"طوفان الأقصى" و"قمة القاهرة للسلام"..الخطاب الرسمي العربي يخذل المقاومة

السبت - 18 نوفمبر 2023

 

 

  • رغم الإنجاز الذي حققته المقاومة الفلسطينية صبيحة 7 أكتوبر لم يتقدم الحكام العرب خطوة للأمام
  • قمة القاهرة ساوت بين الجلاد والضحية وأثبتت أن النظام الرسمي العربي عاجز ولا يفكر خارج الصندوق

 

إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:

رغم الإنجاز التاريخي الذي حققته المقاومة الفلسطينية، في 7 أكتوبر 2023، ضد الاحتلال الصهيوني بعملية "طوفان الأقصى"، لم يتقدم الحكام العرب خطوة للأمام بناء على هذا الإنجاز، ولم يقرؤوه بشكل صحيح، فراوحت طروحاتهم العسكرية والأمنية والسياسية للحدث مكانها، وتجمدت رؤاهم في "قمة القاهرة الدولية للسلام" 2023، التي شهدتها العاصمة المصرية اليوم، عند طروحاتهم في قمة بيروت 2002 وبنفس النصوص تقريبا، حيث وافق حينها الملوك والأمراء والرؤساء العرب على مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للسلام، وكان حينها وليًا للعهد، لتصبح مبادرة عربية للسلام، وتنص على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب "إسرائيل" من هضبة الجولان السورية المحتلة، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، مقابل اعتراف الدول العربية بـ"إسرائيل"، وتطبيع العلاقات معها، وهو ماحدث من طرف الدول العربية ولم يقابله أي شئ من طرف الاحتلال حتى الآن.

الموقف العربي يراوح مكانه

الموقف العربي ما زال يراوح مكانه بعد مرور كل تلك السنوات، ورغم التغيرات الجذرية في مستوى المقاومة للمحتل.. اتضح هذا جليا في كلام الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في قمة القاهرة اليوم، الذي قال نصا: " نؤكد أن السلام يتحقق بتنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967، وإنهاء الاحتلال وحل قضية اللاجئين". قال أيصا: "نجدد رفضنا الكامل لقتل المدنيين من الجانبين وضرورة إطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين".

الكلام نفسه كرره الزعماء العرب أو ممثلوهم ممن حضروا قمة القاهرة، فركزوا على فكرة "حل الدولتين" و "توفير الحماية للمدنيين الأبرياء من الجانبين"، رغم أن المدنيين من الجانب الصهيوني محتلين ومسلحين، ومن الجانب الفلسطيني مقاومين شرعيين.

عباس، ومعه حكام العرب، يصرون على إهداء الاحتلال دولة مجانية، ويتغاضون تماما عن الجرائم المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، ويساوون بين المحتل وصاحب الأرض، رغم أن الخبرات التاريخية الممتدة عبر قرن تقريبا منذ وصول العصابات الصهيونية لأرض فلسطين، تؤكد أن الاحتلال لم يستجب لأي مطلب فلسطيني، ولم يف بوعوده إطلاقا في أي اتفاقات وتسويات تمت مع الجانب الفلسطيني، وآخرها اتفاقية أوسلو، التي وقعها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحاق رابين يوم 13 سبتمبر 1993، وأُنشِئت بموجبها السلطة الفلسطينية، وحددت مهلة من 5 سنوات إلى 30 عاما لتسوية وضع الدولتين، فتحول هذا التأجيل إلى حالة عزل وتهميش للقدس، وانقضت الثلاثون عاما دون إحراز أي تقدم، بل بالعكس تصاعدت جرائم الاحتلال في الأقصى والقدس وسائر الأراضي الفلسطينية.

شروط صهيونية وانصياع دولي

واليوم، وفيما كانت أصداء الكلمات تتردد في القاعة الفخمة التي احتضنت قمة القاهرة، بدأ تحرك الدفعة الأولى من قافلة المساعدات الإنسانية من الحدود المصرية باتجاه غزة، بشكل محدود وعلى استحياء وبقيود وشروط صهيونية مشددة، في تحد سافر لكل الزعماء الموجودين بالقاعة، بل قالها المتحدث باسم جيش الاحتلال صراحة: "لن نسمح بدخول الوقود إلى قطاع غزة"،  ودعا مجددا سكان شمال قطاع غزة إلى الإخلاء إلى الجزء الجنوبي منه، كما ضاعف الاحتلال من حجم غاراته الجوية التدميرية على سكان غزة وفي كل مناطقها، وعداد الشهداء قد يصل اليوم إلى المئات، كما حدث في الأيام الثلاثة الماضية.

أي أن الألة الصهيونية تعمل لفرض معادلة جديدة على الأرض، ولا تهتم بأي مناشدات دولية، في حين يتحدث زعماء القمة – بلا استثناء-  عن تسوية بين المحتل والسلطة الفلسطينية (وليس المقاومة صاحبة الإنجاز) يتكافأ فيها الطرفان تماما!

لماذا قمة القاهرة للسلام؟

والسؤال: لماذا قمة القاهرة للسلام، في ظل صلف صهيوني غير مسبوق ومجازر ترتكب في غزة على مدار الساعة؟

بالطبع لايقدح القادة االعرب من زنادهم، ولا يمكن أن يقبل السيسي قائد الانقلاب في مصر، على خطوة كهذه ويدعو لانعقاد المؤتمر إلا بأمر وضوء أخضر أمريكي صهيوني، ليس إشفاقا على الفلسطينيين وسعيا لحقن دمائهم ولكن إنقاذا لماء وجه العدو المحتل الذي مرغت المقاومة الفلسطينية أنفه في الوحل بضربة "طوفان الأقصى"،التي تعدّ نقلةً مذهلةً في شكلها ونتائجها وآثارها ليس على الأراضي الفلسطينية فقط، وإنّما على الإقليم بكامله.

وظهر جليا في القمة،  التي شاركت بها 31 دولة و3 منظمات دولية، بجانب عدد من الشخصيات الاعتبارية في العالم، أن الجميع يتحدثون خارج سياق معادلة الواقع الجديد الذي فرضته المقاومة..وباستعراض كلمات القادة والوزراء وممثلي الدول المشاركين في القمة، نجد أنها ركزت على المحاور التالية:

  • تجديد الدعوة لوقف إطلاق النار من أجل تحقيق السلام على أساس حل الدولتين.
  • التوافق بشأن خريطة طريق لإحياء مسار السلام وحصول الفلسطينيين على حق تقرير المصير
  • التحذير من عمليات طرد وتهجير الفلسطينيين من غزة والقدس والضفة الغربية ورفض أي دعوات للنزوح.
  • رفض استهداف للمدنيين "أينما كانوا" ودعوة "إسرائيل" للالتزام باحترام القانون الدولي.
  • وضع آلية للتحقق من التزام مختلف الأطراف بالوصول إلى سلام شامل.

وكان الاستثناء الوحيد هو كلمة ولي العهد الكويتي مشعل الأحمد الجابر الصباح الذي ركز على نقاط مهمة، فقال:

  • "المجتمع الدولي يتعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية بمعايير مزدوجة"
  • "التطورات في غزة تحمل تداعيات خطيرة على المنطقة والعالم كله".
  • "نجدد إدانتنا لما ترتكبه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من اعتداءات، وندعو لحماية المدنيين".

كما امتنعت الجزائر عن حضور القمة بسبب ما تردد عن مشاركة وفد "إسرائيلي" فيها، رغم تلقي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، دعوة رسمية من السيسي.

وفي كل الأحوال لم يُسمع في "قمة القاهرة للسلام" صوت واحد من أنظمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، يهدد بقطع العلاقات وطرد السفراء، ولم يُسمع عموما صوت تهديد باستخدام القوة في وجه المحتل حال استمر العدوان على غزة، أو حتى وقف صادرات البترول الذي تمتلك الدول العربية 54.3% من احتياطياته عالميا، وفقا لتقديرات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك).

بهذا ساوت "قمة القاهرة للسلام" بين الجلاد والضحية وأثبتت أن النظام الرسمي العربي عاجز ولا يفكر خارج الصندوق أو لا يريد أساسا أن يفكر، ويخذل المقاومة رغم نصرها التاريخي الذي يمكن استثماره في هذه اللحظة الفارقة.

ويرجع هذا لخوف الأنظمة- غير الشرعية في معظمها- من تهديد وجودي سيطاردها إن هي استثمرت نجاحات المقاومة وبنت عليها مكاسب جديدة للقضية الفلسطينية، خاصة أن هذه الأنظمة محمية دوليا من أمريكا والغرب، وتؤدي أدوارا وظيفية في خدمة المشروع الصهيوني على حساب شعوبها.

من ثم فإن تحرر الشعوب العربية من قبضة الاستبداد، والإسناد الشعبي العربي والإسلامي الدائم للمقاومة هما مفتاح الحل الحقيقي للقضية الفلسطينية وصولا إلى تحرير الأرض والمقدسات، وليس بعقد قمم تلو أخرى، تنتهي إلى مزيد من التنازلات للصهاينة وتمكين الطغاة.