دبلوماسية "تغييب الصور".. لماذا يخشى النظام المصري حضور "مرسي" و الإخوان؟
السبت - 1 أبريل 2023
- حذف صورة "مرسي" من مجموعة رؤساء مصر تصرف له دلالات عميقة أكثر من كونه "صبيانيا"
- استئصال الإسلاميين بالقوة الخشنة والناعمة حالة أصيلة في ممارسات العسكر منذ نجاح ثورة يناير 2011
إنسان للإعلام- خاص
ضجت وسائل الإعلام والتواصل بتعليقات حول إخفاء صورة الرئيس المصري الراحل محمد مرسي من مجموعة صور رؤساء جمهورية مصر ، المعلقة على أحد جدران مبنى وزارة الخارجية القديم بميدان التحرير بالقاهرة (قصر التحرير) ، بعدما نشر المتحدث باسم الخارجية أحمد أبو زيد- سهوا أو عمدا- مقطع فيديو -عبر حسابه في تويتر- حمل اسم "زيارة وزير خارجية تركيا إلى مصر"، يوثق جانبا من تفقد سامح شكري وزير خارجية مصر و مولود جاووش وأوغلو وزير خارجية تركيا لجوانب مختلفة من القصر.، أثناء زيارة الأخير للقاهرة يوم السبت 18 مارس/آذار 2023.
لم توضح الخارجية المصرية أسباب عدم وضع صورة الرئيس الراحل ضمن القائمة، على الرغم من إدراج موقع الرئاسة المصرية لمرسي ضمن تبويب يحمل اسم "الرؤساء السابقون"، أكد توليه الرئاسة من 30 يونيو/حزيران عام 2012 إلى الثالث من يوليو/تموز 2013.
كانت هناك مفارقة أخرى، هي عدم إدراج صورة صوفي أبو طالب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، في القائمة والذي تولى الرئاسة أياما عقب اغتيال السادات في أكتوبر/ تشرين أول 1981، بينما ظهر فيها الرئيس المؤقت عدلي منصور الذي اختير ليشغل منصب رئيس الجمهورية في يوليو/تموز عام 2013.
تراوحت التعليقات بين أن إخفاء صورة مرسي كان "رسالة مقصودة" موجهة لتركيا بأن فترة حكم مرسي غير معترف بها مصريا، وقد انتهت ولاينبغي أن يكون لها وجود أو تأثير في مسار العلاقات بين البلدين، وبين من اعتبر هذا التصرف "دبلوماسية طفولية" و "تصرف وضيع" و مكايدة سياسية رخيصة لا تغير من حقائق التاريخ ولا تنزع عن مرسي صفته، ولا تمحو من الذاكرة الشعبية أنه جاء بأصوات الأغلبية وكان أول رئيس منتخب في تاريخ مصر كله.
والحقيقة أن الموضوع أكبر من هذا التصرف الصغير، فمن الناحية الاستراتيجية والسياسية هناك قناعة لدى خصوم الإسلاميين والإخوان بضرورة محوهم تماما من الوجود، وهو ما بدا في ممارسات عسكر مصر بعد نجاح ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، والتي كان الإخوان المسلمون هم الرافعة الأساسية لها، وما تلا ذلك من ظهور قوي للإسلاميين في استحقاقات ما بعد الثورة من انتخابات مجلسي النواب والشورى والاستفتاء على الدستور المؤقت، ثم انتخابات الرئاسة التي حاز فيها مرسي المنتمي للإخوان أعلى الأصوات، متغلبا على منافسه الممثل لدولة العسكر "أحمد شفيق"، ثم الاستفتاء على دستور عام 2012، الذي وضعته لجنة منتخبة ممثلة تمثيلا حقيقيا للشعب.
أدوات مشروع الاستئصال
أخذ عسكر مصر على عاتقهم فكرة الاستئصال بعد نجاح مرسي في تقديم نموذج لحكم يقوم على الشفافية ونظافة اليد وإطلاق الحريات، وتبني سياسات وطنية صميمة تقوم على التنمية الشاملة كبرنامج أساسي للحكم، بهدف تحسين حياة المواطنين وتحقيق الاكتفاء الذاتي للدولة، ومن ثم استقلال القرار الوطني وعدم التبعية لأي جهة كانت.
كان الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال عبدالفتاح السيسي، 3 يوليو/تموز 2013، وما تلاه من مجازر وتصفيات خارج نطاق القانون أول ممارسات مشروع الاستئصال بأدوات خشنة (قوة السلاح والاعتقالات)، وقد سبقته ولازمته وتلته ممارسات "ناعمة" لا تقل بشاعة، وفي مقدمتها الهجوم الإعلامي الكاسح على الإخوان والرئيس مرسي ومحاولة إظهارهم في أبشع صورة، مع التحريض على قتلهم والتخلص منهم.
وعنيت السياسة الإعلامية للانقلاب منذ اللحظة الأولى بـ "تزييف الحقائق التاريخية"، عبر استهداف الشخصيات والرموز بضراوة وتشويهها أو طمسها وتهميش وجودها، وكانت عمليات تشويه صورة الرئيس الراحل الشهيد محمد مرسي في مقدمة اهتمام إعلام الانقلاب.
ولم يكتف اعلام بتشوية صورة الرئيس مرسي عبر ادعاءات تتعلق باتهامه بالإرهاب والتخابر والمسئولية عن كل مشاكل مصر، مع أنه لم يحكم سوي عام واحد في ظل مؤامرات الدولة العميقة، ولكنه سعي لطمس فترة حكمة وإلغائها بعدما وجد تعاطفا شعبيا أكبر، ورد فعل عكسي على محاولات تشويه صورته.
أيضا لعب القضاء المصري دورا خطيرا في تسويغ وتبرير وتمرير كافة ممارسات الانقلاب، وتحول -بكل مستوياته- إلى أداة انتقام سياسي يستخدمها الجنرال المنقلب ومنظومته العسكرية لشرعنة كافة الممارسات الاستئصالية للإخوان وللخصوم السياسيين، بل وإصدار أحكام إعدام بالجملة تخدم هذا الاتجاه.
دبلوماسية "حذف الصور"
القضية ليست مجرد صورة محيت من قائمة رؤساء، جلهم عسكر وأحدهم بلا شرعية، ولكنها إرادة سياسية مدعومة دوليا في محو اتجاه بأكمله.
لكن من السذاجة السياسية والدبلوماسية أن يصل الأمر حد تصرف وزير السيسي سامح شكري بهذا الشكل الطفولي خلال زيارة مولود تشاووش أوغلو لمقر وزارة الخارجية، واستعراضه للضيف قائمة برؤساء مصر ليس من بينها الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي قطعت تركيا علاقتها بالسيسي بسبب الانقلاب عليه.
ولأن الأمر مقصود، ظهر مذيع السلطة عمرو أديب ليقول: "مستعد أدفع ملايين وأعرف سامح شكري كان بيقول إيه لأوغلو لما وقف قدام صور رؤساء مصر ومش فيهم صورة محمد مرسي". وكان عمرو أديب نفسه اعترف بأنهم كانوا يشوّهون صورة الرئيس الشهيد محمد مرسي، ويقللون من شأنه، ويبحثون له عن الثغرات.
بهذا المنطق، هل يعد ما فعله شكري انتصارا دبلوماسيا وسياسيا أم خيبة ثقيلة تضاف إلى خيبات الدبلوماسية المصرية منذ الانقلاب، والتي اعتبرت "ميكروفون الجزيرة" ذات يوم عدوا يجب إزاحته، وقد كان بطل تلك الواقعة سامح شكري أيضا؟
مراقبون يرون أن الواقعة مقصودة وهدفها إظهار ان تركيا عادت لمصر وتخلت عن دعمها السابق للرئيس مرسي، بينما اعتبرها اخرون تضارب غريب وشاذ بين وزارة الخارجية ومؤسسة الرئاسة التي تضع صورة الرئيس ضمن رؤساء مصر التاريخيين.
ومن البديهي أن الواجب الأخلاقي والقيمي والسياسي والدبلوماسي والوثائقي والتاريخي يحتم أن تكون صورة الرئيس محمد مرسي ضمن صور رؤساء مصر، أولا لأنه الرئيس الوحيد في مصر الذي انتخب من الشعب مباشرة بغض النظر عن انتمائه الحزبي (للإخوان المسلمين)، وثانيا لأن فترة رئاسته تعتبر جزء من تاريخ مصر وستبقى مهما حاول الانقلابيون طمسها.
لذلك قال الناشط الفلسطيني المقيم في بريطانيا، الدكتور ابراهيم حمامي: "إنه مهما حاول السيسي المرعوب من الرئيس الشهيد محمد مرسي رحمه الله طمس الحقيقة فإن التاريخ سيذكر دائما أن مرسي هو أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وإن ذكر السيسي فسيذكر أنه انقلابي سفاح أفلس مصر وباعها وانهارت في عهده البائس..سيترحم الناس على مرسي ويلعنون السيسي إلى يوم الدين" (تغريدة الحمامي).
وكتب الصحفي جمال سلطان يقول إن "محمد مرسي هو الرئيس الخامس لمصر منذ تأسيس الجمهورية، وخلال عام حكمه، أصدر عدة قرارات، منها ما يتعلق باللواء عبد الفتاح السيسي (تعيينه وزيرا للدفاع)، ومن ثم فمحاولة إسقاط اسم مرسي من ذاكرة الدولة سلوك غير دستوري كما هو غير أخلاقي، ودستوريا يعني إسقاط شرعية جميع قراراته، وما ترتب عليها من مناصب عسكرية بما فيها تعيينه للسيسي".(تغريدة سلطان)
ولأن دبلوماسية الحذف الصبيانية أصبحت علما على النظام الانقلابي الحاكم في مصر، فقد انبرى إعلاميو السلطة، عقب واقعة شكري- أوغلو، للمطالبة بحذف أسماء وصور كل وزراء الإخوان وأيضا صورة الدكتور سعد الكتاتني رئيس أول مجلس شعب حر منتخب (برلمان الثورة).
وظهر المذيع المصري المؤيد للانقلاب أحمد موسى يطالب بإزالة صورة سعد الكتاتني من مجلس النواب، عقب يوم واحد من زيارة جاووش أوغلو لمقر الخارجية، حيث قال خلال برنامجه «على مسؤوليتي» عبر شاشة «صدى البلد»، 19 مارس/ آذار 2023، إنه طالب الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب السابق بذلك، ويُجدد الطلب للمستشار حنفي الجبالي رئيس المجلس الحالي، بإزالة صورة الكتاتني.
وزايد موسى بالقول: "مينفعش نلوث بيها مجلس النواب.. مينفعش صورة الكتاتني تفضل موجودة لغاية النهاردة.. التاريخ ده اتمحى من ذاكرتنا ومش عاوزين نفتكره أبدا.. السنة دي اتمحت ومش عاوزين نفتكر حاجة منها". (شاهد)
التغطية على فشل السيسي
ويبدو أن حملة الانتقادات الواسعة لتصرف شكري أثارت حفيظة النظام فضاعف من هجومه الإعلامي على فترة حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، واستخدم أذرعه الإعلامية في هذا السجال ؛ ليغطي من جانب آخر على فشل السيسي في التعامل مع أي من ملفات الاقتصاد أو الأمن القومي المصري منذ مجيئه للحكم على ظهر دبابة.
والمفارقة أن "اعلام الانقلاب"، الذي ينصح المصريين بألا ينبشوا في ماضي أي متوف ممن أيدوا الانقلاب، لم يتورع عن شن حملات هجوم متدنية تتضمن كما هائل من الاكاذيب عن الرئيس الشهيد، بعدما بدأ المصريون يقارنون بين أداء السيسي وتنازله عن أمن مصر واراضيها وسيادتها، وفشله في السياسات الخارجية، وإفقاره المصريين، وبين الرئيس مرسي الذي قاد البلاد في ظروف صعبة وكان نموذجا للوطنية والنزاهة؛ فبدأ تشويه الحقائق ونشر قصص كاذبة عن تنازلات للرئيس وهمية للرئيس مرسي هي في حقيقتها تنازلات السيسي.
وعلى عكس ما فعله السيسي من رهن إرادة مصر للصهاينة والسماح لهم بالعربدة في سيناء وتطوير التعاون لعسكري بين الجيش المصري والصهيوني لأول مرة في التاريخ، رفض الرئيس مرسي مجرد ذكر كلمة (اسرائيل) على لسانه ليؤكد من البداية أن مصر ترفض أي تطبيع مع الاحتلال رغم وجود اتفاق سلام وقعه رؤساء سابقين.
وسبق أن كشف تقرير نشرته مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" أن رعب قائد الانقلاب "السيسي" الدائم من احتمال اندلاع أعمال احتجاج واسعة النطاق ضده، دفعته إلى تعزيز تحالفه مع الاحتلال الصهيوني بدلا من تلبية مطالب شعبه.
وذكر التقرير أن "قلقُ نظام السيسي المسكون بهاجس البقاء (في السلطة) هو الذي يُملي في شكل أساسي السياسة الخارجية المصرية في الوقت الراهن".
وقال الباحث الإسرائيلي أهود عيلام: "إسرائيل ترى في السيسي فرعون صديق لأنه يتعامل مع الإسلاميين بدون أدنى اعتبار لمتطلبات حقوق الإنسان، لذا يتوجب مساعدته وتدعيم استقرار نظامه للحفاظ على اتفاقية السلام".