محمد الباز يكتب: القاهرة وأنقرة.. "تثبيت الدروع"

الخميس - 6 أكتوبر 2022

- محمد الباز
( كاتب مصري )

منذ مطلع العام 2021، وقبل جولة المفاوضات الاستكشافية الأولى بين مصر وتركيا، مايو 2021، والتى استغرقت يومين فى مقر وزارة الخارجية المصرية، برئاسة السفير حمدي لوزا نائب وزير الخارجية المصري، والسفير سادات أونال نائب وزير الخارجية التركي، ومرورًا بالجولة الثانية، التى عقدت يومى 7 و 8 من سبتمبر 2021، بأنقرة وحتى اليوم، والتكهنات حول تقدم مسار التقارب بين البلدين متلاحقة.

حتى الآن، لم تظهر على الساحة خطوات عملية على مسار التقارب المزمع بين البلدين، على الرغم من وفاء الجانب التركي بتعهداته بتقييد الخطاب الإعلامى المعارض لنظام الحكم فى مصر، الذي يعمل من الأراضي التركية، لكن يبدو أن حجم العوائق فى مسار التقارب أكثر من الحوافز التى تحدثنا عنها سابقًا[1].

عقد وزيرا خارجية ليبيا وتركيا مؤتمراً صحافياً فى طرابلس، الاثنين، 3 أكتوبر الجاري، أعلنا خلاله توقيع مذكرات تفاهم في مجالات التدريب الأمني والطاقة النفطية والغاز، وذلك خلال زيارة وفد تركي رفيع المستوى إلى ليبيا ضمت وزراء الخارجية والدفاع والطاقة والتجارة، إضافة لرؤساء الأركان، ودائرة الاتصال بالرئاسة التركية، وكبير مستشاري الرئيس أردوغان.

على الرغم من اعتراض مصر واليونان على الإتفاقية، ووصفهما حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة بالمنتهية الصلاحية، وفق ما صرح به المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد أبو زيد[2]، فإن رد الفعل التركي الصارم تجاه اليونان، والمتغاضي عن التصريح المصري، يعكس حرص أنقرة على مسار التقارب مع القاهرة.

وفي هذا السياق، أكد الناطق باسم وزارة الخارجية التركية طانجو بيلغيتش، عدم أهمية التصريحات الصادرة من اليونان والاتحاد الأوروبي بحق مذكرة التفاهم في مجال الموارد الهيدروكربونية بين تركيا وليبيا، بالنسبة لأنقرة[3].

تثبيت الدروع

بنت تركيا درعها الحامى لمصالحها فى شرق المتوسط، بتوقيع مذكرة تفاهم مع ليبيا حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، فى 27 سبتمبر 2019، تلك المذكرة التى لم تلق أى دعم دولى، وتسعى تركيا بتوقيع مذكرات تفاهم حول تعاون نفطى وأمنى داخل هذه الحدود إلى تثبيت دروعها فى شرق المتوسط.

ليس من السهل، تقدير حجم الضرر الذي أصاب مسار التقارب المصري التركي، نتيجة التوقيع على هذه المذكرات، ولكن من المرجح أن تكبح وتيرة التقارب البطيء أصلاً.

على الجانب الآخر، غرست مصر درعها فى شرق ليبيا، منذ اصطفت ودعمت معسكر الشرق، بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وبعد أن ثبتت وجودها فى الشرق توجهت لتفتح الباب لعلاقات مع الغرب بقيادة الدبيبة، فى موازنة شاقة بين الشرق والغرب، حيث زار رئيس الوزراء المصري طرابلس على رأس وفد وزارى كبير، فى 20 أبريل 2021، كان ذلك قبل أن تنقلب القاهرة مرة أخرى على الغرب، وتدعم حكومة فتحى باشاغا التى تشكلت فى أول مارس الماضي2022.

على كل حال، تُجيد تركيا سياسة التمترس خلف الدروع لتحقيق مصالحها، كان آخرها عندما استعملت حق الفيتو لمنع انضمام فنلندا والسويد للناتو، لحل بعض القضايا العالقة معهما، منذ أيام أعلنت السويد، رفع حظر تصدير الأسلحة إلى تركيا، على خلفية تقدمها بطلب الانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي[4].

النواة الصلبة

منذ تفجرت الأزمة بين مصر وتركيا، عقب انقلاب 3 يوليو 2013، حافظت الدولتان على مستوى مقبول من العلاقات الإقتصادية، كما بقيت النواة الصلبة للتنسيق الأمنى لمكافحة الإرهاب العابر للحدود بعيدة عن الأزمة.

بقيت مصر الشريك الإفريقى الأكبر لتركيا، منذ 2013 وحتى الآن. مع ذلك لا يمكن وصف التبادل التجارى بين دولتين بحجم مصر وتركيا البالغ 6 مليارات دولار بأكثر من المقبول، حيث كان من الممكن جدًا فى ظل علاقات سياسية مستقرة أن يكون حجم التبادل التجارى 10 مليارات دولار[5]، لاعتبارات كثيرة أهمها الديموغرافيا والجغرافيا السياسية، مع الأخذ فى الاعتبار أن 1.1 مليار دولار من قيمة التبادل التجارى الحالى هى صادرات طاقة مصرية لتركيا.

لم تتردد تركيا فى التلميح بورقة الاستثمارات التركية فى مصر، كجزرة على مسار التقارب، وأداة لتحفيز شهية المصريين نحو تطبيع العلاقات، تخطت الاستثمارات التركية في مصر الملياري دولار في 2021[6].

تصريحات وتكهنات

فى 27 سبتمبر الماضى، صرح القائم بالأعمال التركي فى مصر صالح موتلو شين، بأن " مصر هي الشريك الموثوق لتركيا في مجال أمن الطاقة[7]."

وفى 19 أغسطس الماضى، قال الرئيس أردوغان، بشأن العلاقات بين أنقرة والقاهرة: "العلاقات على المستوى الرفيع ليست في مكانها المطلوب حاليا".

وأضاف: "لنواصل العمل على المستوى الوزاري، ومن ثم نأمل أن نتخذ خطوة أخرى بأفضل الطرق نحو المستويات الأعلى".

وتابع: "لأن الشعب المصري شعب شقيق ولا يمكن أن نكون في حالة خصام معه، لذا علينا ضمان الوفاق معه بأسرع وقت".، بحسب ما أوردته الأناضول[8].

أما على صعيد التكهنات، فمنذ بدأ الحديث عن التقارب بين البلدين والتكهنات لم تهدأ، وكان آخرها، ترتيب لقاء على مستوى وزراء الخارجية على هامش قمة الأمم المتحدة التى عقدت 16-19 سبتمبر الماضي، ويبدو أنها تبددت كسابقاتها.

المهم الآن، التكهن حول مستوى التمثيل التركي فى مؤتمر المناخ القادم فى مصر، وقبل ذلك، مستوى الدعوة الموجهة من مصر إلى تركيا، وخصوصًا أن التجارب السابقة واجهت استقبالًا باردًا، حيث زار مصر وزيرين تركيين: الأول، حين زارت وزيرة الأسرة التركية مصر، بهدف المشاركة في المؤتمر الوزاري الثامن لمنظمة التعاون الإسلامي حول دور المرأة، فى يوليو 2021. الثانى، عندما شارك وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي، في أعمال الدورة الـ 47 للاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية يونيو 2022، المقامة فى شرم الشيخ.[9]

خلاصات

من المستبعد أن تتأثر النواة الصلبة للعلاقات بين البلدين، وخصوصًا على المستوى الأمنى، أما على المستوى الاقتصادي فمن الراجح أن ينمو حجم التبادل التجارى بنسبة ضعيفة، مدفوعًا بأمرين: الأول التضخم العالمي، الثاني: زيادة قدرة مصر على تصدير الغاز الطبيعي.

كما أنه من المرجح، ألا تثير ورقة الاستثمارات التركية شهية المصريين، نظرا لضعف حجمها.

ستستمر التكهنات والتصريحات من الجانب التركي الودودة تجاه مصر، ويبقى التمثيل التركى فى مؤتمر المناخ القادم هو الحدث المنتظر في مسار التقارب المصرى التركى.

تتشابه مقاربة "تثبيت الدروع" و "عض الأصابع" كثيرًا، فعلى الرغم من أن تركيا تحاول باتباع سياسة "تثبيت الدروع" دفع مصر نحو المصالحة، إلا أنه من المتوقع رد فعل مصرى معاكس فى الشرق، فى محاولة لتثبيت الأمور على الجبهة الشرقية وتقويتها فى مواجهة الجبهة الغربية. يتسم المجال السياسى بين الدول فى الملفات التى تحتاج إلى دروع وحماية بالتشنج، كما أنه من الصعب تجاوز هذه الدروع أو اختراقها، لاسيما عند تقارب كفة الدولتين فى الوزن الاستراتيجي.

بالتأكيد، ليست الدروع المذكورة فقط هى ما تتحصن به مصر وتركيا على مستوى الملف الليبي، فهناك دروع على مستويات متعددة، منها العسكرى، وبناء التحالفات، والوجود على الأرض، مما لا يتسع المجال لتفصيلاتها هنا.

فى ظل هذه الأجواء، وبناءًا على ما سبق، لن تراوح العلاقات المصرية التركية مكانها، على الأقل فى المدي المنظور، على المستويات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية أيضًا.