"السنوار" سمّاهُ "سلاح الإعلام".. هكذا تتعامل المقاومة مع الكلمة والصورة
الأربعاء - 6 نوفمبر 2024
طاهر النونو مستشار رئيس المكتب السياسي لـ"حماس":
- "السنوار" كان أشد الناس إيمانا بـ"سلاح الإعلام" وأكثرهم زهدا في الظهور
- على شباب الأمة أن "يقاتلوا" بالكلمة والصورة لتحريك الرأي العام ضد الاحتلال
- تغطية الإعلام الغربي لـ"طوفان الأقصى" ضربت كل المناهج والقيم الإعلامية
- من المؤسف ظهور إعلام عربي "متصهين" يقف على يمين الاحتلال ويؤيد روايته
- المجتمع "الإسرائيلي" هو أكثر المغَيّبين عن حقيقة الحرب بسبب الرقابة العسكرية
- مواقع التواصل والمؤثرين والنشطاء لهم دور مهم في نقل حقيقة ما يجري في غزة
إنسان للإعلام- حوار خاص:
أكد طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أن احترافية الإعلام العسكري للحركة، في معركة طوفان الأقصى، جاءت نتيجة إدراك مبكر لأهمية الكلمة والصوت والصورة، حيث أنشأت "حماس" مكتب الإعلام العسكري مع بداية الألفية الحالية، بعد إدراك مسبق لانحياز الإعلام الغربي وإعلام الاحتلال، وحتى بعض وسائل الإعلام العربية، التي تحكمها سقوف سياسية، فكان لابد أن تفكر المقاومة في كيفية نقل صورتها للمجتمعات المختلفة، ونقل حقيقة ما يجري، للتغلب على الدعاية والحرب النفسية التي يمارسها الاحتلال.
وقال، في حوار خاص لـ " مركز إنسان للدراسات الإعلامية": إن الشهيد القائد يحيى السنوار كان لا يحب الظهور الإعلامي، ولكنه كان شديد الاهتمام بالإعلام ويعتبره سلاحا مثل أي سلاح ويطلق عليه "سلاح الإعلام"، بهدف الوصول إلى الرأي العام والتأثير عليه، خاصة في المجتمع "الإسرائيلي".
أضاف أن الكلمة والصورة اليوم بمثابة عمل قتالي، وعلى شباب الأمة دور أكبر في التحرك من أجل قضيته والدفاع عنها، وأقل ما يمكن أن يفعلوه هو القتال في ميدان الإعلام من أجل تحريك الرأي العام في المنطقة والعالم ضد الاحتلال.
وأكد أن تغطية الإعلام الغربي لحرب "طوفان الأقصى" ضربت كل المناهج الإعلامية وقيمها وجانبت قيم الموضوعية والحياد والصدقية.
وقال: "رأينا تباينا بعض الشىء فيما يخص تغطية الإعلام العربي للطوفان، لكن من المؤسف ظهور ما يمكن أن نسميه الإعلام العربي المتصهين الذي وقف على يمين الاحتلال وأيد روايته".
وأشار إلى أن الاحتلال كان يمنع نشر أي صورة أو كلمة دون موافقة الرقيب العسكري، موضحا أنه يمكن القول إن المجتمع "الإسرائيلي" أكثر مجتمع غُيِّب كليا عن الحقيقة في هذه المعركة، والشئ نفسه تقريبا في المجتمعات الغربية، لكن مواقع التواصل الاجتماعي -رغم التضييق- كانت هي الوسيلة الأقوى في نقل الصورة للغرب، من خلال تفاعل كثير من المؤثرين مع ما يجري في قطاع غزة.
وإلى تفاصيل الحوار:
- ظهر إعلام المقاومة بقوة في معركة "طوفان الأقصى".. كيف استطاع كسر الحصار وإيصال الصورة؟
نحن من البداية ندرك أهمية الإعلام، والأمر ليس وليد اللحظة ولدينا مؤسساتنا الإعلامية التي تعمد الاحتلال قصفها منذ بداية المعركة لكنها استطاعت الصمود حتى الآن، مثل فضائية الأقصى وغيرها من الوسائل الإعلامية، كما لدينا إذاعات لكن أهم شىء بالنسبة لنا أن تصل الصورة للجميع بلا استثناء، من معنا ومن ليس معنا .
وكان حرصنا شديدا أيضا على أن تصل المواقف السياسية من خلال خطابات القادة السياسيين للمقاومة كـ "خطابات أبو العبد هنيه رحمه الله" وخطابات أبو عبيدة، وكانت تصل جميعها إلى كل وسائل الإعلام، حتى ما نصفها بالوسائل غير المؤيدة لنا أو المعادية.
لكن الصورة بقيت مُحَاربة في الإعلام الغربي وإعلام الاحتلال، إذ كان هناك منع نشر لأي صورة أو كلمة دون موافقة الرقيب العسكري، وهذا مما يناقض الديمقراطية التي يدعيها هذا الكيان، فالجميع لا يعرفون حقيقة ما يجري في قطاع غزة، سواء ما يقع بحق جنود الاحتلال أو بحق المدنيين الفلسطينيين، ويمكن القول إن المجتمع "الإسرائيلي" أكثر مجتمع غُيِّب كليا عن الحقيقة في هذه المعركة.
ونعتبر أن مواقع التواصل الاجتماعي، رغم التضييق، كانت هي الوسيلة الأقوى من خلال تفاعل كثير من المؤثرين مع ما يجري في قطاع غزة، حيث نجحوا في نقل الصورة للغرب الذي غُيِّب عن الحقيقة بصورة كبيرة أيضا.
- الإعلام العسكري للمقاومة أظهر احترافية كبيرة خلال المعركة، خاصة مشاهد إطلاق سراح الأسرى وغيرها.. كيف وصل إلى هذا المستوى؟
هي تجربة عمرها من عمر المكتب الإعلامي العسكري، الذي أُنشىء مع بداية الألفية الحالية بعدد بسيط لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
كان هناك اهتمام بالصورة والإعلام، ونقل الحقيقة للرأي العام، وهذا كان نابعا من الإدراك المسبق لانحياز الإعلام الغربي ووسائل الإعلام الرئيسية في الاحتلال، وحتى بعض وسائل الإعلام العربية، فلديها سقوف سياسية نتج عنها أن تقوم بالتغطية بعيدا عن المهنية المطلوبة.
من هنا كان لابد أن تفكر المقاومة في كيفية نقل صورتها للمجتمعات المختلفة، وكيفية نقل حقيقة ما يجري، خاصة أن الاحتلال في معظم الأحداث السابقة كان يتعمد نقل نتائج معكوسة في إطار الدعاية والحرب النفسية التي يمارسها.
باختصار، تم توفير الإمكانات التي بدأت بسيطة، ثم تطورت على مدار 20 سنة؛ حتى نستطيع نقل الصورة لوسائل الإعلام، وهذه مهمة متوفرة في كل المنطاق لكوادر تم تدريبها بشكل مسبق وبصورة جيدة.
ولعلنا لاحظنا في "الطوفان" أن المصورين هم كتيبة من الفدائيين، ومهمتهم لا تقل أهمية عن المقاتلين، وهم بأعداد كبيرة أكبر بكثير من المهام المطلوبة.
- برأيك.. ما أهمية توثيق صور القتل التي لم يسلم منها الصحفيون أنفسهم ونقلها على الهواء؟
يمكن اعتبار قتل الصحفيين واستهدافهم دليلا على جدوى نقل الصورة وأهمية إيصال الحقيقة، بمعنى أنه لو لم يكن دور الصحفيين مهم ويزعج الاحتلال ويضعف روايته لما تم استهدافهم، فمعركة الحقيقة هي جزء وجانب مهم من المعركة بين روايتين إحداهما كاذبة وأخرى حقيقية موثقة بالكاميرا، وعلى الإنسان ان يختار بين الروايتين .
في هذا الصدد يمكن إجراء مقارنة بين ما بثه الاحتلال من مشاهد وما بثته المقاومة. الاحتلال لم يبث أي مشهد اشتباك مع المقاومة وكل ما نشره هي صور تمثيلية لجنوده يطلقون النار دون أي ساتر على لا شىء، في حين أن ما تنشره المقاومة يظهر هروب هؤلاء الجنود فور أي اشتباك ما يظهر طبيعة الجندي الجبان.
هناك مشهد يتمنى الاحتلال أنه لم يُبث ولم يره أحد، وهو مشهد أسر الجنود الذي ضرب رواية الاحتلال بالتفوق العسكري للجندي الإسرائيلي، بعد أن شوهد أحد أسراهم وهو يُجَر من أذنيه بعد إخراجه من دبابته بلباسه العسكري وسلاحه بين يديه.
ولا يفوتنا مشهد صمود واستشهاد القائد أبو إبراهيم يحيى السنوار، وهو من المشاهد الخرافية السينمائية.
كان نشر هذا المشهد عن طريق الاحتلال من حيث أرادوا تشويه صورة "السنوار"، إلا أنه ظهر بغير ما أرادوا له، وأجمل ما في هذا المشهد أن الله أراد أن يخرج من عند الاحتلال الذي كان من المؤكد أنه يريد إخراج القائد الشهيد بصورة مذلة، إما أسيرا أو في نفق مختبىء أو متدرع بأسرى أو بشكل مزعج، لكن الله أراد أن يخرج وهو في أبهى صورة وهو يجاهد حتى اللحظة الأخيرة.
- على ذكر الشهيد يحيى السنوار.. كيف كان تعامله مع الإعلام؟ وكيف كانت نظرته له؟
هو شخصيا كان لا يحب الظهور في الإعلام، ولكن كان شديد الاهتمام بالإعلام، وكان يؤكد ضرورة أن يكون مرتبطا ارتباطا مباشرا بالقيادة، ويعتبره سلاحا مثله مثل أي سلاح، بل أطلق عليه "سلاح الإعلام"، بمعنى أن الرأي العام بالنسبة له مهم جدا .
"السنوار" كان يقرأ يوميا 30 صفحة ملخص لما يقوله الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وكان يطلب من فريقه إعداد هذا الملف ليقرأه في الصباح يوميا، كما أنه كان يجيد استخدام الإعلام بشكل جيد ويدرك طبيعة المجتمع "الإسرائيلي" ربما أكثر من "الإسرائيليين" أنفسهم، وكيف يمكن التأثير عليهم.
- كيف استقبلتم تغطية بعض المنصات العربية لخبر استشهاد يحيى السنوار؟
ربما أعداء الشعب الفلسطيني أنفسهم أنصفوا الأخ السنوار أكثر من الإعلام العربي، وكما قلت: بعضهم مارسو الدعاية والآخر مارس الإعلام، ومن مارس الدعاية عمل بمنطق اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، ثم اكذب اكذب اكذب حتى تصدق نفسك، فهم يريدون أن يصدقوا انفسهم وتصبح أحلامهم حقائق ولا ندري لماذا؟!
نحن قلنا إننا لسنا في عداوة مع أي من أبناء أمتنا، ولسنا في عداء مع جهة، ورغم ذلك هناك وسائل إعلام بعينها تقف هذا الموقف.
- كيف تابعتم تغطية الإعلام الغربي لحرب طوفان الأقصى؟
معركة طوفان الأقصى أشارت إلى اتجاهات مختلفة في تغطية الإعلام، وضربت ما كل ما تعلمناه من مناهج ومبادئ وقيم إعلامية، فرأينا كيف يتم تنفيذها بعيدا عن أي قضية للعرب والمسلمين.
ولو تحدثنا عن الحيدة والموضوعية والحق في الوصول إلى المعلومة أو الصدق، سنجد أنها ضربت كليا، ومن الأمثلة في هذا الصدد تركيز الإعلام الغربي منذ بداية الحرب على ثلاثة معان:
أولا، اختلاق " الكذبة وترويجها "، وهو ما حدث يوم الطوفان بالحديث عن ما سمي بجرائم الاغتصاب أوحرق الأطفال أوحرق الأحياء، وهو ما تبين بعد ذلك أنه غير حقيقي، ومع ذلك واصل إعلام الغرب التأكيد عليها
ثانيا، الانحياز منذ اللحظة الأولى، بالتركيز على فكرة "إدانة حماس"، فمن يدين حماس ممكن يؤخذ منه بعد ذلك، ومن لم يدن حماس فهو غير موثوق بالنسبة لهم، وهذا يضرب مبدأ العدالة في الحديث.
ثالثا، الاستضافة غير المتوازنة، بل المنحازة كليا، حيث لم يستضف الإعلام الغربي أحدا من حماس ليوضح ما حدث أو يرد على ما يشاع من أكاذيب، في حين فتح الأبواب أمام المتحدثين من الاحتلال أو مؤيديه.
وكان ما ينقل من أخبار يصاغ صياغة منحازة لرواية الاحتلال، وهو ما جعل العالم يرى بعين واحدة، وليس بعينين، بمعنى أنه يرى ما يحدث هناك ولا يرى ما يحدث لدينا.
أيضا الموضوعية ضُربت في هذه الحرب بشكل كامل، فلم يكن هناك موضوعية في النقل أو التغطية لكن كان الانحياز التام للاحتلال، وهو ما ضرب مصداقية الإعلام الغربي .
- إلى أي مدى استطاعت رواية المقاومة النفاذ إلى الشعوب الغربية خاصة أننا شاهدنا حراكا رافضا لمجازر الاحتلال؟
هناك بعض الوسائل الفردية والشبابية والمواقع الإلكترونية القليلة، ومنها التواصل الاجتماعي التي "عملت على إيصال الحقيقة وتوصيل الصورة كما هي، ولا نستطيع القول إنها تنتمي لوسائل الإعلام الكبرى أو المؤسسات الإعلامية المعروفة.
- وكيف تقيمون تغطية الإعلام العربي للحرب؟
بالنسبة للإعلام العربي كان هناك قسمان: الأول اعتمد على التشويه والنقل بدون مصادر، وهذه المرة الأولى التي نشاهد فيها أخبار بدون مصادر ويدخل فيها الرأي في الخبر، فهناك قنوات عربية تتبنى رواية الاحتلال وتدافع عنها بل كانت تأتي بأخبار لم يتحدث عنها المحتلون أنفسهم، وهم ما نطلق عليهم "صهاينة العرب" فهم ملكيون أكثر من الملك كما يقال..والمؤسف أن هناك أخبارا تبين كذبها كذبا صريحا ولم يهزهم هذا أو يدفعهم لتغيير أسلوبهم .
القسم الثاني في الإعلام العربي هو ما اتسم بالتغطية الموضوعية وشاهدنا كثيرا من القنوات تغطي ما يجري على الأرض وتنقل ما يحدث في الميدان تماما كما هو، وهؤلاء نحترمهم ونقول إنهم كانوا صادقين مع أنفسهم والمبادىء التي تعلموها وهم لديهم جمهور يحترمهم.. وباختصار كان هناك إعلام يمارس الدعاية وإعلام ينقل الحقيقة .
- لماذا لا ترد حركة حماس على افتراءات بعض وسائل الإعلام العربية التي تعمد تشويهها؟
أود أن أسجل للتاريخ أن الحركة أدركت هذا الموقف منذ البداية، وهناك قرار اتخذه الشهيد اسماعيل هنية بعدم الرد على أي وسيلة إعلام عربية أو فلسطينية، وعدم الدخول في مناظرة أو مساجلة إعلامية.
وعلى المستوى الشخصي وجهت عدة دعوات للمداخلة مع بعض هذه المنصات الإعلامية، مع ضيوف آخرين يتبنون وجهة النظر الأخرى ورفضت، ليس لخوفنا من شىء، فنحن والحمد لله نمتلك الحجة ولدينا ما نقوله ونرد به، ولكن نحن لا نريد أن ينشغل الناس في معارك جانبية غير المعركة الحقيقية، فبوصلتنا هي المعركة مع الاحتلال، أما غيرنا فهم إما أذناب للاحتلال ونحن لا نقاتل الذنب فلو انقطع سينبت غيره، لكننا نقاتل الرأس، وإما جاهلون فندعو لهم بالهداية.
- هناك تراجع للتغطية الإعلامية بعد الزخم الكبير في أول المعركة.. برأيك ما سبب هذا التراجع؟
ثلاثة أسباب أدت لهذا الخفوت أو التراجع:
أولا، تعوّد الناس على المشهد بسبب طول أمد المعركة؛ ما جعل الناس تتكيف بعض الشىء مع مشاهد القتل.
ثانيا، تطور الاحداث وفتح الجبهات المختلفة التي أخذت جزءًا من الاهتمام الإعلامي، مثل جبهات اليمن ولبنان والعراق وإيران.
ثالثا، بعد أن انسحب الاحتلال من معظم قطاع غزة لم يعد هناك فعليا "إثارة"، والبعض كان يتناول الأحداث من هذه الزاوية، فالآن أصبح المشهد عبارة عن قصف وهى المرحلة الثالثة التي تحدث عنها الاحتلال في الحرب وهي تعويد الأذن والعين على هذا مشاهد الدم والقتل وهكذا.
- وكيف يمكن الحفاظ على هذا الزخم حول ما يحدث في غزة؟
مطلوب من الشباب بالذات، ومنصات التواصل الاجتماعي، تكثيف الحديث ليس من باب المظلومية ولا البطولة، لكن من باب تحمل الأمة المسئولية في هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها.
مؤكد أن شباب الأمة مطالبون بأن يكون لهم دور أكبر في هذه المحطات، فعندما يصمت الجميع يكون دورهم الفاعل، والتحرك من أجل قضيته والدفاع عنها وأقل ما يمكن أن يقاتلوا فيه هو ميدان الإعلام؛ من أجل تحريك الرأي العام في المنطقة والعالم ضد الاحتلال، فالكلمة اليوم بمثابة قتال.