النزاع الروسي الأوكراني.. جذور الصراع وتداعيات الأزمة

الثلاثاء - 22 فبراير 2022

 

  • اعتراف روسيا باستقلال "دونيتسك ولوجانسك" في شرق أوكرانيا يفتح الباب لغزو كييف
  • روسيا حريصة دائما على بقاء أوكرانيا ضمن منظومتها وتتحين الفرص للانقضاض عليها
  • أوكرانيا تنظر إلى روسيا على أنها دولة محتلة لأراضيها بعد ضم شبه جزيرة القرم بالقوة
  • الغرب لن يجازف بدخول حرب من أجل أوكرانيا وأمريكا تكتفي بفرض مزيد من العقوبات
  •  

    إنسان للإعلام - خاص

    تمهيد:

    مع إعلان روسيا اعترافها رسمياً بانفصال إقليمين عن جمهورية أوكرانيا، باتت أوكرانيا فعليا تحت قدم الدب الروسي، وليس مستبعداً أن تستكمل روسيا فرض نفوذها عليها، إما باستكمال احتلالها عسكرياً أو بتعيين حكومة موالية لها، بدفع من الإقليم التي أعلنت استقلاله والمعارضين في الداخل الأوكراني.

    وبحسب مراقبين، لن تلقي روسيا بالاً لتنديد الدول الغربية وحلف الناتو بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاعتراف باستقلال مناطق الانفصاليين في شرق أوكرانيا، حيث أعلن في خطاب متلفز، أمس الإثنين 21 فبراير 2022، الاعتراف الفوري باستقلال "جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين" في شرق أوكرانيا، في خطوة تُعقّد الأزمة المستمرة بين الجارتين، وسط  تحذيرات من انفجار مواجهة في أي وقت.

    وقال حلف شمال الأطلسي: إن موسكو تختلق ذريعة لغزو كييف، فيما أعلنت كل من واشنطن وبروكسل ولندن نيتها فرض عقوبات في أقرب وقت على روسيا.

    وتعتبر أوكرانيا أهم جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، منذ تأسيسه عام 1922 وحتى انهياره عام 1991.

    وكانت روسيا حريصة دائما، على بقاء أوكرانيا ضمن المنظومة الروسية، باعتبارها وريثة الاتحاد السوفيتي السابق، فظلت تتحين الفرصة للانقضاض على أوكرانيا، حتى تهيأت لها فرصة ذهبية عام 2014، حينما اندلعت احتجاجات في المدن الأوكرانية، تطالب بعزل الرئيس الأوكراني (فيكتور يانوكوفيتش)،الموالي لموسكو، فقامت القوات الروسية باحتلال مواقع استراتيجية في شبه جزيرة القرم، وضمتها إليها، عام 2014، وبعد استفتاء في القرم، على تقرير المصير، صوتَ سكّان الإقليم لصالح الانضمام لروسيا.

     وفى إقليم دونباس خرجت مظاهرات مؤيدة لروسيا، مما أدى إلى حدوث نزاع مسلح بين الحكومة الأوكرانية ، والانفصاليين المدعومين من روسيا.

    وتهتم روسيا بأوكرانيا، لأنها تتمتع بثروات وإمكانيات عسكرية وصناعية وزراعية هائلة، وتتميز بموقع جغرافي متميز، يفصل بينها وبين "دول الناتو، كما أن البلدين يرتبطان بعلاقات ثقافية واجتماعية كبيرة.

    كما تستفيد روسيا بشكل كبير من موارد أوكرانيا الاقتصادية، حيث أن 80% من الصادرات الأوكرانية تمر عبر روسيا نحو الشرق.

    وفي المقابل يسعى حلف الناتو، لضم أوكرانيا لصفوفه، وهو الأمر الذي يزعج روسيا كثيراً.

    وخلال الأزمة الأخيرة تباينت  المواقف الأروبية والأمريكية، فى التعامل معها، ففى حين صعّدت أوروبا من لهجتها بعض الشئ رغم المصالح المشتركة بينهما، وعلى رأسها مشروع «السيل الشمالي 2» بين روسيا وألمانيا، فضلاً عن قناعة فرنسا وألمانيا بضرورة تعميق العلاقات مع روسيا لاجتذابها إلى أوروبا وإبعادها عن الصين.

    وظهرهذا جلياً خلال تصريحات قائد البحرية الألمانية، الأميرال "كاي إخيم شوينباخ"،الذي قال: إن ألمانيا والهند، تحتاجان روسيا من أجل مواجهة الصين.

    وقال إنه: "مؤمن بالله ومؤمن بالمسيحية، حتى وإن كان بوتين ملحداً فذلك لا يهم، أعتقد بأهمية وجود هذه الدولة الكبيرة إلى جانبنا".

    لكن التصريحات الأمريكية، بدأت باستخدام لغة عدائية ضد موسكو، ودعوة الأوروبيين لوضع حد للنفوذ الروسي، والتخطيط لتطويقه داخل مناطق نفوذه التاريخية.

    جذورالنزاع الروسي الأوكراني

    بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، حصلت أوكرانيا على استقلالها عام 1991، بعد إجراء استفتاء للاختيار بين البقاء ضمن الاتحاد الروسي، أوالاستقلال،وصوّت 90% من السكان لصالح الاستقلال.

    وفي عام 2004، اندلعت ثورة البرتقال في أوكرانيا، وأطاحت بالرئيس "يانكوفيتش" الموالي لروسيا، لصالح يوشتشنكو، الموالي للغرب.

    لكن انتخابات 2010 أعادت يانكوفيتش إلى رئاسة أوكرانيا، مرة أخرى، الذي بدأ فى اتخاذ إجراءات لوقف التعاون مع الاتحاد الأوروبي، في ظل حالة من الانقسام الواضح داخل أوكرانيا بين فريقين، الأول يميل إلى الغرب ويريد الانضمام لحلف الناتو، والثاني يريد التقارب مع روسيا والانضمام لها، ويتركز فى الشرق، الذين يتحدثون اللغة الروسية كلغة أولى.[1]

    وفى مطلع عام 2014، اندلعت ثورة ضد الرئيس يانكوفيتش، على غرار ثورة البرتقال التي كانت داعمة للتقارب مع الغرب، لكن قوات الأمن الأوكرانية استخدمت العنف ضد المحتجين، فسقط نحو 100 قتيل برصاص القناصة، وهرب يانكوفيتش من العاصمة كييف.

    وتولى زعماء المعارضة الحكم خلفاً ليانكوفيتش، وأصدروا أوامر باعتقاله ومحاكمته بتهمة قتل المتظاهرين، لكن موسكو اعتبرت السلطة الجديدة في كييف "تمرداً مسلحاً" واستدعت سفيرها للتشاور.

     في المقابل، وجدت السلطة الجديدة في كييف دعماً متواصلاً من أوروبا الغربية والولايات المتحدة.

    وأعلنت الأقاليم الشرقية في أوكرانيا عدم اعترافها بالحكومة المركزية في كييف، ومن تلك الأقاليم شبه جزيرة القرم ودونباس وغيرهما.  وأعلنت حكومة إقليم القرم الانفصال عن أوكرانيا، وإعلان جمهورية القرم المستقلة.

    ووجّه حاكم القرم رسالة رسمية إلى روسيا طالباً، الانضمام إلى موسكو، ودخلت القوات الروسية إلى الإقليم وأعلنت ضمه رسمياً إليها في 2014، مما أدى إلى فرض عقوبات على موسكو، من جانب الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، لكن ذلك لم يوقف الدعم الروسي للانفصاليين في الأقاليم الشرقية الأخرى.

    أسباب الأزمة الأوكرانية الروسية

    النزاع الروسي الأوكراني ليس بجديد، فأوكرانيا تنظر إلى روسيا على أنها دولة محتلة لأراضيها، بعد ضم شبه جزيرة القرم ودعم منطقة دونباس المطالبة بالاستقلال عن كييف.

    لكن موسكو تنفي هذه التهم، بحجة أن عملية "استعادة القرم جاءت نتيجة لاستفتاء أُجري في القرم، وأنها ليست ضالعة في الحرب الأهلية في دونباس، وأنها من الدول الضامنة لاتفاقات مينسك للتسوية الأوكرانية، وليست طرفا فيها.

    وروسيا تنظرإلى قضية أوكرانيا على أنها مسألة أمن قومي، لقربها من البحرالأسود،الذي يتواجد فيه الأسطول الأمريكي وعدد من الأساطيل الأوروبية، وهوما تعتبره روسيا تهديداً لأمنها القومي.

    ويعتبر البحر الأسود بالنسبة لروسيا ممراً مائياً يصل روسيا (عبر مضيق البوسفور)،-الذي تسيطر عليه تركيا- بالبحر الأبيض المتوسط ويصل روسيا ببعض دول أوربا الشرقية، مثل رومانيا وبلغاريا.

     وروسيا ترى فى سعي الغرب لضم أوكرانيا للناتو، لإقامة قواعد للدرع الصاروخية في أراضيها، تهديداً لأمنها القومي.

    لذلك تسعى روسيا لمنع استخدام أوكرانيا كورقة ضغط ، تدفعها لتقديم تنازلات في بعض الملفات الدولية، لصالح السياسية الأميركية والغربية، والقبول بمقايضة أوكرانيا ببعض الملفات الهامة، فى مناطق أخرى.[2]

    وبالإضافة لمسألة الأمن القومي الروسي، يمكن عزو أسباب التوتر بين روسيا وأوكرانيا، إلى عدة أسباب منها على سبيل المثال:

  • تبني الرئيس الأوكراني " فلاديمير زيلينسكي" خطاباً قومياً قوياً ضد روسيا، ويسعى لإعادة بناء القوات المسلحة الأوكرانية، ويتعهد بإعادة الأراضي المحتلة من بلاده.
  • فرض قيود على اللغة الروسية، فقد فرضت أوكرانيا مؤخراً قيود كبيرة على اللغة الروسية التي يتكلم بها نسبة كبيرة  من الأوكرانيين فى المناطق الشرقية.
  • التحرك الأمريكي الأوكراني ضد خط غاز نورد ستريم 2، فمن بين أسباب التوتر بين روسيا وأوكرانيا مصير خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 (السيل الشمالي) إلى ألمانيا، والذي تريد كييف وواشنطن إيقافه.[3]
  • يعتبر بوتين طموح أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو تهديداً وجودياً لروسيا.
  • الرغبة في ضم مزيد من الأراضي الأوكرانية لأن روسيا تعبر أوكرانيا حديقة خلفية لها ووجودها ضمن المنظومة الروسية سينعش آمال إحياء الإمبراطورية الروسية من جديد.
  • أطماع روسيا فى الثروات الضخمة التي تتمتع بها أوكرانيا .
  • حرص روسيا  على حصول المناطق الشرقية ذات الأغلبية الروسية على حكم ذاتي يمنحها حق النقض نحو توجه أوكرانيا إلى الغرب، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو وهو توجه مدعوم بأغلبية كبيرة من سكان أوكرانيا البالغ عددهم 42 مليون نسمة.[4]
  • الغرب وأمريكا لن يدخلا حرباً

    ما يجعل روسيا أكثر اطمئناناً، هو علمها بأن الغرب لن يجازف بدخول حرب من أجل أوكرانيا، فعلى الرغم من تعهدات الغرب بدعم أوكرانيا، لكن لا يمكن تخيل أن أوروبا سوف تدخل في مواجهة مع روسيا، قد تتطور لحرب نووية.

    كما أن أمريكا أيضاً، فى ظل تداعيات المواجهة مع الصين، وخروجها قبل أشهرمن أفغانستان وإقرارها بالهزيمة، ليس بمقدورها الدخول فى مواجهة مع روسيا، وسوف تكتفي بفرض مزيد من العقوبات التي تستهدف الأفراد الروس، فضلاً عن قطاعي الطاقة والبنوك في البلاد ضد موسكو.[5]

    بوتين يبعث برسائل تهدئة للغرب

    وكما أن أوروبا وأمريكا لايقدمان على خوض مواجهات مع موسكو، فأيضا روسيا من مصلحتها عدم الدخول فى مواجهة، مع الغرب قد تتطور إلى حرب شاملة، ولكنها اكتفت باستعراضات عسكرية، وحققت بعض الأهداف، مثل زرع الشقاق داخل البيت الأوروبى، فضلاً عن حصولها على تأكيدات أوروبية بأن أوكرنيا لن تنضم إلى الناتو.

    وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارالألماني،"أولاف شولتز" في موسكو، أكد بوتين، بأن بلاده قررت سحب قواتها جزئياً من المناطق القريبة من أوكرانيا، وأنها ترى مجالاً لمزيد من المناقشات مع الغرب بشأن مطالب موسكو الأمنية، وإن بلاده أُبلغت بأن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي في المستقبل القريب.[6]

    وتسرب خلال زيارة ماكرون لموسكو، أن فرنسا مقتنعة بأن أوكرانيا لن تنضم يوماً للناتو، وأن مسألة انضمام أوكرانيا للناتو تشبه طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي بطلب دائم دون قبول أورفض نهائي.

    كما أن ماكرون، قال أمام الصحفيين: إن أحد الحلول هو جعل أوكرانيا مثل فنلندا، دولة محايدة مع مساحة من النفوذ الروسي الكبير فيها، ورغم نفيه أنه قال ذلك إلا أن الدبلوماسيين الفرنسيين تحدثوا عن هذا الخيار.

    اتفاقات مينسك تنهار تحت أطماع روسيا

    مدينة مينسك، عاصمة روسيا البيضاء،استضافت المفاوضات بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين في دونباس، إضافة إلى روسيا ومنظمة الأمن والتعاون الأوربية، واتفق الأطراف على وقف القتال وعقد هدنة وإبرام السلام، وتم توقيع اتفاقية"مينسك1″في سبتمبر 2014، التي اشتملت على 12 بنداً، كان من أبرزها تبادل الأسرى بين طرفي النزاع، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في مناطق الصراع، وسحب القوات الانفصالية أسلحتها الثقيلة من خطوط المواجهة مع القوات الحكومية، واستمرار المفاوضات للوصول إلى حل سلمي للصراع.

    لكن هذه الاتفاقية لم تصمد سوى 5 أشهر فقط، في ظل اختراقات مستمرة لطرفي الصراع لبنودها، وبالتالي سرعان ما اندلعت الصراعات مرة أخرى، وهو ما تسبب في مقتل أكثر من 2600 شخص، ثم ارتفع الرقم إلى أكثرمن 14 ألف قتيل، فيما بعد  بحسب بيانات الحكومة الأوكرانية[7].

    ثم عادت المساعي الدبلوماسية مرة أخرى، ونتج عنها توقيع عقد اتفاقية مينسك 2 في فبراير 2015، والتي وقَّع عليها قادة فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا، وتم عرض الاتفاقية على مجلس الأمن، الذي أقرها وأصدر قراره رقم 2202 لعام 2015 لحل الصراع في أوكرانيا على هذا الأساس.[8]

    واشتملت "مينسك2"على 13 بنداً، اعتبرت بمثابة خريطة طريق لحل النزاع بصورة شاملة.

    وكان من أبرز بنودها: الوقف الفوري لإطلاق النارمن الجانبين وتبادل الأسرى بين الطرفين، وأن تشرف منظمة الأمن والتعاون الأوربية على تسليم الانفصاليين أسلحتهم من الخطوط الأمامية، وأن تصدر الحكومة الأوكرانية عفواً شاملاً عن العسكريين الانفصاليين، وعن المقاتلين الانفصاليين جميعاً، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة في البلاد، وضمان تسليم المساعدات الإنسانية بشكل آمن،والعمل على إعادة الاندماج الوطني والاجتماعي والاقتصادي بين جميع الفئات في أوكرانيا، وبصفة خاصة في دونباس.

    وتعهدت أوكرانيا، بموجب بنود اتفاقية مينسك2، بتنفيذ تغييرات دستورية تنص على"اللامركزية"في البلاد وتطبيق النظام الفيدرالي، وفي المقابل يتم انسحاب جميع "التشكيلات المسلحة الأجنبية"، واستعادة النظام الأوكراني السيطرة على دونباس، لكن الاتفاقات كانت غامضة ومتنازع عليها، ولم يتم تنفيذها بالكامل مطلقاً.

    وترغب كييف في التخلص من الاتفاقية، لأنها بمثابة حصان طروادة بالنسبة لموسكو، للاحتفاظ بالسيطرة على أوكرانيا، إما من خلال زعزعة الاستقرار الداخلي أو من خلال آلية دستورية لوقف تحول البلاد إلى المعسكر الغربي، خاصة أن الاتفاق ينص على تمتع المناطق الانفصالية لـ"خصوصيات" يتم الاتفاق عليها "مع ممثلي هذه المناطق".

    وجادلت روسيا في تفسيرها الخاص لهذه "الخصوصيات"، بضرورة أن تشمل منح الممثلين المنتخبين في هذه المناطق حق النقض على قرارات السياسة الخارجية الأوكرانية، وضمن ذلك العضوية في الناتو.[9]

    وخلال لقاء بوتين مع ماكرون والمستشار الألماني قال : أفضل طريقة لحل المشكلة هي التزام أوكرانيا باتفاقات مينسك لعام 2014-2015 التي سعت إلى إنهاء الحرب في منطقة دونباس الشرقية". و"نحن على ثقة تامة من أن شركاءنا الغربيين سيمارسون التأثير المناسب على حكومة كييف".[10]

     

     

    مستقبل خط الغاز "نورد ستريم 2"

    خلال زيارة المستشار الألماني لموسكو، تلقى بوتين تطمينات غربية، بخصوص مستقبل خط غاز نورد ستريم 2 الذي ينقل الغاز الروسي مباشرة لألمانيا عبر بحر الشمال.

    وأن أى تسوية أوتهدئة لملف الأزمة الأوكرانية سيشمل بالضرورة، صفقة تفعيل خط غاز نورد ستريم 2، الذي انتهى العمل فيه فنياً، ولكنه يواجه خليطاً من العوائق البيروقراطية الألمانية الأوروبية، والقلق السياسي من تحوله لورقة ضغط إضافية في يد روسيا.[11]

    وفي ظل إصرار روسيا على تلقي حلول ولو جزئية، تكون واضحة في الملفات الثلاثة، وهي منع انضمام أوكرانيا للناتو، واتفاقيات مينسك، وخط غاز السيل الشمالي، فإن التلويح بالخيار العسكري سيبقى قائماً لضمان نيل بوتين بعض المكاسب من إثارته الأزمة، ولكن يحتاج بوتين إلى أن يعطي الغرب فسحة لحفظ ماء الوجه. [12]

    تركيا و الأزمة الروسية الأوكرانية

    دخول تركيا على خط الأزمة الأوكرانية يجعلها على المحك، لأنها دولة مشاطئة للبحرالأسود، فضلاً عن كونها،عضو فى الناتو، ولها علاقات طيبة مع  طرفي الأزمة؛ لذلك حرص الرئيس أردوغان، على القيام بوساطة بين البلدين لنزع فتيل الأزمة.

     لكن الرئيس بوتين، غير راض من تضامن أنقرة مع كييف، ودعم استراتيجية الناتو لتوسيع نفوذه في البحرالأسود، باعتبارها عضوا فى الناتو، وهو ما يطرح علامات استفهام عديدة بالنسبة إلى روسيا بشأن التزام تركيا بمعاهدة مونترو 1936 التي تنظّم حركة النقل البحري عبر مضيقي البوسفور والدردنيل اللذين يربطان بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود. وتكمن أهمية الاتفاقية في كونها تفرض قيداً على السفن العسكرية للدول غير الساحلية، وهذا يعني تقييد وصول القوات البحرية الأميركية وقوات حلف الناتو إلى البحر الأسود.

    وحاول الرئيس إردوغان، أن يحافظ على حياده خلال الأزمة، فدعا الرئيسين بوتين و زيلنسكي، إلى اللقاء في تركيا، لكن بوتين لم يستجب لهذه المبادرة، لأن بوتين اعتبرأردوغان غيرمحايد، لأن إردوغان يرى أن الصراع  فى دونباس يجب أن يُحلّ على أساس وحدة الأراضي الأوكرانية، وهو ما تعارضه موسكو، كما يرفض استعادة موسكو شبه جزيرة القرم، لذلك رفض بوتين وساطة أردوغان، وقال: عليه أن يؤثرعلى صديقه زيلنسكي، وينصحه بعدم خوض هذه المغامرة العسكرية في دونباس، وتنفيذ اتفاقات مينسك 2015، وإنه ليس لموسكو مشكلة مع أوكرانيا، مشكلتها مع الولايات المتحدة الأميركية.[13] 

    كما أن بوتين، لم يخف غضبه من أردوغان، لتزويد تركيا أوكرانيا بطائرات بيرقدار، فخلال محادثة هاتفية مع أردوغان، أثاربوتين، استخدام الأوكرانيين للمسيرات التركية، واصفا ذلك بالسلوك "المدمر" و"النشاط الاستفزازي"، وهو ما جعل وزير الخارجية التركية، مولود تشاووش أوغلو، يقول:إنه"لا يمكن إلقاء اللوم على أنقرة في شراء أوكرانيا للأسلحة".

    إلا أن تركيا، وإن كانت لها علاقات جيدة مع روسيا، لكنها ترى في أوكرانيا فرصة لتوسيع القائمة المتنامية لعملاء طائراتها المسلحة بدون طيار، والاستفادة من قدرات الإنتاج الدفاعي الأوكرانية، بما في ذلك قدرتها على تصنيع محركات الصواريخ.

    وبحسب صحيفة، واشنطن بوست فإن تركيا وأوكرانيا لا تمتلكان اتفاقا لتزويد يسمح لكييف باستخدام طائراتها كيفما شاءت فحسب، بل إن البلدين أيضا يريدان إقامة مصنع للطائرات من طراز بيرقدار في أوكرانيا.[14]

    تباين المواقف الدولية تجاه الأزمة:

    على المستوى الدولي، تباينت المواقف الدولية تجاه الأزمة الأوكرانية الروسية، فالولايات المتحدة منذ البداية اتخذت موقفاً حاداً ضد روسيا، من خلال التحذيرات بفرض عقوبات "غير مسبوقة"، وتلويح بعقوبات شخصية على بوتين.

    لكن المواقف الأوربية كانت مذبذبة إلى حد بعيد، فقد تعاملت  فرنسا مع الأزمة بنبرة حادة تارة، عبر التحذيرمن "دفع ثمن باهظ"، ونبرة هادئة تارة أخرى، عبر سلسلة من الدعوات للحوار و"خفض حدة التوتر".

    أما الموقف الألماني فكان غيرواضح، فمن جهة رفضت برلين تسليح أوكرانيا، ومن جهة أخرى، دعت إلى ضرورة الحوار مع موسكو، فيما يبدو التوجس الألماني واضحاً من حرب في أوكرانيا وما قد يحققه بوتين على حساب أوروبا.

    وفي تصريحات صارمة ، تعهّدت برلين بأن أى غزو لأوكرانيا  سيكون له"عواقب خطيرة"على روسيا، وأن عقوبات قد تستهدف خط أنابيب "نورد ستريم 2" المخصص لإيصال الغاز الروسي إلى أوروبا.[15]

    وكما كان الموقف الأمريكى حادا ضد روسيا  منذ البداية، كان الموقف الصيني واضحاً من القضية الأوكرانية، لكن على النقيض تماماً، فبينما  تساند بكين روسيا وتدعو إلى أخذ "المخاوف الأمنية المنطقية لروسيا على محمل الجد وتسويتها".، كانت أمريكا تتبنى مطالب أوكرانيا بالحفاظ على وحدة أرضيها وإيقاف التغول الروسى.[16]

    أما تركيا فسعت منذ البداية للعب دور حيادي، نظراً لعلاقاتها الطيبة مع الطرفين، وسعى الرئيس أردوغان  للوساطة بين الطرفين لكن الوساطة التركية لم تفلح [17].

    الرابحون والخاسرون فى الأزمة:

    لم ينفض بعد مولد الأزمة الأوكرانية، لكن هناك رابحون وخاسرون، والرابحون هم:

    أ. الصين:

    تبدو مكاسب الصين من الأزمة الأوكرانية متعددة وهي تمتد من الطاقة إلى المجالات التجارية والعسكرية إلى خلافها وتنافسها مع تايوان، إضافة إلى منافستها مع الولايات المتحدة.

    وبالتزامن مع الأزمة الأوكرانية، التي يتهم فيها الغرب موسكو بالتخطيط للهجوم على كييف، أعلنت الصين وروسيا إطلاق شراكة بلا حدود خلال مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي قاطعها الغرب دبلوماسياً؛ اعتراضاً على انتهاكات الصين في مجال حقوق الإنسان، لاسيما بحق مسلمي الإيغور.

    وقال البلدان في بيان مشترك: إن "الصداقة بين الدولتين ليست لها حدود، ولا توجد مجالات تعاون"محظورة"، وإن علاقتهما كانت متفوقة على أي تحالف في حقبة الحرب الباردة وإنهما سيعملان معاً بمجال الفضاء وتغير المناخ والذكاء الاصطناعي والتحكم في الإنترنت.

    ويمكن حصر مكاسب الصين فى الآتى:

  • أول مكاسب الصين من الأزمة الأوكرانية أنها استفادت عبر إبعاد التركيز الغربي، لاسيما الأمريكي، عن مسألة المنافسة مع بكين ومحاولة احتوائها.
  •      هذه السياسة التى بدأها الرئيس ترامب ، ثم تحولت إلى شعارلإدارة

         بايدن.

         وقد مدح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قائلاً: كان

         ترامب على حق فيما يتعلق بموقفه من الصين، وذلك خلال جلسة

         استماع، لتأكيد تعيينه أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس

         الشيوخ، في يناير 2021.

        وبالفعل، منذ بدء الأزمة الأوكرانية، حوّلت إدارة بايدن كل اهتمام

        البلاد، ومواردها العسكرية إلى أوروبا الشرقية بعيداً عن المحيط

        الهادي وشرق آسيا.

     

      2-  أوكرانيا فى مقابل تايوان:

    وبدا أن الصين وروسيا استغلتا يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لكي تبرز كل دولة منهما دعمها لموقف الأخرى في الخلافات مع  أمريكا وأوروبا بشأن أوكرانيا وتايوان مع وعد بمزيد من التعاون ضد الغرب.

    فلقد دعمت بكين، خلال القمة الأخيرة، مطلب روسيا بعدم قبول انضمام أوكرانيا إلى الناتو، في ظل حشد الكرملين أكثر من 100 ألف جندي بالقرب من جارته الغربية.

    في المقابل جددت موسكو بقوةٍ معارضتها أي شكل من أشكال استقلال تايوان، مؤكدةً أن الجزيرة المنشقة جزء لا يتجزأ من الصين.[18]

  • تعاون محتمل في مجالات التكنولوجيا العسكرية والمصارف:
  • ولكن هذه الشراكة الروسية الصينية يبدو أنها تمتد إلى أكبر من الدعم السياسي المتبادل، فهي تأتي في وقت يهدد الغرب موسكو بعقوبات، مما يجعل الصين في موقف تفاوضي أقوى في أي اتفاقات مع روسيا مثل صفقة الغاز العملاقة التي أبرمها الطرفان.

    ومن المتوقع أن الشراكة الجديدة قد تمتد للتعاون في مجال الصناعات العسكرية وأن ترفع روسيا بعض القيود التي تفرضها على نقل التكنولوجيا العسكرية على الصين، والتي كانت تخشى نقلها خوفاً من استنساخ بكين لها، وقد تقدم موسكو للصين بعض المساعدات التقنية لحل العديد من المشكلات الفنية في صناعة الأسلحة الصينية مثل محركات الطائرات، والعكس فقد تساعد بكين موسكو في تطوير تقنيات رادارات الطائرات التي تعتبرمن نقاط ضعف روسيا التقنية.

    كما يمكن أن تزود بكين روسيا ببعض التقنيات التي تهدد واشنطن بحجبها عنها إذا تحرشت بأوكرانيا مثل تقنيات أشباه الموصلات.

    والأهم قد تتجاوب بكين أكثر مع مساعي روسيا لإنشاء بدائل للأنظمة المالية الغربية التي تعتبر أقوى أداة في يد واشنطن للضغط على موسكو بعد أن لوحت الولايات المتحدة بإقصاء روسيا من نظام سويفت للتحويلات المصرفية بالدولار.

  • صفقة غاز ونفط عملاقة قيمتها 117 مليار دولار:
  • استغل بوتين المناسبة لترويج صفقة غاز ونفط جديدة مع الصين تقدر قيمتها بنحو 117.5 مليار دولار، ووعد بزيادة صادرات روسيا في الشرق الأقصى الروسي في وقت يتصاعد فيه التوتر مع العملاء الأوروبيين بشأن أوكرانيا.

    في ال