"هولوكوست 2013".. كيف روّج عسكر مصر روايات كاذبة عن مذابحهم بحق الشعب؟
السبت - 15 يوليو 2023
- خطة العسكر للسيطرة على الحكم والثروة كانت القتل بكافة أساليب البطش والسلاح
- 5 مذابح في يوليو: الحرس الجمهوري ورمسيس الأولى والمنصورة والمنصة والقائد إبراهيم
- السيسي ارتكب 17 مذبحة ضد المعارضة منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013 وحتي 2014
- إعلام السلطة ورجال الأعمال قلب الحقائق وزعم أن مذبحة الحرس الجمهوري "هجوم إخواني"!
- النظام يرفض التوقيع على اتفاقات أممية لحماية الشعب بحجة "احترام السيادة الوطنية"!
- أكثر من 10 جرائم للانقلاب أبرزها القتل والحرق والتزوير وحماية الفاسدين و عسكرة الدولة
إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:
"هولوكوست 2013"، هو الكلمة المعبرة عما جري عقب الانقلاب العسكري بقيادة عبدالفتاح السيسي على رئيس مصر المنتخب محمد مرسي، في 3 يوليو 2013، فقد كانت خطة العسكر للسيطرة على الحكم والثروة هي القتل بكافة أساليب البطش والسلاح المتوفرة، لذا ارتكبوا عشرات المجازر ضد المصريين الذين هبوا للدفاع عن مكاسب ثورتهم في الحرية والكرامة، لكن الانقلابيين سعوا لتصوير الأمر على أنه "تحرك فردي من الاخوان المسلمين" ليبرروا القتل.
كان هدف الانقلاب العسكري، بعد إعلانه رسميا يوم 3 يوليو واحتجاز الرئيس الشرعي، هو مواجهة انتفاضة الشعب المصري لاستعادة ثورته من جديد بالقوة الباطشة فتم قتل آلاف واعتقال عشرات الألاف وتشريد مئات الآلاف في عدة مجازر.
دفعهم لارتكاب هذه الجرائم الوحشية تجارب التاريخ التي دفعت المصريين للانتفاض والخروج بالملايين في شوارع مصر حفاظا على مكتسبات يناير ونجاحهم في انتزاع حكم مدني بالانتخاب الحر من العسكر.
ورغم القمع والبطش وفرض الانقلاب بقوة الدبابات والطائرات والمدافع الرشاشة إلا أن تضحيات الشعب المصري أثبتت أنها لا تقل عن تضحيات الشعوب الأخرى، بل وأكثر، وأن أنصار جماعة الاخوان والتيار الاسلامي عموما كانوا أكثر من دفع ثمن هذه التضحيات من أجل الحرية.
في شهر الانقلاب (يوليو) فقط وقعت خمس مذابح: الحرس الجمهوري ورمسيس الأولى والمنصورة والمنصة والقائد إبراهيم وذلك على التوالي في أيام 8 – 15 – 20 – 23 – 27 يوليو، كان الرصاص الحي والقنص هو الوسيلة المعتمدة فيها.
كانت المجازر ردا على الانتفاضة الشعبية الواسعة التي شملت كل أركان مصر من شمالها لجنوبها ومن شرقها إلى غربها رفضا للانقلاب، وكان خيار قائد الانقلاب "السيسي" وزمرته من العسكر هو القتل للشعب، لأنه لو فشل سيتم تعليقه وإعدامه في ميدان التحرير، لذا تحرك بكل قوة حتى باستخدام الطائرات الحربية في ميدان رمسيس لقتل المتظاهرين.
كانت أبشع أول هذه المجازر هي مجزرة الحرس الجمهوري، يوم 8 يوليو 2013، التي قتل فيها 61 ساجدا في صلاة الفجر غيلة وغدرا، وإصابة أكثر من 435 آخرين، وفقًا لتقرير أخير لمصلحة الطب الشرعي أمام دار الحرس الجمهوري.
سعي النظام لتوظيف صحف السلطة وبعض المذيعين الموالين له بتصوير الأمر على انه كان محاولة للهجوم على مقر الحرس الجمهوري.
بل وتم اعتقال 650 خلال مجزرة الحرس الجمهوري، بينهم نساء وشيوخ وأطفال، بدعوي اتهامهم في "أحداث العنف والمصادمات الدامية التي وقعت قبالة دار الحرس الجمهوري بعد مهاجمة مجموعات إرهابية مسلحة لأفراد وضباط القوات المسلحة فجر اليوم" وفق رواية صحف السلطة!!
كان المجرم في ذلك الوقت هو وزير الدفاع الحالي محمد زكي، الذي خان الرئيس مرسي وأوهمه بالانتقال الي مقر دار الحرس الجمهوري قبل انقلاب السيسي بيومين؛ بحجة حمايته من المتظاهرين أنصار جبهة الإنقاذ اليسارية التي دعمت الانقلاب، ثم سجنه هناك وساهم في إنجاح الانقلاب وكافأه السيسي بمنصب وزير الدفاع.
ويقول مراقبون إن مجزرة الحرس الجمهوري هي أول حدث أثبت أن الجيش المصري يقتل شعبه.
رددت صحف الانقلاب ما قاله المتحدث العسكري وتجاهلت اعتراضات شيخ الأزهر، الذي انتقد المجزرة التي وقعت للمعتصمين أمام الحرس الجمهوري، وشارك معه علماء من الأزهر.
زعمت الصحف أن ما جري "محاولة اقتحام منشأة عسكرية وقتل ضابط في القوات المسلحة وإصابة جنود في القوات المسلحة ومحاولة قتل عسكريين، وتكدير الأمن العام والسلم الاجتماعي"، وغيرها من الاتهامات الباطلة، برغم أنهم هم الذين قتلوا بالرصاص الحي 61 مصليا بينهم صحفي جريدة الحرية والعدالة عاصم الذي قتله قناص عسكري صوره الشهيد بكاميرته قبل أن يستشهد.
الشهداء "إرهابيون"!!
كانت المجزرة واضحة، حتى أن شيخ الأزهر احمد الطيب أعلن انه سيعتكف حتى انتهاء أعمال العنف في مصر وذلك عقب الاشتباكات الدامية.
طالب الطيب في بيان يوم 8 يوليو 2013 بفتح تحقيق عاجل "لكل الدماء التي سالت" واعلان النتائج أولا بأول على الشعب المصري "حتى تتضح الحقائق وتوأد الفتنة".
ومع هذا زعم الجيش أن "مسلحين هاجموا قواته في المنطقة المحيطة بدار الحرس الجمهوري فجرا وإن ضابطا قتل في الاشتباكات وأصيب 42 آخرون ثمانية منهم في حالة حرجة"!!. وهو ما تبنته صحف السلطة ورجال الأعمال في ظل حالة الكراهية غير المفهومة للإخوان، وأظهر مجندون فرحتهم في الدماء التي سالت.
مالت الصحف المصرية الصادرة صباح اليوم التالي للمجزرة 9 يوليو 2013 في تغطيتها إلى كفة الرواية الرسمية لتوصيف المجزرة التي وقعت أمام مقر الحرس الجمهوري، والتي تشير إلى "مهاجمة مجموعات إرهابية من المسلحين لدار الحرس الجمهوري بالأسلحة النارية، مما أدى إلى تعامل القوات المسلحة معهم"!!.
كان العنوان الرئيسي لصحيفة "الجمهورية" الحكومية يوم 19 يوليو 2023: "إرهابيون حاولوا اقتحام دار الحرس الجمهوري"!!.
أما صحيفة "الأخبار" فنشرت في صفحتها الأولى صورة لجنود يحملون جنديا مصابا وأخرى تبرز بدائرة حمراء محتجا وهو يطلق النار على الجنود!! دون أدني اهتمام بالشهداء الذين قتلهم الجيش وهو 61 شهيدا!!
وقالت جريدة "الأخبار" إن الإخوان كاذبون ويضللون الرأي العام من خلال نشر صور لأطفال سوريين على أنها ضحايا مصريون!!، كما نشرت الصحيفة ذاتها ملفا مصورا عمّا قالت إنه صور اعتداء مليشيات جماعة الرئيس محمد مرسي على الجيش!.
ودعت "الأهرام" في افتتاحيتها الإخوان وكل شركائهم في التيار الديني وكذلك تنظيمهم الدولي إلى الاستجابة للنداءات المخلصة من القوات المسلحة والقوى الوطنية، وأن يكونوا جزءا أصيلا من المرحلة الجديدة، محذرة من أنه إذا استمر "عناد الإخوان" فإن ذلك سيكون له تبعات سيئة لن تحمد عقباها.
أما الصحف الخاصة التابعة لرجال الأعمال والتي كان معظمها معارضا بشدة للرئيس مرسي وهو في السلطة فصارت ربما أكثر مفارقة للحياد إذ جاء العنوان الرئيسي لصحيفة المصري اليوم "الدم الحرام في رقبة الإخوان"!!.وكان عنوان صحيفة الوطن "مؤامرة (الإخوان المسلحون) على الجيش"!!
ووصفت "اليوم السابع" المجزرة بأنها "حرب توريط الجيش"، وزعمت جريدة الشروق أن "الإخوان يلعبون بالدين" وهو "الكارت الأخير"، واعتبرت "الشروق" أن "مصر على أبواب الخطر".
وزعم رئيس التحرير التنفيذي لجريدة "الشروق" عماد الدين حسين في مقاله أن الإخوان قرروا "حرق كل مراكب التفاهم"، وبدؤوا يلعبون بالكارت الأخير وهو الدين، واصفا الأمر بـ"الكذب المفضوح، كما أبدى حسين تخوفه من اتساع دائرة الدم، خاصة بعدما اختار الإخوان التصعيد وإعلان بعضهم "الجهاد" ضد الجيش.، حسب زعمه!!
لكن رئيس تحرير "الشروق" وائل قنديل، الذي خرج من مصر لاحقا بسبب بطش الانقلاب بالصحفيين المعارضين، فندد في مقاله بالشروق حينئذ بعنوان "ثوار كاذبون وعسكر" بما وصفها بالنكبة الحقيقية في الضمائر الثورية المعطوبة التي التزمت الصمت على المجزرة.
وكتبت "اليوم السابع" تقارير عما وصفتها بـ"حقائق تكشف أسرار مؤامرة الدم"، مؤكدة أن جيش مصر ليس "تتارا" ولم يضرب الإخوان أثناء الصلاة، وأن تنظيم الإخوان هو المستفيد الوحيد من تلك الفاجعة.
ونشرت بعض الصحف، كـ"اليوم السابع" ملفا وثائقيا عن سياسة الاغتيالات في تاريخ جماعة الإخوان، ونقلت عن مؤرخين أن الإخوان يعيدون سيناريوهات تنظيم سيد قطب في الستينيات لتدمير الدولة المصرية.
وندد حزب الوفد، كما جاء بجريدته المعارضة، بالحادث، وأكد عدم قبوله لإراقة الدماء ثمنا لغضب واحتقان سياسي، لن يزول إلا بالحوار والمصالحة السياسية بعيدا عن استخدام العنف.
لكن رئيس التحرير التنفيذي للجريدة الحزبية وجدي زين العابدين، زعم في مقاله أن "ما فعلته الجماعة أمام مقر الحرس الجمهوري يأتي في إطار سلسلة تضليل الرأي العام"، مؤكدا أن "الجماعة مصرة على المضي قدما في سياسة الأعمال "الإرهابية"، وأن "مليشيات الجماعة" هي التي تفتعل تلك الكوارث والأزمات.
وكتبت "الوفد" تحت عنوان "الإخوان.. الاغتيال باسم الشريعة"، وقالت في عنوانها الرئيسي "حرام" مؤكدة رفض الحزب إراقة الدماء ثمنا لغضب واحتقان سياسي. (شاهد عناوين الصحف الصادرة عقب المذبحة)
بأي ذنب قتلت؟
بالمقابل، تساءلت جريدة "الحرية والعدالة" المنبر الصحفي لجماعة الإخوان "بأي ذنب قتلت؟" تحت عنوان رئيسي للجريدة "حسبي الله ونعم الوكيل"، محمّلة قوات الجيش والشرطة مسؤولية المجزرة.
ومع وقف بث القنوات التلفزيونية المتعاطفة مع الإخوان واحتجاز قياديين بالجماعة، وظهور صحيفتها ظهورا متقطعا "سعى مؤيدو مرسي جاهدين لإيصال روايتهم للحادث، وهي أن القوات أطلقت النار على المحتجين وهم يصلون الفجر" حسبما قالت وكالة رويترز ، يوم 10 يوليو.
وجاء في منشور كان يوزع في الاعتصام الرئيسي لمؤيدي مرسي عند مسجد رابعة العدوية بشمال شرق القاهرة: "لقد أسفر الانقلاب العسكري عن وجهه القبيح بعد ستة أيام فقط".
قال: "هل كان المصلون يطلقون الرصاص أثناء ركوعهم للصلاة والسجود لله تعالى في الركعة الثانية من صلاة الفجر؟".
وذكرت وكالة "رويترز" بعد يومين من المجزرة وتصوير إعلام السلطة لها علي انها هجوم علي منشأة عسكرية، لا غدر بالمصلين المعتصمين وقتلهم عمدا، بقولها في تقرير حول المجزرة "في الحرب الإعلامية بمصر .. اليد العليا للجيش المصري".
قالت إن التوقعات كانت أن تجتمع البلاد على إدانة المجزرة، "لكن رد الفعل الهادئ وشجب وسائل الإعلام المستقلة الصريح لسلوك المحتجين على عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي ... يمثل نصرا لجهاز العلاقات العامة بالجيش الذي تحرك بحسم كي تكون له اليد العليا ونجح في ذلك".
قالت: "يبذل الإخوان ومؤيدوهم جهودا مضنية لجعل صوتهم مسموعا منذ أن عزل الجيش مرسي"
الجيش والحرب الإعلامية
رويترز أكدت في تعليقها علي تناول وسائل الإعلام للمجزرة أن "وسائل الإعلام المملوكة للدولة عادت الى سابق عهدها لسان حال للسلطة المدعومة من الجيش، ولم يكن مستغربا أن تبدي تأييدا تاما لرواية الجيش الذي قال إن المحتجين المناصرين لمرسي هاجموا دار الحرس الجمهوري وإن الجنود أطلقوا النار دفاعا عن النفس"!!.
وبررت رويترز انتصار الجيش في معركة الحرس الجمهوري الإعلامية قائله: "عقد الجيش مؤتمرا صحفيا عرض فيه متحدث عسكري جديد هو العقيد أحمد علي، الذي تدرب في بريطانيا، موقف الجيش بسلاسة ووضوح مستعينا بتسجيلات مصورة التقطت خلال الاشتباكات لتأكيد روايته"، وصفق الصحفيون له حين انتهى من الحديث.
بالمقابل، وخلال مؤتمر صحفي احتدمت فيه المشاعر أفرغ مؤيدو الرئيس مرسي أكياسا من فوارغ الطلقات وعبوات الغاز على طاولة أمام عدسات التلفزيون وأتوا بطبيب من المستشفى الميداني في منطقة الاعتصام ليطعن في رواية الجيش.
وقال جهاد الحداد، المتحدث باسم الإخوان: "إن سقوط القتلى عند دار الحرس الجمهوري يظهر أن الدولة البوليسية ما زالت قائمة على سابق عهدها أيام مبارك".
وبصوت متهدج قال لرويترز "نفس العقلية.. لم تتغير، نفس المجلس العسكري.. نفس الناس على شاشات التلفزيون .. نفس الحملات القمعية". (صورة من اعتصام الحرس الجمهوري)
الإفلات من العقاب
يمكن رصد ثلاثة أسباب وراء استمرار إفلات الانقلابيين من العقاب حتى الآن على النحو التالي:
أولها: التواطؤ الدولي مع قادة وسلطة الانقلاب بسبب استفادة امريكا واوروبا واسرائيل ودول اخري من خدمات نظام السيسي لهم وتحقيق مصالحهم داخل مصر او على المستوي الاقليمي.
السبب الثاني: كراهية حكومات الغرب وأنظمة عربية للربيع العربي، خصوصا بعدما ثبت لهم أن الفائز من الديمقراطية الحقيقية والانتخابات الحرة التي تلت هذا الربيع، هو التيار الاسلامي ومخاوف حرمانهم من النفوذ والمصالح.
وحين سأل مذيع برنامج 60 دقيقة (60Minutes) على قناة CBS عبد الفتاح السيسي، في يناير 2019، عما إذا كان قد أصدر الأمر بقتل ألف من المعتصمين في رابعة، برر السيسي قائلا: "كان هناك الآلاف من المسلحين في الاعتصام لأكثر من 40 يومًا، لقد حاولنا بكل وسيلة سلمية صرفهم".
وتابع: "عندما تكون هناك أقلية تحاول فرض عقيدتهم المتطرفة، علينا أن نتدخل بغض النظر عن أعدادهم"!! وهو تأكيد على أنه من أصدر أوامر فض الاعتصام.
السبب الثالث: استفادة ضباط الجيش والشرطة ورجال أعمال وقوي الدولة العميقة عموما مما جري من إجهاض للربيع العربي في صورة امتيازات ومصالح ظهرت بوضوح في بيزنس الجيش والشرطة المنتشر المهيمن على الاقتصاد.
لهذا، أصدر السيسي قانونا يحصن ضباط الجيش من المسئولية عن جرائمهم منذ الانقلاب وحتى عام 2016، وهي الفترة التي شهدت مجزرة رابعة ولنهضة والحرس الجمهوري ورمسيس وغيرها من المجازر في كافة انحاء مصر، وأعطاهم صفة دبلوماسية خلال سفرهم؛ بما يمنع ملاحقتهم خارج مصر.
17 مذبحة للسيسي
بسبب جرائمه ومجازره، رفض النظام في مصر، ضمن قلة من الأنظمة القمعية، الموافقة على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يناقش إلزام الدول بحماية مواطنيها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، نوقش يوم 14 ديسمبر 2022.
هذه ليست المرة الأولي التي تصوت فيها مصر بالرفض، فقد ظل تصوت بالرفض منذ تولي نظام السيسي الحكم، وتكرر الأمر في أعوام مختلفة أبرزها 2016، و2018 و2020 و2021 و 2022. (تفاصيل على تويتر)
وفي كل مرة يجري في التصويت بالتزامن مع اليوم العالمي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية في العالم، ترفض التصويت 15 دولة استبدادية أبرزها مصر وسوريا وروسيا والصين وفنزويلا وميانمار وإيران.
سبق لمصر أن صوتت أيضا 23 مايو 2021 بـ "لا" على قرار أممي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، يلزم الدول بحماية المواطنين ومنع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، إلى جانب 14 دولة أخرى.
وعقب انقلاب السيسي، وفي اليوم الثاني لمجزرة رابعة والنهضة 15 أغسطس 2013، قالت "رابطة الأمم المتحدة -المملكة المتحدة"، UNA-UK، وهي هيئة سياسية مستقلة تابعة للأمم المتحدة في المملكة المتحدة، في بيان: إن "مصر فشلت في تحمل مسؤوليتها عن حماية شعبها".
وبعدما استعرضت قلق الأمم المتحدة والمملكة المتحدة من عنف السلطة، دعت الحكومة المصرية "لاحترام حق الاحتجاج السلمي، والوفاء بالتزامها بحماية جميع السكان داخل مصر من العنف".
وكان لافتا، في خطاب رد مصر الرسمي لتبرير رفضها هذا الالتزام بحماية شعبها عام 2021، والذي وجهته للأمم المتحدة 17-18 مايو/أيار 2021، الزعم بأن "حماية الشعب من صميم دور الأنظمة الحاكمة لا الأمم المتحدة، للتهرب من المسئولية".
وزعمت خارجية السيسي في ردها أنه "يجب احترام مبدأ السيادة الوطنية وعدم التدخل الدولي لحماية شعوب وأن تكتفي الأمم المتحدة بتقديم المساعدات الفنية فيما يتعلق بالسياسات والبرامج المتبعة"!.
قالت في ردها: على الرغم من مسؤولية الدول الأساسية بحماية السكان من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، "نعتقد أن المفهوم لا يزال يحتوي على العديد من الثغرات السياسية والقانونية، والتي تضر أكثر مما تنفع".
وكرر الرد الرسمي المصري فكرة السيسي عن حقوق الإنسان، وأنها ليست فقط حرية التعبير والديمقراطية، وإنما معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات والتخفيف من حدة الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، والتدهور البيئي والتمييز الديني والعرقي وعدم التسامح"!!.
مقاومة مصر مبدأ الحماية
ويقول "المركز الدولي لمسؤولية الحماية" Global Centre for the Responsibility to Protect في تقرير عن هذه الانتهاكات، 21 نوفمبر 2021، أنه في عام 2013، ارتكبت قوات الأمن المصرية انتهاكات واسعة النطاق ضد المدنيين ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
قال، في 14 أغسطس 2013:"بعد أسابيع من الاضطرابات السياسية في أعقاب الانقلاب العسكري ضد الرئيس محمد مرسي، استخدمت قوات الأمن في مصر القوة غير المتناسبة والمميتة لتصفية المتظاهرين المؤيدين لمرسي في القاهرة".
ومنذ ذلك الحين شاركت قوات الأمن المصرية بشكل روتيني في أنماط التعذيب والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان، واعتقلت عشرات الآلاف من الأشخاص وأخفت قسريًا عددًا لا يحصى، واستهدفت بشكل أساسي أنصار الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، كما اتُهمت قوات الأمن بالاعتقال المنهجي.
وفي كل مرة يثير الرفض من نظام السيسي، خصوصا لقرار دولي يتعلق بواجب الدولة في حماية مواطنيها، استغراب العديد من الحقوقيين والناشطين السياسيين، لكنه لا يثير استغراب الشعب الذي يعلم حجم الجرائم التي ارتكبها هذا النظام في صورة مجازر لا حصر لها، منذ انقلاب يوليو 2013.
وقد أعد الباحث الأمريكي " ديل يوجين أندرسون" دراسة لدرجة الماجستير في الآداب في العلاقات الدولية وحل النزاعات في الجامعة العسكرية الأمريكية عام 2016، تساءل فيها: "لماذا تقاوم مصر مبدأ مسؤولية الحماية؟"
وكتب يقول، يوم 28 فبراير 2016: إن نتائج التحليل تظهر أن مصر تفسر مبادئ المسؤولية عن الحماية باعتبارها معيارًا جديدًا ينذر بتحول في النظام الدولي من سيادة الدولة إلى تطوير وحماية حقوق الإنسان.
أوضح أن الثقافة السياسية للنظام الاستبدادي في مصر تتصور أنها تتعرض للتهديد من قبل النظام الاجتماعي الدولي المتغير.
تحدث عن أن "العديد من القادة العرب، وبينهم السيسي، دافعهم هو البقاء في السلطة وحماية مصالحهم الشخصية، والدفاع عن أنفسهم ضد شعبهم، لذا يرفضون أي مساءلة ويقاومون مبدأ مسؤولية حماية شعوبهم من بطشهم".
وفي عام 2021 صوتت 115 دولة بـ "نعم" على مشروع القرار، بينما صوتت 15 دولة بـ "لا"، بينها مصر وإثيوبيا وروسيا والصين، وامتنعت 28 دولة عن التصويت، بينها السودان، ولم تصوت 35 دولة أخرى.
وتضمن القرار الأممي مجموعة من التوصيات، منها: أن تتعهد الدول والحكومات بحماية السكان من التعرض لأي جرائم وحشية أو جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية، وإدراج هذه الجرائم ضمن ولاية مجلس حقوق الإنسان، وضمن إطار الاستعراض الدوري الشامل، وإدراجها أيضا كجزء من التقارير الوطنية، إضافة إلى توصيات أخرى خاصة بدور مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية، ودور أجهزة وآليات المكتب المعني بمنع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية في تعزيز الجهود الجماعية الرامية إلى منع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.
وأثار تصويت مصر بـ "لا" استغراب حقوقيين، وأسئلة حول سياسة السلطات المصرية في التعامل مع المواطنين، وسبب رفضها أي التزام قانوني دولي بحماية شعبها من أي جرائم وحشية أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية.
وقال بيان لـ "المركز الدولي لمسؤولية الحماية" حينئذ: إن المناقشة والتصويت بالأمم المتحدة على القرار بمثابة اعتراف بحقيقة أنه في العديد من الدول حول العالم يتعرض السكان المدنيون لهجمات عشوائية على المدارس والمرافق الطبية، وانتشار الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح حرب، واستخدام القوة غير المتناسبة والمميتة ضد المتظاهرين السلميين، والاضطهاد المؤسسي للأقليات.
تشريعات لتحصين القتلة
لم يكتف النظام المصري بالتهرب من التصويت على القرار، لأنه يعني إلزامه ومن ثم محاكمته دوليا عن جرائم وانتهاكات جماعية، ولكنه سن تشريعات عدة لتوفير حصانة للانقلابيين وضباط الجيش، كان آخرها في 2 يوليو 2022 حين أصدر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، قرارا يمنح ضباط الجيش وعائلاتهم حصانة وامتيازات غير مسبوقة، ما حصنهم من المحاكمة عن الجرائم وجعلهم "فوق القانون والدولة".
بل وأعطت المحكمة الدستورية في مصر، 9 يونيو 2021، الضوء الأخضر للبرلمان ليقوم بتعديل قانونها، وزيادة اختصاصها لخارج مصر، بما يسمح لها برفض أي أحكام دولية ضد نظام السيسي، واعتبارها كأن لم تكن، سواء كانت تتعلق بقضايا سياسية وحقوق الإنسان أو منازعات إقتصادية ما يتوقع أن يكون له أثار دولية سلبية.
وفي 6 يوليو 2018، وافق مجلس النواب المصري علي إصدار قانون عاجل قدمته سلطات السيسي، يحصن به السيسي نفسه هو وكبار قادة الجيش الذين شاركوه جرائمه، من أي مساءلة قانونيه عن الجرائم التي ارتكبوها من بداية الانقلاب وحتى يناير 2016، وهو "قانون معاملة كبار قادة القوات المسلحة" والذي يتضمن 6 مواد تحصن جنرالات الانقلاب من الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب مثل القتل الجماعي للمتظاهرين والمعتصمين، ومن التعذيب والنهب والفساد، وتحصنهم دبلوماسيا لو سافروا خارج مصر بعدما بدأت منظمات حقوقية تطالب باحتجازهم ومحاكمتهم، كما تعطيهم افضلية المعاملة كوزراء حتى ولو لم يتولوا منصب الوزير، فضلا عن السماح لهم بالجمع بين الأموال التي حصدوها كعسكريين والتي أخذوها نتيجة توليهم مناصب مدنية بالدولة بعد تقاعدهم عسكريا.
حمايتة العسكر من المساءلة
أخطر مواد هذا القانون المشبوه التي تحصن قادة الانقلاب هي "المادة الخامسة" من القانون التي تنص على أنه "لا يجوز مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي في مواجهة أي من المخاطبين بأحكام هذا القانون عن أي فعل ارتكب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب لمهامه أثناء تأديتهم لمهام مناصبهم أو بسببها، إلاّ بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة".
ومعني هذه المادة أنه لا يجوز محاسبة السيسي ولا جنرالاته على جرائم الانقلاب العسكري ولا قتل المعتصمين والمتظاهرين، ولا أي قرارات اقتصادية أو قضائية خطأ اتخذها السيسي، حتى 22 ديسمبر 2015 تاريخ افتتاح جلسات مجلس النواب الجديد، أو حتى بداية عام 2016.
ونفذ جنرالات السيسي في تلك الفترة قرابة 17 مجزرة أشهرها رابعة والنهضة والحرس الجمهوري ورمسيس والمنصورة وغيرها، كما قاموا بسلسلة قتل بالتعاون مع الشرطة لمعتقلين بدعوي تبادل إطلاق النار، ونفذوا عمليات تعذيب في السجون الحربية مثل الشرطة تماما، سجلتها تقارير حقوقية دولية ووثقتها هيومان رايتس وواتش ما يجعل الفكاك منها غير ممكن.
وهناك أكثر من 10 جرائم للانقلاب في مصر أبرزها: القتل والحرق – تزوير ارادة شعب – اعتقال الاطفال والنساء – حماية الفاسدين – عسكرة الدولة -رعاية العداء للدين -إجهاض أول تجربة ديمقراطية -تعميق الفقر وهدم الاقتصاد -سجن الكفاءات العلمية – رعاية البلطجية.
وسبق أن قدمت 4 دعاوى دولية ضد قادة الانقلاب وقتلة المصريين بواسطة هيئة قانونية دولية بريطانية داعمة للشرعية في مصر والرئيس المنتخب محمد مرسى، تتهمهم فيها بارتكاب مجازر بحق متظاهرين مصريين، وقتل آلاف المصريين المعارضين للانقلاب.
وضمت القائمة الأولية بأسماء مجرمي الانقلاب الملاحقين دوليا، 7 من قادة المجلس العسكري السابقـ في مقدمتهم الفريق أول السيسي وزير الدفاع وصدقي صبحي وزير الدفاع السابق، إضافة الي 7 من قادة وزارة الداخلية على رأسهم الوزير السابق محمد ابراهيم، إضافة الي مدير المخابرات المصرية والرئيس المؤقت ورئيس الوزراء ونوابه وعدد من الوزراء.
وتضمنت صحيفة الاتهام، التي قدمت للمحاكم الدولية ضد الانقلابين، تهما تتعلق باتهامهم بالمسئولية عن مجازر: الحرس الجمهوري والنصب التذكاري (شرقي القاهرة) وفض اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر وأحداث سيارة الترحيلات المتجه إلى سجن أبو زعبل، وغيرها.
وبدأت جرائم السيسي والانقلاب منذ 2011 بدعم موقعة الجمل كما جاء في شهادة الدكتور محمد البلتاجي، واستمرت قبل الانقلاب وبعده.