بين مطالب صندوق النقد و جشع الجنرالات.. السيسي يبحث عن طوق نجاة

الاثنين - 30 يناير 2023

  • 3 تقارير دولية تؤكد اقتراب السيسي ونظامه من حافة الانهيار بعد تخلي المانحين الخليجيين عنه وتضييقهم عليه
  • هل سينصاع المنقلب لمطالب الصندوق بتقليص دور الجيش في الاقتصاد ويقترب من خطر انقلاب الجنرالات عليه؟

 

إنسان للإعلام- خاص:

كيف سيتعامل السيسي مع الأزمة الاقتصادية؟ هل سينصاع لمطالب صندوق النقد بتقليص دور شركات الجيش في الاقتصاد ويضحي بخطر عدم ولائهم له واحتمال انقلابهم عليه؟ أم يتغاضى عن مطالب الصندوق؟

أم يحاول تصدير الحكومة ورئيس الوزراء الذي لا يعدو أن يكون "سكرتارية" له، لحل الأزمة وتحمله المسئولية والتضحية به كأنه هو السبب، لينقذ اتفاقه مع الجيش بالسماح له بالتغول في البيزنس مقابل توفير الحماية للسيسي في السلطة؟

ثلاثة تقارير صدرت في توقيت متقارب تتحدث عن بيزنس الجيش المصري الضخم وكيف سيتعامل معه عبد الفتاح السيسي الذي يبدو أنه "مزنوق" ومحاصر بين مطالب صندوق النقد الدولي بتقليص هذا البيزنس وإلا سينهار اقتصاد مصر، وبين خوفه من انقلاب الجيش عليه لو فعل ذلك.

وسبق أن أكدت تقارير أجنبية، عقب انقلاب السيسي، أن هناك صفقة بينه وبين الجيش تتعلق بسماحه للجيش والجنرالات بالتوغل في الاقتصاد والهيمنة عليه؛ لذا أصبحوا يسيطرون على أغلب المشاريع، وذلك مقابل ضمان حمايتهم لبقائه في كرسي الحكم.

التقرير الأول: أصدره مركز "مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط" يوم 24 يناير 2023، للباحث "يزيد صايغ" وفيه يؤكد أن السيسي "لا يستطيع تجاهل الدور الاقتصادي للجيش إلى الأبد، لكنه لن يسمح بنشوء هوة بينه وبين المؤسسة العسكرية"، وغالبا سيلقي بالأزمة في ملعب رئيس وزرائه الذي لا يملك من أمره شيئا.

والتقرير الثاني: أصدره الموقع الاستخباراتي الفرنسي Africa Intelligence يوم 25 يناير 2023 ويشير إلى أن قادة الجيش غاضبون من السيسي وأنه يواجه تذمُّراً بين لواءات الجيش بسبب قلقهم من اتفاقه مع صندوق النقد الدولي واحتمالات سعيه للتحامل على بيزنس الجيش والسعي لتحجيمه.

أكد هذا التقرير أن عبد الفتاح السيسي قد يضحي برئيس وزرائه لرغبته في أن يشاركه أحد اللوم على تداعيات السياسات الاقتصادية التي اشتدت وطأة تأثيرها على سكان البلاد، وقد يكون التخلص من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وسيلته إلى ذلك.

التقرير الثالث: صدر عن مجلة "ايكونوميست" الاقتصادية العالمية، 26 يناير 2023، ويدور حول حقيقة أنه "لإنقاذ الاقتصاد المصري فعلى مصر (السيسي) أن يخرج الجيش منه"، وفق عنوان الصحيفة.

يؤكد أنه لا حل للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب مصر حاليا، والتي أحد أسبابها هو "القبضة الخانقة على الاقتصاد التي يمارسها أصحاب البدلات العسكرية الكاكي"، سوي خروج الجيش من الاقتصاد المصري وتقليص البيزنس الخاص به كي يتعافى الاقتصاد تدريجيا بالقطاع الخاص.

تجاهل صندوق النقد

تشير تصرفات السيسي إلي أنه لن ينصاع لمطالب صندوق النقد وأنه يتحايل وأن استمرار تسميه ممتلكات وأراضي مصر للجيش ومشاريعها مستمر.

آخر هذه التصرفات كانت إصدار عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً يوم 29 يناير 2023 بتخصيص الأراضي الصحراوية بعمق 2 كيلومتر على جانبي 31 طريقا جديدا لصالح القوات المسلحة.

ويُعتقد أن هذه الأراضي على جانبي الطرق ستخصص لبيزنس الجيش وإنشاء محطات وقود ومحال وجبات سريعة على غرار ما يجري تنفيذه على نطاق واسع في القاهرة وكافة المحافظات عبر سلسلة "شل أوت".

وجاءت الطرق التي شملها القرار، في العاصمة القاهرة وعدد من المحافظات، بينها شمال سيناء وجنوب سيناء والبحر الأحمر-شمال شرق مصر-، وأسوان والأقصر وسوهاج وأسيوط في جنوب مصر، والمنيا-وسط مصر- ومطروح في شمال غرب مصر.

ويبلغ طول الطرق التي شملها القرار، 3696 كيلومترا، وهي طرق تصل بين المحافظات المصرية.

ونص القرار الذي حمل رقم 17 لسنة 2023، على ألا يمس ذلك التخصيص بالتصرفات التي قامت بها أجهزة الدولة قبل تاريخ العمل بهذا القرار على المساحات الواقعة في هذه الأراضي.

وأناط القرار بالهيئة العامة للتخطيط العمراني بالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة الانتهاء من المخططات الاستراتيجية اللازمة لتنمية تلك المساحات خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القرار.

وبحسب القرار، فإنه فيما عدا الأراضي التابعة لولاية أو إشراف أو إدارة جهات الدولة المعنية، تسري على المساحات المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القرار أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 152 لسنة 2001 بشأن تحديد استخدامات الدولة.

وألزم القرار جهات الدولة المعنية المشار إليها بالفقرة السابقة بالتنسيق مع الأجهزة المختصة بالقوات المسلحة والهيئة العامة للتخطيط العمراني والهيئة العامة للطرق والكباري قبل تنفيذ أي مشروعات مخططة على أي جزء من المساحات التابعة لها.

حائر بين الجيش والصندوق

يقول الباحث "يزيد صايغ" في التقرير الذي أصدره مركز "مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط" يوم 24 يناير 2023، أن الاتفاق الذي وقّعته القاهرة مع صندوق النقد الدولي يلزمها بخفض حضور الدولة في قطاعات عدة.

ويؤكد: "لن يسمح السيسي بنشوء هوة بينه وبين المؤسسة العسكرية، على أمل أن تضطر الحكومة إلى تحمل عبء التعامل مع المواطنين المصريين المستائين والتوسل مجددا للمانحين الأجانب .. ولكن لم يعد أكيدا أن شركاء مصر الأجانب الآخرين سيكونون متسامحين مثل الصندوق".

قال يبدو أن اتفاق القرض الجديد بين صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية، والذي نُشِر في 10 يناير 2023، يتضمّن نطاقًا مدهشًا من حيث اتساعه وطموحه بإحداث إعادة هيكلة جذرية لحصة كلٍّ من القطاع العام والقطاع الخاص في الاقتصاد.

لكن قال إن كل هذا لا يُصَدّق حيث جاءت تعهّدات الحكومة المصرية في مذكّرة موَجّهة إلى صندوق النقد ومُلحقة بالاتفاق، واستندت كذلك إلى وثيقة جديدة أعدّتها الحكومة في العام الفائت، هي "سياسة ملكيّة الدولة".

أوضح أن هذه الوثيقة تعِد بِـ"تخارج" الدولة كليًا من79 قطاعًا اقتصاديًا وبتخفيض حضورها في45 قطاعًا آخر خلال ثلاث سنوات، وبزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة من30 إلى65 في المئة.

لكن التغييرات المقترحة تشكّل تهديدًا صريحًا لجهات مؤسسية قويّة ولجماعات مصالح متنفّذة، وواقع أن السيسي قد أقرّ سياسة ملكية الدولة الجديدة رسميًا لا يغيّر في الأمر شيئًا.

فالواضح أن غرضه المباشر كان ضمان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي آملًا، على وجه الخصوص، أن يفتح ذلك الباب أمام حصول مصر على مبلغ14 مليار دولار كقيمة قروض وائتمانات إضافية من مصادر دولية أخرى.

لكن خطابات السيسي وقراراته الرسمية على مدى السنوات الأخيرة تكشف عن غرض مختلف جذريًا، ألا وهو رَسمَلَة الشركات والأصول المملوكة للدولة (كالبنية التحتية) من خلال حقنها بالأموال الخاصة، مع استمرار حيازة الدولة لها (أي تلك الشركات والأصول).

بدلاً من بيع الحصص أو تسليم السيطرة إلى حاملي الأسهم من القطاع الخاص، يعرض السيسي على المستثمرين "عائدًا مستقرًّا يشبه السندات في الهيئات القائمة والعاملة".

وتُخوِّل التشريعات الجديدة في مصر الهيئات المملوكة للدولة التي تقدّم الخدمات وتدير المرافق "إصدار سندات قابلة للتداول [...] مقابل ما ينشأ لصالح هذه الجهات من تدفقات نقدية مستقبلية"، وتسمح كذلك لشركات القطاع الخاص بإدارة المشروعات والأشغال العامة التي تموّلها الحكومة.

أضاف: في جوانب كثيرة، لا تعرض الحكومة المصرية على مستثمري القطاع الخاص أكثر من حق الانتفاع، وتنقل الاصول لصندوق الثروة السيادي، وبالتالي، ينبغي اعتبار تبنّي السيسي لسياسة ملكية الدولة نوعًا من "التوجيه المضلِّل للأنظار".

قال: سوف تتّضح الهوّة بين الموعود والواقع على أسرع وجه فيما يتعلّق بالحصة الكبيرة من السلع والخدمات العامة التي تقدّمها الشركات والهيئات العسكرية.

فقد تعهّدت الحكومة المصرية إلى صندوق النقد الدولي بإخضاع جميعها (أي الشركات والهيئات العسكرية) إلى الإطار التنظيمي نفسه الذي تُحكَم بموجبه نظيراتها المدنية في القطاع العام، كجزء من خطة "تسوية الملعب" الاقتصادي أسوةً بالقطاع الخاص.

ولكن، على خلاف ذلك، فإن الشركات والهيئات العسكرية ما زالت على مسار تصاعدي لم يتباطأ منذ سنوات كثيرة بل وأكثر من ذلك، فهي تواصل التوسّع والتمدّد في قطاعات اقتصادية أعلنت الحكومة تخارج الدولة منها.

مثل عرض حق الانتفاع على القطاع الخاص (المحلي والأجنبي) في شركات ومرافق الخدمات التابعة لهيئة قناة السويس، والتي تعتبرها المؤسسة العسكرية جزءًا من منطقتها الاقتصادية الحصرية، كنقطة احتكاك أولى.

ويتوقع زيد صايغ أن تحذو المؤسسة العسكرية حذو السيسي في رسم صورة محسّنة تُظهر مشروعاتها وأنشطتها التجارية في المجال المدني وكأنها متماشية مع سياسة ملكية الدولة، مع احتمال التخلّي عن بعضها إذا كانت تناقض تلك الصورة بطريقة فجّة لا يمكن تلطيفها أو إخفاؤها.

وأول هذه الخروقات سيكون عدم تطبيق البنود المتعلّقة بالمؤسسة العسكرية لكن المؤسسة العسكرية قد لا تضطر إلى إجهاد نفسها من أجل الاحتفاظ بمصالحها الاقتصادية، وسوف تُراوغ أصلاً في تنفيذ كافة تعهّداتها تجاه صندوق النقد.

ولكن لم يعد أكيدًا أن شركاء مصر الأجانب الآخرين سيكونون متسامحين مثل الصندوق، إذ يشعر المسؤولون في بعض دول الخليج بالامتعاض من أن السيسي أساء استخدام حزام النجاة المالي الذي مدّوه إليه منذ العام 2013، وقد يتردّدون في ضخ المزيد، ما قد يهدّد فرص حصول مصر على القروض الإضافية المأمولة والبالغة 14 مليار دولار.

قادة الجيش غاضبون

ويؤكد تقرير موقع Africa Intelligence الفرنسي أن عبد الفتاح السيسي قد يضحي برئيس وزرائه لرغبته في أن يشاركه أحد اللوم على تداعيات السياسات الاقتصادية التي اشتدت وطأة تأثيرها على سكان البلاد، وقد يكون التخلص من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وسيلته إلى ذلك، بينما يواجه السيسي تذمُّراً بين لواءات الجيش.

حسب التقرير الفرنسي الذي نُشر، 25 يناير 2023، فإنه من المتوقع أن يكون رئيس الوزراء المصري المقبل شخصاً خبيراً في الشؤون المالية، ليعوض مدبولي، الذي يتولى المنصب منذ عام 2018، وكان مهندساً في الأصل ووزيراً سابقاً للإسكان.

قال: زاد إحجام الرعاة الخليجيين عن تمويل السيسي بشيكات مفتوحة، اضطر السيسي إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي، الذي اشترط عليه اتخاذ تدابير صارمة مقابل قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار.

صُرفت الدفعة الأولى من القرض بمبلغ 347 مليون دولار في ديسمبر وأشار تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في 10 يناير/كانون الثاني إلى أنه تعهَّد في مقابل ذلك بإبطاء وتيرة العمل في كثير من مشروعاته الإنشائية الضخمة.

تشمل هذه المشروعات عدة مواقع بناء كبرى في الصحراء، منها موقع بشرق القاهرة يُفترض به أن يكون "العاصمة الإدارية الجديدة" للبلاد.

في هذا السياق، فإن الشركات المصرية الكبرى العاملة في قطاع البناء والأشغال العامة، والتي ركزت نشاطها في هذه المواقع، زاد إفصاح بعضها عن السخط على توجّهات الرئيس الاقتصادية.

ويمارس صندوق النقد الدولي ضغوطاً شديدة على السيسي، فقد طالبه بخصخصة حصص كبيرة من القطاع العام، خاصة تلك التي تزدهر فيها الشركات المملوكة للجيش على حساب الشركات الخاصة.

وينوه التقرير إلى أن إمبراطورية اللواءات الاقتصادية قد توسعت منذ تولي السيسي السلطة، ومن ثم فإن مهاجمة هذا الوضع تعني إضعاف السيسي، ويستدل بعضهم على ذلك بالتوتر الذي أثاره البيع المرتقب لشركة "الوطنية" للبترول، وهي شركة بترول تابعة لـ"جهاز مشروعات الخدمة الوطنية"، إحدى أذرع الجيش المصري في قطاع الصناعة.

ويرى بعض كبار ضباط الجيش، بحسب الموقع، أن البيع المحتمل لأصول الشركة الوطنية من الأراضي الواقعة بالقرب من قناة السويس إلى جهاز الإمارات للاستثمار (صندوق الثروة السيادي لدولة الإمارات) ينطوي على انتقاص من السيادة المصرية.

مع ذلك، يُعتقد أن عملية البيع جارية لشركة "الوطنية" ومعها شركة "صافي" لتعبئة المياه المعدنية (المملوكة أيضاً للجيش) بقيادة الصندوق السيادي المصري.

مما أثار بعض الخلاف أيضاً خطوة إنشاء صندوق سيادي لإدارة أرباح قناة السويس، التي تأتي بين أكبر مصادر الدخل الأجنبي في البلاد واستدعى ذلك مخاوف من خصخصة هيئة قناة السويس التي يرأسها قائد القوات البحرية السابق، الفريق أسامة منير ربيع.

إخراج الجيش من الاقتصاد هو الحل

وتعرض مجلة إيكونوميست البريطانية الحل في خروج الجيش المصري من الاقتصاد الذي هيمن عليه نظير مكافأته علي مساندة الانقلاب علي الرئيس الشرعي محمد مرسي ولصالح الانقلابي عبد الفتاح السيسي.

في افتتاحيتها بعنوان (لإنقاذ الاقتصاد المصري أخرجوا الجيش منه)، 26 يناير 2023، قالت إن الجنيه المصري فقد نصف قيمته خلال العام الماضي 2022 وكان أسوأ العملات أداء في العالم عام 2023 وفي الخامس من يناير خفضت الحكومة قيمته للمرة الثالثة في أقل من عام.

وأضافت أن ما يقرب من نصف إيرادات الدولة يذهب لخدمة ديونها، والتي تصل إلى 90% من الناتج المحلي الإجمالي وبلغ حجم التضخم رسميا، 21%، في وقت ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية بشكل مضطرد، مضيفة أن الأرقام الرسمية عن التضخم لم تواكب التدهور الاقتصادي في مصر، لذا فمن شبه المؤكد أن الواقع أسوأ.

وقالت إن هذا جلب البؤس للشعب المصري، حيث يعيش حوالي ثلثه على أقل من دولارين في اليوم والثلث الآخر على وشك الانضمام إليهم.

واتهمت المجلة المسؤولين بخذلان الشعب عندما قدموا مصالحهم الخاصة على مصالح مواطنيهم، وعلقت قائلة إن الأزمة الاقتصادية في مصر ظلت أزمة بطور التكوين، وهي ناتجة جزئيا عن قوى خارجة عن سيطرة الدولة.

شددت المجلة على أن المشكلة الأساسية في البلاد هي القبضة الخانقة على الاقتصاد التي تمارسها الدولة، وتحديدا الجيش.

ولا تقدم الإحصائيات الرسمية، وهو أمر غريب، مقياسا لتحكم الجيش في موارد الدولة. فالحكومة تقول إنه يسيطر على ما بين 1.5-2% فقط من الإنتاج. مع أن المدى الحقيقي لتأثير الدولة، المباشر وغير المباشر هو أكبر بكثير.

وتوسع المدى في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، الذي كان قبل انقلابه قائدا عاما للقوات المسلحة.

وتعدد المجلة المجالات التي تضمها إمبراطورية الجيش الآن، وفي الحقيقة هي كل شيء من محطات الوقود إلى المياه المعدنية والزيتون. لقد سيطرت على سوق تربية الأسماك وعلى صناعة السيارات كما واشترت الأجهزة الأمنية أجزاء كبيرة من وسائل الإعلام المصرية، وقام الجيش ببناء معمل أسمنت جديد ضخم، مما تسبب في حدوث تخمة في الإمدادات دمرت الشركات الخاصة.

وفي صناعة تلو الأخرى، تضغط المؤسسة العسكرية على المنافسين أو تخيفهم، مما يردع الاستثمار الخاص ولا يمكن لأي شركة عادية أن تتنافس مع هيئة لا تدفع ضرائب أو رسوما جمركية، ويمكن أن تلقي بمنافسيها في السجن.

 بالنسبة لعامة المصريين، فإن سحق الجيش للمنافسة يعني نموا أبطأ وأسعارا أعلى وفرصا أقل..ومن هنا تدعو المجلة صندوق النقد الدولي أن يأخذ بعين الاعتبار دور الجيش، حيث جاءت مصر تطرق بابه للمرة الرابعة خلال ست سنوات وتتوسله الإنقاذ وهي الآن أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين

وبحسب أحدث اتفاق لمصر مع صندوق النقد الدولي، تم الاتفاق عليه في (ديسمبر)، تعهدت الحكومة مرة أخرى بتخفيف دور الدولة والقوات المسلحة وسحبها من القطاعات “غير الاستراتيجية”.

لكن الرجال الذين يرتدون الزي العسكري أو الذين تقاعدوا منه قبل فترة ويهيمنون عليه ليس لديهم حافز كبير للقيام بذلك؛ فقد استفاد الكثيرون منهم بشكل جيد من البحث عن الريع، وعلى أي حال في بلد له تاريخ من الانقلابات، لن يجرؤ سوى القليل على تحدي امتيازات الجيش.

وتستدرك أن المانحين يواصلون إنقاذ مصر لأنهم خائفون من فكرة انهيارها لو لم يساعدوه. إنها الدولة الأكبر في الشرق الأوسط من ناحية التعداد السكاني وحليفة مهمة للغرب.

وهناك خوف من انفجار داخلي يدفع بأساطيل اللاجئين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا. وهذه ليست افتراضات غير حقيقية، والمشكلة تظل قائمة، ونابعة من مواصلة دعم نظام يرفض الإصلاح ويزيد من مشاكل مصر وفقر شعبها وغضبهم، فهذه ليست وصفة للاستقرار على المدى الطويل. وأصبح حلفاء مصر الخليجيون المحبطون أقل سخاء.

وبالمحصلة، يجب على صندوق النقد الدولي الآن أن يلزم الحكومة بتحقيق تعهداتها. فإما أن تبدأ مصر بإخراج الجيش من الاقتصاد، أو عليها توقع مساعدات أقل وفق "إيكونوميست"

توسع بيزنس الجيش

ويشير تقرير سابق لمعهد كارنيجي بعنوان (حرب السيسي على الفقراء)، 23 سبتمبر 2020، أن سياسة دعم التوسع في مؤسسات الأعمال العسكرية باستخدام الأموال العامة تشكل ضغوطًا إضافية على الطبقات الدنيا والمتوسطة، التي تتحمل الجزء الأكبر من العبء الضريبي، حيث تخضع إمبراطورية الأعمال العسكرية المتوسعة إلى عدد كبير من الإعفاءات الضريبية، كما أنها محمية من الرسوم واللوائح المتعلقة بالمشتريات المفروضة على الشركات المدنية.

ومن الأمثلة البارزة إعفاء 2016 للأعمال المملوكة للجيش من ضريبة القيمة المضافة، حيث يتمتع الجيش بإعفاءات ضريبية على الأرباح الناتجة عن الفنادق المملوكة له، ومبيعات المواد الغذائية الأساسية، والرسوم الجمركية.

ويؤكد التقرير أن "إعطاء النظام الأولوية للإنفاق على مشاريع البنية التحتية الضخمة التي يقودها ويسيطر عليها الجيش، والتي تعمل بشكل فعال كأداة لتخصيص الأموال العامة، تؤدي (مع الإعفاءات الضريبية التي حصلت عليها الشركات المملوكة للجيش) لازدهار بيزنس الجيش على حساب الطبقات الدنيا والمتوسطة، وكذلك على حساب القطاع الخاص المدني، الذي يكافح من أجل المنافسة.

فعلى سبيل المثال، في نوفمبر 2019، ذكر السيسي أن مشاريع قيمتها 200 مليار دولار نفذها الجيش ضمن المشاريع الوطنية خلال السنوات الخمس الماضية، علما أن حجم الناتج المحلي الإجمالي المصري كان 303 مليارات دولار في 2019.

ومن أمثلة هذه المشاريع الضخمة العاصمة الإدارية الجديدة، بميزانية تعادل 58 مليار دولار، يتم تنفيذها من قبل شركة مملوكة بنسبة 51 بالمائة للجيش و49 بالمائة مملوكة لوزارة الإسكان.

ويلعب الجيش أيضًا دورًا بارزًا في بناء البنية التحتية وصيانتها، فعلى سبيل المثال، في ديسمبر 2016، ذكر كامل الوزير، وزير النقل ورئيس الهيئة الهندسية للجيش سابقا، أن الجيش كان مسؤولا عن بناء الطرق وتطوير المشاريع التي توفر فرص عمل لأكثر من مليوني مدني وفرص عمل لأكثر من 1100 شركة.

والفوائد من هذه المشاريع تذهب للجيش وليس المصري العادي، ويتم استخدام هذه المشاريع من قبل الجيش لمزيد من اختراق الاقتصاد وتخصيص الأموال العامة.

ويختم التقرير بتأكيد أن السياسات الاقتصادية والمالية التي يستخدمها النظام تعمل على زيادة الفقر وتحويل الثروة من الطبقات الدنيا والمتوسطة إلى النخب، بالإضافة إلى الطبيعة الاستبدادية للنظام، إذ أن الدعم الدولي الذي يتلقاه على شكل تدفقات رأسمالية وقروض يمكّن جهود النظام من إثراء النخبة التجارية والمؤسسات العسكرية، وكل ذلك على حساب المواطنين.

ويشير لتلقي السيسي 92 مليار دولار بين عامي 2011 و2019 كدعم مالي من الحلفاء الإقليميين ويستمر في اقتراض مبالغ كبيرة من المؤسسات الدولية، وتسمح هذه الأموال للحكومة بمتابعة المشاريع الضخمة والحفاظ على نظام ضريبي تنازلي، يسمح للأعمال المملوكة للجيش بالازدهار، وبالتالي زيادة قوة الجيش وشبكة المحسوبية، كما يحمي هذا الدعم الخارجي الجيش من الرقابة العامة التي تأتي مع زيادة الاعتماد على الضرائب كمصدر للدخل الحكومي.

ويحذر التقرير من "الآثار الخطيرة طويلة المدى لهذا النهج"، إلى جانب الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي للمواطن العادي، ما يزيد من تحول النظام الي أكثر قمعية واستبدادية لفرض هذه السياسات القاسية.

ويؤكد أن هذا "سيؤجج تصاعد المقاومة العنيفة للسلطة، حتى ولو لم تتبلور المقاومة في حركة سياسية متماسكة، ومن المحتم أن يرتفع مستوى العنف الاجتماعي، مما يؤدي إلى آثار مزعزعة للاستقرار على المدى الطويل.

أيضا سيؤدي توسع الشركات المملوكة للجيش لزيادة الضغط على القطاع الخاص المدني حيث يكافح من أجل التنافس مع العملاق العسكري، وسيكون لهذا آثار هيكلية طويلة المدى على الاقتصاد والنظام السياسي سيكون من الصعب عكس اتجاهها، مما يؤدي في النهاية إلى انهيار السيسي ونظامه.