الشعب يؤمن بأن المظاهرات وحدها لا تكفي: كيف تحولت فلسطين إلى قضية مركزية في الوعي التركي؟
الثلاثاء - 14 أكتوبر 2025
الصحفي توران قشلاكجي والفنان مليك كايا في جلسة حوارية بمركز"إنسان للإعلام":
- حروب غزة لم تتوقف منذ أكثر من قرن.. وإحداها كانت سببا في سقوط الدولة العثمانية
- المنظمات التركية الداعمة لفلسطين تضاعف عددها من 4 إلى ما يزيد على 100 خلال 15 عاما
- الصهيونية لم تكن فكرة يهودية أصلاً.. بل أنشأها البروتستانت لطرد اليهود من أوروبا إلى فلسطين
- الإعلام والفن سلاحان بالغا التأثير.. واليهود أدركوا هذه الحقيقة مبكراً وأنتجوا 250 فيلماً عن الهولوكوست
- الضمير العالمي عاد من جديد.. والفن أصبح وسيلة مقاومة أخلاقية بعد أن كان أداة بيد الصهاينة
"إنسان للإعلام"- فريق التحرير:
ضمن سلسلة فعاليات صالونه الثقافي، نظم مركز "إنسان للدراسات الإعلامية" جلسة حوارية، الاثنين 13 أكتوبر 2025، استضاف فيها الكاتب والإعلامي التركي توران قشلاكجي، مؤسس القسم العربي بوكالة الأناضول ومؤسس بيت الإعلاميين العرب ، والفنان التركي مليك كايا، بحضور فريق عمل المركز.
استهلت مي الورداني، مديرة مركز إنسان، حديثها بالتعريف بالمركز ورسالته، وتناول الحوار عدداً من قضايا الأمة، في مقدمتها القضية الفلسطينية والملف السوري وقضية السودان، والتعتيم الإعلامي على الانتهاكات التي تُمارس ضد المسلمين.
القضية الفلسطينية في الوعي التركي
بدأ توران قشلاكجي حديثه عن قضية فلسطين والأحداث التي عاشتها غزة منذ انطلاقة "طوفان الأقصى" وحرب الإبادة الصهيونية، فأكد أن قضية فلسطين كانت وما زالت ذات أولوية في الصحافة التركية وعند أغلب فئات المجتمع بمختلف توجهاته، موضحاً أن المحافظين والإسلاميين في المجتمع التركي، وكذلك الشيوعيين، كان لديهم اهتمام كبير بالقضية الفلسطينية وكانت تغطيتهم جيدة جداً، ولكن هناك فئة من العلمانيين لم يكن لديهم اهتمام بالقضية.
وقال: إن الشعب والإعلام والحكومة لديهم قناعة بأن تركيا تُعد هدفاً مستقبلياً لإسرائيل، لذلك فالقضية حية في وعي تركيا كدولة منذ أيام الرئيس بولانت أجاويد والحكومات التركية المتعاقبة، حتى وإن كانت صامتة إلا أنها تنتبه لهذا الأمر.
وتطرق إلى أن الرئيس الأسبق بولانت أجاويد، وهو علماني، كان له كتاب عن "القضية الفلسطينية"، وهو أول من فتح قنصلية فلسطينية في تركيا رغم أن الغرب آنذاك كان يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، بل طلب من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ترجمة بعض الكتب عن "القضية الفلسطينية" إلى اللغة التركية، من خلال السفير الفلسطيني في أنقرة آنذاك.
وحول وقف إطلاق النار ودور الإعلام التركي والعربي في إعادة الإعمار، أوضح أنه قبل 15 سنة تقريباً كان هناك 4 منظمات أهلية تركية تهتم بالقضية الفلسطينية والدعم لفلسطين، والآن وصل عددها إلى ما يزيد على 100 جمعية ووقف، تقدم كافة أشكال الدعم لمختلف الفئات دون تفرقة، لذلك هناك نشاط كبير جداً هذه الأيام حول هذا الأمر.
واستطرد قائلاً: الشعب التركي كان دائماً داعماً للقضية الفلسطينية حتى إنه في أيام المظاهرات والفعاليات كان حزيناً لأن المظاهرات وحدها لا تكفي، ولأنه لم يكن أمامه أي مجال للدعم سوى بهذه الفعاليات، وكان يود أن يفعل أكثر.
وأوضح "قشلاكجي" أنه لو فُتح المجال للشباب للذهاب إلى فلسطين لذهب آلاف الشباب، وهناك شباب من كل المدن التركية كانوا سيذهبون عن طريق سوريا ولبنان، ليس فقط من تركيا، وفي أسطول الصمود كان هناك عدد من المشاركين الأتراك من كل الفئات.
هكذا نشأ حُلم "إسرائيل الكبرى"
وعند سؤاله عن حُلم "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل"، وهل هذا الحلم يمكن تحقيقه؟ أوضح أن الصهاينة لديهم هذا المشروع، ولكنه منذ البداية لم يكن هدف اليهود بل هدف البروتستانت الأوروبيين الذين خططوا لإرسال اليهود من هناك إلى فلسطين ليسرعوا بمجيء عيسى عليه السلام، بحسب عقيدتهم
وأضاف "قشلاكجي": دائماً ما يُقال إن اليهود وراء كل شيء، ولكن حقيقة الأمر أن البروتستانت هم أسبق من اليهود في كل شيء، فقد عاش اليهود في فرنسا وألمانيا، ثم تم إرسالهم إلى فلسطين ضمن مشروع صهيوني بدأ قبل 150 عاماً.
وأوضح أن هناك فئة من اليهود يعارضون هذا الأمر، ومنهم المؤرخ نعوم تشومسكي، ولكن أكثرهم نائمون لأن الدعم يأتي من الغرب، واستطرد قائلاً: إن المسألة اليهودية مسألة أوروبية بالأساس، موضحاً أن فكرة الصهيونية لم تكن من اليهود أصلاً، بل أنشأها الغربيون لطرد اليهود من أوروبا ودفعهم إلى الاستيطان في فلسطين.
وأكد أن المسألة اليهودية لم تكن أيضاً مشكلة العرب أو المسلمين، بل كانت أزمة أوروبية بحتة، والأوروبيون أرادوا التخلص من اليهود، فأرسلوهم إلى الشرق الأوسط.
واستشهد برأي المفكر الفرنسي الراحل روجيه جارودي، من أن الغرب استغل اليهود، ففي السابق كانت بريطانيا تستغلهم، أما اليوم فأمريكا هي من تستعمل اليهود كأرخص جيش متاح لديها، حيث يتم دعمهم سنوياً بالأموال، الأمر الذي يجعلهم أقرب إلى جنود مرتزقة.
وفي هذا السياق تحدّث عن الكاتب والمؤرخ "شلومو ساند" وكتابه "كيف أصبحت الأرض المقدسة وطناً؟"، موضحاً أن مفهوم الوطن بالنسبة لليهود هو مفهوم مستحدث، فالله وصف هذه الأرض بأنها مقدسة لليهود والمسيحيين والمسلمين، ولم يصفها بأنها "وطن" لليهود، ومن هنا فإن فكرة الوطن القومي اليهودي هي فكرة جديدة نسبياً، ولم يكن لليهود وطن أصلاً في التاريخ القديم.
وأكد "قشلاكجي" أن هناك حقيقة مهمة يجهلها كثيرون، هي أنه خلال الحرب العالمية الأولى بين عامي 1914 و1918، دارت حروب في عامي 1917 و1918 داخل أراضي الدولة العثمانية من أجل غزة تحديداً، مثل حرب جناق قلعة، وحرب كوت العمارة، وحروب غزة، وهناك ستة أو سبعة مواقع شهدت معارك آنذاك، من بينها سيناء، في حين كانت المعركة الأخيرة في غزة، مضيفاً: "لو لم يُهزم الجيش العثماني في غزة لما سقطت الدولة العثمانية كلها".
وتابع بالقول: في عام واحد فقط، وقعت ثلاث معارك تُعرف بحروب غزة الأولى والثانية والثالثة، وانتصر العثمانيون في الحربين الأولى والثانية، لكنهم خسروا المعركة الثالثة، الأمر الذي أتاح لبريطانيا دخول الأراضي المقدسة.
وفي معركة غزة الثالثة، استُشهد حوالي 40,000 جندي عثماني، وأُسر نحو 77,000 إلى 80,000 جندي، وتوجد مقابر لهؤلاء الشهداء في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم، منها مصر، وغزة، وبورما، وألمانيا، والهند، وغيرها، وكل ذلك بسبب حرب غزة في عهد الدولة العثمانية.
الفن وتجسيد قضايا الأمة
تحدث في الجلسة أيضاً الفنان التركي مليك كايا، حول دور الفن والسينما في تجسيد آلام وقضايا الأمة، موضحاً أنه حتى تاريخ 7 أكتوبر 2023 – معركة طوفان الأقصى – كان الفن في يد الغرب المنحاز لإسرائيل، وبالتالي لم يكن هناك أي مساحة لإنتاج عمل فني يتعاطف مع فلسطين، فالغرب – بحسب رأيه – يسيطر على السينما والإعلام على مستوى العالم.
أضاف: كان هناك عمل فني يُصوّر ما يحدث في غزة حتى يوم 7 أكتوبر، ولكن عندما وصل إلى الحلقة العاشرة تم منعه ورفعه من النشر، وكان الإعلام الغربي يعمل دائماً على منع أي عمل فني يُظهر حقيقة ما يجري في فلسطين.
وبيَّن أن قضية فلسطين كانت مجرد خبر عابر في الصحافة الغربية، إلا أن معركة "طوفان الأقصى"، وبعد نشر الصور والمشاهد المروعة التي تحدث للمدنيين في غزة على وسائل التواصل الاجتماعي، حرّكت الضمير الإنساني في أوروبا وأمريكا لأن المشاهد لا يمكن تزويرها.
وأشار "كايا" إلى أن هناك وعياً جديداً في الغرب، وبدأ الفنانون يتحركون، فبعد أحداث الطوفان وقّع أكثر من خمسة آلاف فنان ومخرج ومنتج من هوليوود وأوروبا وأمريكا على بيان أعلنوا فيه رفضهم التعامل مع الشركات الداعمة لإسرائيل، مؤكدين أن ما ترتكبه إسرائيل هو جريمة ضد الإنسانية، وهو ما يؤكد أن الضمير العالمي بدأ يعود من جديد، والفن أصبح وسيلة للمقاومة الأخلاقية بعد أن كان أداة بيد الصهاينة.
وتداخلت مي الورداني، مديرة مركز إنسان، موضحة أن المركز نظم عدداً من الفعاليات لتوضيح وتوثيق ما حدث في غزة، وأصدر كتاباً بعنوان "التعبئة الدرامية ضد ثورة يناير"، تناول كيف تستغل الأنظمة الديكتاتورية الأعمال الفنية لتشويه المعارضين، وتصويرهم أمام الشعوب على أنهم إرهابيون.
وهو رأي توافق مع رأي الفنان التركي، حيث أضاف: "نعم صحيح، فالإعلام والفن سلاحان بالغا التأثير، وقد أدرك اليهود هذه الحقيقة مبكراً، إذ أنتجوا منذ عام 1946 أكثر من 250 فيلماً ووثائقياً عن الهولوكوست، بمعدل ثلاثة أفلام سنوياً، لتكريس صورتهم كضحايا وترسيخ روايتهم في وعي العالم.
وقد لاقوا في ذلك دعماً واسعاً من الغرب، الذي ما زال يساندهم حتى اليوم؛ فالمخرج الأمريكي الشهير ستيفن سبيلبرغ أعلن في نوفمبر 2023 عن إنتاج فيلم جديد يتناول "الناجين من 7 أكتوبر"، استمراراً لمحاولاتهم توظيف السينما في خدمة روايتهم.
أما نحن، فعلى الرغم من معاناتنا الطويلة، لم ننجح بعد في إنتاج أعمال فنية تُظهر حقيقة ما يجري في فلسطين والعالم الإسلامي، بسبب ضعف الإمكانات الإعلامية والتضييق الذي يواجه كل من يحاول إيصال الحقيقة.
الصحفيون العرب في تركيا
وفي معرض الحديث، تطرق فريق عمل "مركز إنسان" إلى تجربة الصحفيين العرب المقيمين داخل تركيا وما قد يعانيه البعض من عُزلة مهنية وندرة فرص العمل، وكيف كانت تجربة "قشلاكجي" في تأسيس بيت الإعلاميين؟
وأوضح الكاتب الصحفي توران قشلاكجي أنه بعد عام 2009 حاول تأسيس أربع جمعيات، أولها بيت الإعلاميين العرب، والثانية للفنانين العرب في المهجر، والثالثة للرياضيين، والرابعة كانت جمعية نسائية، لكنه لم يتمكن من تحقيق النجاح الكامل، لأن بعض المسؤولين في حزب العدالة والتنمية بعد 25 سنة في الحكم – حسب قوله – أصبحوا يخافون من المشاكل ولا يريدون تحمل مسؤولية حلها.
وأضاف: كنا نذهب إليهم نطلب الدعم لحل مشاكل الصحفيين العرب المقيمين هنا، مثل صعوبة الحصول على بطاقات العمل أو معادلة الشهادات، لكنهم يخشون أن يُحسب عليهم هذا الموقف سياسياً، رغم أن هدفنا كان واضحاً، وهو مساعدة الصحفيين العرب والمبدعين ليكون لهم كيان حقيقي داخل تركيا، وأن نربطهم بالمجتمع التركي، ولكن هذا يحتاج إلى شجاعة سياسية وإدارية أكبر.
وقال: إن العالم الغربي يهاجم المجتمعات الإسلامية من خلال المرأة، ومن هنا أردنا أن نؤسس حركة نسائية مضادة لتكون صوت النساء المسلمات وليدافعن عن قضايا الأمة، وكذلك توضيح ما تواجهه المرأة في العالم الإسلامي من تحديات في مناطق جغرافية متفرقة من إندونيسيا إلى نيجيريا والسودان وغزة.
وتابع "قشلاكجي": "أردنا أن نُسمع صوت النساء اللاتي يتعرضن للقتل في فلسطين والسودان وغيرها، وأن نُظهر للعالم الحقيقة بعيداً عن إعلام الغرب المنحاز".
وفي نهاية الجلسة أهدت مي الورداني درع "مركز إنسان" للضيفين، ووجهت لهما الشكر على قبول الدعوة لهذه الجلسة.