ما هي فرص نجاح التقارب التركي المصري.. وما مدى تأثيره على الإخوان والمعارضين؟

الأربعاء - 25 آغسطس 2021

مقدمة :

العلاقات المصرية التركية لم تكن في يوم من الأيام في أحسن حالاتها، منذ انقلاب يوليو 1952، وحتى يومنا هذا، باستثناء السنة التي تولى فيها الحكم الرئيس محمد مرسي - رحمه الله- وذلك، لأنه قبل انقلاب يوليو 1952 كانت العلاقات بين الملك فاروق وحكام تركيا جيدة بدرجة كبيرة.

أما بعد انقلاب يوليوم 1952، انضمت تركيا إلى حلف بغداد، الذي ضم كلا من تركيا وإيران والعراق وبريطانيا وباكستان، وكان الحلف يسعى للحد من المد الشيوعي في منطقة الشرق الأوسط، وتحجيم دور مصر التي تسعى لدعم حركات التحرر في المنطقة ، وتأسس الحلف بأوامر أمريكية، ولكن أمريكا أوكلت لبريطانيا قيادة الحلف.

 كما أن تركيا أيدّت العدوان الثلاثي على مصرعام 1956، كما أنها أيدّت العدوان الصهيوني على مصر 1967.

وظلت العلاقات بين البلدين تراوح مكانها بلا أدنى تقدم.

وعندما تولى نجم الدين أربيكان رئاسة الحكومة التركية، دعا إلى تأسيس منظمة مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، وتتكون من  ثماني دول إسلامية هي مصر، ونيجيريا وباكستان، وإيران، وإندونيسيا، وماليزيا، وتركيا، وبنغلاديش.

ولكن انقلاب 1997 على أربكان أجهض مجموعة الثمانية، وعاد الفتور إلى العلاقة بين البلدين مرة أخرى.

وذكر عمرو موسى في كتابه  "كتابيه"  أنه في عام 1996، خلال تولي نجم الدين أربكان رئاسة حكومة تركيا، زار مبارك تركيا، و"كانت زیارة مشحونة لاعتراضنا على التعاون العسكري التركي – الإسرائیلي؛ ولذلك حرصنا على ألا تطول عن یوم واحد".

واستمر هذا الفتور في العلاقات حتى قيام ثورة يناير،  فقد زار الرئيس التركي السابق "عبد الله غول" مصر في مارس 2011، وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس دولة إلى مصر بعد الثورة، حيث استقبله آنذاك رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير طنطاوي، وتناول الجانبان سبل دعم العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين، وأكد غول حرص بلاده على تقديم الدعم الكامل لمصر خلال تلك الفترة.

وأيا كان الأمر، فإن مصر تحظى بأهمية كبيرة لدى الساسة الأتراك.

 وفي السنوات الأخيرة، حرصت تركيا على تفعيل علاقاتها مع مصر بداية ًمن دعم الثورة المصرية 2011، ومرورًا بالزيارات رفيعة المستوى التي يقوم بها مسؤولون أتراك لمصر وزيارات أخرى لمسؤولين مصريين إلى أنقرة، وصولاً لما تم توقيعه وعقده من اتفاقيات وبرتوكولات للتعاون المشترك، والتي تتم بين الطرفين بغرض تحسين العلاقات بينهما في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

 وبعد انتخاب الرئيس مرسي رئيساً للبلاد، حدث تقارب بين البلدين بشكل غير مسبوق.

فقد زار الرئيس مرسي تركيا، كما رد الرئيس أردوغان الزيارة لمصر وقال " إرفع رأسك أنت مصري"

لكن بعد الانقلاب العسكري تأزمت العلاقة بين البلدين بشكل كبير، لأن تركيا اعتبرت أن نظام  السيسى نظاماً غير شرعي، كونه جاء بانقلاب على رئيس منتخب.

وقررت مصر في 23 نوفمبر 2013 تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تركيا من مستوى السفير إلى مستوى القائم بالأعمال، ونقل سفير جمهورية مصر العربية لدى تركيا نهائياً إلى ديوان عام وزارة الخارجية بالقاهرة، واستدعاء السفير التركي في مصر إلى مقر وزارة الخارجية وإبلاغه باعتباره "شخصاً غير مرغوب فيه" ومطالبته بمغادرة البلاد.

ومنذ ذلك الحين، تعتبر العلاقات بين البلدين متدنية بدرجة كبيرة، لأن مصر اعتبرت أن تركيا تأوي الإخوان الفارين من جحيم الانقلاب، وأتاحت الفرصة لفتح منصات إعلامية تبث من استنبول وتهاجم النظام الانقلابي.

  في حين ظلت العلاقات الاقتصادية البينية جيدة، خاصة ما يتعلق بحجم التبادل التجاري.

ولذلك يمكننا القول بأن العلاقات المصرية التركية يمكن أن تشهد نوعاً من التهدئة خلال عام 2021، لكن دون الوصول إلى تطبيع العلاقات بصورة كاملة ، كما كانت عليه قبل الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.

كيف نقرأ تصريحات المسؤولين الأتراك؟

من يتابع الشأن التركي يلاحظ أمراً عجيباً، خاصة في تصريحات المسؤولين الأتراك.

فهناك ثلاثة مستويات للتصريحات لا تتطابق مع بعضها البعض، لذلك يقع كثير من المراقبين في خطأ عند اعتماده على مستوى واحد من تصريحات الأتراك، ويحاول أن يبني عليها تصوراته أو تحليله لأي قضية تركية.

فهناك المستوى الأول، وهو مستوى المستشارين أو المتحدثين الرسميين، سواء باسم الرئاسة أو الخارجية أو حزب العدالة والتنمية، وغالبا ما تتسم تصريحات هذا المستوى بشيئ من المرونة والتفاول وعدم التصعيد.

المستوى الثاني : مستوى وزارة الخارجية، وهذا المستوى بالرغم من أنه يعبرعن الدبلوماسية ، ويميل إلى المناورة السياسية ، وترك الأبواب مفتوحة ، إلا أنه فى كثيرمن الأحيان ما نجده يجنح إلى الصرامة والتهديد، حتى يُشعرك بأن المتحدث هو وزير الدفاع وليس وزير الخارجية.

المستوى الثالث : وهو قمة هرم المسؤلية المتمثل في رئاسة الجمهورية، ونقصد هنا تصريحات أردوغان التي غالبا ما تُعطي الحل السحري للمشكلة القائمة، أوتفتح باب الأمل لإيجاد حل أو القطع الكامل، بالتصميم على الموقف التركي تجاه القضية المطروحة.

وقبل أن يصير رئيساً للجمهورية، سًئل في أحد اللقاءات الخاصة من قبل أحد الحضور: هل هناك تقارب في العلاقات مع مصر، أو بمعنى آخر هل هناك أمل في تحسن العلاقة مع مصر؟.

فكان رد الرئيس أردوغان أنه لامانع لديه أن تكون هناك علاقات مع مصر على مستوى وزراء الخارجية، أو حتى على مستوى رئاسة الوزراء،

لكن على مستوى الرئاسة فأنا لايمكن أن أضع يدى في يد قاتل.

وعندما نطبق مستوى التصريحات على حالة العلاقات المصرية التركية سنرى الآتى:

فقد أكد ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، فى 12/9/2020 على أهمية التواصل بين البلدين رغم الخلافات، مشيرا إلى وجود تفاهمات.

بينما أكد وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو فى 11/6/2020 أن الطريقة الأكثرعقلانية لعودة العلاقات مع مصر عبر "الحوار والتعاون مع تركيا بدلاً من تجاهلها"  .

وقبل انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي أكد رئيس الوزراء التركي السابق، بن علي يلدريم، الذي كتب في 2016 عن ضرورة الفصل بين العلاقات الاقتصادية والاجتماعية من جهة والخلافات السياسية من جهة أخرى، فيما يتعلق بالتعاون مع مصر.

بينما قال الرئيس أردوغان فى 18/9/2020 إن بلاده لا تمانع الحوار مع مصر.

وكان أردوغان قد هاجم السيسي في أكثر من مناسبة، منها تعليق أردوغان على أحكام الإعدام التي أصدرها القضاء المصري بحق أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ، وقال أردوغان في حوار متلفز، فى 24‏/02‏/2019 "السلطات المصرية أعدمت 42 شخصا منذ تولي السيسي السلطة، كان آخرهم 9 شبان ". وأضاف "هذا لا يمكن قبوله".

وتابع: "جوابي لمن يسأل لماذا لا تقابل السيسي.. أنا لا أقابل شخصا كهذا على الإطلاق".

وقال أيضاً "قبل كل شيء يتعين عليه إخراج كافة الناس من السجون بعفو عام، وطالما لم يخل سبيلهم فلا يمكننا لقاء السيسي".

ومع ذلك بقي الملف الاقتصادي بعيدا عن التوترات السياسية، حيث تجاهل البرلمان المصري مطلع 2020 طلبا بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع تركيا عام 2007، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2013.

والتى كان مقرراً لها أن تنتهي نهاية 2020، إلا أنه على أحد الطرفين إبلاغ الآخر قبل 6 أشهر من اتخاذ قرار إنهائها، مما يؤشر إلى استمرار تفعيلها.

مستقبل العلاقات بين مصر وتركيا:

بعد فترة من الركود استمرت لأكثر من سبع سنوات، بدأت قضية العلاقة بين البلدين تطفوعلى السطح مجدداً ، إذ دفع تعاظم الدور التركي في ليبيا الجانب المصري إلى السعي للتقارب حتى يحظى بنصيب من كعكة الإعمار في ليبيا، وضمان استقرار الأوضاع هناك، لضمان الأمن القومي من الجهة الغربية.

 كما أن الوضع المعقد في شرق المتوسط وتداخل أطراف عديدة في هذا الوضع، ربما يدفع الجانب  التركي لعودة العلاقات مع مصر، من بوابة التعاون في ملف شرق المتوسط.

وقد أعلنت تركيا عن هذه الرغبة في يناير 2020، على لسان ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، ثم في يونيو 2020، على لسان مولود تشاووش أوغلو وزير الخارجية التركي.

لكن معظم من كتب حول هذا الموضوع، لايعنيه إلا جانب واحد فقط في عودة العلاقات بين البلدين وهو أن تقوم تركيا بتسليم الإخوان إلى النظام الانقلابي في مصر كقربان لتطبيع العلاقات، أو في أفضل الحالات تقوم تركيا بإغلاق المنصات الإعلامية الإخوانية، كما يزعمون، وطرد الإخوان من تركيا.

معوقات عودة العلاقات بين البلدين:

بالرغم من سعي البلدين إلى تطبيع العلاقات بينهما وعودتها إلى سالف عهدها، إلا أنه هناك عدد من العوامل التي تعوق التطبيع الكامل للعلاقات بين البلدين، وهذه العوامل لايمكن تجاهلها، لأنها من الأهمية بمكان وسوف نتناول هذه المعوقات بشيئ من التفصيل.

  1. ضعف الدور الإقليمي المصري:

برغم أن مصر هى إحدى القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط ولها دور محوري مهم، إلا أنها فقدت الكثير من هذا الدور نتيجة لسياسات نظام مبارك الذي سعى لتقزيم الدور المصري خلال ثلاثة عقود، وكذلك سياسة التبعية لدول الخليج التى يتبعها النظام الانقلابي في مصر، والتي أضعفت الدور المصري بشكل ملحوظ، فأصبحت رهينة

لسياسات قوى إقليمية أخرى كالإمارات والسعودية وإسرائيل، وهو ما جعل القرار المصري ليس مستقلاً بل صار تابعا ومرهوناَ بموافقة هذه الأطراف.

في الوقت نفسه، تعاظم فيه الدور الإقليمي التركي، والذي جعلها تتطلع للقيام بدور دولي.

 لكن هذا لايمنع من إمكانية عودة العلاقات، ولو بطريقة تقليدية مثل عودة السفراء وبقاء التعاون الاقتصادي وتبادل المنافع بين البلدين، خاصة في ظل اتباع تركيا لسياسة تصفير المشاكل .

  1. الصراع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط:

لا شك أن هناك ثلاثة محاور إقليمية مركزية في منطقة الشرق الأوسط، وهي المحور الإيراني والمحور التركي القطري والمحور السعودي الإماراتي المصري.

وفى الوقت الذي ترى فيه السعودية أن الأولوية لمواجهة إيران، فإن الإمارات ومصر، ومن خلفهما إسرائيل يركزون على المواجهة مع تركيا، لمواجهة حركات الإسلام السياسي التى تدعمها تركيا.

ومع وجود بعض الأزمات، تعمقت سياسة المحاور الإقليمية ، كالأزمة الخليجية، ومقتل الصحافي جمال خاشقجي، والأزمة السورية، وصراع شرق المتوسط، والقرن الأفريقي، والأزمة الليبية.

وانتهى الأمر بوجود  محورين إقليميين، الأول يضم كلاً من الإمارات، والسعودية، ومصر وقبرص واليونان. والثاني يضم تركيا وقطر وحكومة الوفاق الليبية.

وقد أدى دخول تركيا على خط الأزمة الليبية إلى  توتر العلاقات المصرية التركية بشكل كبير وصل إلى حد استعراض القوة من الجيش المصري في المنطقة الغربية ودق طبول الحرب.

  1. القوى الدولية والتوازنات على الساحة:

مصر ليست القوة الإقليمية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، بل هناك قوى أخرى لابد من النظر إليها بعين الاعتبار وأولى هذه القوى هى تركيا وإيران.

وعودة العلاقات المصرية التركية، مطلوب بالنسبة لأمريكا بدرجة كبيرة لمواجهة إيران، لكن تركيا لا تقبل بالمواجهة مع إيران للعلاقات الاقتصادية الجيدة والتفاهمات السياسية بين الطرفين، في الوقت الذى تميل فيه العلاقات التركية مع دول الاتحاد الأوروبي إلى التأزم.

كما أن المؤسسات الحاكمة في أمريكا غير مرتاحة لصعود الدور التركي،  لذلك ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية تطبيع العلاقات المصرية التركية  لأنها تعتبر هذا التطبيع يمثل تهديدا للتوازنات الإقليمية والدولية، لأن المنظومة الغربية تعتبر أى تحالف بين مصر وتركيا أو إيران وتركيا أو إيران ومصر مقلق بالنسبة لها فكيف لونجحت تركيا في تحالف ثلاثى؟ ، وهي نفس فكرة أربكان  في تسعينيات القرن الماضي من خلال  مجموعة الدول الإسلامية الثمانية النامية .

هل يمكن أن يأتى التطبيع من بوابة شرق المتوسط؟

لا شك أن ملف شرق المتوسط يمكن أن يكون أحد الدوافع المهمة لعودة العلاقات بين الطرفين، حيث ستستفيد تركيا من مصر بأنها ستكسر عزلتها المفروضة عليها، فضلاً عن فرض أمر واقع في مواجهة اليونان وقبرص الرومية، وممكن أن تستفيد من مصر في معركتها القانونية في مياه المتوسط في مواجهة اليونان وقبرص، وستستفيد مصر بإعادة جزء من مياهها الإقليمية من اليونان بعد الاتفاق التركى مع حكومة الوفاق الليبية، وهو ما عبرعنه وزير خارجية السيسي بقوله: "لا يوجد مساس لمصالحنا في مصر من اتفاق تركيا وحكومة طرابلس ".

كما أنه سيضمن مساحات اقتصادية لمصر كما لتركيا، تفوق تلك التي تؤمّنها مصر في حال رسمت حدودها وفق التصور اليوناني.

وقال عضو مجلس الدولة الليبي، إبراهيم صهد تعليقاً على تصريحات سامح شكرى:" إن "تصريحات وزير الخارجية المصري هي اعتراف وإقرار بالحقيقة، أن المذكرة "الليبية – التركية" لا تضر بمصالح مصر، وأعتقد أن التوصل لإصدار هذا التصريح قد تم بعد مراجعة من الجانب المصري".

لأن "هذه المذكرة قد تتيح لمصر تصحيح مساحات مياهها الإقليمية لمعاودة التفاوض مع اليونان، أما بخصوص تأثر اليونان بموقف مصر، فهذه الدولة الأوروبية تتحرك بدافعين؛ الأول: حرصها على استمرار استحواذها على مساحات لا تمتلكها بموجب قانون البحار، والثاني هو طبيعة علاقاتها مع تركيا، المؤسسة على عداء تقليدي منذ انهيار الدولة العثمانية".

أثر تطبيع العلاقات على ملف المعارضة المصرية:

من المعروف أن تركيا تحتضن المعارضة المصرية على أراضيها، وأن عدداً من القنوات والمنصات الإعلامية المعارضة للنظام الانقلابى  تبث وتنطلق  من تركيا.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ماهو أثر تطبيع العلاقات بين البلدين على المعارضين المصريين الموجودين على الأراضى التركية؟

بداية نقول: إن عودة العلاقات بين البلدين لن يكون بالصورة التى يتوهمها البعض بأن ستكون علاقات استراتيجية ، أو أنها ستؤدي إلى تحالف بين الدولتين أو ماشابه.

في حالة ما إذا تم إزالة التوتر وتحسين العلاقات بين البلدين فلن يزيد عن عودة السفراء،أو زيادة حجم التبادل التجاري، وإيقاف الملاسنات  والحملات الإعلامية بين الطرفين .

وهو ما يعني أن تطبيع العلاقات بين البلدين لن يؤثر على وضع المعارضة المصرية، التي لازالت تشكل صداعاً للنظام الانقلابي في مصر.

وليس كما يتوهم بعض الحالمين، بأن تحسن العلاقات سيؤدي حتماً إلى التخلص من الإخوان ومنصاتهم الإعلامية التي كشفت فساد النظام في أكثر من مناسبة.

وإليك نماذح من هذه الأمنيات الحالمة بطرد الإخوان من تركيا :

- قال بشيرعبد الفتاح، صحفي مؤيد للنظام الانقلابي : الرئيس التركي سيبيع "ورقة" الإخوان المحروقة

"فيما يتعلق بورقة الإخوان هو مستعد للتنازل عن هذه الورقة وبيعها خصوصا أنهم باتوا ورقة محروقة بعد أن كان يعتقد أنها (ورقة جوكر) سيكسب بها كل شيء"، وأنه "سيتم بيع الإخوان من قبل النظام التركي بطريقة معينة ربما بتسليم بعضهم أو يتم نقلهم إلى دولة أخرى". وإن "الضغوط باتت قوية على النظام التركي، وكل احتمالاتهم تبدلت وتغيرت".

- بدوره قال المحلل والكاتب السياسي التركي محمد عبيد الله إن "أردوغان" في حاجة إلى التنفس ونظامه السياسي والاقتصادي على وشك الانهيار بعد الانشقاقات الداخلية، ولهذا هو يريد استعادة العلاقات مع مصر.

و"الرئيس التركي يعتبر أن أزمة ليبيا ستكون البوابة لاستعادة العلاقات مع القاهرة، بشكل أو بآخر تحت داعي التنسيق، لكنه في الوقت ذاته يريد أن تأتي مصر مرغمة وهذا لن يحدث، والمصالحة مع مصر تشكل للنظام التركي أملاَ جديداً لاستعادة أنقرة توازنها في المنطقة"

أضاف أن الاتجاه للمصالحة مع مصر يعكس  تناقضا كبيرا، لأن النظام الحالي في مصر هو النظام الذي كان يهاجمه من قبل ولم يتغير شيء في مصر.

ووصف أردوغان بأنه "رجل مصلحجي يمكنه التحالف مع أي نظام إذا كان في صالحه، أما جماعة الإخوان سيكونون في موقف محرج أعتقد ذلك"، حيث ترى القاهرة أن هذه القنوات تبث مواداً دعائية كاذبة عن قيادتها السياسية، كما سبق وأن حرض مقدم برنامج على إحدى هذه القنوات على قتل أفراد من الشرطة والجيش المصريين، بينما دافع ثانية عن هشام عشماوي، ضابط الصاعقة الذي تم إعدامه قبل شهور بعد إدانته بتهم إرهابية.

فضلاً عن ذلك فإن تركيا تتعامل مع المصريين المتواجدين على أراضيها أنهم "معارضة سياسية" لا يجب تسليم أفرادها.

في المقابل، قال حمزة تكين المحلل التركي القريب من النظام: "من غير المعقول أن تسلم تركيا أشخاصا مهددين بالإعدام والقتل، وهي لا تأوي هذه القنوات أوهؤلاء الأشخاص لانتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين، بل هم موجودون بصفة قانونية، ولن تغلق القنوات لأنها مرخصة وتعمل وفق القوانين الطبيعية التركية".

العلاقات الاقتصادية بعيدة عن التوترات:

 بالرغم من التوتر الذي طرأ على العلاقات المصرية التركية، عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013، بقيت العلاقات الاقتصادية ، كما هى بل شهدت تطوراً ملحوظاً، من خلال ارتفاع حجم التبادلات التجارية السنوي الذي حقق رقماً قياسياً تاريخياً فبلغ 5.24 مليار دولار، حيث بلغ حجم الصادرات التركية إلى مصر 3.05 مليارات دولار، والواردات التركية من مصر 2.19 مليار دولار، حسب بيانات هيئة الإحصاء التركية، وارتفع في عام 2019، ليتجاوز 6 مليارات دولار.

 ولم تنقطع مطلقاً الزيارات المتبادلة لرجال الأعمال بين الدولتين، على الرغم من توتر العلاقات بينهما، الأمر الذي يفيد بأنه في عالم الاقتصاد تكون الغلبة دوماً للمصلحة المشتركة والمتبادلة للأطراف.

وقال القائم بالأعمال التركي في مصر، مصطفى كمال الدين آريغور، إن القاهرة وأنقرة حققتا رقمًا قياسيًا في حجم التجارة البينية منذ عام 2018.

جاء ذلك في كلمة ألقاها آريغور، بمأدبة إفطار نظمتها جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين، ومركز الثقافة التركي "يونس إمرة"، بأحد فنادق العاصمة القاهرة، حضرها ممثلون عن هيئات دبلوماسية وسفراء ورجال أعمال ومثقفين من البلدين يوم 23/5/2019.

وأشار آريغور، استنادا إلى بيانات هيئة الإحصاء التركية لعام 2018، إنّ البلدين حقّقا رقمًا قياسيًا تاريخيًا، في السنوات الأخيرة، في حجم التجارة، بلغ 5.24 مليار دولار.

وبلغ حجم الصادرات التركية إلى مصر 3.05 مليار دولار في 2018، أي بزيادة تقدر بنحو 29.4 بالمئة مقارنة بعام 2017.

أما الواردات التركية من مصر، وفق آريغور، فوصل حجمها، في 2018، إلى 2.19 مليار دولار، بزيادة وصلت نسبتها 9.68 بالمئة مقارنة بالعام السابق له.

وبالنسبة له، فإن "الزيادة في حجم الصادرات المصرية إلى تركيا لعام 2018، تعد رقمًا قياسيا مقارنة بالأعوام الماضية أيضًا".

إذن بقي الملف الاقتصادي بعيدا عن التوترات السياسية، إذ تجاهل البرلمان المصري مطلع 2020 طلبا بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع تركيا عام 2007، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2013، وكان مقررا أن تنتهي الاتفاقية رسميا نهاية 2020، إلا أنه لم يتم إلغاؤها،  وهي تتيح لأحد الطرفين، الراغب في إنهاء الاتفاقية  إبلاغ الطرف الآخر قبل 6 أشهر من اتخاذ قرار إنهائها، وهو مالم يحدث من أى من الطرفين مما يؤشر إلى استمرار تفعيلها.

أهمية ورقة الإخوان بالنسبة لتركيا:

يتوقع البعض أن "تلقي تركيا بورقة الإخوان المسلمين،  للبحث عن مصالحة حول ليبيا وشرق المتوسط والحوار مع أكبر دولة عربية تأثيرا وعددا بالسكان ولديها دور تاريخي معلوم".

فقد ذكر الكاتب سعيد عبد الرازق في "الشرق الأوسط" اللندنية، أن مصر "أكدت تلقيها دعوات تركية لفتح قنوات اتصال معها على المستويين السري والعلني؛ بغرض تحسين العلاقات؛ لكنها شددت على أن خطواتها في هذا السياق لا تأتي بشكل منفرد، ورهنت أي تقارب مع أنقرة بالتنسيق مع دول الرباعي العربي الداعية لمكافحة الإرهاب".

وفي جريدة "القرار" التركية المعارضة، أشار إبراهيم كيراس إلى أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غيّر من لهجته حيال الرئيس السيسي، معبرا عن مدى قوة العلاقات التركية المصرية حينما وجد نفسه في وجه المدفع.

وقد راهنت تركيا على جماعة الإخوان المسلمين بشكلٍ رئيسي خلال السنوات الماضية؛ وهو ما لم يرتبط فقط باستضافة قياداتها الهاربين على أراضيها ودعمهم مالياً؛ ولكن في تبنِّي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مطالبهم بشكل واضح والدفاع عنهم باعتبارهم معارضين للاضطهاد في مصر؛ بسبب النظام العسكري الذي أطاح بحكم الجماعة بعد انتخابها.

الموقف التركى الرسمي من المعارضة المصرية:

ومما يؤكد أن تركيا لن تتصرف حيال المعارضة المصرية بطريقة براجماتية، في مقابل المصالحة أو تحسين العلاقات مع مصر، ماذكره مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الدكتور ياسين أقطاى في رده على أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات بشأن عودة العلاقات بين تركيا والإمارات.

وكان قرقاش قال إن الإمارات ترغب في إقامة علاقات طبيعية مع أنقرة، تنطوي على احترام متبادل للسيادة، داعيا أنقرة لإعادة النظر في علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، حتى تحسن علاقاتها مع الدول العربية.

فقال ياسين أقطاي: " لا يحق للإمارات فرض شروط سخيفة على تركيا،  وأن إحلال السلام، وحل النزاعات بين دول الخليج لا يتعارض مع تركيا، مؤكدا أن بلاده منذ البداية لم تكن راغبة بمثل هذه الخلافات."

وقال إن "العلاقات بين تركيا وقطر، لم يكن الهدف منها إفساد العلاقات مع الآخرين"، مشيرا إلى "أنها لم تبق صامتة بشأن العملية الموجهة ضد قطر بموجب اتفاقية التعاون الدفاعي القائمة بين أنقرة والدوحة".

وحول الموقف الإماراتي تجاه تركيا، أكد أقطاي أنها "وقفت دائما ضد تركيا، فقد كانت تدعم محاولات الانقلاب، وتمويل الأنشطة الإرهابية في تركيا، وتنظيم انقلابات وعمليات مضادة في البلدان التي تتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا، كانت أنشطة إماراتية روتينية، ومع ذلك يأتي قرقاش ليشترط على أنقرة لتحسين العلاقات بين بلاده وتركيا، وقف دعم جماعة الإخوان المسلمين."

أضاف: "لا يمكن للإمارات على مدى السنوات الأخيرة أن تتجرأ لطلب شيء من تركيا، وعليها أن تقف لتواجه حسابا أمام تركيا والإنسانية جمعاء، على ما قامت به من جرائم".

وتساءل أقطاي: "ماذ يعني طرح مثل هذا الشرط السخيف، في الوقت الذي يجب فيه محاسبتها على جرائمها الممنهجة التي ارتكبتها في اليمن ومصر وليبيا وسوريا والصومال بالإضافة لتركيا؟".

وأكد أن الشرط الإماراتي "سخيف للغاية" لأن تركيا ليس لها أى نهج سياسي داعم لجماعة الإخوان المسلمين، وقرقاش بتصريحاته لا يعي ما يقوله، مضيفا أنه "حتى إن كانت تركيا تدعم الإخوان المسلمين، ما علاقتك بذلك؟ وإن أي موقف تركي ينبع في إطار حقها السيادي".

وقال إن "الإمارات قامت بتصفية جميع المعارضين فيها بالكامل، وتركتهم على مشانق الإعدام أو السجن، ولم تكتف بذلك، وقامت بمطاردة كل شخص يعرف بأنه ينتمي لجماعة الإخوان في بلدان أخرى، وعليه فإنها لم تتوقف عن ارتكاب كافة أنواع الجرائم ضد الإنسانية".

و"عندما لا تغلق تركيا أبوابها أمام الأشخاص الذين فروا من الإعدام غير الشرعي، أو السجن في مصر، بغض النظر عما إذا كانوا من الإخوان أم لا، فهذا لا يعني أنها تدعم الإخوان، فهي تطبق فقط سياسة احترام حياة الإنسان وكرامته في إطار ’حقوقها السيادية الخاصة‘".

وأشار إلى أن النظام المصري، ليس لديه أي احترام لحياة الإنسان، وتتم عمليات الإعدام دون حساب أو حكم.

العلاقة بين تركيا و«الإخوان المسلمون»:

العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وتركيا عريقة، فجماعة الإخوان  تأسست بالأساس كرد فعل على سقوط الخلافة العثمانية .

 وابن الإمام المؤسس الأستاذ أحمد سيف الإسلام متزوج من سيدة تركية، فضلا عن أن تركيا   احتضنت منذ القدم – بما يمليه عليها تاريخها – العديد من الشعوب المهاجرة، بما في ذلك المجتمعات غير المسلمة مثل اليهود والروس والمجر، ومن مناطق مختلفة مثل الأندلس والبلقان والقوقاز.

وقد واصلت تركيا هذا الدور حتى اليوم من خلال استقبال عشرات الآلاف من الناس، الذين لجأوا إليها في السنوات الأخيرة من العراق واليمن وسوريا وليبيا والصومال وفلسطين ومصر، ولم تغلق أبوابها في وجوههم. وهي بذلك تحمي اللاجئين إليها من منطلق إنساني، مثلما تستقبلهم كندا وألمانيا وبريطانيا وأستراليا بموجب قرارات الأمم المتحدة.

 ومن بين ملايين العرب اللاجئين إلى تركيا، هناك من يتبنى الليبرالية والشيوعية والفكر القومي والسلفي، وآخرون ينتمون إلى جماعة الأخوان المسلمين.

 ولم تستقبل تركيا هؤلاء لأنها تتبنى هذه الأيديولوجيات بل لأنها ترى الأمة جسدًا واحدًا منذ القدم، ولم تدعم أو تساند أيديولوجية معينة على الإطلاق.

كما أن العنصر الرئيسي للفكر الديني في تركيا تشكله شخصيات احتضنت الأمة كلها بأفكارها مثل يونس أمره مولانا جلال الدين الرومي. لهذا السبب احتضنت تركيا الشعوب التي تعرضت للظلم في هذه المنطقة، مهما كانت أفكارها، وبدون أن تميز بين شيعي وسنّي وهو ما تقتضيه هويتها التاريخية. ومن هذا المنطلق أيضًا، حرصت تركيا على احتضان وحماية شيعة العراق وإيران وأذربيجان ولبنان.

حتى في سنواتها الأولى، فتحت الجمهورية التركية أحضانها لعدد كبير من المفكرين العرب، الذين تعرضوا للنفي من أوطانهم، بدءا من الحاج أمين الحسيني وحتى عزة دروزة.

 وفي ستينيات القرن الماضي، ألّف المؤرخ الشهير جمال قوطاي، أحد الأصدقاء المقربين لمصطفى كمال، كتابًا يتناول جماعة «الإخوان المسلمين» ويسلط الضوء على دورهم في النضال ضد الغرب من أجل الاستقلال.

 وتوجد في تركيا أيضًا كتب كثيرة تتحدث عن الصداقة بين مصطفى صبري أفندي، آخر شيوخ الإسلام في الدول العثمانية، وحسن البنا، مؤسس الجماعة.

أسباب دعم النظام التركي للإخوان:

تركيا دولة محورية وقوة إقليمية ناهضة وتتطلع لدور دولي مستقبلي، فلذلك لابد لها من أعوان يعضدون تلك المكانة في مواجهة المحاور والمشروعات الإقليمية الموجودة.

ولاشك أن جماعة الإخوان المسلمين، بما تشكله من حاضنة شعبية كبيرة، نظراً لانتشارها في العديد من الدول في العالمين العربى والإسلامى، يجعل تركيا حريصة للغاية على العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، لأن تركيا في الوقت الراهن، وهى تقدم نفسها كقائد للمشروع السني، في الوقت الذي ترفض فيه السعودية ومن يلف لفها الدور التركي ، فلن يكون أمام تركيا إلا التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، لما تمثله من ثقل في العالم الإسلامي فضلاً عن أنها صاحبة مشروع إصلاحي  وسطي ، فليس من مصلحة تركيا التخلي عن جماعة الإخوان المسلمين.

وقال المهندس إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين، في تصريحات لـ"عربي21": "إذا ما حدثت مصالحة بين الطرفين (تركيا وسلطة الانقلاب) فلن تكون على حساب قضية الديمقراطية والحرية بمصر، ولن تكون على حساب جماعة الإخوان ولا أي طيف من أطياف المعارضة، كما أنها لن تكون على حساب المبادئ والقيم والأخلاق التي يعتنقها الشعب التركي ورئيسه السيد رجب طيب أردوغان، وبالتالي فلا نتوقع مطلقا تراجعا عن هذه المبادئ والقيم التي يؤمن بها الشعب التركي مع رئيسه تجاه قضية الشعب المصري وغيره من الشعوب التي تعيش نفس الحالة".

وأنه "في حال وجود تلك المصالحة التي يتحدث البعض عنها، فإنها ستكون في إطارها الطبيعي المُتعارف عليه بشأن مصالح الدول المختلفة التي قد تتفق أو تتعارض أو تتغير في أوقات بعينها".

واستنكر منير بشدة ما ردده بعض مؤيدي نظام السيسي بشأن تسليم المعارضين المصريين المتواجدين بتركيا إلى القاهرة، قائلا: "هذا أمر لم ولن يحدث على الإطلاق، وهي مجرد شائعات كاذبة وأوهام في عقولهم"، مؤكدا أن "الدنيا تتغير ومراكز القوى تنتقل من مكان لآخر، كما أن النظام العسكري المصري بدأ يفقد وظيفته في المنطقة، وباليقين هو يبحث الآن عن طريق للنجاة".

الخاتمة:

من خلال استعراض قضية عودة العلاقات المصرية التركية، والتخوفات التي يطرحها البعض، من أثر ذلك على المعارضة المصرية الموجودة في تركيا، هناك إرهاصات تشير إلى إمكانية عودة العلاقات بين البلدين بعد حالة الجمود التى سادت خلال فترة السنوات السبع الماضية، بعد الانقلاب على الرئيس مرسي.

 وفى ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، يمكن أن تشهد العلاقات بين البلدين حالة من التحسن، في ظل رغبة الدولتين في ذلك من خلال تصريحات متبادلة لمسؤلين أتراك ومصريين، لكن لايعنى هذا أن عودة العلاقات الدبلوماسية يعني بالضرورة حالة التطبيع الكامل بين البلدين ولا يعني أيضاً، أن تركيا تقوم بالتخلى عن الإخوان، أو طرد المعارضة المصرية وإغلاق القنوات والمنصات الإعلامية، التي تبث من تركيا، ولكن الأمرلا يعدو كونه إزالة حالة التوتر بين البلدين ووقف الحملات الإعلامية ، بالإضافة إلى زيادة حجم التبادل التجاري ليس إلا.