تهدئة سعودية مصرية بعد اشتباك إعلامي.. لماذا انقلب الخليجيون على السيسي؟
الأربعاء - 15 فبراير 2023
- قاد إعلاميون سعوديون هجوما على نظام السيسي والجيش المصري بضوء أخضر من القصر
- الحملة الخليجية بدأها " تركي الحمد" و خالد الدخيل ثم انتقلت إلى الكويت.. والرسالة واحدة
- مستشار محمد بن سلمان: مصر ثقب أسود يبتلع أموال الخليج وعلى حكومتها تدبير حالها
- كاتب كويتي: حل الأزمة الاقتصادية يكمن في رحيل السيسي ونظامه وإبعاد العسكر عن الحكم
- "ساويرس" تضامن مع تغريدات "الحمد" و ألمح إلى ضرورة خروج الجيش من كعكة الاقتصاد
- البعثة الدبلوماسية المصرية بالسعودية تحث النظام على اعتذار اعلامي عن الهجوم علي المملكة
- مصادر دبلوماسية: التوتر جاء لعدم تلبية السيسي متطلبات الدعم العسكري للسعودية دون تردد
- بعد ضغوط سعودية شديدة .. السيسي اعتذر عن إساءات الإعلام المصري وتعهد بوقف الحملات
إنسان للإعلام- خاص:
شهدت العلاقات المصرية الخليجية انتكاسة غير مسبوقة منذ نهاية يناير 2023، مما اعتبره كثير من المحللين انقلاب خليجي على السيسي والجيش المصري.
و ظهرت على السطح اشتباكات صحفية والإعلامية بين مصر ودول خليجية منها السعودية والكويت، بدأت بحملة هجوم ضارية على مصر من قبل الإعلام السعودي والكويتي، وشارك فيها بعض إعلاميى البحرين، وسببها الرئيس عدم تلبية السيسي لمطالب السعودية والخليج في الاصطفاف معهم ضد إيران، وعدم إرسال قوات عسكرية داعمة للسعودية في اليمن، وتلكؤ السيسي في تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
الأهم من ذلك هو البعد الاستراتيجي المتعلق بخوف "الخلايجة" من انهيار النظام في مصر الذي دعمته دول الخليج على مدى أكثر من 10 سنوات بنحو 92 مليار دولار، ليحافظ على معادلة بقاء العسكر في مصر على رأس السلطة مع عدم تهيئة أسباب لهبة شعبية على غرار ما حدث في يناير 2011، تطيح بالنظام وتغيره، ما يسبب متاعب جمة لقادة الممالك والإمارات الخليجية وخوفا من أن تكون في مصر سلطة منتخبة من الشعب تنتقل عدواها إلى الخليج.
في السطور التالية نرصد تداعيات حملة الهجوم الخليجي على النظام المصري، وأسبابها ، والموقف المصري الرسمي والإعلامي منها.
انقلاب خليجي على مصر
بدأ الهجوم الإعلامي السعودي على النظام المصري بالصحفي السعودي تركي الحمد، المقرب من محمد بن سلمان، حيث انتقد تردي الاوضاع الاقتصادية بمصر، وأرجع ذلك الى "هيمنة الجيش المتصاعدة" على مفاصل الحكم في مصر، على حساب مؤسسات المجتمع الأخرى، ما أدى إلى وقوعها أسيرة لصندوق النقد الدولي.
وقال "الحمد" في سلسة تغريدات على "تويتر" إن "الحديث عن مصر ليس حديثًا عن أي دولة عربية أخرى، وليس تدخلًا في شؤونها الداخلية"، مؤكدًا أن "التاريخ المصري الحديث يكاد يكون تاريخ كل العرب في نجاحاتهم وإخفاقاتهم على حد سواء"، وقال أيضا : "فى الذهن العربي ليست مصرا واحدة، بل هي "مصران": فهناك مصر "النموذج"، سواء كان هذا النموذج هو مصر التنوير والحداثة والنهضة منذ بدايات مصر الحديثة في عهد محمد علي الكبير، أو كان النموذج الناصري منذ عام 1952، نموذج الثورة والتنمية والمكانة الدولية المميزة، بمعنى أن لدينا نموذجان لمصر".
وعدد الصحفي السعودي 3 أسباب أو عوامل، أدت إلى تردي الأوضاع في مصر ووقوعها أسيرة للمساعدات الدولية، ومثّلت ما أسماه بداية "الصعود إلى الهاوية".
وقال إن السبب الأول، يكمن في هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد بحيث أصبحت كل المشروعات في البلاد تمرّ عن طريق مؤسسات خاضعة للقوات المسلحة، ولصالح أشخاص متنفذين داخلها، مبينًا أن "ذلك جاء على حساب القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، التي كانت في أقوى حالاتها قبيل عام "1952.
وأضاف "الحمد" أن السبب الثاني هو "البيروقراطية المصرية الهرِمة المقاومة للتغيير، التي تقف حجر عثرة في وجه أي استثمار اقتصادي ناجح، سواء داخلي أو خارجي، رغم أن مصر عبارة عن كنز لا ينضب من الفرص الاستثمارية".
أما السبب الثالث، بحسب "الحمد"، فهو "الثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة والمنتظرة لكل ما يأتي من (فوق).. مع غياب شبه تام لحس المبادرة المجتمعية المستقلة".
وختم قائلًا: "هذه هي أهم ثلاث عوامل لا يمكن فهم ما يجري في مصر دون أخذها في الاعتبار وفق ظني، وليس كل الظن إثم في كل حال".
وتباينت ردود الأفعال على تغريدات الصحفي السعودي، بين مؤيد ومعارض، حيث اعتبرها البعض بمثابة تحليل واقعي للأسباب التي أدت إلى تدهور الأوضاع في مصر، مطالبين بطرح حلول جذرية للخلاص من الأزمة ، بينما اعتبرها آخرون تدخلًا في الشأن المصري ومماحكة تهدف لإثارة الجدل والتحريض ضد سياسات الحكم في مصر."1"
وقد سبق لتركى الحمد التطاول على مصر، حيث اكد في مقال في 13 يونيو 2021، أنه "لولا الدعم السعودي لمصر عقب الانقلاب على الرئيس الراحل "محمد مرسي" وجماعة "الإخوان المسلمون"، لربما "أصبحت مصر عزبة فارسية يعيث فيها الإخوان فسادا"، على حد تعبيره.
كان ذلك تعليقًا على تغريدة عن لقاء الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، مصحوبا بصورة لقبلة "السيسي" على رأس العاهل السعودي الراحل الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" خلال زيارة دعم إلى مصر في 20 يونيو/حزيران 2014 "2"
كما شن هجوما مفاجئا على مصر معتبرا أنها أصبحت "عقيما ولم تعد تنجب إلا سقط المتاع" ، وذلك في أغسطس 2019 .
وكتب "تركي" في تغريدته: "مصر التي كانت ولادة، التي أنجبت درويش وعبدالوهاب وحليم والخالدة أم كلثوم وليلى مراد وغيرهم، أصبحت عقيم لم تعد تنجب إلا سقط المتاع.. لا أدري هل العيب في مصر أم في هذا الزمان"."3"
وفي سياق متصل تضامن الملياردير ورجل الأعمال المصري المثير للجدل "نجيب ساويرس" مع التغريدات التي كتبها "تركي الحمد" وكتب "ساويرس"، معلقا على تغريدة لاحقة لـ"تركي الحمد" انتقد فيها الهجوم الذي شنه عليه أنصار النظام المصري والمؤيدين لرئيس البلاد "عبدالفتاح السيسي": "كمصري لا حساسية لدي من أي نقد، بالعكس لأن هذا معناه أنك مهتم، ولذلك كل الشكر والتقدير مني ومن يختلف في الرأي معك، وأنا لست منهم"، وهو ما يعد موافقة صريحة من "ساويرس" لما كتبه "الحمد".
وسبق لـ"ساويرس" انتقاد هيمنة الجيش المصري على الاقتصاد والتجارة في البلاد، متحدثا عن عدم تكافؤ في الفرص بينه وبين شركات القطاع الخاص، حيث يتمتع الجيش بكافة الامتيازات والاستثناءات التي تكفل نجاح مشروعاته الاقتصادية، وهو ما يتم حرمان المستثمر العادي منه."4"
"خالد الدخيل " و "العقيلي "
ودخل حلبة التطاول على النظام المصري، أستاذ علم الاجتماع السياسي السعودي، خالد الدخيل، حيث حمّل الجيش المصري مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في مصر، وقال الدخيل في تغريدة على حسابه بـ"تويتر": إن "ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ ١٩٥٢".
ومضى الأكاديمي السعودي يقول إن مصر "انكسرت في حزيران/ يونيو ٦٧، وتبخر وهج (ثورة) ٢٣ يوليو كما عرفه المصريون والعرب. لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف"
تغريدة الدخيل جاءت بعد ثلاثة أيام من تغريدة تركي الحمد، والتي أيضا حملت الجيش المصري مسؤولية تدهور الأوضاع في مصر بسبب تدخله وسيطرته على الاقتصاد."5"
وفي السياق نفسه، حذر رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية من أن أي محور ضد السعودية سيكون وبالا على أصحابه، وقال سليمان العقيلي: إن "تشكيل المحاور ضد السعودية قديم ومأساوي".
وأضاف في تغريدة في حسابه على "تويتر" إن ذلك يمتد "من الاتحاد العربي بين الملكين فيصل بالعراق وحسين بالأردن بالخمسينيات، إلى محور عبد الناصر الجمهوري بالستينيات، ثم محور صدام بالثمانينيات"، مشيرا إلى أن كل "المحاور" "فشلت في هز صلابة المملكة، بل قزمت أصحابها وأسقطتهم من عروشهم!"، واختتم تغريدته بالقول: "ننبه لخطورة تكرار التجارب المأساوية!".
المثير في تغريدة العقيلي أنها تأتي بعد أقل من 48 ساعة من تغريدة للأكاديمي الإماراتي المعروف الدكتور عبد الخالق عبد الله، تحدث فيها عن تشكل محور عربي جديد، على رأسه الإمارات، لا يضم السعودية.
وبحسب الأكاديمي الإماراتي، فإن محور الرباعي العربي (السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين) قد انتهى ، ولقيت تغريدة عبد الله هجوما واسعا من معلقين، واتهمه مغردون بمحاولة إحداث فتنة عبر تجاهله السعودية، وتصوير الإمارات على أنها قائدة الأمة العربية.
وبالفعل، فقد اعتبر معلقون أن العقيلي يرد على الأكاديمي الإماراتي، مؤكدين صلابة السعودية وقدرتها على مواجهة أي "محور ضدها"، فيما ذهب بعضهم إلى التقليل من شأن الإمارات.
ويكمل السجال غير المباشر بين سياسيين وإعلاميين سعوديين وإمارتيين، حلقة سجال أكثر حدة دارت بين سياسيين وإعلاميين سعوديين ومصريين.
وكان الأكاديمي السعودي "علي الشهابذي"، المقرّب من ولي العهد “محمد بن سلمان”، دخل على خط التلاسن الإعلامي المشتعل بين السعودية ومصر، وغرد باللغة الإنجليزية، عبر حسابه بموقع “تويتر”: “تستمر مصر في الاعتماد على إنقاذها باستمرار، لكن شهية المانحين تتضاءل الآن بشكل كبير”.
وأضاف قائلاً: “مصر عبارة عن ثقب أسود لن يغلق أبدًا ما لم تكن الحكومة قادرة على إجراء إصلاحات هيكلية مادية". واختتم “تغريدته بالقول: “نشهد الآن فترة صعبة في التكيف مع هذا الواقع الجديد".
ويوصف "الشهابذي" بأنه مستشار إعلامي لـ”بن سلمان”، وفقاً إلى تقارير إعلامية بهذا الخصوص. "6"
كتُاب الكويت يدخلون على الخط
وفي سياق متصل، هاجم الكاتب والمحلل السياسي الكويتي “أحمد السلامي”، السيسي ونظامه العسكري، قائلاً: إنه “أغرق مصر في بحر من الديون التي أصبح من المستحيل تسديدها في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه الدولة نتيجة تفرده بالحكم، رغم جهله في علوم الإدارة والاقتصاد والسياسة”.
وقال السلامي في مقال نشره على مدونته بعنوان: “مصر غرقت يا جدعان”، إن إصرار نظام السيسي يعمل على تنفيذ مشاريع لا جدوى اقتصادية منها، وليس لها عوائد تعود بالنفع على الشعب، الأمر الذي أدى إلى ما وصلت إلى مصر اليوم.
وتابع أنه بدلاً من الاستثمار في الحجر كان من الممكن الاستثمار في البشر، من خلال تطوير التعليم وتحسين أداء الخدمات الطبية وتوفير سبل العيش الكريم، مشيراً إلى أن المرحلة التي تلي ذلك هي “الاتجاه إلى دعم الاقتصاد من خلال النهوض في الصناعة والزراعة والسياحة والنقل والتجارة وتنمية الثروة الحيوانية واستقطاب الشركات الاجنبية العملاقة للاستثمار في مشاريع محلية واستثمار الطاقات البشرية الهائلة، ذهب مباشرة الى بناء دولة خراسانية ليسجل التاريخ إنه أهلك البشر واهتم بالحجر!”.
يشار إلى أن تصريحات السلامي، تأتي في سياق من التوتر في العلاقات الخليجية المصرية، تجلى خاصة في تصاعد التراشق الإعلامي بين محسوبين على نظام السيسي وإعلاميين خليجيين في الآونة الأخيرة.
ولفت السلامي إلى أن عبد الفتاح السيسي القادم من خلفية عسكرية، اعتاد إصدار الأوامر دون نقاش أو جدال، مشيراً إلى أنه كان من الصعب عليه أن يُفرّق بين كونه ضابطاً في الجيش ورئيساً يحكم مصر “أم الدنيا”، لذلك وضع حكومة شكلية يرأسها مصطفى مدبولي “خيال مآته”، وتضم وزراء لا وزن ولا قيمة لهم.
وتابع أن السيسي “أخذ يسيطر على مفاصل الدولة ويعين «لواءات الجيش» في شركات حكومية وقطاعات عامة بهدف احكام قبضته على كرسي الحكم وضمان بقائه حتى اخر عمره رئيسا ثم يخلفه ضابط آخر من بعده!”.
وأضاف الكاتب الكويتي “أن ما بين الأوامر العسكرية والقرارات المصيرية فارق عظيم لا يفهمه عبدالفتاح السيسي الذي أصدر جملة من القرارات المدمرة القائمة على الاقتراض من دول عربية وأجنبية والصندوق الدولي والبنك الدولي ومؤسسات أخرى لبناء مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وتنفيذ عدد من مشاريع النقل والطرق وغيرها متجاهلا تماما دراسات الجدوى الاقتصادية باعترافه أكثر من مرة”
كل ما سبق، بحسب ما ذكر السالمي “أوقع –السيسي- في فخ الديون التي تخطت 166 مليار دولار أمريكي، وهو رقم ضخم جداً لدولة يعاني شعبها من ضعف الدخل وشح في المواد الغذائية يقابله ارتفاع كبير في الأسعار نتيجة تعويم الجنيه الذي فقد قيمته الشرائية”
الحل للخلاص من هذه الأزمات -بحسب السلامي- يكمن في عزل السيسي وتحييد المؤسسة العسكرية، على أن يقابل هاتين الخطوتين صياغة دستور وطني يمثل الشعب المصري العظيم ويخدم مصالحه ويحقق له الاستقرار الأمني والسياسي لتتنفس مصر والمصريون الصعداء
كما أثار الكاتب السياسي الكويتي علي الفضالة جدلا واسعا، خلال فيديو وجهه إلى الشعب المصري، وقال الفضالة مخاطبا المصريين بانفعال، إن عليهم عدم تصدير مشاكلهم إلى الخليج، وإقحام دول الخليج في إخفاقات الحكومة
وتابع "إذا كان عندكم إخفاقات، وتعويم الجنيه، وانهيار الاقتصاد، فنحن لسنا مسؤولين عنكم مدى الحياة، ولسنا مسؤولين عن رفاهية شعبكم"، وأضاف أن نحو 8 ملايين مصري يقيمون في الخليج، زاعما أن ثلث المصريين يأخذون قوتهم من دول الخليج، واتهم الفضالة الحكومة المصرية بتحويل شعبها إلى "شحادين" من خلال عملهم في دول الخارج، قبل أن يعتذر عن هذه الكلمة، قائلا إن التعبير خانه.
وتابع مخاطبا المصريين: "حاسب حكومتك، ليش ما توفر لي لقمة العيش؟ هذي مشكلة بلدك مو مشكلتي. إنت عندك أشخاص قائمين على إدارة مفاصل الدولة غير قادرين على تسيير الأمور".
ورد مغردون على الفضالة، رافضين إساءته للمصريين، قائلين إن الأموال التي يتحدث عنها كانت سببا في وصول مصر إلى ما هي عليه الآن، في إشارة إلى مشاركة الكويت، بالإضافة إلى السعودية والإمارات، في تمويل عبد الفتاح السيسي بعد انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي
وقال ناشطون إن ما تحدث به الفضالة سيكون منطقيا في حال خاطب الحكومة المصرية وليس الشعب المصري الذي لا تصله هذه الأموال."8"
هجوم إعلامي مصري مضاد
في المقابل شنت الصحف المصرية هجوما مضادا على السعودية والدول الخليجية ، المشاركة في الهجوم على نظام السيسي ، حيث وجه رئيس تحرير صحيفة "الجمهورية" الحكومية في مصر "عبدالرازق توفيق"، رسائل مسيئة للسعودية بشكل غير صريح، حيث اتهمها بالحقد على نجاحات مصر، والغيرة من الجيش المصري قائلا إنها "لن تبقى دقيقة واحدة إذا أصاب مصر مكروه"، فيما وصف أولئك الذين انتقدوا بلاده بـ"السفلة" و"الأقزام".
جاء ذلك في مقاله المنشور، في 3 فبراير 2023، في صحيفة "الجمهورية" وهي واحدة من كبريات الصحف الحكومية في مصر.
وانتقد "توفيق"، هجوم وإساءة إعلام "دول شقيقة" لمصر، وقال: "لا أدرى لماذا تثير قوة الجيش المصري العظيم وقدرته جنونهم وأحقادهم"، وتابع مهاجما المملكة دون ذكرها صراحة: "الغريب أن يأتى الهجوم والإساءة من المفترض أنه شقيق.. لكن وإن كانت مصر تترفع عن الصغائر وممارسات الأقزام والصغار، لكنها لن تقبل بضغوط وابتزاز يدفع المنطقة إلى أتون الصراعات وتتلاشى معه كل مظاهر الأمن والاستقرار"، وتساءل: "ماذا وراء حالة التنطع والغيبوبة التي يعيشها بعض من يُفترض أنهم أشقاء ويتسم أداؤهم بالتهور والاندفاع؟".
قبل أن يجيب بالقول: "لا يجب أن نستهلك وقتنا الثمين في مهاترات والرد على إساءات وأكاذيب السفلة فما يهمنا هو العقل المصري وبناء الوعي الحقيقي، لأن الحقد على نجاحات مصر وصل إلى درجة غير مسبوقة"
وزاد الصحفي المصري في هجومه حين وصف منتقدي مصر بـ"المتطاولين والمتبجحين السفلة والأقزام الذين لا يدركون قيمة وعظمة وشموخ الجيش المصرى العظيم وتاريخه وحاضره ومستقبله"، وهو ما اعتبره البعض إشارة إلى الكتاب والأكاديميين السعوديين الذين انتقدوا الجيش المصري مؤخرا وعلى رأسهم "تركي الحمد" و"خالد الدخيل".
وتابع "توفيق": "لذلك أقول إن هذا الهجوم الضارى على مصر، وحملات الأكاذيب والشائعات والتشكيك والإساءات والطعن والتحريض والتزييف لم تأت من فراغ، ولكن بسبب نجاحات وإنجازات وقوة وصلابة الدولة المصرية، والخوف والرعب من تنامى قدراتها ووصولها إلى الدرجة التي تزعج الآخرين، وتثير حقدهم وكرههم"
وزعم أن "مصر تتصدى لكل الأكاذيب والإساءات المستمرة التي يطلقها السفلة والأقزام والحاقدون على قوة وقدرة مصر التي تتصدى لجميع مخططاتهم ومؤامراتهم وسيناريوهاتهم الشيطانية التي لا تستهدف مصر وحدها"
واستطرد قائلا بلغة مسيئة: "لا يجب على الحفاة العراة الذين ارتدوا أفخر الثياب مؤخرًا التطاول على مصر، وليس من حق اللئام والأندال ومحدثي النعمة أن يتطاولوا على أسيادهم".
من جهته، شن الإعلامي المصري المقرب من السلطات "نشأت الديهي"، هجومًا حادا على الكاتب السعودي "تركي الحمد"، بسبب حديثه الأخير عن مصر، والذي انتقد فيه سيطرة الجيش على الاقتصاد، وتحذيره من 3 أسباب قد تقود مصر إلى الهاوية.
وقال "الديهي" خلال تقديمه برنامج "بالورقة والقلم"، المذاع على فضائية "TEN" (مؤخرا : "بقول لتركي الحمد، أنت مالك ومال مصر، هناك مجموعة من المغرضين من دول الخليج ليس لهم علاقة بدولهم الرسمية، موجودين في الكويت والسعودية والامارات"
وأضاف: "بقول لتركي الحمد وأمثاله، عيب، أنا لا أرد عليك بالمنطق، لأنك لا تمتلك أي منطق"، وتابع مخاطبا "الحمد: "من أنت كي تتكلم عن تاريخ مصر.. مصر باقية، هذه الدولة خلقت لتبقى"، وزاد "الديهي": "حديث تركي الحمد عبارة عن صفر كبير".
وتابع: "ما يحدث من تركي الحمد عيب، والأكثر عيبًا بأن خونة الإخوان ينتقدون الدولة المصرية، ويتحدثون على أن الدولة المصرية تسقط.. هذه الدولة لن تقع" ، واختتم: "هذه البلد خلقت لكي تعيش، مصر لم ولن تسقط.. مصر جاءت ثم جاء التاريخ". "9"
تململ سعودي من تقديم المساعدات لمصر
ورغم التراشق الإعلامي الأخير بين القاهرة والرياض على خلفية تباين وجهات النظر في عدد من الملفات، يمثل مقال "توفيق" تصعيدا غير مسبوق، بسبب اللغة التي استخدمها والتي يُمكن وصفها بأنها "عدائية" و"مسيئة"، لكنه سرعان ما تراجع وألغى المقال بأوامر "عليا" وبعد تحذير سعودي.
ويرجح البعض أن اتفاق صندوق النقد الأخير مع مصر، وتململ السعودية الواضح من الالتزام بمواصلة تقديم المساعدات إلى مصر، هو ما أشعل شرارة التراشق الإعلامي بين الطرفين.
غير أن السعودية لم تكتفِ بالرسائل الإعلامية على لسان كتابها، لكنها بدأت في التعبير عن ضيقها عبر رسائل دبلوماسية، لعل أبرزها غياب المملكة مع الكويت، عن القمة الأخيرة التي استضافتها الإمارات في 19 يناير/كانون الثاني المنصرم، وجمعت زعماء مصر وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن، وكان جزءا من جدولها هو بحث إغاثة مصر اقتصاديا.
وكان لافتا أن الغياب السعودي عن قمة أبوظبي كان هو الثاني بعد غياب عن تجمع سابق في مدينة العلمين المصرية، في أغسطس/آب من العام الماضي، وهو التجمع الذي ضم أيضا قادة الإمارات والبحرين والأردن والعراق.
في غضون ذلك، أشارت مصادر صحفية قبل أسابيع وجود "أزمة" تعتري العلاقات بين القاهرة والرياض على خلفية توجه الاستثمارات السعودية المرتقب ضخها في السوق المصرية، حيث ترغب السعودية في الاستثمار بشكل أكبر في القطاع الخاص، بينما ترغب مصر في الحصول على استثمارات مباشرة في الشركات الحكومية، وهو ما ترفضه المملكة لأنها ترى هذه الشركات غير مربحة، بحسب المصادر
وقبل أيام، أثار وزير المالية السعودي "محمد الجدعان" الجدل حين قال إن "عهد المنح والمساعدات غير المشروطة لبلاده قد ولَّى" وأن المملكة ستربط استثماراتها اللاحقة بـ"خطوات إصلاحية"، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة مبطنة إلى بعض الدول المستهلكة للمساعدات السعودية وعلى رأسها مصر."10"
وفي سياق متصل، كشف مصدر حكومي مصري أن رسالة تحذير من البعثة الدبلوماسية المصرية في السعودية، وراء صدور تعليمات مباشرة من مستويات تنفيذية رفيعة بكتابة رئيس تحرير جريدة "الجمهورية" الحكومية مقالا يعتذر فيه عن مقاله السابق، والذي شن فيه هجوما غير مسبوق على المملكة ردا على انتقادات كتاب سعوديين لسيطرة الجيش المصري على اقتصاد بلاده.
وأوضح المصدر أن البعثة المصرية بالرياض حذرت من "تبعات محتملة في إطار العلاقات الثنائية"، وتحدثت عن "أجواء استياء شديدة" داخل البلاط الملكي السعودي من لغة المقال الهجومية.
وعن التبعات المتوقعة، قال المسؤول إن البعثة تحدثت عن العدد الضخم للعمالة المصرية المتواجدة في السعودية، علاوة على كون المملكة مستمرة في إمداد مصر بمنتجات نفطية بأسعار تفضيلية والتزامات سداد ميسرة، بحسب ما نقل موقع "مدى مصر".
وأضاف المصدر أن الدخول في مواجهة إعلامية عنيفة مع السعودية "لم يكن محل اتفاق بين جميع المؤسسات المسؤولة عن السياسة الخارجية"، وأنه منذ بداية المعركة، التي أصر على وصفها بأنها إعلامية بالأساس، "لم يكن الأمر محل ارتياح من بعض أقرب مستشاري رئيس الجمهورية".
وأوضح: "بالفعل فإن أحد هؤلاء المستشارين هو من قاد الاتجاه نحو عدم الذهاب بعيدًا في معركة التلاسن مع السعودية على صفحات الإعلام والعمل على حل الخلافات خلف الأبواب المغلقة".
وتحدث المصدر الحكومي عن "أسباب متعددة ومتراكمة" وراء التوتر بين القاهرة والرياض خلال الفترة الماضية، قائلا إن هناك "عتب" مصري لتخلي السعودية عن تقديم الدعم الاقتصادي لمصر في وقت أزمة، رغم ما اقترحته على المملكة في أن يكون هذا الدعم عبر صفقات استثمارية كانت الرياض أصلًا قد وعدت بها.
وأضاف أن أحد أسباب التوتر هو افتراض السعودية أن تبادر مصر إلى تلبية كل متطلبات السعودية لكل أشكال الدعم السياسي والعسكري دون الاتفاق على صياغات واضحة لأي تحرك مصري وعلى تحرك سعودي مقابل للتحرك المصري.
وأشار المصدر أيضا إلى أن "منتدى البحر الأحمر"، وهو الكيان الذي يضم دولا عربية وأفريقية تم التوقيع على ميثاق تأسيسه في يناير/كانون الثاني 2020، كان أحد ملفات التوتر المصري السعودي، حيث قال المسؤول إن القاهرة وافقت على أن تكون أمانة المنتدى العامة في الرياض، لكن الأخيرة تحفظت على أن تكون بعض الأجهزة والمراكز الرئيسية لهذا المنتدى في مصر.
وقال إن مصر تتفهم أن السعودية لها مصالح لا يمكن إغفالها في البحر الأحمر، لكن على المملكة أن تدرك أيضًا أهمية البحر الأحمر بالنسبة للقاهرة ووضعيتها العسكرية والاستراتيجية في المنطقة.
وأوضح المصدر أن هذا التوتر كان جزءًا من عرقلة استمرار التحرك للأمام في استكمال كل بنود اتفاقية تيران وصنافير، التي كانت مصر قد أعلنت نقل السيادة عليهما إلى السعودية قبل خمسة أعوام في لحظة تقارب بين السلطات التنفيذية في البلدين رغم غضب شعبي مصري عارم ضد الخطوة.
وبحسب أحد المصادر، أصر السعوديون أثناء زيارة "سامح شكري"، وزير الخارجية المصري، الشهر الماضي، على تسوية هذا الاتفاق في أقرب وقت إذا كانت السلطات المصرية ترغب من الجانب السعودي الاستثمار في مصر.
في الوقت نفسه، نقل الموقع عن مصدر مطلع على ملف العلاقات المصرية الخليجية، قوله إن التوتر في العلاقات مع السعودية هو جزء لا يتجزأ من حالة التحسب التي سادت العلاقات المصرية الكويتية مؤخرًا.
كما أنه أيضًا جزء لا يتجزأ من التوتر بين الرياض وبين أبوظبي على خلفية التنافس بين العاصمتين الخليجيتين "في وقت بدت فيه مصر أقرب إلى الإمارات التي تحركت مؤخرًا لتقديم دعم محدود لمساعدة القاهرة في تخفيف مشكلة فقدان العملة المحلية لقيمتها جراء تراجع الإيرادات الدولارية، وأيضًا جراء تراكم تكدس البضائع في الموانئ؛ مما تسبب في ارتفاع أسعار كثير من السلع في السوق المحلي وندرتها"."11"
السيسي يعتذر عن إساءات الإعلام المصري
ومع تصاعد الأزمة بين النظام ودول الخليج ،وتحت الضغوط السعودية على النظام المصري، قدم السيسي اعتذارا ضمنيا للمملكة العربية السعودية، في تصريحات متلفزة مؤخرا، عن إساءات أوردتها وسائل إعلام مصرية، واصفا التقارير بشأن أزمة في العلاقات بين البلدين بأنها "فرضية غير موجودة"، وقال "السيسي"، خلال افتتاح المرحلة الثانية من مدينة الصناعات الغذائية "سايلو فودز" بالقاهرة، إن "مصر تقدر علاقاتها الطيبة مع جميع الدول ولا تقبل الإساءة للأشقاء في المملكة العربية السعودية أو الانسياق وراء الفتن".
وأضاف، أن علاقة بلاده "رشيدة ومتزنة مع الجميع، خاصة الأشقاء في السعودية، ولا تنسى موقف المملكة الداعم لها" ، ونصح "السيسي" بـ "عدم التجاوز والانسياق وراء أمور لا أساس لها من الصحة، أو الانجرار وراء مواقع وصفحات مغرضة تهدف للإساءة والوقيعة بين الدول"، حسب قوله ، واستشهد بالموقف من إثيوبيا رغم وجود أزمة في العلاقات معها بسبب سد النهضة، قائلا: "لم تصدر كلمة واحدة تُسيء للإثيوبيين . "12"
كما دخل "علاء مبارك"، نجل ارئيس المصري الأسبق حسني مبارك، على خط الازمة بين السعودية ومصر، حيث أعلن رفضه المقال الذي نشره مؤخرًا رئيس تحرير جريدة "الجمهورية" (حكومية)، واعتبره "تطاولا وإساءة غير مقبولة"، جاء ذلك في تغريدة له عبر حسابه بموقع "تويتر"، قال فيها: "تطاول وإساءة غير مقبولة من رئيس تحرير جريدة الجمهورية في حق الأشقاء، أسلوب مرفوض يستحق المساءلة ".
وأثارت تغريدة "علاء مبارك" تفاعلا واسعا بين الناشطين السعوديين الذين أشادوا بموقف نجل الرئيس الراحل."13"
المصادر:
- "تركي الحمد يعدد 3 أسباب قد تقود مصر إلى الهاوية.. ماذا قال؟" ، الخليج الجديد ، 28 يناير 2023 ، https://cutt.us/KZu9Y
- "تركي الحمد: لولا دعم السعودية لمصر لأصبحت عزبة فارسية" ، الخليج الجديد ، 13 يونيو 2021 ، https://cutt.us/jhjFW
- "تركي الحمد يهاجم مصر: عقمت ولم تعد تنجب إلا سقط المتاع" ، الخليج الجديد ، أغسطس 2019، https://cutt.us/r3vpt
- "نجيب ساويرس يؤيد تركي الحمد بعد انتقاده تدخل الجيش المصري في الاقتصاد" ، الخليج الجديد ، 31 يناير 2023 ، https://cutt.us/qn5ws
- "أكاديمي سعودي يحمل الجيش المصري مسؤولية انهيار الاقتصاد" ، عربي21 ، 4 فبراير 2023 ، https://cutt.us/d0M29
- "رئيس تحرير "الوطن" السعودية: المحاور ضدّ المملكة تسقط عروش أصحابها" ، عربي 21 ، 7 فبراير 2023 ، https://cutt.us/R8JtY
- خالد الأحمد ، "عزل السيسي وتحييد الجيش”.. كاتب كويتي يقترح حلولاً لـ”خلاص مصر” من أزمتها" ، موقع الوطن ، 7 فبراير 2023 ، https://cutt.us/Y9SkA
- "كاتب كويتي للمصريين: حاسبوا حكومتكم ولا تحملونا مسؤولية فشلكم " ، عربي21 ، 5 فبراير 2023 ، https://cutt.us/B5gVW
- "مشادة إعلامية بين القاهرة والرياض.. الديهي للحمد: من أنت لكي تقرأ تاريخ مصر؟" ،الخليج الجديد ،29 يناير 2023 ، https://cutt.us/nHrNp
- "خلافات السعودية ومصر: رئيس تحرير الجمهورية يوجه إساءات غير مسبوقة للمملكة" ، الخليج الجديد ، 3 فبراير 2023 ، https://cutt.us/wk5Nt
- "كواليس اعتذار رئيس تحرير "الجمهورية" المصرية للسعودية.. رسالة تحذير وردت من الرياض" ، الخليج الجديد، 7 فبراير 2023 ، https://cutt.us/IcG3X
- السيسي يعتذر ضمنيا عن إساءات الإعلام المصري للسعودية: لا أزمة مع المملكة"، الخليج الجديد، 9 فبراير 2023 ، https://cutt.us/CyuvE
- "علاء مبارك يعتبر مقال الإساءة للسعودية مرفوض ويستحق المساءلة" ، الخليج الجديد ، 10 فبراير 2023 ، https://cutt.us/bW0kN