مستشفيات مصر... إهمال للمرضى واعتداء على الأطباء

السبت - 21 مايو 2022

  • الإهمال الطبي المتصاعد وضعف الميزانية المرصودة لوزارة الصحة  تدمر مستشفيات مصر
  • المؤسسات الصحية عاجزة بشكل كامل عن القيام بدورها والمواطن,ن يلجأون للمستشفيات الخاصة
  • وفاة مريض في مستشفى معهد ناصر  نتيجة حريق اندلع في إحدى غرف الرعاية المركزة  
  • وقائع الاعتداء على الأطباء  تتكرر في وقت تعاني فيه مصر من عزوف كثير من الأطباء عن العمل
  • العجز الصارخ في المستشفيات وضعف الرواتب دفع كثير من الأطباء للهروب من القطاعات الحكومية
  • 11 ألفا و536 طبيباً استقالوا من القطاع الحكومي منذ بداية 2019 حتى 20 مارس  2022 
  • نسبة الإنفاق العام على الصحة في ميزانية  الدولة  أقل من المقرر دستوريا  ومخصصات التأمين الصحي تتراجع

 

أصبح من الواضح في ظل الإهمال الطبي المتصاعد وضعف الميزانية المرصودة لوزارة الصحة بمصر ، أن المؤسسات الصحية عاجزة بشكل كامل عن القيام بدورها، مما يضطر المواطنين  للذهاب للمستشفيات الخاصة والتي رغم أرتفاع أسعارها لم تقدم الرعاية المطلوبة.

 وبخلاف الإهمال الطبي نجد أن المستشفيات الحكومية شهدت وقائع تكرار الاعتداء على الأطباء  في وقت تعاني فيه مصر من عزوف كثير من الأطباء عن العمل في المستشفيات الحكومية.

وقد اكد تقرير حديث  لنقابة الأطباء أن 11 ألفا و536 طبيباً  أستقالوا خلال الفترة من بداية عام 2019 حتى 20 مارس  2022 ، ومن خلال سطور هذا التقرير نفتح هذا الملف:

إهمال للمرضى واعتداء على الأطباء

أصبح من الواضح في ظل الأهمال الطبي المتصاعد وضعف الميزانية المرصودة لوزارة الصحة بمصر ، أن المؤسسات الصحية عاجزة بشكل كامل عن القيام بدورها ، مما يضطر المواطنين  للذهاب للمستشفيات الخاصة والتي رغم أرتفاع أسعارها لم تقدم الرعاية المطلوبة ، وفي هذا السياق  قررت السلطات المصرية غلق مستشفى خاص متخصص في علاج أمراض العيون، بعد وفاة مريضة من جراء الحقن بمادة صبغية لتصوير قاع العين من دون إجراء اختبار حساسية، حسب بيان رسمي لنقابة أطباء مصر، أكد أن حدوث الحساسية من هذه الصبغة يتوقف على الجهاز المناعي للمريض، وأنه لا علاقة للطبيب أو المنشأة بحدوثها من عدمه.

بعد تلك الواقعة بأيام، توفي مريض في مستشفى معهد ناصر الحكومي، وأكدت عائلته أن الوفاة كانت نتيجة حروق أصابته بسبب حريق اندلع في إحدى غرف الرعاية المركزة بالمستشفى الشهير، وأدى إلى إصابة المريض البالغ 48 سنة بحروق بالغة في الجسم.

في مقابل حالات الإهمال الطبي تلك، سجلت حالات اعتداء على أطباء داخل مستشفيات أثناء تأدية عملهم، ففي مستشفى سوهاج الجامعي، كانت إحدى المريضات محجوزة في قسم العناية المتوسطة لعلاجها من غيبوبة سكري، وبعد تلقّيها الرعاية الطبية اللازمة، وتحسّن حالتها، تم تحويلها إلى القسم الداخلي الباطني لاستكمال العلاج، لكن الأمر أغضب أفرادا من عائلتها الذين طلبوا إبقاءها في العناية، فلما رفض الفريق الطبي ذلك، اعتدى أحد أشقائها ووالدتها المرافقة لها لفظياً على طبيبتين وطبيب، وكانت الحجة هي رغبتهم في إبقائها في الرعاية المتوسطة نظراً لمنع دخول الرجال إلى قسم السيدات في المستشفى.

وقضت محكمة جنح سوهاج في جلستها المنعقدة يوم 11 مايو/أيار الجاري، بحبس السيدة والرجل لمدة شهر لكل منهما، بعد إدانتهما بتهمة التعدي على موظفين عموميين أثناء تأدية عملهم.

في واقعة اعتداء أخرى على أطباء، اعتدى أهالي مريض بدنياً على طبيب في مستشفى القاهرة الجديدة، ما ترتب عليه إصابة الطبيب بإصابات عدة، من بينها كسر في عظام الجمجمة، وتجمع دموي في الجيوب الأنفية، وارتجاج في المخ، وكدمات في الرأس، فضلاً عن إحداث تلف في معدات المستشفى، وتعطيل الفريق الطبي عن علاج المرضى.

وتأتي وقائع الإهمال الطبي والاعتداء على الأطباء المتكررة في وقت تعاني فيه مصر من عزوف كثير من الأطباء عن العمل في المستشفيات الحكومية، وكذلك بالتزامن مع حالات استقالات واسعة تهدد المنظومة الصحية.

الإهمال الطبي والاعتداءات.. وجهان لعملة واحدة

والإهمال الطبي والاعتداء على الأطقم الطبية، وجهان لعملة واحدة في مصر، هي غياب تشريعات المسؤولية الطبية وحماية الأطقم الطبية، ففي غياب قانون يوضح طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض، ومفهوم الخطأ الطبي؛ يتصدى قانون العقوبات المصري لجريمة الإهمال الطبي، إذ تنص المادة 244 منه، على أن "من تسبب خطأ في جرح شخص، أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله، أو رعونته، أو عدم احترازه، أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه (11 دولارا أميركيا)، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

وطبقاً للمادة نفسها "تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين، وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه (16 دولارا)، أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة، أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث، أو رفض وقت الحادث مساعدة من وقعت عليه الجريمة، أو عن طلب المساعدة مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين"

وتجدد تلك الوقائع المطالبة بسرعة إصدار قانون المسؤولية الطبية، والذي تقدمت به نقابة الأطباء إلى رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، وأمدته بنسخة كاملة من مشروع القانون الذي أعدته النقابة للتأكيد على الضرورة الملحّة لتشريعه، حتى تستقيم المنظومة الصحية، ويتم ضبط آليات تقديم الخدمات الصحية.

أرقام مفزعة عن هروب الأطباء

وحول هروب الأطباء من القطاع الحكومي بل والهروب من مصر ، أصدرت نقابة أطباء مصر، في وقت سابق، تقريراً ضم أرقاماً "مفزعة" على حد وصفها، رصدت فيه عدداً هائلاً من استقالات الأطباء من مستشفيات القطاع الحكومي خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ استقال 11 ألفا و536 طبيباً خلال الفترة من بداية عام 2019 حتى 20 مارس/آذار 2022، وتزامن ذلك مع طفرة في أعداد الأطباء الذين غادروا البلاد للعمل في الخارج، سواء لزيادة الطلب على الأطباء خلال جائحة كورونا، أو هرباً من الأجور المتدنية وظروف العمل السيئة في مصر.

ورصدت إحصائيات نقابة أطباء مصر في تقرير حديث، أن عدد الأطباء المتاحين مقارنة بعدد المرضى في عموم البلاد انخفض إلى 8.6 أطباء لكل 10 آلاف مريض، بينما المعدل العالمي يشترط أن لا يقل المعدل عن 23 طبيبا لكل 10 آلاف مريض.

وأفادت النقابة في تقريرها بأنّه في عام 2019، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان في البلاد، دراسة حول مدى احتياجات مصر للأطباء البشريين ومقارنتها بالمعدلات العالمية. وقد قدّرت الدراسة عدد الأطباء البشريين الحاصلين على ترخيص لمزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018، من دون الأطباء المحالين على المعاش، بـ 212 ألفاً و835 طبيباً، علماً أنّ عدد الذين كانوا يعملون حينها فعلياً في مصر بالجهات المختلفة التي تشمل وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة وجامعة الأزهر والمستشفيات الشرطية هو 82 ألف طبيب فقط، أي بنسبة 38 في المائة من القوة الأساسية المرخّص لها بمزاولة مهنة الطب.

وبحسب البيانات المتعلقة بالأعوام التي سبقت الإعلان عن تلك الدراسة، فإنّ أعداد الأطباء الذين تقدّموا باستقالاتهم من العمل الحكومي المصري والذين حصلوا على شهادة طبيب حرّ من نقابة الأطباء أتت على هذا الشكل: في عام 2016، كان عدد المستقيلين من الأطباء 1044 طبيباً، وفي عام 2017 كان العدد 2549 طبيباً، وفي عام 2018 كان العدد 2612 طبيباً.

أمّا في الأعوام التي تلت إعلان دراسة الاحتياجات، فقد استقال 3507 أطباء في عام 2019، و2968 طبيباً في عام 2020، و4127 طبيباً في عام 2021، وهو العدد الأكبر من المستقيلين من العمل الحكومي. كذلك كشفت بيانات الأشهر الأولى من عام 2022 وحتى يوم 20 مارس منه، عن استقالة 934 طبيباً، وهو ما يعني إجمالي 11 ألفاً و536 طبيباً مستقيلاً منذ الأوّل من عام 2019.

وبحسب سجلات نقابة الأطباء، فإنّ عدد الأطباء المسجّلين في النقابة والمرخّص لهم بمزاولة المهنة دون الأطباء المحالين على المعاش، بلغ حتى 20 مارس الماضي 228 ألفاً و862 طبيباً، بعد ثلاثة أعوام من دراسة الاحتياجات التي أصدرتها وزارة التعليم العالي، أي بزيادة قدرها 16 ألفاً و27 طبيباً، استقال منهم 11 ألفاً و536 طبيباً وطبيبة، ليكون عدد الأطباء العاملين في القطاع الحكومي 93 ألفاً و536 ألف طبيب تقريباً، وتكون نسبة الأطباء في القطاع الحكومي إلى عدد الأطباء المرخّص لهم بمزاولة المهنة دون المحالين إلى المعاش 40.8 في المائة، أي بزيادة 2.8 في المائة فقط مقارنة ببداية عام 2019. ويزداد معدّل الأطباء نسبة إلى المواطنين ليبلغ 9.2 أطباء لكلّ 10 آلاف مواطن بدلاً من 8.6 في بداية عام 2019، إلا أنّه يظل بعيداً من المعدّل العالمي المقدّر بـ23 طبيباً لكلّ 10 آلاف مواطن.

مقارنة سريعة ما بين الرواتب

وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى تزايد أعداد الأسرّة العلاجية في القطاع الخاص ونسبتها إلى أعداد الأسرّة في القطاع الحكومي. ففي عام 2018، بلغ عدد أسرّة القطاع الخاص 35 ألفاً و320 سريراً أي بنسبة 27 في المائة من عدد أسرّة القطاع الحكومي البالغ 95 ألفاً و683 سريراً، وفي عام 2019 ازدادت أسرّة القطاع الخاص إلى 35 ألفاً و745 سريراً أي بنسبة 27.9 في المائة من أسرّة القطاع الحكومي التي انخفضت إلى 92 ألفاً و599 سريراً.

وقد اختلفت نسبة أسرّة القطاع الخاص إلى ذلك الحكومي تبعاً للمحافظات، لتصل في عام 2019 بمحافظة القاهرة إلى 30.3 في المائة، وبالجيزة إلى 47.8 في المائة، وبالسويس إلى 42.9 في المائة، وبالبحر الأحمر إلى 54.1 في المائة، وبالدقهلية إلى 26.3 في المائة، وبالشرقية إلى 36 في المائة، وبسوهاج إلى 22.7 في المائة، وبأسيوط إلى 19.3 في المائة، وببورسعيد إلى 45.1 في المائة.

الإنفاق على الصحة يتراجع

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإنّ متوسط دخل الأسرة المصرية في 2017-2018 كان 58 ألفاً و855 جنيهاً مصرياً، تُنفق أكثر من 55 في المائة منه على الخدمات والرعاية الصحية، فيما أنفقت الدولة على علاج المواطنين في داخل مصر مبلغ ثمانية مليارات و403 ملايين جنيه في عام 2018، و10 مليارات و363 مليون جنيه في عام 2019، وتسعة مليارات و28 مليوناً و176 ألف جنيه في عام 2020. (يُذكر أنّ الدولار الأميركي الواحد يساوي نحو 18.40 جنيهاً مصرياً

بالتالي أتت نسبة الإنفاق العام على الصحة إلى الإنفاق العام على الدولة وفقاً للموازنة العامة للدولة 4.5 في المائة في 2017-2018، و4.3 في المائة في 2018-2019، و4.6 في المائة في 2019-2020 مع مبلغ وقدره 73 ملياراً و63 مليون جنيه، و5.5 في المائة في 2020-2021 مع مبلغ وقدره 93 ملياراً و544 مليون جنيه.

وأكد وزير المالية الدكتور محمد معيط، خلال عرضه للبيان المالي للموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد، بالجلسة العامة لمجلس النواب المنعقد الآن زيادة كبيرة فى حزمة برامج الحماية الاجتماعية التى تقدمها الحكومة.

كما بلغت مخصصات التأمين الصحي والأدوية وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة نحو 10.9 مليار جنيه وتتضمن 200 مليون جنيه مخصصات لدعم التأمين الصحي الشـامل لغير القادرين مـن أصحاب معاش الضمان الاجتماعي ومبلغ 90.8 مليون جنيه للهيئة العامة للرعاية الصحية.