خيرت الشاطر.. شموخ في مواجهة الاستبداد

الثلاثاء - 4 يناير 2022

هو أحد أبرز الشخصيات القيادية في جماعة الإخوان المسلمين خلال العقود الأربعة الأخيرة، وأحد أنجح رجال الأعمال في مصر، وأحد أكثر السجناء السياسيين شهرة.

اختارته مجلة فورين بوليسي ضمن أبرز مائة شخصية عالمية مفكرة في 2011م، ورشحه الإخوان المسلمون لمنصب رئيس الجمهورية عام 2012م بعد فترات من السجن بمحاكمات عسكرية خرج منها مرفوع الهامة، وبعد رد اعتباره من قبل من سجنوه ظلما وبغيا.

وصفه شانئوا الإخوان بـ" "الرجل الحديدي"، و "الرجل القوي" و "صاحب الكلمة الفصل في الجماعة"، وهو يرى في صمود الإخوان أمام الأنظمة المستبدة وصبرهم عليها انتصارا لفكرتهم ودعوتهم مهما طال الزمن، متسلحا في ذلك بإيمانه القوي وعزيمته التي لاتلين. يقول: "إن النظام لو استمر في حجز الأموال بل تطور الأمر إلى الأرواح فإن الإخوان لن يتراجعوا عما يؤمنون به ".

إنه المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين المحكوم بالإعدام والمؤبد في قضايا مسيسة لفّقها له أقطاب الانقلاب العسكري بعد اعتقاله منذ 5 يوليو 2013م.

 النشأة والتعليم والمهنة

ولد محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر يوم 4 مايو 1950م، في مدينة شربين بمحافظة الدقهلية، لأسرة تمارس العمل التجاري، فقد كان أبوه من أشهر تجار الدقهلية، وكذلك جده من والده ووالدته أيضا.

تدرج في مراحل التعليم الأولية حتى التحق بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية وتخرج فيها عام 1974م، وعُين بعد تخرجه معيدًا، ثم حصل على ماجستير الهندسة من جامعة المنصورة وعين مدرسًا مساعدًا بكلية الهندسة بالمنصورة حتى عام 1981م عندما أصدر السادات قرارًا بنقله خارج الجامعة مع آخرين ضمن قرارات سبتمبر 1981م.

وبخلاف دراسته الهندسة، حصل خيرت الشاطر على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة قسم اجتماع، ودبلوم الدراسات الإسلامية من معهد الدراسات الإسلامية، ودبلوم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية من كلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ودبلوم إدارة الأعمال من جامعة عين شمس، ودبلوم التسويق الدولي من جامعة حلون.

والمهندس خيرت الشاطر عضو بنقابة المهندسين، وتم اختياره عضوا في مجلس ادارة بنك المهندسين، وفي مجلس ادارة المصرف الاسلامي الدولي، وفي العديد من الشركات المساهمة في مصر والمنطقة العربية.

وبعد ثورة يناير 2011م، انتخب عضوا بمجلس أمناء الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح يوم الإثنين 24 أكتوبر 2011م. وقد اختارته مجلة فورين بوليسي ضمن أبرز مائة شخصية عالمية مفكرة في 2011.

نشاطه الطلابي والدعوي

بدأ المهندس خيرت نشاطه العام منذ كان طالبا في المرحلة الثانوية عام 1966م، واعتقل لأول مرة في عهد عبد الناصر؛ لاشتراكه في مظاهرات الطلاب في نوفمبر 1968م حيث سجن أربعة أشهر، وفُصل من الجامعة، وجُنِّد في القوات المسلحة فترة حرب الاستنزاف قبل الموعد المقرر لخدمته العسكرية.

شارك في تأسيس العمل الإسلامي العام في جامعة الإسكندرية منذ مطلع السبعينيات، وارتبط بالإخوان المسلمين منذ عام  1974م، وتدرج في مستويات متعددة وأنشطة متنوعة في العمل الإسلامي، من أهمها مجالات العمل الطلابي والتربوي والإداري حتى انتخب عضوا في مكتب الإرشاد عام 1995، وكان النائب الثاني لمرشد الجماعة الأستاذ محمد مهدي عاكف رحمه الله، ثم أصبح نائبا أول للمرشد الحالي د. محمد بديع.

وأقام م. الشاطر لفترات مختلفة في اليمن والسعودية والأردن وبريطانيا، وسافر إلى العديد من الدول العربية والأوروبية والآسيوية، وكانت الفترة 1981 الي 1987 فترة تواجده في أوروبا والمنطقة العربية.

ولعب الشاطر دورا مهما في التعريف بالإخوان لدى الغرب، فكان له الدور المؤسس في موقع "إخوان ويب"، حيث باشر الموقع بإجراء حوارات مع المراكز البحثية الغربية أحدثت صدىً واسعاً، كما قام بتقديم رؤىً جديدة ومعاصرة عن جماعة الإخوان المسلمين للعقل الغربي.

وبعد ذلك قام بنشر المقال الأشهر في جريدة الجارديان البريطانية بعنوان "لا تخافو منا" وذلك بعد النتائج الكبيرة التي حققتها جماعة الإخوان في انتخابات عام 2005 وحصولها على 88 مرشحا في مجلس الشعب وبروز مخاوف على المستوى الدولي منها، وحاول الشاطر في هذا المقال التعريف بالجماعة وإبداء رغبتها في التواصل مع الغرب بمراكزه البحثية ومثقفيه والمهتمين بشئون الحركة الإسلامية.

أسرة صابرة محتسبة

تزوج المهندس خيرت من المهندسة عزة أحمد محمد توفيق في عام 1974م ورزقهما الله عشرة من الأبناء، سبع بنات وثلاثة ذكور، ولهما 17 حفيدا وحفيدة. وهم أسرة مجاهدة شغوفة بالعلم، فرغم تكرار مرات سجن المهندس خيرت، حصلت زوجته "أم الزهراء" على  معهد إعداد الدعاة نظام الأربع سنوات وحازت المركز الأول فيه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وكان زوجها في السجن آنذاك فأرسل لها برقية تهنئة جاء فيها: (يتقدم المهندس خيرت الشاطر وأسرته بخالص التهنئة والدعاء للزوجة الصابرة أم الزهراء لإتمامها معهد إعداد الدعاة "نظام أربع سنوات". وفي الوقت ذاته أتمت حفظ القرآن ودراسة عدد من علومه في دار ابن مسعود " نظام خمس سنوات"

وقد كانت- ومازالت-  بمثابة الأم والأب لأبنائها، فحين يغيب الأب كانت تقوم بالدورين معا، وتبث في نفوسهم الصبر والثبات.

ولعل أهم ما يميز المهندس خيرت هو روح الأبوة التي تملأ قلبه؛ فهو يستشعر مسئوليته نحو الجميع، ويتتبَّع أحوالهم، ويؤثرهم على نفسه، ويراعي أدقَّ المشاعر لأصغر المتواجدين معه.

بلاء مستمر في المال

كان المهندس خيرت الشاطر من أكثر المعارضين، إن لم يكن أكثرهم، تعرضا لمصادرة أمواله من قبل الأنظمة المستبدة، ففي عام 1992 كان قد استورد وشريكه حسن مالك المعدات اللازمة لأول مصنع حاسب آلي بأيد مصرية، وبعدما وصلت المعدات الى ميناء الإسكندرية ألقت قوات الأمن القبض عليه بإيعاز من نظام مبارك، وتمت مصادرة كل الاجهزة والمعدات، كما تمت مصادرة الأرض المخصصة للمصنع بمدينة السادس من أكتوبر، فيما عرف حينها بقضية "سلسبيل"، التي شملت أيضا إغلاق مقر الشركة التي كانت نشطت وقتها في مجال تجارة الكمبيوتر وإنتاج البرمجيات، وأمضى المهندس خيرت وقتها 11 شهرا في المعتقل ثم تم الافراج عنه وتبرئته وظلت الشركة مغلقة حتي اليوم، وقد كانت من أكبر شركات الحاسب الآلي في مصر، وكانت لها الريادة والسبق في إدخال الحاسوب الي المنطقة العربية.

وكان عبدالمجيد محمود هو المحامي العام وقتها الذي أصدر قرار غلق الشركة، وعندما أصبح نائبا عاما فيما بعد، أصدر  عدة قرارات بحبس الشاطر والتحفظ علي أمواله.

أما المرة الثانية التي تعرض فيها لمصادرة الأموال، فكانت في عام 2006 حيث تمت إحالته للمحاكمة العسكرية ومصادرة جميع ممتلكاته هو وأسرته.

وبعد الانقلاب العسكري 2013م، شملته وجميع أفراد عائلته قرارات التحفظ على أموال الإخوان ومصادرتها، فبعد مرور شهرين من انقلاب 3 يوليو 2013م أصدر مجلس الوزراء قرارا بتشكيل لجنة لإدارة أموال جماعة الإخوان، بناء على حكم مشبوه أصدرته محكمة القاهرة للأمور المستعجلة فى 23 من سبتمبر 2013م، بحظر نشاط الجماعة والتحفظ على أموالها، وإلزام الحكومة بتشكيل لجنة لإدارة أموال الجماعة.

وبدأت قرارات اللجنة بمنع الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الإخوان، والمهندس خيرت الشاطر نائب المرشد، من التصرف فى أموالهما السائلة والمنقولة.

وقامت اللجنة بحصر أموال كل من بديع والشاطر عن طريق الاستعلام من الجهات المعاونة للجنة (مباحث أمن الدولة) من ممتلكات عقارية ومالية سائلة ومنقولة، وكذلك الأسهم والسندات بالبورصة والشركات.

سجين الأنظمة العسكرية

احتل المهندس خيرت الشاطر المرتبة الأولى في قائمة أكثر المظلومين في عهد النظم العسكرية الاستبدادية التي حكمت مصر، فهو أكثر مسجون سياسي قضي عقوبات مختلفة خلف القضبان قبل ثورة يناير، حيث كان دائمًا على رأس كل القضايا الجديدة التي يدبِّرها النظام للإخوان، ثم أصبح ضمن قائمة أكثر من حوكموا في قضايا مسيسة بعد الانقلاب.

تعرض المهندس خيرت الشاطر للسجن عدة مرات، أولاها في عهد جمال عبد الناصر بعد مشاركته في نوفمبر 1968 في مظاهرات طلابية، بالإضافة إلى طلب القبض عليه عام 1981م، ولكنه كان خارج مصر آنذاك.

وفي عام  1992م تم القبض عليه مع آخرين فيما عرف بـ" قضية شركة سلسبيل" وأودع السجن لمدة عام،  وفي 1995م حُكم عليه بخمس سنوات أمام المحكمة العسكرية بتهمة إعادة إحياء جماعة محظورة، في القضية المعروفة إعلاميًّا «بقضية مجلس شورى الجماعة». وفي عام 2001محكم عليه  لمدة عام تقريبًا.

وكانت أطول فترات سجنه في عهد حسني مبارك على خلفية ما عرف بالعرض شبه العسكري لطلاب الإخوان في جامعة الأزهر، أو ما أسماه إعلام السلطة "ميليشيات الأزهر"، ففي 14 ديسمبر 2006 تم توقيف الشاطر ومجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بلغ عددهم 40 قيادياً في تلك القضية، وتم عرضهم في بداية الأمر علي القضاء المدني الذي برأهم وأمر بإطلاق سراحهم ثلاث مرات في القضية، فتمت إحالتهم بأمر من حسني مبارك في 5 فبراير 2007 إلي محاكمة عسكرية استثنائية وسرية منعت عنها الكاميرات ووسائل الإعلام، وبعد ما يزيد على سبعين جلسة 2008 أصدر لواء من سلاح المشاة يدعي عبد الفتاح عبد الله أحكاماً مشددة بالسجن ومصادرة الأموال علي 25 من الإخوان وتبرئة 15، وبلغت جملة الأحكام 128 سنة ما بين 10 سنوات لقيادات الخارج حتي 3 سنوات وكان نصيب الشاطر فيها سبع سنوات وهي أقصي عقوبة شهدتها المحاكمات العسكرية للإخوان في عهد مبارك.

وبعد الانقلاب العسكري تم القبض على المهندس خيرت في 5 يوليو 2013م، بتهمه "التحريض علي قتل المتظاهرين السلميين امام مكتب الإرشاد في المقطم والتخابر مع دولة أجنبية"، وتم ايداعة في سجن طرة، وفي 28 فبراير 2015 حكمت جنايات القاهرة على المهندس خيرت بالسجن المؤبد فيما عرف إعلاميا بـ"قضية مكتب الإرشاد"، وفي 16 يونيو 2015 أصدر قاضي جنايات القاهرة أيضا حكما بإعدامه وعدد من قيادات الاخوان في القضية المعروفة بـ "التخابر مع حماس"!

وفي 9 يوليو 2020م، أيدت محكمة النقض حكم الموبد الصادر من محكمة جنايات القاهرة للمهندس خيرت الشاطر بعد أن رفضت الطعن المقدم منه رفقة قيادات من جماعة الإخوان في القضية المعروفة إعلاميا بأحداث مكتب الإرشاد.

وفي 28 يوليو 2021،  أيدت محكمة النقض أيضا حكم المؤبد على المهندس خيرت في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"التخابر مع حماس".

وأدرجت سلطات الانقلاب المهندس خيرت  بقوائم الإرهاب ظلما وعدوانا، بقرار نهائي وبات صدر من محكمة النقض مع قيادات الجماعة، ويجدد القرار تلقائيا بقرار من المحكمة .

رد اعتباره بعد ثورة 2011

في 1 مارس 2011 وبعد 3 أسابيع من تنحي حسني مبارك بعد ثورة 25 يناير أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرار بالإفراج الصحي عن المهندس خيرت الشاطر وحسن مالك بعد قضاء ما يقرب من 4 سنوات وربع من الحكم عليهما ب 7 سنوات في القضية 2 لسنة 2007م جنايات عسكرية والمعروفة إعلاميا بقضية "ميلشيات الأزهر".

بعد ذلك تم إدراج اسمه بكشوف الناخبين وقد قام بالإدلاء بصوته في الانتخابات البرلمانية 2011 - 2012م

وفي 12 فبراير 2012 أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرارا بالعفو الكلي عن الشاطر ضمن قرار عفو على 112 آخرين، وقد نص على: "إعفاء المهندس محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر من كل العقوبات المحكوم بها عليه، وسقوط كل العقوبات التبعية، والآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم"، وقد أصبح هذا الحكم ساريا وتم تنفيذه حيث أصدرت مصلحة الأدلة الجنائية بوزارة الداخلية نفاذًا لذلك القرار بصحيفة الحالة الجنائية له وأثبتت بها "أنه لا يوجد أحكام مسجلة ضده"

وفي 19 فبراير 2012 تلقت شركة مصر للمقاصة والإيداع المركزى خطابًا من المستشار رئيس محكمة الاستئناف، ورئيس إدارة الأموال المتحفظ عليها، يفيد برفع التحفظ عن أموال كل من: خيرت الشاطر وحسن مالك، بالبورصة، وأنه "يتعين عليه رفع التحفظ على أموال زوجتيهما وأبنائهما القصر".

وفي 15 مارس 2012 أصدرت المحكمة العسكرية العليا حكمًا برد اعتبار المهندس خيرت من العقوبة المحكوم بها عليه في القضية رقم 8 لسنة 1995 جنايات عسكرية، والمعروفة إعلاميًّا "بقضية مجلس شورى الجماعة"، والتي حُكم عليه فيها بخمس سنوات بتهمة إعادة إحياء جماعة محظورة، وسقوط كل العقوبات التبعية والآثار الجنائية الأخرى والمترتبة على الحكم. ويترتب على رد الاعتبار- حسب نصوص القانون- محو الحكم القاضي بالإدانة بالنسبة للمستقبل وزوال كل ما يترتب عليه من انعدام الأهلية والحرمان من الحقوق وسائر الآثار الجانبية.

ترشحه لرئاسة الجمهورية

نتيجة كل ما سبق، وفي أجواء ما بعد ثورة يناير 2011م، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين الدفع بخيرت الشاطر للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية في 31 مارس 2012 بناءً على ترشيح من حزب الحرية والعدالة وجماعة الاخوان المسلمين، فقدم استقالته عن منصبه كنائب للمرشد من أجل الترشح للرئاسة.

وفي يوم الخميس 5 أبريل 2012، تقدم الشاطر بأوراق ترشحه للجنة القضائية العليا المشرفة على انتخابات رئاسة الجمهورية كمرشح عن حزب الحرية والعدالة بتأييد 277 نائبا بمجلسى الشعب والشورى.

وفي مساء السبت 7 أبريل، قام حزب الحرية والعدالة بترشيح الدكتور محمد مرسي رئيس الحزب كمرشح احتياطي لخيرت الشاطر بعدما بدأ المجلس العسكري والدولة العميقة في التلويح باستبعاد الشاطر.

وبالفعل في مساء السبت 14 أبريل، قررت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، استبعاده من سباق انتخابات 2012، بزعم أن صدور العفو من المجلس العسكري عن عقوباته التكميلية المتمثلة في حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية، لا يكفي ليمارس حق الترشح والانتخاب، بموجب قانون العقوبات، وأن اللجنة تأكدت من عدم صدور حكم برد اعتباره من القضاء العسكري في القضية المعروفة إعلامياً بـ"ميليشيات الأزهر".

وفي يوم الإثنين 16 أبريل 2012 قدم محامو الشاطر تظلما على قرار استبعاده من قائمة المرشحين تظهر صحة موقفه القانوني، ولكن اللجنة ردت على التظلم في اليوم التالي بتأكيد قرارها السابق باستبعاد الشاطر نهائيا وتسعة آخرين  بينهم حازم صلاح أبو اسماعيل، من بين 23 تقدموا للترشح لانتخابات الرئاسة.

زهور في بستان "الشاطر"

كتب الدكتور  أمير بسام وآخرون مقالات عن المهندس خيرت الشاطر منشورة في عدة مواقع، أشادوا فيها بمناقبه وخصاله الحميدة، ومن ذلك ما ذكره د. بسام حيث يقول: "قابلته قليلاً قبل أن أرافقه في السجن وفي هذه المحاكمة (المحاكمة العسكرية عام 2006 المعروفة إعلاميا بـ"مليشيات الأزهر")، ولا أخفيكم أنه كلما طالت أيام السجن كلما ازددت له حبًّا له وإعجابًا به.. إنه المهندس محمد خيرت الشاطر والمدَّعى عليه الأول في هذه المحاكمة الظالمة.

والمهندس محمد خيرت الشاطر قد أتاه الله بسطةً في العلم والجسم، وكذلك بسطةً في المال والعيال. وقد أورد العقَّاد في كتابه "عبقرية عمر" أن هناك مدرسةً علميةً تقول إن العباقرة غالبًا ما يتميزون بصفات جسمانية مميزة؛ منها أن يكون العبقري طويلاً بيِّن الطول، أو قصيرًا بيِّن القصر، فلما رأيت م. خيرت وهو بيِّنُ الطول ورأيت فيه العبقرية بعينها أيقنت أن ما نقله العقاد صوابٌ إلى حد كبير، وأن هذا الرجل إنما اصطفاه الله لما أودعه فيه من عبقرية قلَّما تجدها بين البشر.

وعبقرية المهندس خيرت يلمسها كل من يحادثه أو يناقشه؛ فهو يتميَّز بعقليةٍ مرتَّبةٍ ومنظَّمةٍ إلى حد كبير؛ فإذا تناولت معه موضوعًا عامًّا أو خاصًّا تجده يرتِّب لك الأحداث والأفكار والاستدلالات بتلقائيةٍ، حتى إنك تظنُّ أنه قد جلس ساعاتٍ طوالاً يتدارس ما سيقوله، ومع تكرار الأحاديث، وتنوعها تتأكد أن الأمر ليس مدارسةً بل هي سليقة أودعها الله إياه.

وقد حباه الله أيضًا ذاكرةً حادَّةً أسأل الله أن يحفظها له فدقائق الأمور فضلاً عن كبارها تجده يذكرها لك حتى ولو بعد عدة أعوام، ولعل تنوع معلوماته، وكثرة معارفه وعِظَم قراءته وعمق تحليلاته للأحداث، والأمور تضيف إليك جانبًا من جوانب التقدير لهذا الأخ الكريم.

والمهندس خيرت ورث عن أبيه براعة التجارة، وورث أيضًا مالاً يتاجر به؛ ولذلك هو رجل أعمال ناجح فتح الله عليه مشاريع عديدة أقامها بحرِّ ماله، وكانت سببًا في فتح أبواب العمل لكثيرٍ من الشباب.

رأيته يعاتب أخًا لنا ظلَّ يكتب خطابًا أثناء زيارة ابنته له قائلاً: "إن وقت الزيارة أولى به ابنتك"، وكان في عتابه رقيقًا مهذَّبًا؛ تجده يتصابى لأطفالنا وكأنه منهم، ويتعانق مع أبنائنا الكبار وكأنه أبوهم.

ورغم ما تعرَّض له المهندس خيرت من مصادرةٍ للأموال وسجنٍ لفترات طويلةٍ تعدَّت ثمانيَ سنوات منذ عام 91 حتى الآن (2006)، ورغم ما يُشاع عن أنه المقصود الأول في هذه المحاكمة، إلا أن سَمَره مع إخوانه ومحاولته التخفيف عنهم والضحك معهم سمته دائمًا.

يجلس أحيانًا في طرقة العنبر ليجالسه من أراد، فتجد مجلسه هو مجلس الحب والسمر واللطف والتلطف، ثم هو معاني الإيمان بالله والتسليم لقضائه وقدره، ولعل ما يحببك في المهندس خيرت هو تواضعه الشديد ورغبته في عدم التميُّز عمن حوله.

أذكر أننا اجتمعنا تطوعيًّا لتنظيف مكان في فناء السجن مليءٍ بالأحجار؛ حتى يكون مكانًا لجلوسنا، فوجدناه وسطنا يحمل الأحجار، فلما طلبنا منه الراحة أصرَّ على أن يحمل معنا الأحجار رغم مرضه آنذاك.

وهو شاعر يحب الشعر، ويقرضه، كتب قصيدةً في عقد ابنته والذي عُقد في السجن جمع فيها جميع أسماء أبناء وأحفاد المحالين للمحكمة العسكرية.

ومن الأحداث التي تجعلك توقن أن قلب هذا الرجل يحمل إيمانًا عظيمًا بالله سبحانه وتعالى وتسليمًا لقدره، هو حينما جاءه خبر مرض زوجته، وقد كان مرضًا غامضًا؛ فقد أصيبت بغيبوبة، وكان الأمر صعبًا علينا، فما بالكم به؟!.. لقد فقد الرجل حريته وماله، ثم ها هو قد يفقد أنيسته وشقيقة روحه.

ولكن أشُهد الله أنه ما خرجت منه كلمة شكوى ولا علامة ضجر، بل كان الدعاء والصبر حتى أزاح الله الغمة وشفاها بآية من عنده، وحار الأطباء في سبب الشفاء، كما احتاروا في سبب المرض!!.

وقد دار بيني وبين آخرين معي حديثٌ بل أحاديث تطرَّقنا فيها عن المهندس خيرت الشاطر، فما وجدت من الجميع نحوه إلا إجماعًا على حبه وتقديره، وما لمسته أنا من برِّه وتواضعه وصبره وثباته أحسَّ به الجميع، فاستحق أن يتربَّع على عرش قلوبهم محبةً واحترامًا.

وإنني أسأل نفسي دائمًا: لماذا يضطهد نظامنا الفاشل أبناء الوطن المخلصين؟! لماذا مثل هذا الرجل يوضع في السجن؟! ولو استفادت الأمة من جهده وعلمه وعقله لكان الخير كل الخير.. هل مثل المهندس خيرت يكون مكانه السجن؟!.

ولكن أرجع إلى نفسي، وأقول إن الله أدخل يوسف السجن ليكون بعدها الحفيظ الأمين الذي ينقذ مصر، فهل يا تُرى يتكرَّر الأمر مع المهندس خيرت الشاطر؟! أسأل الله أن يكون ذلك".

من أقوال خيرت الشاطر

"إن النظام لو استمر في حجز الأموال بل تطور الأمر إلى الأرواح فإن الإخوان لن يتراجعوا عما يؤمنون به وسيظلون جنودا لهذا الوطن يسعون لنهضته وإنه من المستحيل ان يسافروا أو يتركوا سفينة الوطن ليغرقها المفسدون".