تحليل إعلامي نفسي لـ"حديث القفا".. لماذا يدير ديكتاتور مصر ظهره لجمهوره؟
الأحد - 27 آغسطس 2023
- دراسة: السيسي يعطي ظهره لأتباعه لأنه يعتبرهم أقل منه بينما يكلمه الله!
- يري نفسه "المُخلص" ويدعي أن الله يكلمه وأنه يمتلك فهم النبي سليمان!
- روبرت سبرنجبورج: السيسي يري نفسه أكبر من أن يتحدث عن مشاغل الناس
- موقع "درج": السيسي طوّع الحكم ليصبح "سلطويا مُشخصنا" لا مؤسساتيا
- سطا على الحكم بالدبابة ولن يغادر بانتخابات حرة أو يتخلى طوعا عن السلطة
إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:
رغم أزمة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، التي فضحت "انجازات" الدكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي، وزادت غليان الشارع المصري، ورغم الغلاء الفاحش، استمر تجاهل السيسي للأزمات التي يعاني منها المصريون، وواصل الحديث مع جمهور ندواته ومؤتمراته بظهره!!
ظاهرة لفتت انتباه كثيرين، ما دعا بعضهم لتحليلها إعلاميا ونفسيا، في محاولة للفهم سلوك الدكتاتور.
في كلمته التلفزيونية، بمناسبة الذكرى الـ 71 لـحركة الجيش 23 يوليو 1952، تجاهل الحديث عن أزمة انقطاع التيار الكهربائي والغلاء وعاد لمهاجمة ثورة يناير، والحديث عن "الجمهورية الجديدة"، واستمر في إعطاء ظهره لمن يخاطبهم.
خرج السيسي ليكلم الشعب بقفاه ويقول والحضور خلفه: "لسنا سبب الأزمات"!!، ويزعم أنه واجه الكثير من الأزمات طوال الفترات الماضية، وتم تجاوزها "من خلال الجهد والمثابرة"!! رغم أن وكالة «رويترز»، أكدت في 19 أغسطس 2023، أن أزمات انقطاع الكهرباء، والتضخم وضعف قيمة الجنيه، هي أعراض لأسوأ أزمة اقتصادية تشهدها مصر في عهد السيسي، مشيرة إلى أن "تلك الأزمات تثير تذمر الشعب الذي يعاني من تراجع مستوياته المعيشية بينما تنفق الدولة ببذخ على مشروعاتها الضخمة".
حديث السيسي أعاد التذكير بأقواله، غير القابلة للنقاش، عن السلطة والحكم والسياسة والاقتصاد، وأنه يري ما لا يراه الشعب في حين أنه لا يهتم بمعاناة الشعب من انقطاع التيار يوميا وتعطل مصالح المصريين ويقول دائما: "متسمعوش كلام حد غيري".
إعلاميا، يرى "السيسي" نفسه أكبر من أن يعقد مؤتمرات صحفية ليتحدث عن مشاكل البلاد، ويترك شرح الأزمات والتخفيف من آثارها لرئيس وزرائه، وذلك بعكس خروج الرئيس الراحل محمد مرسي خلال أزمة الكهرباء ليعتذر عن قطع الكهرباء ويعدهم بالحل، رغم انتشار معلومات حول تعمد الدولة العميقة ذلك ضمن مسلسل خلق أزمات لتبرير الانقلاب العسكري، بحسب صحف مصرية 3 أغسطس 2012.(رابط)
كيان لا يخضع للمساءلة
الخبير الأمريكي في الشأن المصري، روبرت سبرنجبورج، فسر في كتاب عن مصر صادر عام 2018، سبب هذه الحالة موضحا أن "الحاكم يرى نفسه ككيان أكبر من الإجابة على مشاغل المواطنين أو الخضوع للمساءلة ويترك هذا الأمر لوزرائه"!
في اعتقاد "سبرنجبورج"، "يتبني السيسي نمط من القيادة السياسية يرى فيها الحاكم نفسه أكبر من عقد مؤتمر صحفي يجب فيه على مشاغل الناس الأساسية، كموعد تعويم الجنيه أو خطة علاج الأزمة الاقتصادية أو علاج مشكلة الكهرباء"، حسبما يشرح الصحفي علاء بيومي.(رابط)
أيضا وبرغم أنه لم يبق سوي أسابيع انتخابات الرئاسة آخر عام 2023 أو أوائل 2024، لم يتطرق السيسي لها ولم يعرها اهتماما، وحاول أشرف السعد رجل الأعمال الموالي للسيسي التلميح لهذا في تغريده على تويتر سخرية من المعارضين.( رابط)، وهو ما فسره الباحث عمار علي حسن لموقع "جين أفريك" الفرنسي، 27 يوليو 2023، بأن "السلطة في مصر لا تشغلها نتائج انتخابات الرئاسة في ظل مقدمات تؤدي إلى ما تريده".
قال: "ما يقلق السلطة فقط هو ضعف الإقبال، في وقت تسعى فيه إلى تجديد شرعيتها بعد أن جرحها القسر والإجبار وتردي أحوال الناس المعيشية".( رابط)
هذا التجاهل للمصريين وأزماتهم وصل حد سخرية السيسي من شكوى ارتفاع الأسعار قائلا: "إحنا بنبني دولة"!، وهو ما يتصل بطبيعة الديكتاتور الذي زعم أن الله يكلمه!
وفي يوليو 2021 وقف السيسي في وسط استاد القاهرة وحكى للحاضرين والمشاهدين على الهواء تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين الله، قائلا: "ربنا قال لي هأخلي معاك البركة"!!( رابط)
هذه النبوة المُتخيلة، تجلت مجددا عند استشهاده بآيات من القران "ففهمناها سليمان"، ليبين أنه هو صاحب الحكمة، وهو من يفهم وحده أو يفهمها كما أفهمها الله نبيه سُليمان.
حكم سلطوي مشخصن
الكاتب أحمد عبد الحليم حاول الإجابة على هذا السؤال في موقع "درج ميديا"، 8 يوليو 2023، مرجعا السبب إلى أن السيسي "لديه مرجعية فلسفية مترسخة طوّع من خلالها الحكم ليصبح سلطويا شموليا ومُشخصنا، لا سُلطويا مؤسساتيا".
قال: إن "هذه المرجعية التي يتبناها السيسي تنقسم إلى أفكار، متداخلة ومتقاطعة، منها أنه يعتقد أن كلامه يمثل فسلفة جديدة ليست للحكم فقط، بل للحياة بشكل عام"!.
يري أنه يعطي ظهره لمن يتحدث معهم ولا ينظر الى الجالسين حوله "لأنه يعتبرهم أقل علما وخبرة منه، بل وليس من حق أحد التعليق أو مناقشة أو مُخالفة ما يقوله".
"حتى الجالسين بجانبه، رئيس الوزراء ووزراء ومسؤولون آخرون، يعاملهم كأنهم تلاميذ، لا دور لهم في الحديث والمناقشة"، وفق الكاتب أحمد عبد الحليم.
وضمن تصرفه وحده في موازنة الدولة ومشاريعها دون أن يعير رئيس وزرائه أو وزرائه اهتماما قال: "محدش يصرف غير لما اقول .. اه هي كده"!!
وحين بدأ عضو برلمان من مُستمعيه الجالسين وراءه، في إحدى جلسات افتتاح المشاريع في مدينة دمياط، في نقاشه، قاطعه السيسي مستنكراً: "أنت مين؟ أنت دارس الكلام اللي انت بتقوله ده"، وأسكته، ولم يكمل الرجل حديثه.
الأكثر دهشة أن السيسي يعترف بذلك في عشرات الخطب، ولا يرى أنه يفعل أي مصائب ويفتخر بذلك، وأنه فعل كل ما فكر فيه حتى ولو كان مخالفا للقوانين وبدون أي اعتراض، واعتبر هذا مقياسه الوحيد للنجاح أو الفشل.
بل وظهر بنفسه في أحد الفيديوهات وهو يقول إنه أمر بحبس مواطن لديه مبني ضخم داخل ميناء الاسكندرية حتى يتنازل عنه، برغم أن "أوراقه سليمة" قائلا: "قلت يتقبض عليه وميخرجش إلا لما يسيب الأرض"!!. (يوتيوب)
نعود لدراسة الباحث والكاتب المصري أحمد عبد الحليم، بعنوان: "لماذا يعطي السيسي ظهره لمن يحدثهم؟" يجيب بأن السيسي ألقي عشرات الخطابات وهو يجلس في المُقدمة، ومن ورائه من يسمعونه، وهو لا ينظر إليهم، بل ينظر أمامه وأحياناً ينظر على جانبيه، الى مستشاريه ومسؤولين آخرين، حينما يريد مناداتهم أو توجيه الكلام إليهم أو سؤالهم عن شيء ولا ينظر لمن يحدثهم؟
يواصل "عبدالحليم": "يعتقد أن كلامه، هو يمثّل فسلفة جديدة ليست للحكم فقط، بل للحياة بشكل عام. حديث دائم مع الله، من خلال الرؤى والإلهَامات، مثلما قال: "ربنا قالي هَخلي معاك البركة".( رابط)
قال: إن السيسي يعتبر أن حديثه عن السُلطة والحُكم والسياسة والاقتصاد والفن والثقافة وحيَوات الناس، هو حديث غير قابل للنقاش، فالذي يناقش هو الذي يتحدث الى الناس وهو يجلس أو يقف أمامهم، فيسمَعونه وبدوره يستمع إليهم، لكن السيسي "يُملي فقط" ويقول: "متسمعوش كلام حد غيري"!!
الرئيس المُخلّص!!
أضاف "عبدالحليم": يقف السيسي على فلسفة دائماً ما يُكررها، مَفادها، أنّه هو الرئيس المُخلّص، ليس رئيساً للجمهورية.. والانتخابات هي من تعطيه وتأخذ منه السُلطة وصِفَتها، لا بل هو الرئيس البطل الشجاع الذي أنقذ مصر والمصريين من خطر الموت، وأمَّن لهم الحياة، فكيف بعدما فعل هذا، يعامله المصريون كأنّه موظف لديهم؟!!.
وهذا ما ينعكس على خطاباته تجاه الشعب، فهو يخاطب المصريين على أنهم الآخر (اسمعوا يا مصريين!!)، وكأنه ليس من ضمنهم، أو رئيساً لهم، بل هو منقذ لهم، وهم من واجبهم سماع كلامه، من دون نقاش، بل يسمعون ويحمدون الله على هبته لهم!!.
وهذا ما جسَّدته الدراما نفسها التي تشرف عليها المخابرات العامة، في مسلسل “الاختيار” في جزئه الثالث (رمضان 2022)، حين جسد الممثل ياسر جلال دور عبد الفتاح السيسي حين كان وزيراً للدفاع، وزعم أنه تحرّك لينقذ مصر من حكم الإخوان المسلمين، الذي كان سيدخلهم نفق الإرهاب المُظلم، ويشعل المجتمع بحروب أهلية وطائفية، بينما هو من أدخل البلاد نفق القتل والمجازر والفقر والعوز.
وقبل الانتخابات الرئاسية عام 2018، وفي أحد المؤتمرات التي عنونت بـ "اسأل الرئيس"، سأل أحد الشباب السيسي، حول احتمالية عدم فوزه في انتخابات الرئاسة، فلم يسمع له وتجاهل بقية السؤال، وقاطع الشاب السائل بالضحك الهستيري، كأنه يقول كلاما مستحيلا أن يحدث وهو أن يدخل السيسي انتخابات ويسقط!!
كانت الرسالة الإعلامية هنا هي أنه ليس رئيسا جاء للحكم ليغادر بالانتخابات، وإنما انقلابي سطا على الحكم بالدبابة، ومن ثم فلن يغادر هو والجنرالات الحكم ليتركه بسهولة في انتخابات حرة للمدنيين ويتخلى عن السلطة والثروة.
وفي أحد الخطابات، عبر عن حزنه، حيال هاشتاغ "ارحل يا سيسي"، الذي تصدَّر مواقع التواصل الاجتماعي، معاتباً المصريين، أنّه يحاول إخراجهم من حالة العوز والفقر، وهم يطالبون برحليه، قائلا في تمثيلية استنكارية: "أزعل والا مزعلش، لا في دي أزعل"، مع أن هذا أمر طبيعي لمن يتولى السلطة لكنه لا يعتبر نفسه شخصا عاديا، ولذلك قام بالقبض على من نوى أو ترشّح في انتخابات 2018 ، وسيفعل الشئ ذاته في انتخابات 2024 المرتقبة..وفي الحد الأدنى سيقبض على من ينتقدونه ويعارضونه.