذا العام، المزيفة، بإعلان ترشحه لفترة ثالثة.

ولم يحدث من قبل أن كانت ردود الفعل على خطابات السيسي كما حدث في "حكاية وطن 2023"، حيث دخل دائرة اللامعقول بحديث إمكانية تخريب الدولة بخلق "حالة" يستأجر فيها شباب معوزون بالمال والمخدرات، بعدما طالب المصريين بالصبر وتحمل الجوع!

وخلال المؤتمر، وجه السيسي تحذيرا للمصريين الذين يعانون من التضخم وانهيار العملة المحلية، قائلاً: "إذا كان البناء والتنمية والتقدم ثمنه الجوع والحرمان، اياكم يا مصريين أن تقولوا نأكل أفضل". وضرب مثلا بدولة لم يسمها - هي الصين - أصبحت "قوة عظمى" بعد أن مات "25 مليون من شعبها جوعا". )«حكاية وطن».. وَصفة الصَبر من 2018 لـ 2023(

أزمة اقتصادية خانقة

رغم الأزمة الاقتصادية الضاغطة التي يصفها البعض بأنها الأصعب في تاريخ مصر، والتي يتناولها الإعلام المعارض والعالمي على مدار الساعة، ترشح السيسي وقدم موعد الانتخابات ليستكمل مشوار "خراب مصر" الذي سيبدأ  بالاستجابة للشروط القاسية التي يفرضها صندوق النقد الدولي، وفي مقدمتها خفض قيمة العملة التي تراجعت ثلاث مرات منذ أوائل 2022، ولا تزال تنتظر المزيد. (الشرق بلومبيرج: السيسي يترشح لرئاسة مصر مجدداً وسط تحديات اقتصادية)

أيضا يطالب صندوق النقد الدولي، الذي أقرض مصر 21.97 مليار دولار منذ تولي السيسي الحكم في 2014، بإصلاحات هيكلية ومالية كشرط للاستمرار في الدفع للسيسي، في الوقت الذي  جمدت فيه الولايات المتحدة جزء كبير من المساعدات العسكرية للقاهرة، لقاء تحسين حالة حقوق الإنسان خصوصا بعد فضيحة السيناتور الأمريكي روبرت مينينديز. كذلك تأكيدات دول الخليج بأنها لن تحول مساعدات لمصر إلا استناداً لتنفيذ الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي.( مصر: مخاطر تقشف وفساد في خطة "صندوق النقد الدولي" للإنقاذ)

وبجانب ذلك، حصلت مصر أيضا على قروض أخرى من جهات دولية أخرى مثل البنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الإفريقي للتنمية.

الترامادول مقدمة للفوضى

في النسخة الأولى من مؤتمر الحكاية عام 2018 حذر السيسي المصريين من مصير ليبيا واليمن، أما في النسخة الثانية 2023، فجاء تبعاً لنهج مبارك "أنا أو الفوضى"، بعد أن صدم السيسي جميع المصريين بحديثه عن إمكانية تدمير مصر  بقوله: "أنا ممكن أدي شريط ترامادول و1000 جنيه لـ100 ألف إنسان ظروفهم صعبة وأنزلهم 10 أيام يعملوا حالة، ممكن أهد بلد بمليار جنيه يعني بمبلغ ناس بتصرفه في حفلة".

هذا التدني في الخطاب من مسؤول بهذة الرتبة العالية، جاء صدمة للمصريين الذين لم يتخيلوا أن يصل الأمر برئيس دولة أن يهدد الشعب حال لم ينتخبوه! ") الترامادول".. قراءة في خطاب بائس!)، )الرئيس يعدكم بالفقر والترامادول(

ولم ينتظر مؤيدو السيسي نهاية المؤتمر فقاموا بحشد الفقراء لدعمه واستغلال حاجتهم مقابل معونات شحيحة تُلقى إليهم ومن ثم تصدير صورة شعبية مزيفة لجموع تساند السيسي. ) الجماهير واﻷحزاب تحتفل وتطالب الرئيس بالترشح )

كان لافتا أن جميع الصحف الموالية للانقلاب تناولت حديث السيسي عن هدم مصر بتحريف النص والإشارة للإخوان، رغم قول السيسي ألفاظ "أنا – أهد بلد "، فالضمير عائد عليه نفسه، لكن الصحف بدلته في محاولة لإلصاق التهمة بالإخوان.

وبمخالفة لكل القواعد المهنية، نشرت مواقع العربية و الوفد واليوم السابع ومواقع أخرى، أن السيسي قال "إن الاخوان ممكن يهدوا مصر بملياري جنية". (اليوم السابع: الإخوان وأى جماعة متطرفة ممكن تهد البلد بـ2 مليار جنيه..ولمصر تجربة مريرة)، (الوفد: السيسي: قلت إن الإخوان ممكن تهد البلد بـ2 مليار جنيه )، (العربية: ملمحا للإخوان.. السيسي: يمكن هدم مصر بشريط ترامادول و20 جنيها)

استخدام عصابات البلطجة

حديث السيسي عن هدم مصر رآه كثيرون تعريجا على ما فعلته المخابرات العسكرية -بمشاركته ومباركته- بالفعل من قبل مع الثوار في السنوات الماضية وإطلاق البلطجية بالترمادول و 20 جنيهاً عليهم، بمساعدة صبري نخنوع كبير البلطجية، الذي يدعمه السيسي وأفرج عنه بعفو رئاسي في مايو 2018، وقدم له تسهيلات آخرها وضعه على رأس "فالكون للأمن والحراسة" . (مونت كارلو الدولية: صبري نخنوخ "رئيس جمهورية البلطجة" أصبح صاحب ومدير مجموعة "فالكون" أكبر شركة أمنية في مصر)

وعلاقة المخابرات والشرطة بالبلطجية لا تخفى على أحد، فقد أدى البلطجية المتحالفون مع الشرطة دوراً بارزاً في محاولة تخويف المتظاهرين في ثورة يناير 2011، ثم المطالبين بالديمقراطية خلال سنوات الاحتجاجات التالية، وقد ظهروا على السطح بانتظام في أوقات اضطرابات مصر السياسية.

وقد أفرج السيسي عما يقارب ٤٠٣ من السجناء على خلفية جنائية عام 2019، وفي ظاهر الأمر هو إفراج عادي عن سجناء ليظهر للعالم عن حبه لتطبيق مبدأ المسامحة وحقوق الإنسان كما جاء في البيان الرسمي للحكومة. (الوطن: لمواجه أي مظاهرات السيسي يفرج عن المجرمين من السجون ويحولهم إلى بلطجية)

أما في باطن الأمر يأتي الإفراج عن المجرمين كمقدمة لمواجهة أي مظاهرات، فمهمة هؤلاء البلطجية إحداث فوضى بين المتظاهرين عن طريق الإندساس بينهم واستخدام بعض الأسلحة والعنف تجاه قوات الشرطة، ليثبت السيسي للمصرين أولا وللعالم ثانيا آن من خرج يطالب بإسقاطه عبارة عن جماعات مسلحة وتعمل ضد مصر وامن مصر. (هيومن رايتس ووتش: تعرف على بلطجية القاهرة)

عند مقارنة الإنجازات والمشروعات التي يعددها السيسي بالأحوال المعيشية الحقيقية للمواطن المصري التي تزداد سوءا، نجد أن السيسي اعتاد الكذب والتدليس ظنا منه أن الشعب المصري كله كالمأجورين الجالسين خلفه في مؤتمر "الحكاية" الذين قاموا بالتصفيق الحاد لحديث هدم مصر بالترامادول، لكن الواقع يبرز عكس ذلك فالشعب المصري قد ضاق بالنظام الفاشل الذي دمر البلد وأوصلها الى مستويات غير مسبوقة من العجز والضياع.