الغرب على خط الصراع الروسي- الأوكراني.. هل تنشب حرب "دينية نووية" بين الأرثوذوكس و الكاثوليك؟

الأربعاء - 12 أكتوبر 2022

حديث متصاعد عن "هرمجدون" و"يأجوج ومأجوج" و"الأرثوذكسية النووية الروسية"

 

إنسان للإعلام- خاص:

يوم 22 سبتمبر 2022، وعقب هزائم قواته الضخمة في أوكرانيا، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن موسكو "ستستخدم كل الوسائل" للدفاع عن نفسها بما في ذلك السلاح النووي، محذرا الغرب أن هذا "الأمر ليس خدعة".

شكل خطاب بوتين تصعيدا مع الغرب، بعدما اتهم الدول الغربية بالسعي إلى تدمير بلاده وإخضاع موسكو لـ "ابتزاز نووي".

لكن الأخطر من ذلك هو استخدامه عبارات من الإنجيل الخاص بالكنيسة الأرثوذوكسية لتهديد الغرب، ووصفه سياسات أمريكا والغرب، بأنها "شيطانية" واستشهد بتعبيرات من "الكتاب المقدس"، وحديث مراكز أبحاث غربية عما يسمي "السلاح النووي الروسي الأرثوذكسي"!.

رد عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن 7 أكتوبر 2022 محذرا من أن أي استخدام روسي للأسلحة النووية سيجر العالم إلى معركة "هرمجدون"، مستخدماً الاصطلاح الديني المسيحي الذي يعني "حرب نهاية العالم".

وتشير "هرمجدون" أو "هار ماجدون" باللغة العبرية إلى "تل مجدو"، على بعد 96 كيلومترا شمالي القدس، وهو المكان الذي سيشن فيه "ملوك الأرض تحت قيادة شيطانية"، حربًا على "قوات الله في نهاية التاريخ"، وفقًا لتفسيرات أوردتها الموسوعة البريطانية.

وقد استخدم الأصوليون البروتستانتيون (الإنجيلون) مصطلح هرمجدون للإشارة إلى صراع كارثي وشيك بين قوى الخير والشر، أو إلى أي سيناريو يشير إلى نهاية العالم بشكل عام ثم سيعود المسيح، وتأتي نهاية العالم.

هرمجدون يقصد بها في التعريف المسيحي حرب بين قوي الخير وقوي الشر تجري على ارض فلسطين ويرتبط بها ظهور يأجوج ومأجوج، ومن ثم فناء إسرائيل.

وقد أقلق هذا موقع "كل أخبار إسرائيل" الأمريكي، فكتب يتساءل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وقد أكد النبي محمد صلي الله عليه وسلم عبر أحاديث نبوية نُقلت عنه حدوث

معركة كبرى في نهاية الزمان، ستكون بين الروم (المسيحيين)  والمسلمين.

أما يأجوج ومأجوج فهما قبيلتان احترفتا الإغارة والسلب والنهب والقتل والظلم من قديم الزمان، وكانوا يقطنون الجزء الشمالي من قارة آسيا.

وقد ورد ذكرهم في اليهودية والمسيحية والإسلام وتعددت حولهم الروايات وتباينت، وكان بعضها أقرب إلى الأساطير.

وهم كثيرو العدد جداً وهم أهل شر وفساد وقوة وعدوان، لا يصدهم شيء، وكانوا موجودين واختفوا بعد أن بُني بينهم وبين جيرانهم سد يمنعهم من الخروج إليهم، كما أشار القرآن في سورة الكهف (آية 93 و94).

وقد تمكن "ذو القرنين" من بناء سد أو ردم بين جبلين كبيرين من خلال خطة هندسية أوضحها القرآن الكريم، وصهر فوق ذلك الردم خليطا من الحديد والنحاس، ليكون أشد قوة، وأكثر إحكاما.

نووية دينية

هذه التصريحات حولت الصراع بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا (كاثوليك وبروتستانت وإنجيليين)، وروسيا (أرثوذوكسية) إلى معركة دينية نووية قد ستؤدي لفناء العالم على غرار حرب الفرس والروم أيام الإسلام الأولي.

فهل فلاديمير بوتين هو "يأجوج"، الديكتاتور الشرير الذي تنبأت به التوراة والذي سيشكل تحالفًا مع إيران وتركيا ودول أخرى في "الأيام الأخيرة" لغزو إسرائيل؟ وهل هذا يعني أن "حرب يأجوج ومأجوج" وشيكة؟.

تؤكد دراسة أجراها الأمريكي دان يانكليفتش، عام 1984، أن 39 بالمائة من الأمريكيين يؤمنون أن "هرمجدون" التي تنبأ بها الإنجيل هي حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، سينهزم فيها قوى الشر السوفييتة، حسب اعتقادهم.

قبل هذا تحدث تقرير بحثي أصدرته مجموعة "سايت إنتلجنس"، وهي منظمة أمريكية خاصة تتعقب الجماعات المتطرفة، نشرته صحيفة نيويورك تايمز أن الهجوم الروسي على أوكرانيا استنفر قادة ميليشيات أوروبية من اليمين المتطرف.

تحدث التقرير الذي نشر 24 فبراير/شباط 2022 عن انتشار موجة تجنيد مقاتلين للسفر لجبهات القتال في أوكرانيا لمواجهة "الغزاة الروس" وجمع أموال كبيرة عبر مواقع الإنترنت.

أشار لتركيز هؤلاء اليمينيين المتطرفين على الدعاية المسيحية الكاثوليكية والدفاع عن الأقلية الكاثوليكية في أوكرانيا (قرابة 12% من السكان).

المنظمة البحثية استدلت في تقريرها بمنشورات جمعتها من أوساط هذه الميليشيات وترجمتها، منها إعلانات نشرها قادة ميليشيات يمينية في فرنسا وفنلندا وأوكرانيا، للانضمام للقتال دفاعاً عن أوكرانيا، في مواجهة الهجوم الروسي.

انتشرت الإعلانات ذاتها على مواقع إلكترونية عديدة من مواقع اليمين المتطرف في فنلندا وفرنسا، مثل موقع OC، الذي نشر بياناً يقول: "مثلما هُزم الاتحاد السوفييتي سيُهزم بوتين باصطفاف القوميين الفرنسيين (الدينيين) مع الشعب الأوكراني".

وقالت ريتا كاتز، مديرة مجموعة سايت، إن جماعات عديدة من القوميين والنازيين الجدد المؤمنين بتفوق العرق الأبيض وغيرها من مجموعات اليمين المتطرف أعلنت عن تضامنها مع أوكرانيا، وحشدت مجموعات شبه عسكرية لقتال روسيا.

أكدت إن "هناك دوافع أيديولوجية، لأن هذه الجماعات اليمينية المتطرفة ترى الحرب على روسيا حرباً على الشيوعية، وتعلِّق نفسها بذكريات الروايات التاريخية للحرب العالمية الثانية وأجوائها".

وجاء منح اصطلاح "الحرب النووية" بعداً دينياً، عبر تحذيرات أمريكية وروسية ترتدي عباءة دينية، ليزيد مخاطر تحول صراع الغرب وروسيا إلى صراع ديني.

ما يجعل "الحرب النووية الدينية" غير مستبعده، على الأقل على الجانب الروسي، هو أن تهديد كبار المسؤولين الحكوميين الروس علانية، باستخدام السلاح النووي، له علاقة بأفكارهم الدينية.

ويقول المحلل الروسي الذي يعيش في أمريكا دميتري أدامسكي، أن بوتين ينظر إلى التسلح النووي على أنه طريقة الله لضمان بقاء روسيا الأم، ويفضل هذا في كتابه "الأرثوذكسية النووية الروسية" بحسب موقع "بوليتيكو" الأمريكي، 4 مايو 2022.

قال إن الكنيسة الروسية جعلت لنفسها دورا لا غنى عنه للقوات النووية الروسية وأصبح لها حضور بارز  في جميع أنحاء الجيش بأكمله، لكن الفرع النووي يبرز باعتباره الأكثر تشبعًا بالدين، ويخدمه الكهنة بانتظام.

ويوم 25 سبتمبر 2022، وبعد أيام قليلة من التعبئة الجزئية التي أمر بها بوتين بعد هزائمه في أوكرانيا، قال رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن الموت في الحرب ضد أوكرانيا يطهر كل الذنوب

حرب كنائس

حين اعتدت روسيا على أوكرانيا، هاجمت كنيسة أوكرانيا الأرثوذوكسية ومعها كنائس أوروبا وأمريكا، بما فيها الكاثوليكية والإنجيلية، العدوان وانتقدت موقف كنيسة روسيا الأرثوذوكسية.

مؤرخون أوروبيون في تاريخ المسيحية، أكدوا أن العامل الديني لعب دوراً في قرار الغزو الروسي، وأن بوتين، الذي يلعب على وتر توحيد الكنيستين المنفصلتين، يرغب في أي يتوج نفسه زعيما على روسيا وأوكرانيا معا وفق تقليد في التاريخ الأرثوذوكسي يتحدث عن أمير يسمي على اسم بويتن (فيلاديمير) وحد روسيا وأوكرانيا.

بحسب المؤرخة الدينية الأمريكية "ديانا باتلر باس": "يعتبر المسيحيون الأرثوذكس الروس عاصمة أوكرانيا كييف كالقدس، لذا فالصراع على أوكرانيا هو أيضاً صراع على أي دين وأي أرثوذكسية ستطبع وجه شرق أوروبا".

تؤكد، في مقال بمجلة religion news ، 24فبراير 2022 ، أن "العامل الديني لعب دوراً في قرار الغزو" وأن "العملية العسكرية التي أعلنها الروس هي حملة صليبية لاستعادة الأراضي الأرثوذكسية المقدسة من الهراطقة الغربيين".

ذكرت أن محللين يرون أن مساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو، هي السبب المباشر المعلن للحملة العسكرية الروسية ضد كييف.

زاد الأزمة اشتعالا إعلان بطريرك الكنيسة الروسية "كيريل" دعمه ضمنا لحرب بوتين وصف خصو مه والغرب في أوكرانيا بـ "قوى الشر" وانتشار صور مباركة قساوسة أرثوذوكس للطائرات والجنود الروس المحاربين.

وتقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بقوة وراء بوتين، وكثيراً ما يبرر البطريرك كيريل حملات الشرطة ضد تجمعات المعارضة ويبارك الأسلحة وقوات الجيش الروسية المنتشرة في الخارج.

 وفي عام 2012، أطلق "كيريل" على بوتين لقب "معجزة الله"، كما أشرف عدة مرات على مراسم تعميد احتفالية لبوتين عبر مغطس ماء مقدس يحيط به الكهنة.

كنيسة داخل الجيش

وتلعب الكنيسة دوراً مهماً في الجيش الروسي، وخلال العمليات الأخيرة في أوكرانيا تم بث تسجيلات لكنائس متنقلة، ترافق الوحدات العسكرية الروسية، يبارك خلالها كاهن الأسلحة بساحات القتال، ويقيم الصلاة مع الجنود.

وضمن هذه العلاقة الوثيقة بين الكنيسة والجيش، شيدت القوات الروسية كاتدرائية خاصة بها في موسكو، افتتحت عام 2020، احتفالاً بالذكرى 75 لانتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية.

ويتولى قساوسة روس رتب عسكرية في الجيش الروسي ويقيمون غرف صلاة على البوارج الحربية ويتولون عمليات شحن بالمواعظ الدينية.

وفي عهده، سمح بوتين للكنيسة باستعادة صدارتها ومجدها، وقدم لها الدعم كما لم يفعل أي حاكم روسي منذ الثورة البلشيفية.

وبالمقابل، مدت الكنيسة بوتين بالدعم الفكري والثقافي لتوفير أرضية لرؤيته الدولتية، وتوسيع مجال نفوذ روسيا حول العالم.

ويمتلك بوتين قلادة صليب، لا تفارق رقبته، يقال إنها هدية من والدته يوم عمدته في السرّ مطلع الخمسينيات.

من المرويات حول القلادة أيضاً، أن بوتين باركها على القبر المزعوم للمسيح، خلال زيارته لإسرائيل في التسعينيات أثناء عمله ضابطاً في الاستخبارات الروسية.