انعدام الثقة بنظام السيسي وراء تراجع تحويلات المصريين بالخارج

الأربعاء - 22 فبراير 2023

  •  "المركزي المصري" يعترف بتراجع التحويلات بنسبة 21% في الربع الثالث من 2022
  • 12 مليون مصري بالخارج يعزفون عن التعامل مع البنوك بسبب انخفاض سعر الصرف
  • قطاع كبير من المغتربين اعتمدوا على  قنوات غير رسمية لتحويلاتهم بعيداً عن المصارف
  • بأسعار صرف عالية.. سماسرة العملة الصعبة حققوا منافع مزدوجة لهم وللمستوردين بالداخل
  • تراجع قيمة الجنيه بأكثر من 90% منذ مارس 2022 دفع المغتربين للبحث عن بدأئل للبنوك
  • خبراء: مصر ستشهد تراجعا مستمرا في تحويلات الخارج والسوق الموازي سيكون الملاذ
  • أقتصاديون: تعدد القوانين المقيدة للتحويلات وقانون الإرهاب دفعا للتعامل مع سماسرة العملة
  • فقدان الثقة في البنوك الوطنية والسياسات الحكومية ستكلف الاقتصاد المصري خسائر فادحة
  • "الولى": مبادرة إعفاء سيارات المغتربين من الجمارك لم تحظ بإقبال ولن تحل أزمة الدولار

 

إنسان للإعلام- خاص:

التراجع المستمر في تحويلات المصريين المالية من الخارج، على مدار العام الماضي؛ بحسب اعتراف البنك المركزي، أكد فقدان حكومة السيسي ثقة أكثر من 12 مليون مصري مقيم بالخارج، ولجوئهم للسوق الموازية من خلال سماسرة الدولار، خاصة في دول الخليج، وعزوفهم عن التعامل مع البنوك الرسمية التى تمنحهم سعر صرف أقل من السوق الموازي، وبذلك فقدت مصر أكبر مصادر دخلها من العملة الصعبة.

توقع خبراء أن تشهد الدولة تراجعا مستمرا في تحويلات المصريين بالخارج، مع فقدان الثقة في البنوك الوطنية والسياسات الحكومية؛ مما سيكلف الاقتصاد المصري خسائر فادحة.

من خلال السطور التالية نفتح هذا الملف، ونرصد أسباب لجوء المصريين للأسواق الموازية، والقوانين التى دفعت المغتربين لتجنب اللتعامل مع البنوك الرسمية، وماسيترتب على هذه الأزمة بالنسبة للاقتصاد المصري. كما نرصد فشل حكومة السيسي في جذب دولارات المغتربين من خلال مبادرتي إعفاء سياراتهم من الجمارك، وبيع أراضي مميزة بالدولار.

تراجع التحويلات 21% في الربع الثالث من 2022  

كشف البنك المركزي المصري، في  شهر فبراير الجاري، عن تراجع قيمة تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنسبة 21% في الربع الثالث من العام الماضي، إثر انخفاضها إلى نحو 6.4 مليارات دولار في الفترة بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول من عام 2022، مقارنة بـ8.1 مليارات دولار في الفترة نفسها من عام 2021.

وتمثل تحويلات المصريين في الخارج أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد، تليها الصادرات والسياحة وإيرادات قناة السويس على الترتيب. وتزامن انخفاضها مع فترة تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار العام الماضي، وارتفاع سعر صرف العملة الأميركية في السوق السوداء (الموازية).

وفقد الجنيه أكثر من 90% من قيمته أمام الدولار منذ منتصف مارس/ آذار 2022، بسبب مرور مصر بواحدة من أكبر أزمات العملة في تاريخها، ما دفعها إلى التوجه إلى صندوق النقد الدولي، طلباً للحصول على قرض رابع بقيمة 3 مليارات دولار، وذلك بإجمالي قروض من الصندوق تبلغ 23.2 مليار دولار في أقل من 6 سنوات.

وارتفع سعر صرف الدولار في البنوك الرسمية إلى 31 جنيهاً مصرياً، علماً بأن توقعات العقود الآجلة للجنيه، التي تتنبأ بقيمة العملة على مدى 3-12 شهراً المقبلة، تشير إلى تداول العملة المصرية عند مستوى 32.65 إلى 35.40 جنيهاً مقابل الدولار.

وكانت صحيفة "العربي الجديد" قد كشف في 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن سماسرة العملة الصعبة بالخارج يحققون منافع مزدوجة للمصريين المقيمين في الخارج والمستوردين بالداخل معاً، بعدما اضطر قطاع كبير من المصريين بالخارج إلى اعتماد قنوات غير رسمية لتحويلاتهم بعيداً عن المصارف الرسمية، تجنباً لسعر الصرف الرسمي الضئيل -وقتها- مقابل سعر صرف عالٍ في السوق الموازية.

ومنذ بدء أزمة نقص الدولار في مصر بسبب خروج ما يعرف بـ"الأموال الساخنة"، التي قدرتها الحكومة بنحو 23 مليار دولار في العام الماضي، يودع مصريون في الخارج أموالهم في حسابات في الخارج لسماسرة التحويلات، مقابل أن يتسلمها ذووهم في الداخل بالجنيه في منازلهم عبر مندوب توصيل بسعر التحويل بالسوق السوداء. وتجري الأمور بالتفاوض وفق السعر المتذبذب والمتغير من سمسار إلى آخر.

وهؤلاء السماسرة الذين ساعدوا المصريين في الخارج على تحويل أموالهم بمقابل أكبر من سعر التحويل الرسمي، يؤدون مهمة أخرى على الجانب الآخر، وهي دفع هذه الدولارات للموردين الأجانب المتعاملين مع مستوردين مصريين عاجزين عن الحصول على الدولار من السوق الرسمية."1"

كما اظهرت أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، في نوفمبر 2022 ، انخفاض تحويلات العاملين بالخارج في الثمانية أشهر الأولى من العام الماضي  بنسبة 2.3 بالمئة إلى 20.9 مليار دولار، من 21.4 مليار دولار على أساس سنوي.

وقال المركزي المصري،وقتها ، إن تحويلات العاملين بالخارج سجلت 2.2 مليار دولار في أغسطس/آب 2022 ، بانخفاض 8.3 بالمئة عن 2.4 مليار دولار عن نفس الشهر من العام السابق2021 ، وتعد مصر إحدى أبرز الدول المستقبلة لتحويلات العمالة العالمية، حسب بيانات البنك الدولي."2"

وشهدت الاستثمارات في محفظة الأوراق المالية في مصر تخارج غير المقيمين، لتسجل صافي تدفق للخارج بلغ نحو 2.2 مليار دولار، تزامناً مع السياسات النقدية الانكماشية التي ينتهجها الفيدرالي الأمريكي، والتي تؤدي بدورها إلي نزوح الاموال الساخنة من الأسواق الناشئة، لتسفر الفترة الواقعة بين يوليو/ سبتمبر 2022 عن فائض كلي في ميزان المدفوعات بلغ 523.5 مليون دولار."3"

وأكد خبراء ان هذا الانخفاض الكبير جاء مدعوما بتقلبات سعر الصرف، بحسب الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، الذي يضيف للجزيرة نت أنه نتيجة هذه التقلبات الحادة والانخفاض المستمر في قيمة الجنيه فضّل بعض المصريين بالخارج تأجيل تحويلاتهم، أو أنهم قاموا بتحويل أموالهم من خلال مصارف غير رسمية، أي ليس عبر البنوك للاستفادة من فرق سعر الصرف بين "المركزي" والسوق السوداء التي برزت بقوة منذ بدء خفض قيمة الجنيه.

واشار الميرغني إلى أن بعض المستوردين والتجار أقاموا مراكز لتجميع العملة بالدول الخليجية، أكبر مصدر لتحويلات المصريين العاملين بالخارج، من أجل تسوية صفقات تجارية لديهم، أو للمضاربة على سعر الدولار.

وتوقع الخبير الاقتصادي أن يستمر التراجع في تحويلات المصريين إلى أن يستقر سعر صرف الدولار مقابل الجنيه وتعود الثقة بين هؤلاء المغتربين والجهاز المصرفي، لافتا إلى أن سعر الصرف لا يزال لا يعبر عن القيمة الحقيقية للجنيه.

وبلغت تحويلات المصريين في الخارج خلال العام المالي (2021 - 2022)، مستوى تاريخيًا عندما سجلت 31.9 مليار دولار، مقابل نحو 31.4 مليار دولار في (2020 – 2021)، ونحو 27.8 مليار دولار في العام المالي (2019 – 2020)، ما جعل مصر خامس أكبر متلقٍ للتحويلات الخارجية عالميًا، وفقًا لتقرير «الهجرة والتنمية» الصادر عن البنك الدولي في مايو الماضي."4"

أسباب تراجع تحويلات المصريين في الخارج  

أثار هذا الانخفاض في تحويلات المصريين بالخارج تساؤلات بشأن منحنى الهبوط المفاجئ في الربع الأول من العام المالي الجاري 2022-2023، وعلاقته باضطراب سوق الصرف وانهيار الجنيه المستمر والفرق الواسع بين البنوك والسوق السوداء، وإلى أي مدى يعتبر ذلك مؤشرا على فقدان الثقة بين المصريين بالخارج والسياسات النقدية والاقتصادية للحكومة المصرية.

وقد وصف خبير في الإدارة الإستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي، هذا التراجع "بالمفاجئ"، وقال إن هذا التراجع يأتي في الوقت الذي تطلق فيه الحكومة المصرية مبادرات تشجع العاملين بالخارج لتحويل مدخراتهم للداخل من خلال السماح باستيراد سيارات معفاة من الجمارك، وطرح شهادات دولارية بفائدة مرتفعة وطرح أراض للشراء بالدولار وكان من المتوقع زيادة التحويلات ولكن العكس هو الذي حدث.

واعتبر في تصريحات لـموقع"عربي21" هذا التراجع بهذه النسبة "مؤشرا يؤكد أن هناك أزمة ثقة بين المصريين العاملين بالخارج وبين النظام المصرفي في مصر والقائمين عليه ومرجعه السياسات النقدية الخاطئة التي انتهجها البنك المركزي مثل عدم قدرة ذوي المصريين بالخارج على سحب أموالهم بالعملة الصعبة، وتقلبات سعر الصرف، وتقديم السوق الموازي سعرا أعلى للعملة الأجنبية من البنوك المحلية".

وأكد أن "هذه رسالة أيضا مفادها أن على الحكومة المصرية مراجعة سياستها النقدية بشكل يشجع العاملين في الخارج على تحويل أموالهم بدلا من اللجوء إلى المصارف غير الرسمية؛ وبالتالي سوف يحرم ذلك الدولة من موارد دولارية كانت متاحة ستضطر للاقتراض لتعويضها".

وبحسب أحد المتعاملين بالعملات في السعودية فقد "دفعت محاولة النظام المصرفي المحلي الحصول على أموال المصريين بالخارج بأقل سعر إلى إيجاد بدائل غير رسمية إلى جانب السوق الموازي فظهرت تجارة التحويلات بدول الخليج حيث يقوم التجار باستلام العملات الأجنبية من المصريين بالخارج وتسليمها بالعملة المحلية إلى ذويهم بسعر أعلى من السعر الرسمي بالبنوك بدون أن يضطروا لتحويلها عبر البنوك".

وأضاف مفضلا عدم ذكر اسمه: "يمثل العاملون بالخارج في دول الخليج النسبة الأكبر سواء من عدد المصريين أو حجم التحويلات، والحكومة تحاول الحصول على أموالهم بأقل سعر، ولكن الحاجة الماسة للعملة الصعبة سواء للمصريين بالخارج أو المستوردين والتجار جعلت الجميع يبحث عن مصالحه الشخصية بالمقام الأول".

وبسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية المضطربة خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري في العام الحالي 2022/2023 إلى 4%، مقارنة بتوقعاته السابقة عند 4.4% في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

ويقول الخبير الاقتصادي واستشاري تمويل المشروعات، الدكتور علاء السيد: "لا شك أن هناك عدة أسباب لتراجع تحويلات المصريين في الخارج لأسرهم داخل مصر بنسبة 21% يأتي على رأسها اهتزاز الثقة في الاقتصاد المصري وفي قدرة الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي على النجاح فيما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد المرتبط بآخر قرض لمصر.

وأضاف: "أتصور أيضا أن من أسباب هذا التراجع في التحويلات اضطراب سوق العقارات وفشل المطورين العقاريين في استكمال مشروعاتهم بسبب انهيار قيمة الجنيه المصري وتأثير ذلك على ارتفاع أسعار مستلزمات البناء، وأتوقع أن فشل المبادرات الحكومية الخاصة باستيراد سيارات للمغتربين وشراء أراضي بالدولار بسبب عدم معقولية الشروط وانعدام الثقة في الحكومة يعد أيضا من أسباب انخفاض إجمالي تحويلات المصريين بالخارج لمصر".

ورأى أن "التضخم العالمي وارتفاع الأسعار وتكلفة المعيشة بالخارج أثرت أيضا على حجم التحويلات، وهناك سبب هام أيضا وهو رفض معظم فروع البنوك المصرية تسليم الحوالات للمستفيدين منها في الداخل بالدولار الأمريكي في ظل اتساع الفارق في سعر الدولار بين الجهاز المصرفي والسوق الموازية"، بحسب تعبيره.

أما عن تأثير هذا الانخفاض على مصر، فيقول السيد إنه "يتمثل في الضغط على حجم السيولة بالعملة الأجنبية في البنك المركزي مما يحد من قدرة الحكومة على تدبير العملة الأجنبية للمستوردين وسداد أقساط القروض الأجنبية وخدمة الدين، وإن كان هذا التأثير يتلاشى إلى حد ما بعد نجاح الحكومة المصرية في مضاعفة حد الاقتراض من عدة مؤسسات مالية دولية وكذا التدفق الحذر للمال الساخن وأذون الخزانة بالدولار"

وأكد السيد أن مجموعة القوانين التى قيدت كثير من تحويلات المصريين، وخاصة قوانين الإرهاب، دفعت الكثير من المصريين إلى عدم التعامل مع البنوك الرسمية واللجوء للأسواق الموازية وسماسرة العملة ."5"

ويُرجع الدكتور إسلام جمال الدين شوقي، الخبير الاقتصادي، وعضو «الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي»، تراجع تحويلات المصريين بالخارج في الفترة الأخيرة إلى أسباب عدة منها «إعادة ترتيب أولويات الإنفاق لدى كثير من المصريين العاملين بالخارج نتيجة ارتفاع مستويات التضخم والمعيشة.

وقال شوقي: إن من أهم أسباب تراجع تحويلات المصريين بالخارج، هي تقلبات سعر الصرف، وانهيار الجنيه المستمر، ما جعل البعض منهم يرسل النفقات الضرورية لأسرهم في مصر والاحتفاظ بالدولار لأكبر فترة ممكنة.

ومنذ مارس الماضي تعرض الجنيه لهزات قوية وانخفض بنسبة 100% عدة مرات من مستوى الـ15.70 جنيه إلى 32.20 جنيه قبل أن يرتفع قليلا؛ بسبب توالي الضغوط على العملة المحلية الناجم عن شح الدولار وتخارج الأموال الساخنة، وتراكم الالتزامات البلاد الخارجية.

وأضاف الخبير الاقتصادي أن من ضمن هذه الأسباب هي "وجود سوق موازية سوداء للدولار، ما يجعل الكثير من المصريين يفضلون التحويل بعيدًا عن البنوك»؛ بسبب وجود فرق واسع بين البنوك والسوق السوداء، تجاوز أحيانا حاجز الـ 20% ما جعل الكثيرين يعزفون عن استبدال العملة الأجنبية بالبنوك المحلية

ويضيف شوقي في تصريحات لـصحيفة «الشرق الأوسط» أن «هناك طريقة تعرف باسم المقاصة، وتظهر على سبيل المثال عندما يريد تحويل مبلغ من الدولارات إلى مصر، فيسلمه لشخص موجود معه في الدولة نفسها، على أن يقوم شخص آخر يتبع متسلم الدولارات، بتسليم أهل الشخص المرسِل مقابل هذا الدولار في مصر بالجنيه، وذلك مقابل سعر أعلى من السعر المعلَن عنه في البنوك، وتدخل هذه التحويلات في نطاق عمليات تحويلية غير مرصودة لدى بيانات أجهزة الدولة الرسمية»

ويُقدّر عدد المصريين العاملين بالخارج بنحو 12 مليون شخص، تحتضن المملكة العربية السعودية منهم نحو 2.5 مليون، تليها الإمارات والكويت، ويعمل بكل منهما نحو 600 ألف مصري، حسب تصريحات متلفزة أدلت بها سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، في سبتمبر من العام الماضي ."6"

فشل محاولات حكومية مستمرة لجذب الأموال

وحاولت حكومة السيسي مرار وتكرارا جذب المصريين لتحويل أموالهم لمصر ، من خلال مشروعات عدة ومنها طرح أراضي للبيع بالدولار، وقد أعلنت وزارة الإسكان، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية، تفاصيل أول طرح من الأراضي المخصصة للمستثمرين بالنظام الجديدة وهو تخصيص الأراضي بالدولار، ولكن كان الاقبال ضعيف للغاية على هذه الأراضي، التى لم يتم بيع أكثر من 10% منها حتى الآن. "7"

وكان من حيل الحكومة للاستيلاء على دولارات المغتربين ، إعفاء سياراتهم   من الضرائب،  مقابل إيداع قيمة تلك الرسوم الضريبية بالدولار بحساب لوزارة المالية.   

وأكد الخبير ممدوح الولى أن هذه الحيلة لم تنجح في جذب دولارات المغتربين وانه ليس حلال لأزمة الدولار بمصر، وأشار الى تفاقم مشكلة نقص الدولار في مصر منذ مارس/آذار الماضي نتيجة خروج أغلب الأموال الساخنة الأجنبية، وتحوّل صافي الأرصدة بين الأصول والالتزامات من العملات الأجنبية بالبنوك تجاه غير المقيمين جراء العجز ومواصلة الأسعار العالمية ارتفاعها عقب الحرب الروسية الأوكرانية، مما أعاد السوق السوداء للتعامل بالدولار وجعل الطلب يزداد على الاحتفاظ به والمضاربة فيه.

وأضاف الولى: وكالعادة تلجأ السلطات إلى تقليل الواردات لأنها تمثل المكون الأكبر من المدفوعات للخارج، لكن ذلك تسبّب باضطراب في السوق نتيجة تكدس السلع المستوردة بالموانئ، بانتظار تدبير البنوك للدولار لإكمال إجراءات الإفراج عنها، مما منع وصول المواد الخام ومستلزمات الإنتاج إلى المصانع، وعطّل جانبا من الطاقات الإنتاجية ورفع أسعار تلك السلع بالأسواق

واشار الى ان إدخال سيارة يتطلب حسابا تراكميا للضرائب والرسوم، فمع سيارة ذات منشأ كوري أو ياباني أو أميركي ذات سعة لترية حتى 1600 سي سي: أولا مطلوب دفع 40% من ثمن السيارة كضريبة جمركية عليها، ثم دفع نسبة 3% كرسم لتنمية الموارد على مجمل ثمن السيارة والضريبة الجمركية معا، ثم دفع ضريبة تسمى ضريبة جدول بنسبة 1%.

وبمرور الشهور زاد نشاط السوق السوداء للدولار، لتستقطب جانبا من تحويلات المصريين بالخارج، على حساب إرسالها عبر البنوك المحلية، وزاد الطلب على الدولار للاحتفاظ به والمضاربة فيه في ضوء استمرار الانخفاض التدريجي لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي.

ومن ثم زاد العجز بالعملات الأجنبية في الجهاز المصرفي حتى بلغ 20 مليار دولار في أغسطس/آب الماضي، ومع زيادة حدّة الأزمة في الأسابيع التالية اضطرت السلطات إلى إصدار إجراءات أخرى متتالية.

واضاف الولى : منها رفع أسعار الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية في الثلث الأول من أكتوبر/تشرين الأول بعد أن ظلت ثابتة طوال شهور الأزمة، في محاولة منها حينذاك لإيجاد فارق متسع بين سعر الفائدة المرتفع على الودائع بالجنيه المصري، والفائدة الأقل على الودائع بالعملات الأجنبية لتقوية مركز الجنيه أمام الدولار، لكن انخفاض الجنيه أمام الدولار تتابع حتى بلغت نسبة الانخفاض 25% منذ مارس/آذار حتى بدايات أكتوبر/تشرين الأول.

وأكد الوى ان هذا جعل حملة الدولار لا ينظرون إلى الفارق بين سعر الفائدة على الجنيه والدولار، الذي يعد أقل كثيرا من نسبة تغير سعر الصرف، فضلا عن توقعهم لخفض أكبر لقيمة الجنيه أمام الدولار حسب مطلب صندوق النقد الدولي، مما جعل السلطات تسعى لاستقطاب جانب من تلك الدولارات للبنوك بسعر فائدة أعلى، بخاصة أن الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية بمصر كانت أقل من أسعار الفائدة على تلك العملات في بلادها، بعد زيادات أسعار الفائدة بها في العام الحالي.

وقال الولى وحتى بعد الزيادة الجديدة سيظل جانبا من حائزي الدولار محتفظين به بعيدا عن البنوك، للاستفادة منه في البيع والشراء وتحقيق مكاسب جيدة، بينما يتطلب الحصول على عائد 5% عليها الاحتفاظ بها في البنوك لمدة 3 سنوات، وهو أمر يمكن أن يلقى قبولا بعد استقرار سعر الصرف، كما سيحتفظ كثيرون بالدولار لشراء احتياجاتهم من الخارج بعد التضييق على استخدام بطاقات الائتمان

وقال الولى: أما الإجراء الثاني فتمثل في تقييد استخدام بطاقات الائتمان المملوكة للمصريين لدى وجودهم بالخارج، بخفض حد السحب النقدي الشهري إلى 250 دولارا، وأكثر من ذلك قليلا للمشتريات ومعاملات الخدمات وهو إجراء سبق تطبيقه في عام 2016، لكن أثره ليس كبيرا فقد بلغت قيمة مدفوعات المصريين في الخارج من خلال بطاقات الائتمان بالعام المالي 2020/2021 نحو مليار و719 مليون دولار حسب البيانات الرسمية، وبالطبع فإن التعاملات بالبطاقات ستقلّ قيمتها لكنها لن تتوقف.

وقال: الإجراء الثالث كان الإعلان عن إعفاء سيارات المغتربين المصريين بالخارج من الجمارك والرسوم الضريبية، مقابل إيداع قيمة تلك الجمارك والرسوم الضريبية بالدولار بحساب لوزارة المالية في أحد البنوك، لمدة 5 سنوات بلا فوائد على أن يتم الحصول على المبلغ بالعملة المحلية بعد السنوات الخمس بسعر الصرف حينذاك.

وبالفعل كانت هناك مطالب قديمة للمصريين بالخارج بتسهيلات لإدخال سياراتهم إلى البلاد، لكن ما حدث بعد ذلك الإعلان الذي لم يتحول بعد إلى إجراء قانوني واضح الملامح، هو موجة التفاؤل بشأن عدد السيارات المتوقع دخولها البلاد في إطار تلك التيسيرات التي سمحت للمغترب بإدخال سيارات يمكن مرور 3 سنوات على تاريخ "موديلها"، وإمكان إدخال الأسرة عدد سيارات بعدد أفرادها  البالغين، وإمكانية بيع السيارة في اليوم التالي لإدخالها إلى البلاد.

وأشار الولى الى توقع البعض بلوغ عدد تلك السيارات مليوني سيارة، بينما توقع وزير المالية بلوغها نحو نصف مليون سيارة، وهي تقديرات متفائلة حيث لا يوجد عدد رسمي للمصريين في الخارج، وما يتردد عن كونهم 10 ملايين أو أكثر مجرد تقديرات، وأيا كان العدد فإنه يضم الزوجات والأبناء المرافقين، كما لا توجد بيانات عن الشرائح الاقتصادية لهؤلاء، بخاصة العمالة الحرفية البسيطة، فإدخال سيارة من الخارج أصبح أمرا مكلفا لا يقدر عليه كثيرون.

وقال : وعلى مجمل المكونات الثلاثة: قيمة السيارة والضريبة الجمركية وقيمة رسم التنمية معا، ثم ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14% على مجمل المكونات الأربعة السابقة معا، وهي قيمة السيارة والضريبة الجمركية ورسم التنمية وضريبة الجدول ، ومع زيادة السعة اللترية من 1600 سي سي حتى 1999 سي سي، ترتفع ضريبة الجمرك إلى 135% من قيمة السيارة، كما ترتفع ضريبة الجدول إلى 15% من قيمة كل من ثمن السيارة والضريبة الجمركية ورسم التنمية، ومع السعة اللترية من 2000 سي سي فأكثر، ترتفع نسبة رسم التنمية إلى 8.5%، وترتفع نسبة ضريبة الجدول إلى 30%، وكلها يتم حسابها تراكميا، وذلك يعني أنه في حالة استيراد سيارة قيمتها نصف مليون جنيه ذات سعة أكثر من 2000 سي سي، ستصل قيمة الرسوم والضرائب عليها إلى مليون و389 ألف جنيه، موزعة بين 675 ألف جنيه ضريبة جمركية، ونحو 100 ألف رسم تنمية وقرابة 382 ألف ضريبة جدول و232 ألف جنيه ضريبة قيمة مضافة.

وهي قيمة قد لا يستطيع كثير من المغتربين دفعها، فما بالنا بضرائب السيارات الأكثر سعرا، مع وجود أولويات لدى البعض لشراء قطعة أرض لبناء منزل عليها أو شراء منزل للإقامة فيه، مما يعزز المكانة الاجتماعية وسط الأقران، بينما أصبح امتلاك سيارة أمرا مكلفا مع ارتفاع أسعار الوقود وقطع الغيار، والرفع المستمر لرسوم الترخيص السنوي ومشتملاته المتعددة.

واضاف الولى وحسب مجلس معلومات سوق السيارات (أميك)، فقد بلغ عدد السيارات "الملاكي" المستوردة التي بيعت في العام الماضي 158 ألف سيارة مقابل 57 ألف سيارة من التصنيع المحلي، من إجمالي 215 ألف سيارة خاصة بيعت. وأشارت بيانات جهاز الإحصاء إلى بلوغ قيمة السيارات الخاصة المستوردة في العام الماضي 3 مليارات و575 مليون دولار، مقابل مليارين و766 مليون دولار في العام السابق

وفى حالة تحقق تقديرات وزير المالية بدخول نصف مليون سيارة، فإن قيمة جماركها ورسومها ستصل، حسب قوله، إلى 2.5 مليار دولار، إلا أن هذا الرقم في حالة تحققه سيكون غالبا لمصلحة شراء سيارات لبيعها لآخرين، لكنه سيضيف أعباء على حالة المرور بالشوارع المكدسة أصلا

وهذا سيضيف أعباء أخرى على طاقة التخزين للسيارات المستوردة بالموانئ والتي تعاني من التكدس حاليا، وسيرتب أعباء إضافية لإدارات المرور المزدحمة أصلا، ويتسبب في مزيد من العوادم وتلويث البيئة وهو ما يتعارض مع تبنّي مصر لعقد مؤتمر المناخ العالمي في الشهر القادم.

لكن استفحال أزمة الدولار الذي جعلها تبيع الغاز الطبيعي الأقل تلوثا للخارج، وتستبدله بالمازوت الأكثر تلويثا بمحطات إنتاج الكهرباء؛ يجعلها لا تمانع من أجل مزيد من الدولارات أن تتنازل عن شرط استيراد سيارة بنفس سنة الموديل، بسيارات مستعملة 3 سنوات أكثر إنتاجا للعوادم."8"

المصادر:

  1. "تراجع تحويلات المغتربين المصريين 21% خلال الربع الثالث من 2022" ، العربي الجديد، 2 فبراير 2023، https://cutt.us/s9qJi
  2. أحمد حاتم ، " تراجع تحويلات المصريين بالخارج لـ 20.9 مليار دولار في 8 أشهر" ، وكالة أنباء الاناضول ، 17نوفمبر 2022 ، https://cutt.us/yC7Bs
  3. "تراجع تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 20.9%" ، مواقع نوافذ 3فبراير 2023 ، https://cutt.us/nRi1i
  4. محمد عبدالله، "قفزة في إيرادات السياحة.. هل تعوض التراجع الكبير في تحويلات المصريين بالخارج؟" ، الجزيرة نت ، 11/2/2023، https://cutt.us/CxleH
  5. محمد أحمد ، "لماذا تراجعت تحويلات المصريين في الخارج من العملة الصعبة؟" ، عربي21، 4فبراير 2023 ، https://cutt.us/2jSYy
  6. "أهمها السادسة.. 9 أسباب وراء تراجع تحويلات المصريين في الخارج" ، نافذة مصر ، 5 فبراير 2023 ، https://cutt.us/LAc9o
  7. محمد عبدالناصر ، "السداد بالدولار والتخصيص فوري.. تفاصيل أول طرح أراضي المستثمرين في 4 مدن جديدة" ، مصراوي ، 10 يناير 2023، https://cutt.us/svhhT
  8. ممدوح الولي، "أعفاء سيارات المغتربين المصريين من الضرائب لن يحل مشكلة الدولار"، الجزيرة نت ، 18/10/2022 ، https://cutt.us/qXa8n