تعددت الأسباب و"الانتحار" واحد.. كثرة المظالم تدفع مصريين للتخلص من حياتهم
الأربعاء - 11 يناير 2023
- مصر الأولى عربيا فى معدلات الانتحار متفوقة على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية
- حالات الانتحار تمثل 07.% من حجم الوفيات بمصر في آخر 5 سنوات وهى سابقة تاريخية
- متوسط الانتحار 3022 حالة سنويا تتنوع أسبابها بين البطالة ومظالم السجون ونتائج الثانوية
- ارتفاع حالات الانتحار بشكل غير مسبوق في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية وفشل سياسات الدولة
- 186 حالة انتحار بين أبريل وسبتمبر 2022 .. والقاهرة الكبرى تشهد أعلى معدلات الانتحار
- الشباب الذكور أكثر إقبالا على الانتحار لأسباب اقتصادية.. والظاهرة في تصاعد مستمر ومفزع
- مراقبون: محاربة الدولة لكل مظاهر التدين وترسيخ قيم العلمانية من أسباب ظاهرة الانتحار
- انتشار الإدمان بين الشباب والخلافات الزوجية والخوف من التعثر الدراسي والمرض النفسي
- ارتفاع التضخم السنوي لأكثر من 20% وانهيار الجنية والارتفاع الهستيري المستمر للأسعار
- مصر في ذيل "مؤشر السعادة" عالميا واحتلت منذ 2016 المرتبة 120 عالميا و 15 عربيا
- خبراء: مصر مرشحة لمزيد من تصاعد ظاهرة الانتحار فى ظل استمرار الأوضاع الاقتصادية
إنسان للإعلام- خاص:
في ظل الانهيار الاقتصادي غير المسبوق بمصر، وتراجع مستوي المعيشة، وعجز معظم الأسر عن تدبير ضروريات الحياة، بالتزامن مع الحرب الضروس على كل مظاهر التدين والمتدينين، تصاعدت ظاهرة الانتحار بمصر خلال السنوات الماضية، حيث أصدرت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، خلال ديسمبر 2022 ، تقريرا تحت عنوان "حالات الانتحار في مصر: الإحباط الاجتماعي وغياب الدولة"، أكدت فيه ان حالات الانتحار في مصر خلال الأشهر الستة أشهر من ( أبريل ـ سبتمبر 2022) شهدت تصاعدا مفزعا.
من خلال السطور التالية نفتح ملف تصاعد ظاهرة الانتحار، ونرصد أثر الأزمة الاقتصادية على حياة المصريين، وعجزهم عن توفير الضروريات، مما يدفع المحبطين واليائسين للتخلص من حياتهم .
ارتفاع مستمر في حالات الانتحار
قال المحامي والمدير التنفيذي للمؤسسة، شريف هلالي، إن عدد حالات الانتحار بلغ خلال الفترة من أبريل إلى سبتمبر 2022 أكثر من 186 حالة، خاصة أن كثيرا من الحالات لايتم الإعلان عنها.
وجاءت أعلى النسب في شهر يونيو بـ43 حالة بنسبة 23.11%، ثم شهر يوليو بـ39 حالة بنسبة 20.96%، تلاه شهر أغسطس بـ36 حالة بنسبة 19.35%.
بينما جاءت أكبر النسب انخفاضا في شهور سبتمبر، مايو، أبريل بـ (25، و22، و21) حالة، بنسب (13.44%، و11.82%، و11.29%) على التوالي.
وجاءت محافظة القاهرة في الترتيب الأول بـ48 حالة بنسبة 25.8%، تليها محافظة الجيزة في المركز الثاني بـ34 حالة بنسبة 18.27%، ثم محافظة القليوبية بـ14 حالة 7.52%، ومحافظة الشرقية بـ12 حالة بنسبة 6.45%، تليها محافظتا المنوفية وسوهاج بـ11 حالة لكل منهما بنسبة 5.91%.
كما جاءت محافظات القاهرة الكبرى الثلاث (القاهرة والجيزة والقليوبية) في الصدارة بما يزيد على ضعف حالات الانتحار المسجلة في باقي المحافظات بمعدل 96 حالة بنسبة 51.61%، تليها محافظات الدلتا مضافا إليها محافظة الإسكندرية بـ52 حالة بنسبة 27.95%، وفي المركز الثالث جاءت محافظات الوجه القبلي بمعدل 30 حالة بنسبة 16.12%، تليها محافظات القناة في الترتيب الأخير بـ4 حالات بنسبة 21.5%.
وأشار التقرير إلى أن عدد الذكور كان الأعلى في معدل حالات الانتحار، حيث بلغ 123 حالة، وهو ما يقترب من ضعف عدد الإناث تقريبا بنسبة 66.12%، بينما وصل عدد الإناث إلى 63 حالة بنسبة 33.87%.
وتابع: “جاء الانتحار شنقا في المرتبة الأولى بـ73 حالة بنسبة 39.24%، يليه تناول قرص غلة سام أو كيماوي أو مبيد حشري أو أقراص دوائية زائدة في المرتبة الثانية بـ46 حالة بنسبة 24.73%، يليه في الترتيب الثالث الانتحار بالقفز من طابق عال بمنازل المنتحرين أو من مبان تابعة بأماكن عامة بـ31 حالة بنسبة 16.6%”.
وأوضح التقرير أن الطلاب والطالبات بمراحلهم المختلفة (الابتدائية، والإعدادية، والثانوية العامة والأزهرية) جاءوا في المرتبة الأولى بـ38 حالة، منهم 8 طلاب وطالبات جامعيين بنسبة 3.33%. يليهم تصنيف العامل، وربة المنزل بـ17 حالة لكل منهما بنسبة 14.91%.
وطالبت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، الحكومة بعدم تجاهل ظاهرة الانتحار بدعوى أنها لأسباب فردية تخص المنتحر ذاته دون مناقشة أسبابها، والتي تفشت في المعدلات الأصغر سنا من الشباب ، وقد يشير ذلك إلى تقصير حكومي في مواجهة هذه الظاهرة.
ولفتت المؤسسة إلى أن الأرقام التي رصدتها لعدد المنتحرين تعتبر “مجرد مؤشرات، ولا تمثل كافة حالات الانتحار الفعلية التي قد تصل إلى الآلاف سنويا”.
ودعت المؤسسة الحكومة بأجهزتها ووزاراتها ونقاباتها والمجتمع المدني إلى “وضع حلول لمواجهة تصاعد هذه الظاهرة لدى الفئات الأصغر سنا سواء بالتوعية أو بوجود خط ساخن يساهم في حل المشاكل الاجتماعية والنفسية أو بتوفير علاج نفسي مباشر لمعالجة هذه الظاهرة”.
كما دعت الحكومة، ومجلس النواب، ومنظمات المجتمع المدني المهتمة، والنقابات المهنية، إلى “وضع استراتيجية لمواجهة ظاهرة الانتحار وصولا إلى حصار هذه الظاهرة سواء بوضع ضوابط على بعض الوسائل المستخدمة في الانتحار مثل حبوب حفظ الغلة أو غيرها أو بوضع وسائل للإنذار المبكر لهذه الحالات”."1"
مصر الأولى عربيا في الانتحار
وخلال السنوات الماضية، توالت عناوين الأخبار والموضوعات بمواقع التواصل الاجتماعي في مصر، لتكشف تنامى ظاهرة الانتحار بشكل كبير خاصة بين اليافعين.
ففي الشهور الأخيرة من عام 2021 ، توالت فيديوهات اقبال الشباب على الانتحار ، ومنها ما شاهدناه لطالبة في كلية طب الأسنان تنتحر داخل مركز تجاري بمصر، ثم قرأنا عن شابين جامعيين ينتحران داخل فندق في الإسكندرية شمال البلاد، كذلك تابعنا أخبار من ألقى بنفسه في النيل بعد ترك رسالة غامضة لأبيه، فضلا عن من ألقى بنفسه تحت عجلات القطار.
تحصر إحصاءات منظمة الصحة العالمية فقط عدد من انتحروا بالفعل ، في حين يتجاوز عدد المحاولات الفاشلة هذا الرقم بكثير، وبحسب المنظمة، يعد الانتحار رابع سبب للوفاة بين اليافعين من الفئة العمرية بين 15 - 19 عاما.
وتحل مصر في المرتبة الأولى عربيا من ناحية معدلات الانتحار، متفوقة في ذلك على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية. وتليها السودان ثم اليمن فالجزائر ، ففي عام 2019، انتحر في مصر وحدها 3022 شخصا، بحسب إحصاءات المنظمة.
ومركز البحوث الاجتماعية والجنائية أصدر تقريرا في عام 2020 أشار فيه إلى أن معدل الانتحار لا يتجاوز 1.29شخصا لكل 100 ألف نسمة خلال عام 2018 ، ورصد التقرير انتشار الانتحار بين سكان الريف وليس فقط سكان المدن المكتظة.
ومن الواضح انه بعد اجتياح الفقر والقهر للمصريين .. تشهد مصر تصاعدا في معدلات الانتحار .
الأرقام المفزعة عن الانتحار في مصر تؤكد تصاعد "الظاهرة" .. و مؤسسات حقوقية كشفت عن بلوغها ما بين 30- 35 حالة شهريا .. و أن المعدلات ترتفع في بعض المناسبات خاصة مراحل الامتحانات
وبعد تفاقم تلك الظاهرة، أطلق الأزهر حملة " لا تيأس.. لا للانتحار" .. وجاء في حملة الأزهر: "أنت غالٍ علينا ونحن جميعا نُحبك لا تيأس، أو تقنط، أو تفقد الأمل أبدا؛ بل واجه الحياة بيقين في كرم الله، وبقوة وصلابة، وتجاوز تحدياتها وعقباتها، وسيأتي يوم عليك تتذكر فيه أيام المِحَن بعد أن وفقك الله في تجاوزها، وستكون مجرد ذكرى. فقط، اصبر، وحاول"، كما أن المجلس الأعلى للإعلام وضع قيود على نشر الأخبار عن هذه "الظاهرة " .
وفي نفس السياق ،أكد تقرير لـ«المؤسسة العربية لحقوق الإنسان» أن مصر شهدت 78 حالة انتحار خلال الثلاثة شهور الأولي من العام2021 .. وأنه في الـ 6 شهور الأولى من هذا العام بلغت الحالات 201 حالة ، فيما بلغت نسبة العاطلين في معدلات الانتحار 10.34٪ .. و انتحار العمال بعد إغلاق مصانعهم مثل نسبة 4.6٪ من حالات الانتحار
وأشارت منظمات حقوقية إلى أن مصر شهدت انتحار 8 تلاميذ بسبب نتائج الثانوية العامة خلال العام 2021 .. بسبب النظام الفاشل الذي حول أبناء المصريين لحقل تجارب ..
كما اكد التقرير أن الانتحار أصبح أيضا يراود "مظاليم" مصر في السجون ، و وكان أخرهم علاء عبد الفتاح الذي أكد أمام النيابة أثناء التحقيق معه مؤخرا أنه ينوي الانتحار بسبب الانتهاكات التي تدمر حياته داخل محبسه"2"
سنوات عجاف واقبال غير مسبوق على الانتحار
وقد اكدت دراسة "للمعهد المصري" ان حالات الانتحار خلال 3 أعوام من (2019 ـ 2021) ، تصاعدت بشكل مخيف ، حيث وثقت الدراسة ما يقرب من 1511 حالة انتحار خلال هذه الفترة، كما تتناول أيضا محاولات الانتحار التى تم رصدها خلال نفس الفترة والتي وصلت إلى 168 محاولة.
الدراسة أكدت ان هذه الظاهرة في تزايد خاصة بين قطاعات عمرية معينة صغيرة السن، وكذلك بين قطاعات العزاب، ثم المتزوجين، وتزيد بشكل أكبر معدلاتها بين الذكور بنسبة الثلثين في أغلب الأوقات، كما يرصد هذا التقرير الوسائل المستخدمة في هذه الحالات، والتصنيف الجغرافي في المحافظات المختلفة، وذلك تصنيف الحالة الاجتماعية ” المتزوج، الأعزب”، والتصنيف المهني، والتصنيف العمري لهذه الحالات، ويتناول كذلك أسباب الانتحار.
كما تؤكد هذه الدراسة أيضا ان ما تقوم به الحكومة والدولة المصرية من خطوات، لمواجهة ظاهرة الانتحار لا زالت محدودة جدا بل تحاول التهوين من شانها، والإشارة إلى أعداد غير حقيقية، تتناقض بما يتناقض مع كل ما التقارير الدولية والمحلية.
ومن الواضح أن ليس هناك إستراتيجية وطنية لمواجهة حالات الانتحار، تشارك فيه جميع وزارات الدولة لمواجهة خطر تزايد هذه الحالات في ضوء تزايد الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية، وتوجه الدولة عن التخلي عن مسئوليتها في توفير الحقوق لاقتصادية والاجتماعية للمواطنين ومن أهمها الحق في الصحة والتعليم والعمل والحق في السكن. وغيرها.
وأكدت الدراسة ان أكثر قطاع مضار بهذه الإجراءات هو الشباب من سن (18 ـ 40 عاما)، فضلا عن وجود ميل متزايد للانتحار لدى الفئات التي لم تتعد مرحلة الطفولة (18 عاما فأقل) وخاصة بين طلاب المرحلة الثانوية العامة، ثم الإعدادية، ثم التعليم الجامعي.
وأكدت الدراسة أن الإحصاءات المختلفة أكدت أن شرائح مختلفة صغيرة عمريا، هي أكثر المرتكبين لظاهرة الانتحار، كما تشير تقديرات مختلفة إلى انه في عام 2021 بلغت عدد حالات الانتحار في مصر (2584 حالة) ، وهذا رقم كبير قادم من مصدر من مصادر يمثل لدراسة بحثية تناولتها ورشة عمل عقدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية خصصت لمناقشة «مشكلة الانتحار في المجتمع المصري الأبعاد وآليات الوقاية»، تم عقده داخل مصر. وهذا رقم كبير، ولا تمثل الحالات التي تم توثيقها في هذا التقرير إلا 16% من هذه الإحصائية.
ويشير بعض الأطباء المتخصصين إلى أن الرقم المسجل تعدى في كثير من الدول العربية حِـزام الأمان للانتحار، وهو أقل من 10 أشخاص لكل 100 ألف من السكان
وأضافت الدراسة أن حالات الانتحار خلال سنوات مختلفة بداية من عام 2005، حتى عام 2021، تؤكد أن اقل رقم لحالات الانتحار تتراوح بين (1150، 1264) بينما أعلى معدل لهذه الحالات كان خلال عامي 2008، 2009، حيث تجاوز الـ 5000 حالة خلال العام الأخير. بينما وصل إلى (2584) حالة في عام 2021، ليقل بشكل محدود عن عام 2016، 2019 الذي تجاوزت فيها حالات الانتحار معدل ثلاثة الأف حالة.
أما بخصوص محاولات الانتحار، فبلغت إجمالي الحالات التي تم توثيقها (168) حالة، حيث جاء في المركز الأول عام 2021 بـ (75) محاولة بنسبة 42.11 %، يليها عام 2019 بـ(54) حالة بنسبة32.14 %، وفي المركز الثالث جاء عام 2020 بـ (39) محاولة بنسبة 23.21 %."3"
أسباب الانتحار في مصر
والسؤال الذي أصبح يشغل بال الكثيرين في هذا الواقع الصعب والمرير، ما هي الاسباب التي تدفع المصريين للانتحار ؟
بالطبع هناك العشرات من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي باتت سببا يدفع المصريين إلى اتخاذ هذا القرار الصعب والذي تتنازعه عدد من الدوافع النفسية والاجتماعية والعوامل الشخصية للفرد، و مدى استعداده لتحمل الظروف المحيطة به، أو عدم استعداده، وهناك من يقوم بالمحاولة لأكثر من محاولة حتى تتكلل بالنجاح. وهنناك مسئولية مجتمعية تقع على عاتق الدولة وأجهزتها بالأساس في معالجة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تصاعد الظاهرة لدى مجتمع الشباب.
في الحقيقة هناك عدد كبير من الأسباب التي تؤثر في نفسية الفرد وتؤدي به إلى اتخاذ هذا القرار الصعب ليترك عائلته الأقرب ومن يحب للتخلص من حياته، خاصة أن هذه القرار يكون بالنسبة له هو المخرج الوحيد من كل ما يعانيه من مشاكل.
والمشكلة أوضح لدى قطاع صغار السن، خاص من هم تحت سن الـ 18 سنة، حيث يكونون حساسين لأي أسباب خلافات عائلية أو مجتمعية تتعلق بالتنمر أو نقد اطراف الأسرة لتصرفاته، أو نقده لعدم المذاكرة بشكل جيد أو منعه من عمل ما يحب مثل الخروج مع الأصدقاء أو استخدام المحمول أو غير ذلك من الأسباب وهو ما يؤدي إلى حالات الانتحار بسبب الرسوب في الثانوية العامة أو إحراز معدلات ضعيفة فيها، والخوف من رد فعل الأهل والمجتمع المحيط بالأسرة.
وفشل المنتحر من تكوين مستقبله التعليمي والمهني، خاصة في تقسيم الكليات إلى كليات قمة وأخرى ليست كذلك. أيضا تمثل الأسباب الخاصة برفض الارتباط العاطفي والزوجي من جانب الأسر احد الأسباب الأساسية، فضلا عن الخلافات الزوجية والأسرية داخل اطراف الأسرة الواحدة، والضائقة المالية، وخلافات العمل، عدم إيجاد عمل، أو الفصل من العمل، وتأتي هذه الأسباب على النحو التالي:
- الظروف الاقتصادية الصعبة
كثيرا ما تأتي الأسباب ذات العلاقة بالضائقة المالية وزيادة الديون التي يتعرض لها الأشخاص في بعض الأحيان سواء كانوا عمالا أو حتى تجار أو حتى رجال أعمال أو موظفين في شركات كبيرة، للجوئهم إلى الانتحار، كما يأتي التعثر المالي والإفلاس الذي يتعرض له أشخاص موسرين كسبب للانتحار. ويزيد أهمية هذا السبب في حالة الفصل من العمل أو الفشل في إيجاد عمل.
وهي التي تكون أساسا دافعا للتفكير في نوايا الانتحار، وبتكرار هذه الأزمة وعدم وجود حل لها، تنشأ الرغبة في الانتحار، وترجع هذه الأزمة النفسية إلى عدد أخر من الأسباب الاجتماعية والزوجية والمادية، سواء في المنزل أو في العمل وفي المحيط الاجتماعي، وقد تنشأ هذه الأزمة حتى على أسباب يراها البعض لا تستحق، مثل ظاهرة انتحار الأطفال التي تحدث بسبب خلافات مع الأب والأم حول القصور في الدراسة أو الانشغال في مشاهدة الموبايل أو الألعاب الإلكترونية أو عدم تلبية الأب أو آلام لبعض الرغبات الخاصة بأطفالهم، أو منهج التعنيف الذي تقوم به الأسرة ضد الأبناء ذكورا وإناث، والأخيرين قد يكونون أكثر حساسية لأي انتقادات، أيضا ما يحدث من تنمر واستغلال القضاء الإلكتروني ضد بعض الإناث وتلفيق صور غير أخلاقية لهن، وهو ما قد يؤدي إلى الانتحار.
- الخلافات الزوجية بسبب الظروف المعيشية
وتأتي الخلافات الزوجية بين الزوجين ضمن احد الأسباب التي تمثل دافعا أساسيا لارتكاب فعل لانتحار من جانب الزوج أو الزوجة، وتأتي هذه الخلافات لأسباب مادية وعدم القدرة على تسيير الحياة اليومية لعجز الزوج عن تغطية النفقات اليومية حتى في حالة عمله لساعات أطول، أو بسبب الشجارات الزوجية بين الطرفين وعدم قدرة الطرفين على تحمل الطرف الأخر، بسبب مشاكل الأطفال، أو لضغط طرف على الطرف الأخر والاعتداء البدني الذي قد يمارسه الزوج على الزوجة، فلا تجد الزوجة حلا إلا الانتحار هربا من ضغوط الحياة الزوجية، أو لأسباب الخيانات الزوجية المتبادلة ولعل ماشاهدته مصر من أقبال زوجين على الانتحار بعد عجزهم عن توفير متطلبات الحياة وتركهم 6 أطفال خير مثال على ذلك .
- الخوف من التعثر الدراسي أو الفشل في الامتحانات:
تأتي هذه الأسباب أيضا في مواسم الشهادات العامة كالشهادات الإعدادية وبشكل أكبر امتحانات الثانوية العامة ، وبروز مخاوف الطلاب من فشلهم في الإجابة على الامتحانات أو أثناء أيام الامتحانات والفشل في الإجابة بشكل جيد في بعض المواد، أو عقب ظهور النتيجة، بإحراز معدل ضعيف، وبالتالي لا يسمح للطالب بدخول الجامعة التي يريدها، أو بسبب الرسوب وقيامه بإعادة الامتحان لسنة أخرى. وتشهد مصر هذه الموجات بشكل متكرر وتحتاج للاهتمام بالصحة النفسية لهؤلاء الطلب، وهذا يحدث أحيانا لدى بعض طلاب الجامعات أيضا بسبب التعثر والرسوب الدراسي. أو الاهتمام بتغيير جذري وحقيقي لنظام التعليم العام يعطي فرص مختلفة للطلاب للتأهل والنجاح الدراسي، والتقليل من سطوة الشهادات العامة في نظر الطلاب وكان الرسوب فيها هي نهاية العالم، وليست هناك فرص أخرى لتغيير هذا الواقع الخاص بالراسبين أو ذوي المجاميع المنخفضة.
- المرض النفسي:
كثيرا ما يكون المرض النفسي بداية بالاكتئاب أو الصرع سببا للانتحار خاصة في استمرار هذا المرض، وعدم إحراز أي نجاح في علاجه، وهو ما يؤدي بالمنتحر لموجات متتالية من الاكتئاب تسلمه للرغبة الأكيدة في الانتحار. وقد تؤدي بعض الأمراض المزمنة والصعب علاجها إلى تزايد هذه النوعية من الأمراض.
ويمثل الإدمان احد الأسباب النفسية التي تقف وراء قرار الانتحار، خاصة في ظل الفشل من العلاج، سواء كان هذا إدمانا على الخمر أو المخدرات بكافة أنواعها. وكثيرا ما تأتي حالات الانتحار في مستشفيات نفسية يعالج فيها المنتحر نفسه من أعراض الإدمان."4"
الانهيار الاقتصادي أهم أسباب الانتحار
ولكى نعلم لماذا يقدم المصريين على الانتحار لابد ان نتعرف على حالة الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه مصر ، ومن أهم ملامحه ، قفز معدل التضخم السنوي في مصر إلى أكثر من 20%، ليسجل أعلى مستوياته في خمس سنوات، في ظل أزمة عملة خانقة، تسببت في ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه بأكثر من 100% خلال العام الحالي فقط، بينما بقيت العملة الخضراء عزيزة على أغلب الراغبين في شرائها في مصر.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر، مؤخرا، أن التضخم الشهري في البلاد سجل 2.5% في نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنة بالشهر السابق.
وقالت وكالة "رويترز" إن التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والوقود شديدة التقلب، ارتفع إلى 21.5% على أساس سنوي في نوفمبر/تشرين الثاني، مقارنة بـ19.0% في أكتوبر/تشرين الأول.
وارتفعت أسعار مجموعة الطعام والمشروبات بنسبة 30.9% خلال الشهر الماضي على أساس سنوي، بصدارة مجموعة الحبوب التي ارتفعت بنسبة 52.1% مقارنة بنوفمبر/تشرين الثاني 2021، وقالت وكالة "الأناضول" إن تحريك أسعار الصرف أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وتآكل جزئي في مدخرات المصريين بسبب التضخم، وتراجع سعر الجنيه وبالطبع يحمل ذلك الوضع المصريين اعباء فوق طاقتهم مما يدفعهم للتخلص من حياتهم . "5"
كما ان من مسببات انتحار الشباب، أرتفاع معدل البطالة، التى ارتفع إلى 7.4% خلال الربع الثالث من العام 2022، قياسا على 7.2% في الربع الثاني ، وذلك بحسب البيانات الرسمية لكن كثير من المراقبون يؤكدون أن هذه النسبة تجاوزت 25% من شباب مصر .
وقال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن عدد العاطلين عن العمل في السوق المحلية حتى نهاية الربع الثالث من العام بلغ 2.25 مليون متعطل، بارتفاع 99 ألفا عن الربع السابق.
وسجل معدل البطالة بين الذكور 1.3 مليون، فيما بلغ عدد الإناث 934 ألف أنثى في الربع الثالث من العام بحسب الجهاز المركزي للإحصاء."6"
مصر في ذيل "مؤشر السعادة" العالمي
وفي ظل السياسات الفاشلة للنظام المصري ، كان طبيعيا أن تحتل مصر موقعا متأخرا في تقرير مؤشر السعادة العالمي، الصادر عن شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة منذ عام 2016، وحتي عام 2021، واحتلت مصر المرتبة 120 عالميا والمرتبة 15 عربيا، بعد دول تشهد أزمات منذ سنوات، بينها فلسطين والعراق والصومال.
وبحسب إحصاءات منظمة "يونيسف"، تصل نسبة الفقر فيها إلى 60% ، بحسب البنك الدولى ، وهذه الحالة من التعاسة تكون سببا رئيسيا في اقبال المصريين على الانتحار .
ولقد شهدت مصر تراجعاً في كافة المؤشرات العالمية، وحتى المحلية والإقليمية، فكان التراجع عنواناً في جميع المجالات؛ يقيس استمرار تردي الأوضاع المعيشية، والاقتصادية، والاجتماعية، وكذلك السياسية، وحتى المعلوماتية. "7"
خبراء: مصر مرشحة لمزيد من تصاعد الانتحار
وحول تحليل تصاعد ظاهرة الانتحار، أكدت الدكتورة هالة حماد استشاري نفسي للأطفال و المراهقين عزت تنامي ظاهرة الانتحار بين اليافعين المصريين إلى اطلاع الجيل الأصغر من اليافعين على مواقع إلكترونية تشجعهم على التفكير في الانتحار وتقدم لهم معلومات وتجارب لمجايليهم في دول أخرى، وذلك في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشها هؤلاء الشباب .
وحذرت حماد من أن بعض الأسر لا تنتبه عادة لإصابة اليافعين من أبنائها بالاكتئاب باعتبار أنهم ما يزالون صغارا وليست لديهم مسؤوليات أو أعباء وضغوط، مؤكدة أن الاكتئاب والمرض النفسي عموما لا سن له. ويصيب المراهقين بل و الأطفال كما يصيب كبار السن.
ويقول رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" مصطفى خضري: بالرغم من عدم وجود حروب أو نزاعات مسلحة في مصر.. إلا أن هناك تزايدا في حالات الانتحار بشكل غير عادي.. و حالات الانتحار تمثل 07.% من حجم الوفيات بمصر في آخر 5 سنوات .. بمعدل يبلغ 11 حالة انتحار يومي تقريبا
وتابع أن هناك أسباب أدت لتفاقم "الظاهرة" مثل ضعف الوازع الديني.. واليأس نتيجة الظروف الاقتصادية.. والأمراض النفسية، والضغوط الحياتيه، مؤكدا أن الإجراءات السياسية والاقتصادية الفاشلة لنظام السيسي ساهمت في انتشار اليأس بين الشباب.. والبحث عن الهجرة، حتى ولو كانت غير شرعية.. ومنذ استيلاء السيسي على السلطة وهناك حالة من العداء بينه وبين الدين الإسلامي
وقالت الكاتبة المتخصصة بشؤون الأسرة والمجتمع فاطمة عبدالرؤوف: "هناك علاقة وثيقة بين ضعف المشاعر الإيمانية وارتفاع معدلات الانتحار.. فالمنتحر إنسان تعرض لضغوط نفسية أو أسرية أو صحية أو اقتصادية شديدة ولم يمتلك الطاقة النفسية لمواجهتها. "8"
المصادر:
- " 186 حالة انتحار خلال 6 شهور والقاهرة الكبرى في الصدارة" موقع رصد، 7 ديسمبر 2022، https://rassd.com/522685.htm
- نغم قاسم، "الانتحار: السبب الرابع للوفاة بين اليافعين ومصر الأولى عربيا"، "بي بي سي " عربي، 21 ديسمبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/59568886
- شريف هلالي ، "ملف وثائقي: حالات الانتحار في مصر 2019 ـ 2021" ، موقع المعهد المصري للدراسات،4 مارس 2022، https://cutt.us/RkVgG
- نفس المصادر السابق
- "التضخم السنوي في مصر يتخطى 19% في نوفمبر ... والأساسي 21.5%"، العربي الجديد، 8 ديسمبر 2022، https://cutt.us/GXcOZ
- "مصر: ارتفاع نسبة البطالة إلى 7.4% مع نهاية الربع الثالث"، موقع عرب 48، 15/11/2022 ، https://cutt.us/hwo6n
- نادين ثابت، "مصر في ذيل "مؤشر السعادة" العالمي.. ماذا عن التعاسة؟، العربي الجديد ، 16 مارس 2016، https://cutt.us/wcaGX
- نغم قاسم، "الانتحار: السبب الرابع للوفاة بين اليافعين ومصر الأولى عربيا"، "بي بي سي " عربي، 21 ديسمبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/59568886