بريطانيا و "الإخوان".. هكذا يزوّر الانقلابيون التاريخ لأهداف سياسية!

الثلاثاء - 21 مارس 2023

  • إعلام السيسي يردد أكذوبة "الإخوان صنيعة بريطانية" رغم عداء حكومات المملكة المتحدة التاريخي للجماعة
  • وثائق استخبارية: بريطانيا رتبت بشكل محكم مع عبد الناصر  بعد 1952 لمنع "الإخوان" من الوصول للحكم
  • حاول الإنجليز بكل السبل شراء الإخوان.. وعندما فشلوا ضغطوا على الحكومة المصرية لحل الجماعة واعتقال أفرادها
  • تقرير لجنة "جينكنز" صدر بضغوط مصرية سعودية إماراتية لكنه لم ينجح في تصنيف "الإخوان" كجماعة إرهابية
  • مفتي الإعدامات في مصر قام بمهمة سياسية أمنية لشيطنة الإخوان في بريطانيا لكن جهوده باءت بالفشل

 

إنسان للإعلام- خاص:

في يوم 13 مارس 2023، بثت قناة المخابرات المصرية الجديدة (القاهرة الإخبارية) تقريرا مشبوها يهاجم بريطانيا لأنها تستضيف معارضين تركوا مصر خوفا من بطش نظام السيسي، ومنهم أعضاء في جماعة الإخوان.

التقرير المعد بطريقة ساذجة حاول الربط بين لندن والاخوان منذ أيام الملكية ليخلص إلى أن لندن هي "ماكينة تفريخ الجماعات الإرهابية"، وأنها "تتمسك بالعلاقة الوثيقة بين الإنجليز والإخوان"، بحسب زعمه.

حديث "إعلام الانقلاب" عن العلاقة بين الإنجليز والإخوان، هو محاولة لفبركة علاقة مزعومة، رغم سعي بريطانيا، قبل أعوام قليلة، لشيطنة الجماعة وإدخالها ضمن تعريفات "الإرهاب" البريطانية، وهو السعي الذي باء بالفشل.

إصرار إعلام الانقلاب على خلق علاقة بين الإخوان والمخابرات البريطانية ثبت تعارضه تماما مع ما تم كشفته ف ي يوليو 2022 وثائق استخباراتية بريطانية رفعت عنها السرية؛ فقد تحدثت الوثائق عن أن المخاربرات البريطانية سعت "لمنع الإخوان من حكم مصر" بعد انقلاب يوليو 1952، وبينت كيف وقفت بريطانيا "ضد إخوان مصر لمنع وصولهم للحكم"، لكن إعلام الانقلاب حاول تزوير الحقائق؛ غضبا من استضافة لندن معارضين مصريين.

كيف تآمرت بريطانيا بعد 1952؟

في يوليو 2022، أفرجت الحكومة البريطانية عن وثائق استخباراتية بريطانية رُفعت عنها السرية تعود لفترة النكبة واحتلال الصهاينة لدولة فلسطين في أربعينات القرن الماضي.

الوثائق الحكومية البريطانية كشفت حقائق مذهلة عن دور جماعة الإخوان المسلمين وضباط ثورة 1952 والنكبة، وأظهرت أكاذيب عديدة قيلت في حق المقاومين المصريين من جماعة الاخوان وبطولات الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم.

أظهرت دور بريطانيا في منع الاخوان من المشاركة في حكم مصر عقب النكبة وعقب ثورة 1952 خشية تضرر المصالح الغربية، وهو ما فعله الغرب مع ثورات الربيع العربي 2022 بالتآمر مع قوي الدولة العميقة لهدمها بعد وصول الإسلاميين للحكم بصندوق الانتخابات.

وكشفت الوثائق الحكومية، التي نشر بعضها موقع هيئة الإذاعة الرسمية "بي بي سي" في 3 أغسطس 2022، ونشرت مواقع أجنبية تفاصيل عنها أن استخبارات المملكة المتحدة حذرت قبل 70 عاما من مغبة أن يمكن الجيش المصري (الضباط الأحرار) جماعة الإخوان المسلمين من الوصول إلى حكم مصر بعدما أظهروا بطولات في حرب فلسطين.

أظهرت الوثائق البريطانية أن استخباراتها حذرت حينئذ من عواقب تمكين الجيش المصري جماعة الاخوان من الحكم بعد ثورة 23 يوليو، وأرجعت ذلك إلى أن الإخوان كانوا يتمتعون بشعبية طاغية بين الجيش والشعب في تلك الحقبة، وكانوا الأقدر على الفوز بأي انتخابات، حسب الوثيقة البريطانية.

ذكرت أن جماعة الإخوان المسلمين كانت قوية منذ نشأتها عام 1928 على يد مؤسسها حسن البنا، وساهمت في إثراء وتغيير الحياة السياسية والاجتماعية آنذاك، عندما كانت مصر ترزح تحت الاحتلال البريطاني.

بريطانيا خشيت عقب تحرك ضباط الجيش في 23 يوليو 1952، ليس منهم ولكن من الإخوان، بعدما علمت أنهم كانوا ضلعا رئيسا في حركة الضباط، وعدتهم القوى العالمية، وعلى رأسها بريطانيا، خطرا داهما على الاستعمار وأفكار الرأسمالية.

بحسب الوثيقة البريطانية، كان تقدير الاستخبارات البريطانية بعد حركة الضباط الأحرار التي أطاحت بالملك فاروق، يقوم على أنه إذا "لم يستطع نجيب الاحتفاظ بالسيطرة على الضباط الشبان وضبطهم، فإن هناك خطرا جديا في أن فصيل الإخوان أو الوفد سوف يكون له اليد العليا".

ورجحت الاستخبارات، عبر ممثل البحرية البريطانية في مكتب إس آي إم إي، أن تكون "يد الإخوان هي العليا" في مصر، وسيتحكمون في الحكومة والجيش، ووصفتهم بـ "البعبع"، قائله: "أضعفنا شبح (البعبع) الشيوعي، والشعور الآن هو أن الأهم أنه لا يجب أن نسمح لـ(بعبع) الإخوان المسلمين بأن يكون له تأثير كبير في 1952.

أكدت أن الاستخبارات البريطانية سعت للقضاء على مراكز قوة المجتمع المصري، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد (ليبرالي)، لأن الحكومة البريطانية خشيت أن يمسك الإخوان المسلمون بزمام السلطة، بسبب شعبيتهم الجارفة.

وجاء في إحدى الوثائق أنه "إذا قرر الإخوان المسلمون دخول المعترك السياسي (بعد ثورة 1952) فإنهم سيكتسحون الجميع في الانتخابات القادمة، ولن يكون لحزب الوفد فرصة في المشهد".

وأرجعت ذلك لمجموعة أسباب أهمها أن 6 من 10 ضباط من كبار قادة الحركة هم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، كما أن "20 بالمئة من الجيش أعضاء في الإخوان المسلمين مقارنة بـ 4 في المئة فقط أعضاء في حزب الوفد".

وقالت: "لو وصل الإخوان للسلطة فإنهم يملكون سلاحا نفيسا لا يقدر بثمن يتمثل في كتائبهم التي لم يتم، كما هو معروف، حلها أبدا"، وأكمل "لا تزال تملك كميات كبيرة من الأسلحة، لم تستخدم بشكل كامل في منطقة القناة"، في إشارة إلى كتائب الإخوان التي كانت تقاوم الإنجليز في القناة وفي فلسطين.

ذكرت الوثائق أن بريطانيا قامت بترتيب محكم مع أطراف من الضباط الأحرار، على رأسهم جمال عبد الناصر؛ لمنع الجماعة من الحكم والمشاركة في الحكومة، وهو ما ينفي ما زعمه إعلاميون مصريون وعرب عن أن الإخوان "صناعة بريطانية".

بحسب الوثائق عرض "مجلس قيادة الثورة" برئاسة اللواء محمد نجيب، رئاسة الحكومة على المستشار حسن الهضيبي، المرشد العام للإخوان المسلمين في ذلك الوقت، وأن الهضيبي، نجح في إحياء الجماعة لتصبح ذات شعبية ونفوذ سياسي كبيرين في الشارع المصري، حسب تقدير المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط.

وأظهرت الوثائق قلق بريطانيا من "مفهوم الإخوان الإسلامي للدولة"، والذي قالت إنه "نموذج الدولة المثالي الإخواني القائم على مبادئ القرآن"، زاعمه أن هذا لم يكن يناسب المرحلة الحالية من تطور العالم" حينئذ.

هل دعم الإنجليز الإخوان فعلا؟

قبل ذلك بسنوات، حاول الإنجليز رشوة الإخوان وإعطائهم المال حينما أوفدوا المستشرق البريطانى هيورث دان لإجراء اتصالات مع الإخوان، وطلب منهم دعم الإنجليز ضد الألمان فى مقابل تقديم الإنجليز دعمًا ماليًا للإخوان قدره عشرون ألف جنيه.

غير أن الأستاذ أحمد السكري (وكيل الجماعة آنذاك رد عليهم بقوله –كما أوردت جريدة الإخوان المسلمين، العدد 10 ،صـ9 الموافق 22 ذو القعدة 1373هـ / 22 يوليو 1954م-: ألا فلتعلم يا مستر دان أنك لن تستطيع أن تشترينا بالمال .. إن الشعوب التى تعاونكم بالنقود تبيعكم بالنقود.

وأضاف: إذا كنت تريد أن تشترى الإخوان ومن ورائهم الشرق العربي فهناك شروط:

1-عليكم أن تتفقوا معنا على الجلاء التام الناجز عن وادي النيل.

2-عليكم أن تتفقوا مع فرنسا على إخلاء سوريا ولبنان من جنودها.

3-عليكم أن تخلوا فلسطين للعرب.

4-عليكم أن تمدونا بالأسلحة والمعدات، ونحن مستعدون لطرد الطليان وحكومة فيشى من شمال أفريقيا، ونحمى بلادنا من أى غزو أجنبى".

وهنا وقف دان وقال: "هذه سياسة عليا، وإنما مهمتي عمل الدعاية فقط، وعلى كلٍّ فسأحضر مستر كلايتون بعد ذلك.

وحينما التقى مستر كلايتون –اللورد كليرن- بالإمام البنا عرض عليه أن يجدد الإنجليز للإخوان مركزهم العام وجريدتهم الأسبوعية وجعلها يومية والإنفاق عليها، وتوفير وسيلة نقل للمرشد العام، ثم قال للإمام البنا: " ولا بأس أن نبدأ بدفعة أولى خمسين ألف جنيه أو مائة ألف، ويتوالى الأمر بعد ذلك كل شهرين أو ثلاثة أو أربعة نزيدها أو نقدم مثلها" وأضاف " يمكن أن نجعل الدفعة الأولى خمسمائة ألف".

فرد عليه الإمام البنا بقوله: "إن الرجل من الإخوان يدفع اشتراكًا فى الدعوة خمسة قروش فى الشهر، وأيسر الإخوان حالا قد يدفع جنيهًا، هذا فى الظروف العادية، أما عند الحاجة فالرجل من الإخوان لا يملك إلا أن يقدم نفسه وماله وبيته للدعوة؛ لذا فنحن لسنا فى حاجة إلى أن نملأ هذه الخزائن الحديدية؛ لأن خزائننا هى قلوب الإخوان؛ ولهذا فلو شئت سأجمع من هؤلاء الرجال مئات الآلاف فى أقل من أسبوع، فنحن لسنا كأى هيئة لقيتها من قبل" ثم أضاف " وأنصحك أن توفر كل قرش لخزينة بلادك؛ لأننا لن نقبل شيئًا من مثلكم، كما أن الزعماء الذين تشترونهم بأموالكم لا يملكون إلا أنفسهم، أما الشعوب فلن تقبل بغير استقلالها التام مهما كلفها من ثمن".

هذا هو وضع الإخوان مع الإنجليز وعندما جاءت وزارة الوفد أراد الإمام البنا الترشيح لمجلس النواب عام 1942م، غير أنه ما إن علم الإنجليز حتى ضغطوا على النحاس باشا بأن يضغط على حسن البنا بالتنازل عن الترشيح ففعل وتنازل الإمام البنا تحت الضغط، ليس ذلك فحسب، بل حاولوا أكثر من مرة اغتياله أو حل جماعته كما ورد في صحيفة روزاليوسف تحت عنوان (4 محاولات لحل جماعة الإخوان المسلمين) العدد (1035)، 4 جمادى الآخرة 1367هـ/ 13 أبريل 1948م، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل قام الإنجليز- بمعاونة أحمد ماهر رئيس الوزراء- بتزوير الانتخابات لصالح سليمان عيد المحسوب على الإنجليز والذي كان يمد المعسكرات الإنجليزية بكل شيء، وما دور الإخوان في حرب فلسطين بمستخفٍ عن أحد وهو الذي دفع الإنجليز للضغط على النقراشي لحل الإخوان واعتقال أفرادها.

كما كانت محطة حرب فلسطين 1948 ذروة محطة المواجهة بين الاخوان والانجليز، فلا يخفى على أحد دعم الانجليز لقوات الاحتلال الصهيونى، وكان فدائيو الاخوان رقم صعب فى هذه الحرب، ومن ثم اجتمع سفراء الإنجليز وأمريكا وفرنسا في مدينة فايد في 11 نوفمبر 1948م وطلبوا من النقراشي باشا إصدار قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين، فكما جاء في الوثيقة الممهورة بإمضاء الماجور (أوبريان ماجور) السكرتير السياسي للقائد العام للقوات البرية البريطانية في الشرق الأوسط والتي جاء فيها أنها مرسلة إلى رئيس إدارة المخابرات رقم (13) تحت رقم قيد: (1843 /أى/ 48) يعلمه فيها باجتماع السفراء واتخاذ قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين عن طريق السفارة البريطانية، فرفع الكولونيل (أ. م. ماك درموث) رئيس المخابرات البريطانية هذا الأمر تحت رقم قيد (1670/ أ ن ت/ 48) إلى إدارة: ج . س . 3 بتاريخ 20/11/1948م، ليعلم حكومة الملكة بذلك، وفعلاً كلف السفير البريطاني النقراشي باشا باتخاذ الإجراءات اللازمة للحل.

تقرير  لجنة جون جنكينز

في أبريل 2014، أصدر ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، قرارا بتشكيل لجنة لمراجعة أنشطة "الإخوان" في بريطانيا، برئاسة السير جون جنكينز  سفير بريطانيا الأسبق في السعودية، وذلك بضغوط كبيرة من 3 دول عربية رئيسية تشن حربا ضروسا ضد حركة الاخوان وتصنفها كحركة “ارهابية” هي: مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، ومارست هذه الدول ضغوطا على الحكومة البريطانية من اجل حظر  جماعة الإخوان، وعدم السماح بتحول بريطانيا الى “ملاذ آمن” لقيادتها.

وكشفت صحيفة "الغارديان" في 6 نوفمبر 2015 أن الإمارات هددت حينئذ بوقف صفقات أسلحة بمليارات الدولارات مع بريطانيا، وإيقاف استثماراتها وتعاونها الاستخباري مع لندن، لو لم تستهدف الأخيرة الإخوان المسلمين.

لكن في 17 ديسمبر 2015، خلُص تقرير الحكومة البريطانية إلى أنه "لا ينبغي تصنيف الجماعة "منظمةً إرهابية" أو حظرها، ولكنه زعم أن "عضوية الحركة أو الارتباط بها يجب أن يعد مؤشرا لتطرف محتمل".

وأثناء إعلانه نتائج التقرير، أكد ديفيد كاميرون، أن بلاده لن تحظر جماعة الإخوان المسلمين، ولكن أنشطتها ستكون محل رقابة في الداخل والخارج.

وقد أثار قرار تشكيل اللجنة لغطاً وشكوكاً كثيرين، حول طبيعة اللجنة والهدف من تشكيلها. ولم يكن مقنعاً لكثيرين ما قاله كاميرون، حين أصدر قرار مراجعة أنشطة "الإخوان" في إبريل/نيسان 2014، بأن الهدف من اللجنة هو التعرف على أفكار جماعة الإخوان المسلمين، وما إذا كانت هذه الأفكار تمثل مرجعاً إيديولوجيا وفكرياً للجماعات المتطرفة في العالم، وهل ثمة علاقة بين "الإخوان" وهذه الجماعات، فالبريطانيون أكثر من يعرفون طبيعة فكر جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها، سواء داخل بلدهم أو خارجها، حيث يقيم عدد كبير ومؤثر من المنتمين للجماعة في بريطانيا منذ عقود.

 كما يدرك المسؤولون البريطانيون جيداً الدور الذي تلعبه الجماعة، خصوصاً على المستوي المحلي، فيما يخص عملية دمج المسلمين البريطانيين من خلال العمل الاجتماعي والتطوعي السلمي. بل الأكثر من ذلك، ثمة تقارير متواترة حول التعاون بين الحكومة البريطانية وبعض رموز الجماعة، فيما يخص مكافحة التطرف والعنف داخل بريطانيا وخارجها.

وفي أثناء إعداده التقرير، التقى السير جينكينز باحثين ومفكرين وأكاديميين عديدين، يدرسون جماعة "الإخوان"، والتقى سياسيين ونشطاء مرتبطبين بالجماعة، وذلك من إبريل/نيسان 2014 وحتى الانتهاء من التقرير منتصف العام الجاري.

يقول د.خليل العناني، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، الذي التقاه  " جينكينز " أثناء إعداده التقرير:"بدا لي الرجل حين التقيته، باعتباري باحثاً يعمل على جماعة الإخوان المسلمين، بأنه على اطلاع جيد بتاريخ الجماعة وأفكارها وتطورها السياسي والإيديولوجي. ولاحظت قدراً من عدم قناعته بعمل اللجنة أو جدواها، وإنْ لم يقل ذلك صراحة."

"أضاف العناني أن التقرير "كُتب بلغة رمادية غير واضحة وغير جازمة، وتعكس قدراً واضحاً من التوازنات والمواءمات التي حاولت حكومة كاميرون القيام بها، حتى لا تتأثر علاقتها بحلفائها الإقليميين من جهة، وحتى لا تخسر جماعة "الإخوان"، كحركة سلمية ومعتدلة يمكنها أن تلعب دوراً في الحرب على الإرهاب"

أما الملفت حقاً، بحسب العناني، فهو على الرغم من الإدانة غير المباشرة التي حملها التقرير تجاه جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه لم يوص بحظرها أو إعلانها جماعة إرهابية، وهو ما يؤكد أن لم يكن سوى استجابة للضغوط السياسية التي تتعرّض لها حكومة كاميرون من حلفائها الإقليميين. (أنظر المصدر)

زيارة مفتي الدم لبريطانيا

لم يتوقف الأمر على الإعلام، بل ضمن محاولات شيطنة الجماعة ووصمها بالإرهاب في أمريكا ولندن، أرسل السيسي في مايو 2022 مفتي مصر الدكتور شوقي علام، الذي يصادق على إحكام إعدام بالجملة لمعارضين وخاصة الإخوان؛ ليقوم بمهمة تشويه الجماعة أمام مجلسي العموم واللوردات البريطاني ويربطها بالتنظيمات الارهابية المتطرفة.

وكانت الخطة تكثيف نشر إعلام الانقلاب تفاصيل هذه الخطة كأن "بريطانيا تضرب الإخوان في عقر مأواهم المعروف في بريطانيا"، وفق مزاعم الاعلام.

ضمن هذا التحرك المريب، سافر مفتي مصر شوقي علام، إلى لندن في 15 مايو 2022 في زيارة تستهدف على ما يبدو تحقيق ثلاثة أهداف:

الهدف المعلن هو إلقاء خطاب في مجلس العموم البريطاني (البرلمان) بدعوة من مجموعة كانت تسعى منذ فترة، بالتنسيق مع اللوبي الصهيوني، لتصنيف الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية" وفشلت.

وضمن هذا الهدف، تم ترويج وتوزيع تقرير باللغة الإنجليزية على أعضاء مجلسي العموم واللوردات يُشيطن الجماعة ويصمها بـ "الإرهاب"، وقد نشره إعلام مصر والإمارات وروج له بصورة موسعة.

ونشرت صفحة دار الإفتاء على فيسبوك نسخة من التقرير الذي جاء بالإنجليزية بعنوان "الخوارج الجدد.. العنف الأصلي للإخوان المسلمين كجزء من الجماعات المتطرفة الحديثة اليوم".

أما الهدف الثاني، فيبدو أنه مرتبط باستباق انتقال بعض أعضاء جماعة الإخوان من إسطنبول إلى لندن، بعد ظهور حاجة تركيا لتحسين علاقاتها مع مصر لأسباب اقتصادية واستراتيجية، وضغوط القاهرة بشأن المعارضة المصرية على أراضيها، حيث جاءت زيارة المفتي بالتزامن مع انتقال معارضين، أبرزهم مذيعو الفضائيات المصرية المعارضة في اسطنبول، من تركيا إلى بريطانيا، ربما للتحريض ضدهم قبل استقرارهم هناك.

لكن هناك سبب ثالث خفي للزيارة، هو أنه أول تحرك رسمي للمفتي برعاية النظام في مصر ليكون بديلا لشيخ الأزهر أحمد الطيب في ظل سعي السيسي لتحجيم وإضعاف دور المشيخة بفصل الإفتاء عنه وجعله تابعا للرئاسة.

ورغم الترتيبات المكثفة، التي شملت حفاوة السفارة في لندن بالمفتي وإخراج أنصارها للهتاف له، والترويج الإعلامي لقدومه بوفد صحفي خاص سافر معه، كشفت مصادر برلمانية بريطانية زيف ما ادعاه  المفتي، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك في 15 مايو، من أنه ذهب "بدعوة من البرلمان البريطاني واللوردات"، حيث نفى متحدث باسم البرلمان البريطاني لموقع "ميدل إيست آي" صحة ذلك.

وقالت مديرة العلاقات الإعلامية في مجلس العموم "هانا أوليسون" للموقع البريطاني إنه لم يتلق رسميا دعوة من البرلمان البريطاني، و"ليس لديهم معلومات عن زيارته على الرغم من تضخيم وسائل الإعلام المصرية لزيارته إلى لندن.

وبرغم تضخيم حساب المفتي على فيسبوك من زيارته والحديث عن "تأمين موكبه بتشريفة مهيبة"، أظهر الفيديو المصاحب للزيارة موكبه من سيارتين وموتوسيكل شرطة واحد يحرسه.

بينما ذكرت وسائل إعلام مصرية أن شوقي علام تلقى ترحيبا رسميا عند وصوله إلى المملكة المتحدة، واستقبله وفد من وزارة الداخلية وجرى توفير مراقبة أمنية.

ولم ينشر موقع البرلمان البريطاني أي شيء عن زيارة المفتي للبرلمان أو إلقائه كلمة داخله للنواب لأنها كانت دعوة خاصة من بعضهم.

وتجاهل الإعلام البريطاني، الزيارة تماما، ولم ينشر أي خبر عنها رغم ما يشاع عن أنها "زيارة رسمية"

ولأن "علام" حمل معه تقريرا هدفه شيطنة الإخوان وإلقاء كل أسباب العنف على كاهلها، توقع مراقبون أن يكون هدف الزيارة سعي القاهرة لاستعادة الزخم لحملة تصنيف الجماعة في بريطانيا "إرهابية، وهي حملة فشلت عدة مرات رغم دعم دولة الإمارات لها وتهديدها الحكومة البريطانية بوقف صفقات سلاح معها.

كان مستغربا أن يحاول مفتي العسكر شوقي علام إقناع البريطانيين بأن جماعة الإخوان "إرهابية" وتحريضهم عليها، بتذكيرهم أن نشأتها عام 1928م على يد حسن البنا "كانت لمحاربة المستعمر البريطاني وقتال الإنجليز"!

فقد بدا المفتي وكأنه يعارض المقاومة الشعبية للمصريين ضد الاحتلال البريطاني لمصر، ويدافع عن الاحتلال.

وزعم التقرير الذي وزعه المفتي على أعضاء البرلمان البريطاني أن نشأة جماعة الإخوان التي كانت استجابة للمشاعر المعادية للاستعمار في مصر.

وادعى أن "الإخوان" حاولت اختطاف مكاسب ثورة 25 يناير بعد عام 2011، وبذلت ما بوسعها للتسلل إلى مؤسسات الدولة للاستيلاء على السلطة، عن طريق "الخداع الانتخابي!"، على حد زعم بيان المفتي.

كما زعم في التقرير انتهاك جماعة الإخوان العنف وأنها ذات علاقة بكل من تنظيمي الدولة و"حسم" وغيرهما.

"لجان السيسي" خارج مصر

رغم المئات من لجان السيسي والإمارات الإلكترونية، وتوظيف شركات دعاية (لوبي) في أمريكا بملايين الدولارات وشراء أقلام صحفيين وباحثين غربيين، فقد فشلوا في تغيير صورة أنظمتهم القمعية.

جديد السيسي، كما كشفته قضية موقع TIJ البريطاني هو السعي لتدشين منصات أجنبية إخبارية تخاطب الغرب كأنها محايدة، لكنها قائمة للدفاع عن حكمه والمستبدين الآخرين.

من ذلك ما قام به صحفي الجزيرة السابق محمد فهمي، الذي قبض عليه نظام السيسي ضمن ما سمي "خلية الماريوت" في ديسمبر/كانون أول 2013، وصدر حكم ضده بالحبس سبع سنوات، ثم خرج في 2015 بناءً على عفو من السيسي، بعد تنازله عن الجنسية المصرية للاستفادة من تعديل تشريعي مرره السيسي يقضي بتسليم متهمي دول أجنبية لدولهم لمحاكمتهم أو تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم.

عقب خروجه من السجن سافر إلى كندا، ثم ردت وزارة الداخلية الجنسية المصرية له في يونيو 2016.

لم يُعرف شيء عن عمل "فهمي" عقب خروجه من السجن، إلا حين ظهر وهو يدشن موقع TIJ الاستقصائي في 15 سبتمبر 2015، من مقر كاتدرائية ساوثوارك بلندن، قبل أن يتم معرفة علاقة الموقع بمصر والإمارات.

بعد الإفراج عنه بيوم واحد هاجم محمد فهمي قناة "الجزيرة" وطلب لقاء السيسي في حديث مع صحيفة الإندبندنت البريطانية مؤكدا أنه تم سجنه وزملاؤه لـ ''تصفية حسابات جيوسياسية كانوا هم فيها مثل البيادق''.

سبق لصحيفة نيويورك تايمز الكشف في 6 سبتمبر 2014 عن ضغوط حكومات اجنبية منها مصر لتحسين صورتها، وتلقي أكثر من عشر مراكز بحثية أمريكية عشرات الملايين من الدولارات لهذا الغرض.

ذكرت أسماء مراكز مثل بروكنجز، واتلانتيك كونسيل، ومركز الدراسات الاستراتيجية حصلوا على ملايين الدولارات "لتحسين صورة دول معينة في الشرق الأوسط"، منها مصر بغرض عدم وصف حكم السيسي بـ "الانقلاب".

وفي 10 أغسطس 2021 نشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تقريراً حول الدور الإماراتي في شراء صمت مؤسسات الرأي والفكر الأمريكية كي لا تنتقد القمع في مصر والإمارات.

المصادر:

  • القاهرة الإخبارية، تويتر، ماكينة تفريخ الجماعات الإرهـابية..لندن تتمسك بالعلاقة الوثيقة بين الإنجليز و الإخوان https://bit.ly/40h5usK
  • عامر سلطان، بى بى سى عربي، الإخوان المسلمون: مخابرات بريطانيا حذرت من عواقب تمكين الجيش المصري الجماعة من الحكم بعد ثورة 23 يوليو - وثائق بريطانية، https://bbc.in/3lyy2PD
  • السعيد العبادي، نون بوست، قرار كاميرون بشأن الإخوان .. الأبعاد والمسارات المتوقعة، https://bit.ly/42oMw5i
  • خليل العناني، العربي الجديد، تقرير لجنة كاميرون و"الإخوان المسلمين"، https://bit.ly/3JRRKPN