دعوات ترحيل اللاجئين من مصر.. من يقف وراءها؟ ولماذ؟
السبت - 13 يناير 2024
- خبراء: الحملات "الهاشتاجية" لطرد اللاجئين خطة حكومية مدبرة لتحصيل "عملة صعبة"
- الدولة تعلق فشلها على المهاجرين وتستخدمهم كورقة ضغط لابتزاز الحكومات الأوروبية
- اللاجئون في مصر 473 ألفا فقط والحكومة تزعم أنهم 9 ملايين بإضافة أعداد المهاجرين
- كثير من أصحاب الأموال سيضطرون للخروج من مصر مما يفقدها موارد مهمة ويفاقم البطالة
إنسان للدراسات الإعلامية – وحدة الرصد:
على مدى الأيام الأخيرة، تصدرت وسوم "مقاطعة محلات السوريين"، "ترحيل السوريين واجب وطني"، "مش هانشتري غير من المصري"، وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، داعية إلى ترحيل اللاجئين السوريين من مصر، بدعوى أنهم سبب الأزمات الاقتصادية وتدهور مستوى المعيشة في مصر، وأن الدولة تحملتهم لمدة تزيد على 10 سنوات منذ اندلاع الثورة السورية، على حساب شعبها، حسب ما يتداوله المغردون، المدفوعون في الغالب بأوامر مخابراتية.
من يقف وراء الحملة؟
دعت هذه الحملة المفاجئة والمكثفة موقع "الحرة" إلى طرح سؤال، يوم 9 يناير 2024، يقول: بعد حملة الهاشتاغات.. هل تعيد الحكومة المصرية النظر في وضع المهاجرين؟، على رأس موضوع يناقش الأسباب والتداعيات.
واتضح لوسائل إعلام أخرى ومحللين أن العديد من الحسابات التي تتحدث عن رفضها لوجود اللاجئين في مصر، وخاصة السوريين، لا تحمل أسماء مستخدمين حقيقيين، إلا أن تغريداتها وجدت تفاعلا من قبل الكثيرين في مصر.
وقد نشر "مجتمع التحقق العربي" تحليلاً تناول الفترة من ١ أكتوبر ٢٠٢٣ إلى ٦ يناير ٢٠٢٤، يؤكد أن ٤٥ ألف حساب قد شاركوا في الحملة، وأن المشاركين هم حسابات ومجموعات قومية التوجه، إلى جانب حسابات مؤيدين لقائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي.
واتضح أن إطلاق "الهاشتاجات"، سبق بقليل تحركا حكوميا مصريا بـ"تقنين أوضاع اللاجئين"، من خلال فرض رسوم عليهم بالدولار ووجود كل منهم في كفالة مصري، كما هو النظام المتبع في دول الخليج.
وبعد تصاعد الحملات بشكل يبدو ممنهجا، أعلن مجلس الوزراء المصري، في اجتماع حكومي، يوم الاثنين ٨ يناير ٢٠٢٤، عن بدء تدقيق أعداد اللاجئين في مصر، وحصر وتجميع ما تتحمله الدولة من تكلفة لرعايتهم.
وأشار رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، في مستهل الاجتماع، إلى أن أعداد "اللاجئين"، تصل طبقا لبعض التقديرات الدولية إلى أكثر من ٩ ملايين ضيف، وطالبهم بسرعة تسجيل أماكن إقامتهم.
لكن هذا الرقم يشمل المهاجرين واللاجئين معًا، وليس اللاجئين فقط، الذين بلغ عددهم ٤٧٣ ألفا فقط بنهاية ديسمبر 2023. وبالتالي تصبح تصريحات رئيس الوزراء بوجود ٩ ملايين لاجئ بمصر مضللة وغير صحيحة.
وبعد اجتماع مجلس الوزراء، رشحت في الصحف والمواقع القريبة من الحكومة أو المساندة لها في الخارج عناوين مثل: متحدث الوزراء: إصدار تصاريح عمل شرعية للاجئين خلال أسبوعين (الدستور)، مصر تحصي اللاجئين من مختلف الجنسيات وكلفة رعايتهم(روسيا اليوم)، لأول مرة منذ سنوات.. الحكومة تتخذ خطوات هامة تجاه اللاجئين في مصر (مزيد).
وهناك العديد من العناوين الأخرى في صحف محلية ودولية، تناولت القضية من زوايا مختلفة، ومن ذلك: "تعرف على عدد اللاجئين في مصر ومناطق تركزهم وفترات إقامتهم .. أرقام تكشفها الحكومة لأول مرة" (الشروق)، "الحكومة تبدأ تدقيق أعداد اللاجئين وتكلفة ما تتحمله الدولة من خدمات لرعايتهم" (مؤشر)، "مصر تعلن تدقيق أعداد اللاجئين لـ"تقدير ما تتحمله الدولة" بعد حملة مناهضة على الشبكات الاجتماعية" (Cnn بالعربية)، "مصر تحصر أعداد اللاجئين على أراضيها وتكلفة إقامتهم" (الشرق الأوسط)، «قد يكون حصر الأعداد بشكل مبدئي خلال أسبوعين مقبلين».. ما هو مصير أوضاع اللاجئين في مصر؟ (المصري اليوم)
هنا يتضح أن خطة فرض رسوم على اللاجئين كانت مدبرة "حكوميا" وتم التمهيد لها بهذه الحملة "الهاشتاجية" عن طريق أجهزة الأمن والمخابرات العامة المصرية.
ما سر هذا التوقيت؟
لم تكن هذه الحملة الموجهة هي الأولى من نوعها، لكنها الأوسع انتشارا، حيث تعرض اللاجئون في مصر للعديد من الحملات السابقة أبرزها في سبتمبر 2020 حين شن نشطاء هجومًا على المشروعات السورية في مصر، إلا أن انتشار دعوات ترحيل اللاجئين في الوقت الحالي بالتحديد تقف وراءه عدة أسباب، بحسب محللين:
أولاً: تتخذ الحكومة المصرية ملف اللاجئين كشماعة لتعليق فشل النظام في إنجاز الكثير من القضايا عليها، وتوجيه الشارع المصري إلى أن أعداد اللاجئين الكبيرة تزاحم المصريين في مواردهم المحدودة.
ثانياً: أن اجتماع الحكومة السريع ومخرجاته يعد دليلاً على اتجاه السلطات إلى اتخاذ إجراءات قوية تجاه اللاجئين في الفترة المقبلة، أو استخدامهم كورقة للتفاوض مع المنظمات الدولية على قروض ومنح جديدة أو الضغط على الاتحاد الأوروبي بورقة الهجرة غير الشرعية لابتزازه في جلب منح ومساعدات جديدة.
ثالثاُ: أن تلك الحملات تهدف إلى سحب البساط من المحتوى الفلسطيني على مواقع التواصل، والذي يفضح مجازر الاحتلال في غزة، في حين ذهب البعض الى أنها تهدف لتوجيه الرأي العام المصري بعيدا عن حملات المقاطعة للعلامات التجارية المساندة للاحتلال، والتي حققت نجاحاً باهراً، ينذر بتكوين إرادة شعبية قد تستخدم ضد النظام.
لكن الإعلام المصري تناول الموضوع من زاوية أن الدولة تتحمل أعباء مالية باهظة لرعايتهم، فقرأنا مثلا هذا العنوان "الحكومة تكشف الهدف من حصر أعداد اللاجئين والمقيمين: الدولة تتحمل المليارات لرعايتهم" (فيتو).
والحقيقة هي أن اللاجئين في مصر يعتمد كل منهم على موارده الخاصة أو عمله، ومنهم عدد غير قليل من رجال الأعمال الذين بدأوا أنشطة في مصر وشغّلوا عمالة مصرية وكانوا سببا في إنعاش الاقتصاد وليس العكس.
الإعلام يساند الحكومة
بتتبعنا لتوجهات الإعلام المصري في هذه القضية، لاحظنا أن إعلام النظام وقف مؤيداً للحكومة في قراراتها، ومدافعاً عما أسماه "حقوق المصريين في وطن لهم وحدهم"، وكان من أبرز المدافعين عن تلك الوسوم، الإعلامي المقرب من النظام أحمد موسى الذي أكد أن مصر تحملت الكثير في قضية اللاجئين وأن أعدادهم في مصر توازي أعداد سكان ٣ دول بالاتحاد الأوروبي! ويظهر ذلك في العناوين التالية: "تحملنا الكثير".. أحمد موسى يكشف سبب اتجاه الحكومة لتقنين أوضاع اللاجئين (مصراوي)، "أحمد موسى: عدد اللاجئين في مصر يوازي سكان 3 دول بالاتحاد الأوروبي"، "9 ملايين ضيف| قرار عاجل من الحكومة بشأن اللاجئين في مصر.. حصر تكلفة الإقامة، الاتجاه لإصدار 9 ملايين بطاقة مميكنة لـ اللاجئين في مصر.. اعرف التفاصيل"، "الحكومة: الدولة تتحمل المليارات من أجل اللاجئين بمصر ويحصلون على كافة الخدمات" (صدى البلد)، "5 محافظات تستوعب أكثر من النصف.. خريطة تمركز 9 ملايين مهاجر ولاجئ يعيشون في مصر" (المصري اليوم)،
"المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: تقنين أوضاع اللاجئين قرار موضوعي ورأي حكيم وفي توقيت مناسب"، "الحكومة: قواعد محددة لتقنين أوضاع ضيوف مصر من اللاجئين ستصدرها وزارة الداخلية" (الشروق)
انتقادات خارجية واسعة
في المقابل، تناولت مواقع إخبارية عالمية القضية بشكل موضوعي، حيث انتقدت استهداف اللاجئين في هذا التوقيت بالتحديد، وأخرى أكدت وقوف لجان النظام الحاكم وراء تلك الدعوات لتعليق فشله عليها، كما فرقت تلك المواقع بين اللاجئ، والمهاجر ولم تدمجهم كما فعلت المواقع المقربة من النظام. ويظهر ذلك في العناوين التالية: "حملات استهداف اللاجئين في مصر.. ما الهدف منها في هذا التوقيت؟" (نون بوست)، "حين باتت الشاورما السورية خطرا على أمن مصر القومي" (اندبندنت عربية)، "عن توقيت دعوات مقاطعة محلات السوريين في مصر" (الخليج الجديد)، "لأول مرة منذ سنوات.. مصر تدقق بإقامات 9 ملايين مهاجر ولاجئ" (القدس العربي)، "الحكومة تستعرض ملف اللاجئين وتبدأ في حصر تكلفته على ميزانية الدولة" (مدى مصر)، "مصر تبدأ بتدقيق أعداد اللاجئين لديها وتكلفتهم.. دعت أكثر من 9 ملايين مهاجر لتسجيل أماكن إقامتهم" (عربي بوست)، "حملة جديدة ضد السوريين في مصر: شماعة لأزمات الدولار والغلاء"، "مصر تطالب الوافدين غير النظاميين بألف دولار لتسوية أوضاعهم"، "كيف مهدت لجان النظام الإلكترونية لقرارات حكومية بشأن اللاجئين في مصر؟" (العربي الجديد)
كل ما سبق يؤكد أن الأزمة الاقتصادية الضاغطة في مصر، كانت السبب الرئيس في ظهور حملات الهجوم على اللاجئين، وأن الحكومة كانت وراءها، بهدف جمع دولارات هي في حاجة إليها، لكن في المقابل سيدفع هذا السلوك الحكومي العديد من اللاجئين والمهاجرين إلى ترك مصر بحثا عن مكان أفضل، فتحرم الدولة بذلك من الدولارات التي كانت تسعى لتحصيلها، كما أن رجال الأعمال، السوريين وغيرهم، سيفكرون بجدية في نقل أعمالهم إلى خارج مصر، وهو ما سوف يضيع على الدولة موارد كانت تحصل عليها من الرسوم الحكومية ومن ناتج تصدير منتجات بعض المصانع، بخلاف تسريح آلاف العمال وتفاقم البطالة.
إنه – على كل حال- تفكير قصير النظر ومحدود الأفق، وينم عن المستوى المتدني الذي وصلت إليه الدولة المصرية ومن يحكمها.