خارطة الإعلام الانقلابي في مصر بين صراع الأجهزة "السيادية" والنفوذ الخليجي

الاثنين - 13 مارس 2023

  • المخابرات العامة تملك 44 وسيلة ومنصة إعلامية بخلاف اللجان الإلكترونية التي تعمل على مدار الساعة  
  • قوائم التعليمات والضيوف تصل يوميا للصحفيين من المخابرات عبر مجموعات الواتساب و الإيميلات
  • التوترات السياسية قد تجمّد تحكم الكفيل السعودي في الإعلام المصري بعد تهيئته كبديل للإماراتي
  • منصات خارجية عديدة ممولة إماراتيا تعمل على تشوية "الإخوان المسلمين" و"تلميع" نظامي السيسي وبن زايد

 

إنسان للإعلام- خاص:

يمكن القول إن خريطة تمويل الإعلام المصري منذ عام 2016 تقريبا بدأت تنقسم بين عدة أجهزة أمنية، أبرزها المخابرات العامة، والمخابرات الحربية، وأمن الدولة (الأمن الوطني)، بجانب واجهات التمويل الخليجي الإماراتي السعودي تحديدا.

وتتمثل الجهات "السيادية" التي تسيطر على عمل الإعلام داخل مصر في جهتين: واحدة تنظيمية (هي المخابرات العامة) التي يجري نسب عمليات بيع وشراء الاعلام والفضائيات إليها عبر شركات تابعة لها.

والأخرى (توجيهية)، تتمثل في المخابرات الحربية، بالتنسيق مع الأمن الوطني الذي يدير مجموعات من الصحفيين الأمنيين بدوره.

في كل الحالات، تخرج التعليمات للصحفيين والمذيعين و اللجان الإلكترونية عبر العقيد أحمد شعبان، الذراع اليمنى لعباس كامل وبتوجيهات منه، وبإشراف مباشر من السيسي قائد الانقلاب.

و"بحسب مصادر من داخل اللجان الإلكترونية "، يتولى مساعدو أحمد شعبان توجيه أعضاء اللجان ورسم أفكار لنشرها في الفضاء الإلكتروني،  حيث لا يسمح لهم بأي اجتهاد شخصي، كما لايسمح لهم بالخروج من فرق اللجان إطلاقا؛ لما يعرفونه من أسرار، ولقاء ذلك يتقاضون رواتب خيالية وامتيازات خاصة.

ومن هذه الفرق من تصدر لهم تعليمات بتتبع ورصد ناشطي الإنترنت وجمع معلومات عنهم، أو تشويه شخصيات معينة، أو الترويج لهاتشاجات أمنية غرضها ركوب التريند بدلا من أخري معارضة، أو الرد على هاشتاجات المعارضة وتشويه المعارضين.

أولا: خريطة التمويل من الأجهزة الأمنية

منذ انقلاب 2013، انتهج السيسي سياسة ابتزاز رجال الأعمال، ملاك القنوات الفضائية؛ للسيطرة على الصحف والفضائيات التابعة لهم عبر تلفيق قضايا أو ضغوط مباشرة للتنازل عنها أو دفع مبالغ مالية لهم أقل من ثمنها، وتم البيع إجبارا ثم الشراء عبر رجال أعمال موالين للسلطة عملوا كواجهة فقط للمخابرات. ومنذ 2015 بدأت الجهات السيادية في شراء وتأسيس قنوات وصحف بشكل مكشوف.

بهذه الطريقة، استحوذت شركة فالكون «المتخصصة في الخدمات الأمنية والتي يرأسها المدير السابق لقطاع الأمن في اتحاد الإذاعة والتليفزيون اللواء خالد شريف، و وكيل المخابرات الحربية الأسبق، على قناة الحياة المملوكة لرجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السيد البدوي.

وربطت منظمة "مراسلون بلا حدود"، في تقرير لها عام 2017، بين صفقة الاستحواذ على قناة الحياة وبين توقف بث برامج القناة في وقت سابق بسبب مديونيات للحكومة، ما أعتبرته المنظمة نوعًا من الضغط على «البدوي»، الذي رفض نواب حزبه الموافقة على اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير.

بجانب ذلك، وبحسب تقرير المنظمة، استحوذ رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، المعروف بعلاقاته مع أجهزة الأمن المصرية، على قناة أون تي في، بالإضافة إلى ملكيته لأربعة مؤسسات صحفية مصرية على رأسها اليوم السابع وصوت الأمة و عين وموقع دوت مصر.

وجاء في التقرير أن قناة DMC هي «صوت المخابرات»، التي «تحصل من السلطات الأمنية على تصاريح التصوير في أماكن وأحداث حصرية، فيما تُواجَه طلبات وسائل الإعلام الخاصة الأخرى بالرفض.

وتبث هذه الشبكة مقابلات تُقدَّم على أنها حصرية، بينما لا تنطوي في الواقع على جديد، سوى تكرار الخطاب الأمني الذي يتبناه النظام في محاربة جماعة الإخوان المسلمين، حسب التقرير.

كم تملك المخابرات من أجهزة إعلامية؟

خلال مؤتمر لتغيير القيادات التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (التابعة للمخابرات العامة)، مايو 2021، تم الإعلان عن قائمة المؤسسات التابعة للمتحدة،  وتضمنت 44 شركة فرعية، بينها محطة تلفزيون تسمي "مصر قرآن كريم" و صحف وقنوات ورثتها عن شركة إعلام المصريين، وباقي شركات المخابرات وجري تجميعها في شركة واحدة، وتشمل:

  • ثلاث شركات للإنتاج والتوزيع السينمائي والدراما تابعة لشركة المخابرات هي: سينرجي، وسينرجي فيلم، وميديا هب.
  • ثلاث شركات للإعلانات والعلاقات العامة هي: سينرجي  advertising وشركة «POD» المتحكمة في سوق الإعلان المصري وميديا هب".
  • 10 مؤسسات صحفية ومواقع إخبارية هي: اليوم السابع، والوطن، والدستور، والأسبوع، ومبتدأ، وأموال الغد، ودوت مصر، وegypt today وbusiness today، وvideo 7 (التابعة لليوم السابع).
  • 14 قناة تليفزيونية هي: dmc وdmc drama ، والحياة، والحياة دراما، وcbc وcbc drama وإكسترا نيوز وon وon drama وon time sports وon time sports 2 والقرآن الكريم وقناة الناس، وتطوير القناة الأولى في التليفزيون المصري.
  • 6 محطات راديو هي: شركة راديو النيل و راديو 90 90 وميجا إف إم 92.7 وNagham FM 105.3، وشعبي إف إم، وراديو هيتس 88.2
  • تطبيق المشاهدة Watch it، وشركتي تسويق حقوق رياضية وتطوير للاستادات هما: presentation sportsوEstadat، وشركات أخرى منها: تذكرتي وتطبيق زاجل وAna وشركة هاشتاج للسوشيال ميديا، وBee وClicks وEoo وIngredients.
  • بجانب ذلك سيطرت المخابرات العسكرية واستولت على تراث ماسبيرو وفق اتفاقيات مشبوهة عبر قناة الجيش (DMC).

وكان لافتا أن القائمة المعلنة لممتلكات "الشركة المتحدة للإعلام، من قنوات وصحف، تجاهلت وضع شبكة المحور وقناة القاهرة والنَّاس وجريدة المصري اليوم رغم انه تمت السيطرة عليها جميعا أو علي خطها التحرير بصورة شاملة، وتعيين موالين لشركة المخابرات في مناصب عليا بهذه الصحف والمواقع.

وفي مارس 2021، كشفت مصادر محلية مصرية عن استحواذ شركة “إعلام المصريين” المقربة من المخابرات المصرية على قناة (المحور) الخاصة، وكذلك صحيفة (المصري اليوم)

وأعلن محمد منظور عضو مجلس الشيوخ عن حزب (مستقبل وطن) المقرب من السلطة إتمام مفاوضات شرائه قناة المحور رسميًّا، وأضاف في بيان، أن القناة ستظل بالاسم نفسه من دون تغيير، مع تكليف رئيس تحرير صحيفة (أخبار اليوم) عمرو الخياط برئاسة القناة.و"منظور" كان مجرد واجهة لشركة "إعلام المصريين".

وأكد مصطفى بكري، عبر تويتر، أن قناة المحور التي كان يمتلكها رجل الأعمال حسن راتب جرى بيع 50% منها لمنظور، و38% لإحدى الجهات الإعلامية الرسمية -في إشارة لشركة إعلام المصريين - و12% لشركة (نايل سات) ومدينة الإنتاج الإعلامي.

لكن الحقيقة هي تنازل حسن راتب عن قناته (المحور) للمخابرات تحت مسمى بيع، حيث ظلت القناة بعيدا عن ملكية المخابرات لبعض الوقت حتى وفرت مستثمرا يشاركها في الدفع ولا يشاركها في الإدارة والهيمنة، وهو عضو مجلس شيوخ عن حزب مستقبل وطن (محمد منظور) وله نصيب 50% من الصفقة والنسبة الباقية للجهات السيادية وهو ما ظهر لاحقا بالقبض على حسن راتب وسجنه في قضية آثار.

سبق ذلك القبض على صلاح دياب -المالك الأول لصحيفة (المصري اليوم)- مرتين؛ لإجباره على الخضوع وبيع الصحيفة.

وقد شرح الحقوقي المصري أحمد سميح قرار بيع صحيفة (المصري اليوم) قائلا عبر صفحته على تويتر: "المخابرات العامة ترسل أوراق شراء (المصري اليوم) بدون ذكر اسم المشتري، والملاك وقّعوا بعد أن سبق وأرسلوا عقدا يتضمن اسم عضو مجلس الشورى محمد منظور".

وقال سميح، في حديث لبرنامج "المسائية" على شاشة الجزيرة مباشر: إن عملية البيع سبقتها ضغوطات على صلاح دياب، المالك الأول للصحيفة، منها سجنه شهرين خلف القضبان، قبل أن يُعلن عن البيع ويظهر اسم محمد منظور للعلن، ومع تسريب الاسم جُمِّدت الصفقة مدةً ثم ظهر العقد الجديد من دون إرفاق أسماء المشترين "حفاظًا على السرية"وأضاف أن باقي الملاك وقعوا تحت طائلة الترهيب، وأن ما حدث في هذه الصفقة “ما هو إلا تأميم شيك”، على حد تعبيره.

أحمد شعبان (رئيس تحرير مصر)

في 25 فبراير 2019، كشف موقع "المنصة"، لأول مرة "كيف تدير الدولة أذرعها الإعلامية بقوائم الواتساب والإيميل"، عبر تعميمات تصل من جهة سيادية إلى قنوات مجموعة إعلام المصريين، المملوكة لشركة "إيجل كابيتال" التابعة للمخابرات العامة.

نقل الموقع عن مصادر داخل القنوات كيف تصلهم قوائم (عبر الواتساب والإيميلات) بمن يتحدث ومن يجري استبعاده من الحديث داخل القنوات.

ويوم 19 يونية 2019 عرف المصريون لأول مرة قصة جهاز سامسونج الذي يرسل منه ضابط المخابرات المسئول عن الإعلام رسائل "واتساب" للصحفيين ومذيعي الفضائيات.

في هذا اليوم ظهرت مذيعة فضائية "إكسترا نيوز" (خاصة مقربة من السلطات) تقرأ تصريحات معممة نقلا عن "مصدر طبي مسؤول"، لتبرير وفاة الرئيس مرسي طبيعيا.

في نهاية الخبر قرأت عبارة مذيله في التعليمات المرسلة لها تنص علي: "تم الإرسال من جهاز سامسونج"، لتكشف بنفسها أن التعميم وصل لهم من ضابط المخابرات عبر جهاز موبياله ماركة سامسونج، قبل أن تتوقف للحظات مندهشة وتحاول تدارك الموقف واستكمال النشرة الإخبارية!.

بعد ذلك بأربعة أيام، كتب "مفيد فوزي" بجريدة المصري اليوم، 23 نوفمبر 2019، تحت عنوان "شيء من الخوف"، ينتقد سيطرة الأجهزة الاستخباراتية على الإعلام في زمنٍ أكثر شمولية وقمعية من عهد عبد الناصر.

"فوزي" كشف سيطرة المخابرات على الإعلام بقوله: "دور الأجهزة السيادية هو حماية الوطن داخليا وخارجيا، وليس تولي ملف مثل الإعلام.

أضاف معلقا بسخرية على واقعة مذيعة قناة إكسترا نيوز، و"تم الإرسال من جهاز سامسونج": إن "إرسال الأخبار والبيانات من المصادر كان يجرى بواسطة الفاكس، والآن عبر تطبيق واتساب".

كانت الفضيحة التالية هي نشر جريدة الدستور، يوم 19 يوليه 2020، خبرا يقول: "كل التمنيات بالشفاء العاجل لأمير الكويت الشيخ كذا وشوف اسمه يا حبيبي"!؟، ففضحت بذلك تعليمات جهاز سامسونج والجهة السيادية التي تملي الأخبار على الصحفيين والمذيعين للمرة الثانية، في خبر مرض أمير الكويت الراحل، إلى حد عدم معرفة المقدم شعبان اسم أمير الكويت ومطالبة المحررين بالبحث عنه فكتبوا ما جاء لهم بالنص دون بحث أو تدقيق.

وبعدما أصبح دور ضابط المخابرات معروفا، كشفت الناشطتان في حركة تمرد سابقا، غادة نجيب، دعاء خليفة، اسمه وقالا إنه العقيد أحمد شعبان بالمخابرات المقرب من اللواء "عباس كامل".

"غادة" و"دعاء" تحدثا في مقاطع مصورة عن أدوار "شعبان" في تحريك الصحف والإعلاميين، ووصفوه بأنه "المدير التنفيذي لمصر"

كان من الممكن ألا تقلق الوقائع السابقة عن دور ونفوذ الضابط شعبان والمخابرات في تسيير الإعلام، الجهات الرسمية، باعتبارها صادره من معارضين في الخارج، لكن جاء توثيق أستاذ كلية الإعلام أيمن منصور ندا لها، وحديثه عن "إله الإعلام" ليكشف الغطاء بالكامل.

"في المجال الإعلامي.. أحمد شعبان لا شريك له.. أحد احد .. يعز من يشاء، ويذل من يشاء.. يهب الملك والنفوذ لمن يشاء، وينزعه ممن يشاء.. وهو على كل شيء قدير!.. بأوامره تدار المنظومة الإعلامية".

هكذا وصفه د. أيمن ندا في مقاله " رسالة مفتوحة إلى رئيس تحرير مصر "، وتحدث عن سطوته علي الإعلام وكيف أن "كل العاملين في المجال ينفذون حرفياً تعليماته.. لا أحد يخرج عن سلطانه ونفوذه، حتى ياسر رزق".

وصفه بأنه "يمسك بكل الخيوط ويحرك كل العرائس"، وكرر قول المعارضين في الخارج بأنه "الرئيس التنفيذي لمصر" في المجال الإعلامي، و"أقوي رجل في المنظومة الإعلامية والسياسية في مصر".

ولكن انتهي الأمر  بأيمن ندا لحذف ما كتبه، والاعتذار في المقال السابع لشعبان والجيش، ثم عاد ليهاجم بضراوة أكبر في مقاله الثامن ويصف إعلام السلطة بأنه "إعلام البغال" ثم تم اعتقاله وسجن وحذف كل ما كتبه على حسابه على فيسبوك وخرج من السجن صامتا؛ ما يدلل على نفوذ أحمد شعبان.

خطورة مقالات الدكتور ندا التي انتهت به للمحاكمة والسجن والفصل من كليته أنها كشفت للرأي العام لأول مرة اسم ودور المسئول عن تسيير إعلام السلطة في مصر، والسخرية منه بصفته "رئيس تحرير مصر"، وقوله له: " اسألك الرحيلا".

ووصف "ندا" إعلام السلطة بأنه إعلام مطية "يركبه" –مثل البغال –من يملك المال أو من يتولى الحكم أو هما معاً، ولا عزاء للمواطنين"، كما أن سخريته من "المخرج" الذي يوجه هؤلاء الإعلاميين "العرائس" على المسرح الإعلامي، أغضبت ضابط المخابرات.

ولأنه لم يجد صدي لنصائحه اللاذعة لـ "رئيس تحرير مصر"، وعلى العكس فُصل من عمله وسيحاكم، فقد وجه أستاذ الإعلام رسالته التاسعة والأخيرة للسيسي نفسه، شاكيا من "الكراكيب الإعلامية"، ومقدما رؤيته لحل أزمة إعلام السلطة، لكن تم حبسه.

وبجانب دوره في التوجيه للصحفيين والمذيعين، يلعب أحمد شعبان دورا في عمليات تلميع السيسي عبر فريق يديره يقوم بالإشراف على منتديات الشباب التي يعقدها السيسي لتلميع صورته.

وتساعده في ذلك نهى النحاس، المديرة السابقة للنادي الإعلامي الدنماركي في مصر، والتابع للسفارة الدنماركية"، والتي فصلتها الخارجية الدنماركية من منصبها قبل سنوات، بعد الانتقادات التي وجهت لها؛ بسبب تضارب عملها في الحكومة الدنماركية، وعملها في الوقت ذاته في منتدى يخدم توجهات النظام الحاكم في مصر.

وبعد إقالة نهي من إدارة النادي الإعلامي الدنماركي، قامت بتأسيس شركة 30 N degree للاستشارات الاستراتيجية، بمساعدة المخابرات العامة وتحديداً العقيد أحمد شعبان، وهي الشركة التي فازت بالمشاركة في تنظيم ما يسمى بـ"الاستراتيجية الوطنية لشباب مصر الدارسين بالخارج"، التي أطلقتها نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، منتصف العام 2019، والتي وصفها دارسون بالخارج بأنها مبادرة "لمراقبة الدارسين بالخارج."

ومن مهام "النحاس" دعوة صحافيين من داخل مصر وخارجها، ممن يبدو أن لهم توجهات معارضة للنظام، لحضور منتدى شباب العالم، وذلك في إطار تحسين صورة النظام خارجياً وإظهاره وكأنه يستمع لوجهات النظر المختلفة معه.

كما لعبت النحاس أدواراً أخرى تتمثل في الوساطة ما بين النظام وبعض المحسوبين على المعارضة، والإفراج عن بعضهم من السجن، بعد عقد صفقات معهم، يتلخص معظمها في "عدم التعرض بالنقد اللاذع للنظام"

بيع الصحف لتوفير التمويل

ضمن عملية توفير تمويل لإعلام السلطة، وبعدما انهار توزيع الصحف بسبب نشرها تعليمات الأمن، لا موضوعات صحفية منافسة، بدأ حصر وبيع مقرات صحف ودمجها.

في لقائه مع الصحفيين العاملين بالهيئة الوطنية للإعلام، 10 فبراير 2021، تحدث رئيسها المهندس عبد الصادق الشوربجي عن بيع أصول المؤسسات الصحفية.

أوضح أن "لجنة الاستثمار حصرت جميع الأصول المملوكة للمؤسسات، وتم تقسيمها إلى جزئين، "الأول" الأصول الثابتة الجاهزة للاستثمار فورا"، دون أن يحدد المقصود بكلمة "استثمار".

"والثاني": الأصول التي تشارك في ملكيتها جهات أخري، وتواصلنا مع هذه الجهات لحل المعوقات واستغلال هذه الأصول ووضعها على طريق الاستثمار".

في اللقاء ذاته، كشف "الشوربجي" أن ديون المؤسسات الصحفية الحكومية الفعلية (8 مؤسسات تصدر 55 صحيفة ومجلة) تعادل 6.8 مليار جنيه، وتصل بالفوائد الي 13.9 مليارا.

ألمح إلى دمج إصدارات صحفية أو وقفها بسبب الخسائر، موضحا أن عدد العاملين بهذه الصحف حاليا 4 آلاف صحفي و9 آلاف إداري و7آلاف عامل، وأنه تم وقف أي تعيينات منذ يوم 5 يوليو 2020.

يوم 15 يوليو 2021 تم بالفعل وقف طباعة أقدم ثلاثة صحف ورقية مسائية حكومية مصرية منذ الخمسينات، بعدما قررت "الهيئة الوطنية للصحافة" تحويل صحف "المساء" و"الأهرام المسائي" و"الأخبار المسائي"، لإصدارات إلكترونية.

رغم أن ظاهر القرار هو مواجهة خسائر الصحف، بتوفير تكاليف طباعتها وبيع بعض أصولها، إلا أن باطنه هو سلب حرية الصحافة وتحول الصحف (حكومية وخاصة) الي بوق وصوت ومانشيت واحد، ما أدي لتراجع حاد في توزيعها.

ثانيا: التمويل الخارجي (إعلام سامسونج يرتدي العباءة السعودية بدلا من الاماراتية)

في 24 مايو 2021، أثير جدل حول دواعي لقاء عبد الفتاح السيسي ومدير مخابراته عباس كامل، تركي آل الشيخ، مستشار  ولي العهد السعودي المثير للجدل، وتساءل كثيرون: ما الذي يدفع "رئيس جمهورية" ومدير مخابراته لمقابلة "رئيس هيئة ترفيه؟"، وما هو نوع التشاور الذي يجمعهم؟.

كانت المفارقة أنه في اليوم نفسه ظهرت أنباء الإطاحة بفرق عمل شركة المخابرات (المتحدة للإعلام) وتعيين طاقم جديد "بسبب خسائر وفساد مالي".

الخبر نفته "المتحدة للإعلام" في البداية، قبل أن تتضح صحته لاحقا، ويجري تغيير رئيس وطاقم عمل الشركة في مؤتمر صحفي يُعلن فيه عن خسائر بحوالي 400 مليون جنيه.

قبل مؤتمر "المتحدة للخدمات الاعلامية" 29 مايو 2021 بيوم، سرب عمرو أديب التفاصيل، مؤكدا أن جانبا من تطويرها سيتم بالتعاون مع هيئة الترفيه السعودية.

قال أديب: إن "هناك تعاونا مع إدارة الهيئة العامة للترفيه لإنتاج 60 مسلسلا، وسيتم إنتاج 15 مسرحية غير الحفلات الموسيقية، وتعاون كبير في السوق المصري".

وبعدما نشرت الصحف المصرية ذلك مصحوبا بفيديو عمرو اديب، بعناوين "تركي آل الشيخ يقتحم الدراما المصرية وينتج 60 مسلسلا"، حذفت الخبر والفيديو، لاخفاء الدور السعودي في التمويل.

خرج "آل الشيخ" مستشار الديوان الملكي السعودي لينفي غاضبا ما قاله "أديب" ويقول: "يبدو أن هناك سوء فهم، أنا لا علاقة لي لا من قريب أو بعيد بالدراما المصرية ... ولا يصرح بلساني إلا أنا".

تأكيد أديب ونفي الشيخ طرحا تساؤلات من قبيل: هل ورطت المصادر الأمنية التي أعطت التفاصيل لأديب، تركي الشيخ، وفضحت مشاركته في شركة المخابرات فبادر لنفي الأمر غاضبا؟.

أخيرا، جاء إعلان "الشركة المتحدة"، طرح 30 بالمئة من أسهمها بحلول عام 2024، ليكشف عن نية السلطة إشراك مستثمرين، وتحديدا السعودية.

فتح الشركة أمام الإستثمارات الأجنبية عبر طرحها في البورصة، ليس سوى عملية إحلال ونقل بوسائل ناعمة لعملية التحكم في الإعلام المصري من الإمارات إلى السعودية، حسب متابعين.

انتزاع نظام عبد الفتاح السيسي الصحف والفضائيات من رجال الأعمال بالضغط والترهيب، يجعل من الصعب تصور دخول أي مصري هذا المجال، ما يفتح الباب للتمويل الخارجي، والسعودي تحديدا عبر "البورصة".

لاحقا، ورغم نفي "الشيخ" ما قاله "أديب" أو إبرام أي اتفاق إعلامي مع السيسي، فوجئ الجميع بتوقيع مذكرتي تفاهم بين شركة المخابرات (المتحدة) ومجموعة «MBC»السعودية 30 مايو 2021.

ضمن هذا الاتفاق المعلن جاء: "التعاون في إنتاج الأعمال الدرامية الكبرى التي تحتاج الى شركات مختلفة نظرا لتكلفتها الكبيرة" وهلل "الشيخ" لهذه الاتفاقيات علي حسابه في فيسبوك قائلا: "اتفاقيه مهمه بين كيانات عملاقة ولن تكون الأخيرة ان شاء الله ... ايد وحده دايما"!.

الرئيس التنفيذي للشركة المتحدة حسام صالح، اعترف أن هذه الاتفاقيات "استكمال لما حدث في مؤتمر المتحدة"، ما يؤكد العلاقة بين التغييرات بشركة المخابرات، ودخول السعودية كمالك أو ممول جديد للإعلام المصري.

الخسائر المالية التي واجهت أجهزة السيسي الإعلامية، كانت سببًا مباشرًا لإفساح المجال للاستثمار السعودي في الإعلام المصري عبر تركي آل الشيخ، كما يقول خبراء إعلاميون مصريون.

ما يحدث يبدو أنه نقل وتغيير المتحكمين في الإعلام المصري من اللاعب الإماراتي الذي بدأ يصطدم بنفوذ المخابرات المصرية، لصالح الكفيل السعودي، حسبما يرى متابعون، لكن التوترات السياسية الحالية بين النظامين المصري والسعودي قد تحول دون تمكُّن الكفيل السعودي من لعب نفس الدور الذي يلعبه الكفيل الإماراتي.

التخلص من فريق الإمارات الاعلامي

لأن الملاك الجدد لجزء من أسهم شركة المخابرات، سعوديون، فقد كان من الطبيعي التخلص من فريق الشركة السابق الذي يوالي بعض أفراده الإمارات، وتزامن التخلص من فريق إدارة شركة المخابرات السابق الموالي للإمارات (حسام صالح، وسمير يوسف، وحازم شفيق وهشام سليمان) مع تعيين فريق أخر قريب من السعودية، أو بعيد عن لوبي إعلام الإمارات في مصر وتم ابعاد تامر مرسي رئيس المتحدة السابق لمجرد عضو من أعضاء مجلس إدارتها لعدم توافقه مع تركي الشيخ.

وأيضا تزامن إبعاد فريق مرسي عن "المتحدة" مع إبعاد خالد صلاح، رئيس تحرير "اليوم السابع" القريب من فريق الإمارات المسيطر على الإعلام المصري منذ 2011.

وأدي عودة جهاز المخابرات للسيطرة علي إعلام مصر منذ 2017 عبر "إعلام المصريين" و"إيجل كابيتال"، ثم "المتحدة للإعلام" للتصادم مع سيطرة لوبي الإمارات الإعلامي علي إعلام مصر.

وفي وقت سابق، ولأسباب سياسية أيضا، شجع تباعد الرؤي بين سياستي مصر والإمارات في عدة ملفات أخري مثل ليبيا وسد النهضة والتطبيع مع إسرائيل الذي أضر اقتصاديات بقناة السويس، القاهرة علي التصدي لتغلغل الامارات في الإعلام المصري.

الخسائر المتتالية والفشل في إدارة منظومة المخابرات الإعلامية دفع القائمين عليها للاستعانة برجال البنوك والاستثمار أبرزهم عبد الله حسن مساعد محافظ البنك المركزي الأسبق والرئيس التنفيذي السابق للبنك العربي الإفريقي، حيث تقرر طرح جزءًا من أسهم الشركات الإعلامية في البورصة في العام المقبل (2024)، وهو ما يفسر على أنه أحد شروط الممول السعودي الجديد.

ضرب محمد الأمين التابع للإمارات

ضمن إبعاد التمويل والتأثير الإماراتي عن الإعلام المصري، جري تحجيم رموز تابعة للإمارات مثل عبد الرحيم علي وإسقاطه في الانتخابات والتضييق على مؤسساته التي تمولها الامارات، وكذا فتح فضيحة تهريب سفير الإمارات آثارا من مصر وإبعاده، وهو ما اعترف بهد مستشار بن زايد (عبد الخالق عبد الله) في بوست على تويتر.

كما تم ضرب محمد الأمين مؤسس قنوات سي بي سي، وكان واجهة للإمارات أيضا، حيث جاء في حساب (الفريق سامي عنان -المركز الإعلامي) علي فيس بوك وتويتر، ما نصه: "في يناير 2021 تم رفع تقرير بجهاز المخابرات العامة للواء ناصر فهمي نائب رئيس المخابرات العامة يفيد بأنه تم رصد تقارير تفيد بعمل عدد من المراكز البحثية ومنصات اعلامية وقنوات اعلامية يتم تمويلها من الجانب الإماراتي تقوم بعدد من الأعمال والتى صنفت بأعمال تجسس على الأراضي المصرية وأن الامارات رصدت مع مطلع العام 2022 تمويلات تقدر بأكثر من 4 مليار جنيه لتشغيل تلك المؤسسات فكانت التوصية الأمنية بالآتي:

  • مراقبة تلك القنوات و المنصات الإعلامية وتعيين أفراد محسوبين على الجهاز داخل هذه المؤسسات لمراقبة عملهم
  • في حال عدم الاستجابة يتم محاصرة ملاك هذه المؤسسات والتضييق عليهم قضائيا واستبدالهم بشخصيات اخرى
  • استغلال العرض السعودي للمشاركة المالية في إدارة المؤسسات المالية وفتح مساحات أكبر لرجال الأعمال المحسوبين على الجانب السعودي
  • التعامل بعنف قضائي في حالة تعنت الجانب الإماراتي في تنفيذ ذلك ولكن على مستويات سياسية دبلوماسية أقل.

وما حدث أن الجانب الإماراتي بدأ في رفض بعض الشروط وخاصة بعد علمهم بالتوغل السعودي في الملف الإعلامي، وما لبث أن جاء الرد من الجانب المصري باستغلال قضية الاثار الكبرى والتي تورط فيها السفير الإماراتي.

كما تم التضييق على مراكز إماراتية في مصر وأخري تُمول إماراتيا اتهمت بأنها تتجسس مثل:  المركز العربي للدراسات والبحوث ويديره عبد الرحيم علي /مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي ومقره في حي جاردن سيتي /قناة الغد والتي يديرها محمد بن دحلان وتتبع مباشرة طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي /قناة النهار الفضائية.

كذلك أعطت السعودية الضوء الأخضر لتخليها عن حسن راتب بعد علمها بتواصله مع حمد الشامسي (سفير الإمارات في مصر والمتورط في قضية الأثار)- لجلب مزيد من الفرص الاستثمارية داخل الإمارات على حساب أنشطته الاقتصادية مع الجانب السعودي

تم أيضا التضييق على توفيق عكاشة بقضية قديمة، وذلك بعد تتبعهم لقاء له مع أحد المسئولين الإماراتيين في ديسمبر الماضي داخل أحد الفنادق بالغردقة، وتم منعه من السفر.

وفي الإطار نفسه تم التضييق على محمد الأمين بعد رفضه التعاون مع جهاز المخابرات العامة، التى طلبت منه تحجيم العلاقات الاقتصادية بينه وبين الإمارات، وذلك بإيعاز من السفير السعودي في القاهرة أسامة بن نقلي وأحد المشرفين على التعاون الإعلامي بين مصر والسعودية، وانتهى الأمر بـ"الأمين" إلى اتهامه في قضية أخلاقية ومعاقبته بالسجن المشدد 3 سنوات مع غرامة 200 ألف جنيه.

ثالثا: "لجان السيسي الإعلامية" خارج مصر

لأن اللجان الالكترونية الداخلية لنظام عبد الفتاح السيسي وإعلامه لم تمنع الخارج من توجيه انتقادات عنيفة لانتهاكاته للحريات، فقد سعي بتمويل إماراتي (قبل فترة من الخلافات) إلى إنشاء منصات خارجية لتلميع النظامين.

إحدى هذه المنصات الخارجية المزيفة التي دشنها السيسي وولي عهد الإمارات محمد بن زايد لتلميع نظامهما بدعوي إنها "موقع استقصائي محايد" تم الكشف عنها في قاعات المحاكم البريطانية.

صحيفة الجارديان البريطانية أوضحت ، يوم 11 أكتوبر 2021، أن موقع The Investigative Journal كان يؤدي مهمة دعائية لصالح نظامي مصر والإمارات، والذي كشفت عنه رئيسة تحريره "جاين كايهاين" فقالت إن السيسي وبن زايد استغلاها وخدعاها تحت لافتة العمل المحايد واكتشفت إنه "آلة دعائية".

المفاجأة التي كشفتها "كايهاين" هي أن من قام بتوظيفها هو صحفي قناة الجزيرة الانجليزية محمد فهمي الذي سجنه السيسي في قضية خلية الماريوت ثم أطلق سراحه وسافر لكندا، لكنه تعاون مع السيسي لاحقا.

قالت في شهادتها أمام المحكمة إن "فهمي تلقى مساعدات وتوجيهات من وكلاء وممولين من الإمارات، كما قابل عبد الفتاح السيسي، في يونيو 2019، لمناقشة التوجه التحريري والمحتوى الخاص بالموقع"، وأنه عقب خروجه من السجن، 13 فبراير 2015، سافر إلى كندا، ثم ردت وزارة الداخلية الجنسية المصرية له في يونيو 2016.

لم يُعرف شيء عن عمل "فهمي" عقب خروجه من السجن، إلا حين ظهر وهو يدشن موقع TIJ الاستقصائي في 15 سبتمبر 2015، من مقر كاتدرائية ساوثوارك بلندن، قبل أن يتم معرفة علاقة الموقع بمصر والإمارات.

وقالت "كايهاين" إنها أدركت أن الموقع "في تصميمه، وغرضه، ومقصده، وتمويله، وتشغيله" كان يستهدف تقديم الدعم والترويج للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، وتحديداً مصر والإمارات، وأن المقالات والتقارير التي نشرها الموقع كانت تستهدف تشويه جماعة الاخوان المسلمين ودول مثل تركيا وقطر داعمة للربيع العربي.

بعد صدور الحكم القضائي كشفت مجلة Press Gazette البريطانية، 13 أكتوبر 2021، أنه تم إغلاق الموقع الدعائي في "هدوء تام" عقب إدانته بالحصول على "تمويلات غامضة" من المستبدين.

 

المصادر:

  • مصراوي، على تويتر، https://bit.ly/423IhMe
  • يوتيوب، تم الارسال من جهاز سامسونج، مذيعة فضائية "إكسترا نيوز" تقرأ تصريحات معممة نقلا عن "مصدر طبي مسؤول"، لتبرير وفاة الرئيس مرسي طبيعيا،  https://bit.ly/3YB8SgU
  • تويتر، تغريدة ساخرة بعد وقوع جريدة "الدستور" في خطأ مهني فادح، نتيجة نشر التعليمات المخابراتية دون تدقيق، https://bit.ly/3ThjY9S
  • الجزيرة مباشر، عضو بحركة تمرد تتهم مسؤولا في مكتب السيسي بابتزازها، https://bit.ly/3T9toE8
  • يوتيوب، القناة الرسمية للفنان هشام عبدالله، الناشطه السياسيه غاده نجيب ترد علي وقاحة من يدير الاعلام في مصر الرائد احمد شعبان، https://bit.ly/3ZHB9DE
  • أيمن ندا، فيسبوك، https://bit.ly/3LiYs2f
  • يوتيوب، القناة الأولى المصرية، تغطية خاصة - المتحدة للخدمات الإعلامية تعقد مؤتمرا صحفيا للإعلان عن إنجازاتها وخططها المستقبلية، https://bit.ly/3FeL2kf
  • فيسبوك، تركي آل الشيخ، توضيح مهم، لا علاقه لي لا من قريب او بعيد في الدراما المصرية، https://bit.ly/3FkQiTs
  • فيسبوك، تركي آل الشيخ، اتفاقيه مهمه بين كيانات عملاقه ولن تكون الأخيره، https://bit.ly/3T8F1eB