محمد الباز يكتب: مصافحة من خلف المتاريس

الخميس - 24 نوفمبر 2022

- محمد الباز
( كاتب مصري )

تناولنا في المقال السابق[1]، طبيعة العلاقة بين الدول المتقاربة في وزنها الاستراتيجي، وضرورة التمترس خلف الدروع لحماية مصالحها الاستراتيجية، أو لمنع الآخرين من التمدد فى نطاقات نفوذها.

في ختام مشاركته بقمة زعماء مجموعة العشرين، 17 نوفمبر الجاري، بجزيرة بالي الإندونيسية. صرّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، "إنه يمكن لبلاده أن تعيد النظر في علاقاتها مع كلّ من مصر وسوريا، وذلك بعد الانتخابات المقبلة، يونيو 2023."[2]

قبل ذلك، في 28 أكتوبر الماضي، أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري، "توقُّف جلسات المباحثات مع تركيا لأنه لم تطرأ تغيرات في إطار الممارسات من قبل أنقرة."[3] ، كان ذلك في حوار خاص لقناة العربية.

قبل ذلك بأيام، في منتصف أكتوبر، كانت صياغة العزاء المصري في ضحايا المنجم التركي، تُميّز بوضوح بين الشعب التركي الصديق، والحكومة التركية، حيث صرح المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، "خالص تعازي مصر للشعب التركي الصديق، والدولة التركية، في ضحايا انفجار المنجم".[4]

وفي قفزة كبيرة إلى الأمام، على مسار التقارب المصري التركي، عُقد أول لقاء بين السيسي وأردوغان، على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر، لتأكد قطر بهذا ريادتها على مستوى الوساطة الدولية. وإشارة لفتح مسار المفاوضات من جديد بين البلدين فى المستوى الأعلى "الرئاسة".

طريق الألف ميل

باختصار شديد، ماذا يعني تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا؟، هو طريق طويل لبناء تحالف بين أقوى دولتين فى الشرق الأوسط وشرق المتوسط، وهو علاقات اقتصادية مفتوحة تضم أكبر سوق استهلاكي إقليمي (200 مليون نسمة تقريبًا)، وهو تعاون عسكري بين أقوى جيشين فى المنطقة، وهو تنسيق مواقف مشتركة بين دولتين لا يمكن للسياسة الدولية تجاوز إرادتيهما.

وبغض النظر عن النظرة الحالمة بهذا المستوى من العلاقات، ومدى القدرة على الوصول لهذا القدر من التعاون والتنسيق، إلا أن أي تقدم على هذا الطريق، يعتبر خُطوة تستحق الثناء والدعم، مِن كل مَن يرجو الخير للدولتين والشعبين.

تثبيت الدروع

زارَ رئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل[5]،بنغازي، للقاء قائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر، بعد عشرة أيام فقط، من توقيع مذكرات تفاهم في مجالات التدريب الأمني والطاقة النفطية والغاز، بين تركيا وحكومة عبد الحميد الدبيبة، وذلك خلال زيارة وفد تركي رفيع المستوى إلى طرابلس- ليبيا.

تتشابه مقاربة "تثبيت الدروع" و "عض الأصابع" كثيرًا، فعلى الرغم من أن تركيا تحاول باتباع سياسة "تثبيت الدروع" دفع مصر نحو المصالحة، إلا أنه من المتوقع رد فعل مصري معاكس في الشرق، في محاولة لتثبيت الأمور على الجبهة الشرقية وتقويتها في مواجهة الجبهة الغربية. يتسم المجال السياسي بين الدول في الملفات التى تحتاج إلى دروع وحماية بالتشنج، كما أنه من الصعب تجاوز هذه الدروع أو اختراقها، لا سيما عند تقارب كفة الدولتين فى الوزن الاستراتيجي[6].

في محاولة للفهم، يمكن تصور نجاح تركيا فى دفع مصر قُدمًا على مسار التقارب، مع محافظة كلتا الدولتين على تثبيت الدروع لحماية مصالحهما. كذلك، نجاح وساطة قطر، سواء كان ذلك بتحريض تركيا أم لا. ولكن من الوهم تصور أن خطوات التقارب تعني تخلى أيًّ من الدولتين عن الدروع.

الموازنات الشاقة

على عكس الكثير من الدول، تُجيد مصر لعبة الموازنات الشاقة بين الدول، أو خلال الأزمات. ومن ذلك، موازناتها خلال الحرب الروسية الأوكرانية بين المعسكرين، الغربي والروسي. والأمثلة على ذلك كثير[7].

ستتطلب عودة العلاقات مع تركيا من مصر، المزيد من الجهود للحفاظ على توازنات علاقاتها مع دول المنطقة، خليجيًا (الإمارت)، شرق أوسطيًا (اليونان)، خصوصًا فيما يتعلق بتنسيق المواقف بين دول تلك المنطقة، حول رؤاهم لحل الأزمات (ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط – الأزمة السياسية ليبيا – شمال سوريا – أكراد العراق).

على الرغم أن أنقرة بدأت صباح الأحد 20 نوفمبر 2022، عملية عسكرية جوية ضد المقاتلين الأكراد في سوريا والعراق، إلا أن بيان الخارجية المصرية المعتاد عقب هذه الأحداث، للاستنكار أو استشعار القلق من التدخل التركي في الشؤون الداخلية للدول العربية، تأخر، ربما حتى لا يفسد لحظة المصافحة[8].

بعد ثلاثة أيام فقط، من مصافحة السيسي وأردوغان، قام الفريق أول محمد زكى وزير الدفاع المصري والسيد نيكولاوس بانايوتوبولوس وزير الدفاع اليوناني بتوقيع مذكرة تفاهم فى مجال البحث والإنقاذ الجوى والبحرى بين الجانبين المصري واليوناني، وذلك بحضور سامح شكري وزير الخارجية المصري ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس.[9]

انتقدت تركيا إبرام مذكرة التفاهم، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية تانجو بيلغيتش[10]، الأربعاء، 24 نوفمبر الجاري، موجةً اللوم لليونان، في إشارة واضحة ومستمرة على حرصها تطوير مسار التقارب مع مصر.

خلال السنوات القليلة الماضية، تعمّقت العلاقات المصرية اليونانية كما لم تكن من قبل، فاليونان هي الدولة الوحيدة، غير العربية، التي استقبلت عدلي منصور الرئيس المؤقت، كما تقوم اليونان بدور فعّال للغاية للدفاع عن مصر فيما يخص قضايا حقوق الإنسان في أروقة الاتحاد الأوروبي.

الخلاصة

يمكننا القول، إن القيادة السياسية التركية التي أيقنت - متأخرةً - أن موقفها المتشدد من النظام المصري، لن يُجدي نفع، عازمة على إعادة الأمور إلى نصابها، ولا يعني هذا بالضرورة إنقلاب موقف الحكومة التركية من المعارضة المصرية، ولكن يعني المزيد من الحدود والضوابط لوجود المعارضة وتحركاتها.

بالإضافة إلى ذلك، يعيش النظام المصري نشوة إنتصارات متتالية ( قمة المناخ – المفاوضات النووية الأمريكية الروسية – عودة أردوغان وتميم )، وغيرها، فليس من المتوقع، أن يُقدِم على نزع أى درع يحمى مصالحه أو رؤيته تجاه الأزمات فى المنطقة.

على الرغم من أن حجم الحوافز المحتملة للبلدين نتيجة المصالحة، كبيرة جدًا، إلا أنه من غير الراجح، حصول تغييرات جوهرية ملموسة على الأرض سريعًا، نتيجة تناقض وجهات النظر حول أزمات المنطقة وسُبل الخروج منها.

المصافحة هي بداية الطريق، لا تعني المصافحة بين السيسي وأردوغان، أو حتي لقاؤهما المرتقب، وصول قطار المصالحة إلى محطته الأخيرة، ولكن دخول المستوى الأعلى "الرئاسة"، فى كلا البلدين، على مسار المفاوضات حول القضايا ذات الإهتمام المشترك.