تهم معلّبة .. هكذا تحوّل التعبير عن الرأي إلى "مصيدة" للأحرار في مصر!

الأربعاء - 3 مايو 2023

 

إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:

يحتفل العالم اليوم، الأربعاء 3 مايو 2023، باليوم العالمي لحرية الصحافة، لكن في مصر لم تعد هناك حرية ولا صحافة، فعقب الانقلاب العسكري، في 3 يوليو 2013، على السلطة المدنية المنتخبة، شهدت مصر انقلابا  موازيا على حرية الصحافة والرأي والتعبير ، التي انتعشت عقب ثورة يناير 2011، ولم يكن لها سقف في ظل حكم الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني.

صاحب الانقلاب العسكري مجموعة من القرارات والقوانين المكبلة لحرية الصحافة والمكممة للأفواه، وسط إجراءات قمعية بقتل صحفيين وسجن آخرين، وفصل كثيرين من وظائفهم.

و باتت أجواء ترهيب السلطة للقائمين على الصحف والفضائيات هي أساس تغيير المنظومة الإعلامية المصرية بشكل كامل، حيث حلت المخابرات العامة والحربية وجهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا) محل أصحاب الفضائيات والصحف والمواقع في الملكية والإدارة وتحولت مصر في غضون السنوات الماضية إلى دولة شمولية تعمل بتوجيهات واحدة وبصوت واحد.. ومن يخالف ذلك إما مصيره السجن أو القتل أو الهرب للخارج.

تشريعات الظلام

ومع التوسع في "تشريعات الظلام"، كما أسمتها "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، أصبحت الكلمة الحرة-أيا كان مصدرها ومسلكها- مصيدة لصاحبها، وطريقا مباشرا إلى السجن تحت تهمة مطاطة اسمها "نشر أخبار كاذبة"، الأمر الذي أدى بمصر اليوم أن تكون واحدة من قلاع الديكتاتورية.

كان أول قوانين تكميم الأفواه هو مد أجل الحبس الاحتياطي من 15 يوما إلى شهرين إلى عامين كاملين، في عهد الرئيس المؤقت المعين عدلي منصور (3 يوليو 2013 إلى 7 يونيو 2014) ، وذلك لتقنين الاعتقال بحجة القانون.

وفى 330 يومًا قضاها عدلي منصور، كرئيس مؤقت بعد اختطاف وحبس الرئيس المنتخب محمد مرسي، أصدر 28 قرارًا بقانون بموجب الإعلان الدستوري الصادر في الثامن من يوليو 2013، بحسب صحيفة "اليوم السابع" 4 يونيو 2013.

يد عدلي منصور كانت "تبصم" القوانين فقط،  وكان مطبخ الانقلاب العسكري هو من يصنعها، حيث دأب على تفصيل "تهم معلبة" عبر سلسلة قوانين قمعية طالت الصحف والصحفيين ومنصات التواصل الاجتماعي ومواقع الأخبار وكل من يكتب رأيا مخالفا بتهمة "بث أخبار كاذبة"، حتى ولو كان يفضح فساد مسئولين.

نتيجة ذلك، تم اعتقال عشرات الآلاف لمجرد أن رأيهم يخالف الرواية الرسمية للأحداث، وباتت تهمة "نشر أخبار كاذبة" تهمة معلبة لدي النيابة توضع كأنها ختم رسمي يتم دمغ أي معارض به، وتكفي لإيداعه السجن دون تحقيق وبلا أمد، وأصبح الإعلام الحر بكل صوره مسألة مجرّمة في دولة العسكر رغم توقيع مصر على مواثيق دولية بشأن حرية الرأي والتعبير.

3  مواد لعقاب المعارضين

بموجب سلسلة طويلة من التعديلات لقوانين العقوبات، تم إدراج  ثلاث مواد جديدة بقانون العقوبات، لجريمة وهمية اسمها "نشر الأخبار الكاذبة والشائعات"، والهدف واضح: سجن واعتقال كل من ينشر عن فساد السلطة والنهب أو القمع.

أول تلك المواد: المادة 188 من قانون العقوبات، وتنص على الحبس والغرامة التي قد تصل إلى 20 ألف جنيه، لكل من نشر بسوء قصد أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقاً مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة".

المادة الثانية: رقم 80 (د) وتنص على: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصرى أذاع عمداً فى الخارج أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد.

المادة الثالثة: برقم 102 مكرر، تنص على:"يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تجاوز مائتى جنيه كل من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة. وتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه إذا وقعت الجريمة فى زمن الحرب.

الفساد .. أخبار كاذبة!

وبموجب هذه المواد، وغيرها، تم سجن العديد من أصحاب الراي والمسئولين السابقين لمجرد أنهم فضحوا فساد السلطة وكان أشهرهم المستشار هشام جنينه فرغم أنه مسئول الارقام والمعلومات في الجهاز المركزي للمحاسبات، وتحدث بالأرقام عن 600 مليار جنية فساد، تم حبسه عاما في 29 يوليو/ تموز 2016 بتهمة نشر أخبار كاذبة بسبب تصريحاته ضد الفساد!

وفُصل جنينة من منصبه كرئيس لأكبر الأجهزة الرقابية المستقلة في مصر في مارس 2016 بعد تصريحات تضمنت بلوغ حجم الفساد المالي في البلاد 67.6 مليار دولار في أربع سنوات فقط.

ثم تم سجنه مجددا 24  أبريل 2018 خمس سنوات أخري بتهمة نشر "أخبار كاذبة" من قبل محكمة عسكرية في اتهامه بترويج معلومات خاطئة عن القوات المسلحة في تصريحات صحفية.

أيضا تم محاكمة وسجن المئات من السياسيين والنشطاء بنفس التهمة المعلبة، مثل المهندس حسين عبد الهادي وباحثين شباب وطلاب ومصريين عاديين وحتي صانعي محتوي من الشباب والفتيات العاديين.

والحكم بالسجن 15 عاما على المرشح السابق للرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح بتهمة "نشر أخبار كاذبة" في مايو 2022.

وبنفس التهمة المعلبة تم الحكم بسجن 17 صحفيا، مايو 2022 ، حيث أحالت النيابة العامة 17 صحفياً وموظفاً إلى محكمة الجنايات، بتهمة نشر أخبار كاذبة بشأن تفشي فيروس كورونا!!

وأحال النائب العام الدكتور أيمن منصور ندا رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، للتحقيق والمحاكمة بدعوى أنه "خرج عن حدود المباح"، و"نشر أخبار كاذبة"، بعد رده بعنف على سب وقذف بعض إعلاميي نظام عبد الفتاح السيسي، لأنه انتقد أداءهم المهني، ثم كتابته سلسلة مقالات يفضح فيها النظام، وانتقاله من مهاجمة إعلاميي النظام إلى مهاجمة ضابط المخابرات أحمد شعبان المسؤول عن توجيه الإعلاميين، ووصفه بأنه "رئيس تحرير مصر".

أيضا جرت محاكمة خمسة صحفيات في موقع مدي مصر عام 2022 لأنهن تجرأن وكتبن عن حالات فساد في الحزب الحاكم الجديد (مستقبل وطن).

واعتبر مدى مصر هذه التهديدات “تتفق مع خط طويل من الممارسات القمعية التي يتعرض لها الصحفيون في مصر، من مضايقات أمنية وفترات حبس تستمر طويلًا، ما تسبب في أن تصبح مصر إحدى أسوأ الدول على مؤشرات حرية الصحافة.

ولأن السبب الحقيقي لاعتقال وسجن المصريين هي أسباب سياسية تتعلق بمعارضتهم الانقلاب وفضح فساده، فقد كانت النيابة تلحق بتهمة نشر أخبار كاذبة اتهامات أخري أكثر وضوحا مثل مشاركتهم في: "تكوين اللجنة الإعلامية للإخوان المسلمين".

قوانين ملاحقة الصحفيين

منذ سيطرة العسكر على السلطة، بالتحالف مع الدولة العميقة ممثلة في أصحاب المصالح من القضاة والشرطة ورجال الأعمال وغيرهم، أصدروا العديد من القوانين لتكبيل عمل الصحفيين وتكميم الأفواه منها:

أولا: قانون رقم 175لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات:

وهو قانون ليس لملاحقة الصحفيين فحسب، بل لملاحقة كل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بل والشبكة الإلكترونية ككل، وجاء كحلقة من سلسلة حلقات فرض الصمت على حرية التعبير والتي بدأت بحجب المواقع الإلكترونية إلى غلق المنصات الإعلامية والصحفية والتنكيل بالقائمين عليها.

وقد تضمن هذا القانون تعريف فضفاض لمصطلح "الأمن القومي" والذي يتم إيقاع العقوبة على المستخدمين بموجبه، كما أقر مراقبة بيانات ومعلومات المستخدمين والسماح بإفشائها، وسمح بالتوسع في منح صفة الضبطة القضائية لغير ذوي الصفة، بالتزامن مع التعريفات الفضفاضة للألفاظ.

أيضا تضمن حجب المواقع بذريعة تهديد الأمن القومي بقرارات من جهات التحقيق وفي حالة الاستعجال من قبل جهات التحري والضبط، والمنع من السفر.

ثانيا: قانون رقم 180لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام:

أثار هذا القانون فور صدوره عاصفة من الغضب بين الصحفيين والمهتمين بحرية الصحافة، وكذلك في أروقة المؤسسات الصحفية، حيث احتوى القانون على قائمة من الممنوعات ولائحة من الجزاءات اعتبرها المراقبون تشييعا للصحافة إلى مثواها الأخير.

حيث وضع القانون قيودا على الصحافة والإعلام، ونص على تأسيس المجلس الاعلى للصحافة والإعلام، والذي من شأنه مراقبة كل ما ينشر على الإصدارات الصحفية، إلكترونية كانت أم ورقية، كما يوسع رقعة الاتهام بالتحريض على الإرهاب والسب والقذف وينص على عقوبات كالحبس والغلق والحجب.

ثالثا: قوانين هيئات الصحافة والإعلام “178 ، 179 لسنة 2018”:

في هذا العام، 2018، أصدر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي قوانين عدة بإنشاء عدة هيئات رقابية على حرية الرأي والتعبير، مثل قانون رقم 178لسنة 2018بشأن إصدار قانون الهيئة الوطنية للإعلام، وجاء فيه "أن على جميع الكيانات والمؤسسات والوسائل الإعلامية والمواقع الإليكترونية الإعلامية المملوكة للدولة، القائمة في تاريخ العمل بهذا القانون، أن توفق أوضاعها طبقا لأحكام القانون المرافق، وذلك خلال عام من تاريخ العمل به".

إلى جانب إصدار القانون رقم 179لسنة 2018بشأن إصدار قانون الهيئة الوطنية للصحافة والذي يحتوي على عدة تعريفات لكل من المؤسسات الصحفية، الهيئة، المطبوعات، الصحفي، النقيب، الصحيفة، ونص صراحة على السياسة التحريرية لكل صحيفة والتى تتمثل فى أهداف الصحيفة وانتماءاتها السياسية والاجتماعية والثقافية العامة والمعايير الحاكمة لتحريرها، كما نص على اعتبار الهيئة مستقلة في ممارسة مهامها واختصاصاتها، وإدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة ملكية خاصة، وتعمل على تطويرها، وتنمية أصولها.

رابعا: لائحة الجزاءات لسنة 2019:

في مارس 2019، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام القرار رقم ١٦ لسنة ٢٠١٩ “لائحة الجزاءات والتدابير الإدارية والمالية” التي يجوز توقيعها على الجهات الخاضعة للقانون 180 لسنة 2018، بما فيها الحسابات الشخصية التي يتجاوز عدد متابعيها أكثر من 5000 شخص!

وتتكون اللائحة من 29 مادة ترصد عددا من المخالفات والتجاوزات المهنية، والجزاءات والعقوبات بشأنها، وقد تنوعت هذه الجزاءات بين لفت النظر، والحجب، وإيقاف البث، والغرامة المالية التي وصلت إلى 250 ألف جنيه ضد الوسيلة الإعلامية سواء كانت “مقروءة أو مسموعة أو مرئية”، حال ارتكابها أي من المخالفات التي حددتها.

غلب على هذه اللائحة منهجية تهدف إلى التضييق على حرية الرأي والتعبير وخنق المجال الإعلامي وفتح الباب نحو غلق المساحات الإعلامية أمام المعارضين والمخالفين لسياسات الحكومة المصرية وهو ما يهدد مبدأ التعددية السياسية، ويهدم حرية الصحافة والطباعة والنشر

خامسا: قانون رقم 92 لسنة 2016 الخاص بالتنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام:

وهو قانون سيء السمعة، تأسس بموجبه المجلس الأعلى للصحافة والإعلام، والذي يقوم بدور الرقيب على الصحافة وحرية التعبير، ويؤدي دور شرطة الأخلاق، إلى جانب دور الجهة الأمنية التي تراجع المحتويات الصحفية والإعلامية وتقوم بغلق وحظر ومنع المنصات الإعلامية.

ومن بين بنود هذا القانون وتوصيف مهام المجلس الأعلى للإعلام: ضمان التزام الوسائل الإعلامية والصحفية بمقتضيات الأمن القومي. وعادة ما يندرج تحت عبارة “الأمن القومي” كل ما يتعلق بانتقاد الأداء السياسي للنظام المصري، وبموجب هذه المادة، يتم القبض على عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين، كما يتم غلق صحف وحظر مواقع تحت دعاوى الإخلال بالأمن القومي.

وكان أول تطبيق لقانون تنظيم الصحافة والإعلام حين قرر المجلس الأعلى للإعلام (نظير وزارة الاعلام) فرض عقوبات على صحفيين حكوميين بسبب نشرهما بوستات علي فيس بوك تنتقد الفساد في اتحاد الكرة ووزارة التعليم، ثم توالت العقوبات بتهم معلبة لكل الصحفيين والمصريين العاديين.

وتنص المادة 19 على أنه "يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني، نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو للعنصرية، أو التعصب أو يتضمن طعنا في أعراض الأفراد أو سبا أو قذفا لهم أو امتهان للأديان السماوية أو للعقائد الدينية".

ويقول نص المادة 19 ايضا إنه "يلتزم بأحكام هذه المادة كل موقع الكتروني شخصي أو مدونة الكترونية شخصية أو حساب الكتروني (فيس بوك) يبلغ عدد متابعيه خمسة آلاف متابع أو أكثر".

ووضع المجلس الأعلى للإعلام لائحة جزاءات تتضمن غرامات مالية تتراوح بين 50 و250 ألف علي الصحفي أو المواطن الذي يخالف قواعد النشر الحكومية.

وحوش رقمية سالبة للحرية

في تقريرها السنوي الذي رصد مؤشر حرية الصحافة لعام 2021، كان لافتا وضع منظمة "مراسلون بلا حدود" مصر في المرتبة الثامنة من القائمة التي أطلقت عليها اسم "الوحوش الرقمية السالبة لحرية الصحافة".

أشارت المنظمة لعبد الفتاح السيسي باعتباره واحدا من هؤلاء "الوحوش" الذين انتهكوا حرية الصحافة وسجنوا وعذبوا الصحفيين.

وقالت إن 7 طغاة من أصل الـ 37 الحاليين (بينهم السيسي) مدرجين على قائمة "الوحوش السالبة لحرية الصحافة"، في النسخة التي نشرتها "مراسلون بلا حدود" عام 2020.

وصفت هؤلاء الـ 37 بأنهم "حُكام يمارسون القمع الشامل بأشد أنواعه، إما من خلال إنشاء أجهزة رقابية جاثمة على الصدور، أو وضع الصحفيين قيد الاحتجاز التعسفي، أو التحريض على العنف ضدهم". (تويتر)

ويقول صحفيون حكوميون إن هناك تعليمات صدرت منذ 2017 للصحف الحكومية ، والخاصة التي اشترتها المخابرات، بعدم تناول أي موضوعات تتعلق بفساد الأجهزة الحكومية بدعوي إبراز الإنجازات"، ما أدي لعزوف المصريين عن شرائها.

وجاء هذا لوقف ما سعت صحف عادية لنشره عن فساد أجهزة الدولة، ففي 11 مارس 2015، أوقفت وصادرت جهات أمنية عددا من جريدة "الوطن" الخاصة قبل طبعها، بسبب تحقيق صحفي نوهت فيه عن امتناع 13 وزارة وجهة سيادية منها الرئاسة والمخابرات عن دفع الضرائب المُستحقة عليها.

وزادت الأزمة مع بدء إصدار تعليمات من مسئول المخابرات الحربية العقيد أحمد شعبان لرؤساء تحرير الصحف بما يتم نشره، فأصبحت الصحف تظهر كأنها نشرات حكومية بلا فنون صحفية.(تويتر)

وتبع هذا تحول معظم صحف مصر إلى نشرات دعائية تنقل وجهة النظر الحكومية في أخبار وتقارير ومقالات يتشابه متنها وعناوينها إلى حد التطابق في بعض الأحيان هو سبب تراجع الصحف.

ويقول قطب العربي، الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة في عهد الرئيس محمد مرسي، إن "نظام السيسي قائم على فكرة الصوت الإعلامي الواحد، لذا بدأ قمع الصحافة وتأميمها منذ 2013"

حجب المواقع

كان أحد أدوات سلطة الانقلاب في حجب الحقائق، ومنع نشر وقائع فسادها وقمعها، هو حجب المواقع الإخبارية والبحثية والحقوقية، ومنها مواقع أجنبية مثل قناة الحرة الأمريكية، ومواقع استخبارية بعضها اسرائيلية؛ لمجرد أنها نشرت تقريرا عن زوجة السيسي شبهتها بـ "شجرة الدر" التي تسعي لترسيخ أركان حكم عائلتها وأبناء السيسي.

ولا يُعرف على وجه التحديد عدد المواقع التي تم حجبها ولكن تقارير حقوقية تشير إلى انها قرابة 628 موقعا مصريا.

وقد كشف تقرير فني صادر عن مركزين بحثيين عن أن سلطة الانقلاب تتعمد حجب مواقع جماعة الإخوان خاصة "الحرية والعدالة" بشتى الطرق، وتستخدم استراتيجيات فنية مضاعفة لمنع دخول المصريين على الموقع باي طريقة، بحيث لو نجح أحد في الدخول عبر ثغرة فنية تواجهه تقنيات حجب جديدة.

وتحدث التقرير الذي أصدرته "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" (AFTE)، و"المرصد المفتوح لاعتراض الشبكات" (OONI)، وهو معمل بحث تقني غير ربحي يتبع مشروع تصفح الإنترنت الآمن (TOR)، عما أسماه "استراتيجية الدفاع في العمق"، من أجل ​​حجب هذه المواقع.

ويبين التقرير أن الرقابة على الانترنت باتت تطال الجميع في مصر، وأن مزودي خدمة الإنترنت للمصريين، لا يقومون بحجب المواقع مباشرة، لكنهم يُعيقون الاتصال من خلال استخدام أجهزة الفحص العميق للحزم (DPI) أوDeep Packet Inspection.

أي يطبقون تكتيكات "الدفاع في العمق" لتصفية الشبكات من خلال إنشاء طبقات متعددة للرقابة التي تجعل تجاوز الحجب أكثر صعوبة.

ويبين التقرير الفني أن المواقع الإخبارية تشكل النسبة الأكبر بين المواقع المحجوبة التي شملتها عينة البحث، حيث بلغت نسبة المواقع اﻹخبارية 62% من المواقع المحجوبة، كما بلغت نسب المواقع التي تقدّم خدمات وأدوات تجاوز الحجب 24%، كما طال الحجب عددًا من المواقع المعنية بحقوق الإنسان، والمدونات التي تُقدّم نقدًا سياسيًا أيضًا.

مخالفة صريحة للدستور

والحجب وقمع الصحافة يخالف المادة 57 من الدستور المصري، التي تكفل حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة وتمنع تعطيل هذا الحق بشكل تعسفي، كما يخالف المادة 70 من الدستور التي تكفل حرية الصحافة والنشر بكل أشكاله ومن بينها النشر الإلكتروني، والمادة 71 التي تحظر فرض الرقابة على وسائل الإعلام.

كما يخالف المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والموقعة عليه مصر، والتي تكفل حرية الرأي والتعبير ونقلها بأية وسائل.

أيضًا يخالف الحجب والمنع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي يكفل في مادته الثانية حرية الصحافة والإعلام والنشر الورقي والإلكتروني ويحظر في مادته الثالثة فرض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، وكذلك على قانون تنظيم الاتصالات الذي يكفل في مادته الثانية علانية المعلومات وحماية حقوق المستخدمين.