مصر: "تدجين" المخابرات العامة..إزاحة 120 قيادة وتقاسم "البيزنس" مع الجيش

الاثنين - 15 آغسطس 2022

  • السيسي أصدر 10 قرارات منذ الانقلاب أطاحت بـ 120 قيادة بالمخابرات
  • السيسي و كامل عملا على تغيير التركيبة العمرية في المخابرات للتخلص من قيادات عهد مبارك
  • حركة التغييرات الأخيرة أقصت 17 قيادة بارزة في ملفات خارجية وداخلية مهمة
  • دبلوماسيون غربيون: فوجئنا بالتعامل مع مسئولين جدد بالمخابرات في ملفات استراتيجية
  • الفشل المستمر في معظم الملفات ومنافسات النفوذ الاقتصادي وراء التغييرات المستمرة
  • تعيين عدد كبير من ضباط جهاز الأمن الوطني بالمخابرات العامة عقب تظاهرات سبتمبر  2019
  • برلمان السيسي أقر تعديلات على قانون جهاز المخابرات كرست سيطرته مع الجيش على الاقتصاد

 

في حلقة جديدة من حلقات الصراع الداخلى في النظام المصري، قام السيسي مؤخرا بحركة تغييرات واسعة في جهاز المخابرات العامة، شملت أكثر من 17 قيادة بارزة بخلاف قيادات وسطي، وطالت مسؤولين بارزين في ملفات ليبيا، وفلسطين والعلاقات المصرية الأمريكية وملف القرن الأفريقي والمشرفين على أزمة سد النهضة.

ومنذ الانقلاب الذي قام به السيسي في 2013، عمد إلى تغيير جميع قيادات المخابرات تقريبا، فأصدر 10 قرارات أطاحت بـنحو 120 قيادة بالمخابرات، ومنذ اللحظة الأولى عمل هو وعباس كامل، رئيس جهاز المخابرات الحالي، على تغيير التركيبة العمرية في المخابرات للتخلص من قيادات عهد مبارك، بهدف "تدجين" الجهاز وتحويله – كغيره- إلى أداة طيعة في يد السلطة، بغض النظر عن اعتبارات الأمن القومي.

ونتيجة هذه التغييرات المستمرة، أبدى مسئولون غربيون استغرابهم من تعيين مسئولين جدد لاخبرة لهم في ملفات استراتيجية، ومن بينهم عدد كبير من  ضباط جهاز الأمن الوطني، وخاصة عقب تظاهرات سبتمبر  2019  التي دعا اليها المقول محمد علي.

وأخيرا أقر برلمان السيسي تعديلات على قانون جهاز المخابرات كرست سيطرته مع الجيش على الاقتصاد المصري بشكل شبه كلي.  ومن خلال سطور هذا التقرير نرصد هذه التغيرات وخلفياتها وأهدافها.

 تغيير مسئولي الملفات الخارجية

قال دبلوماسيون مصريون وغربيون في القاهرة إن حركة التغييرات الجديدة، التي شهدها جهاز المخابرات العامة في مصر تضمنت عاملين بملفات خارجية مهمة، سواء بالنقل إلى وظائف مدنية في عدد من الوزارات والمؤسسات، أو الإحالة للتقاعد والابتعاد عن العمل الرسمي، وصفها دبلوماسي مصري رسمي بأنها واحدة من التغييرات الواسعة، خلال الفترة القريبة الماضية.

ووفقاً للدبلوماسي المصري، القريب الصلة بالجهاز بحكم عمله الرسمي، فإن التغييرات الأخيرة طالت مسؤولين بارزين في ملفات ليبيا، وفلسطين، والعلاقات المصرية الأميركية، وملف القرن الأفريقي، الذي يتولى الإشراف على أزمة سد النهضة الإثيوبي، بالإضافة إلى مسؤولين عن ملفات داخلية، بينها الإعلام.

وبحسب الدبلوماسي، الذي من ضمن مهامه التنسيق مع الجهاز في أحد الملفات ذات البعد الإقليمي، فإنه "فوجئ بإبلاغه بالترتيب لاجتماع بهدف التنسيق مع المسؤول الجديد عن الملف في جهاز المخابرات العامة". وأشار إلى أنه "عندما استفسر عن الأمر عبر أصدقاء له يعملون بالجهاز اتضح له أن التغييرات لم تقتصر على الملف الذي يتابعه فقط".

وكشف دبلوماسيون غربيون في القاهرة، ومصريون على صلة بملفات إقليمية لصحيفة "العربي الجديد" أن أعداد من شملتهم التغييرات الأخيرة وصلت إلى 17 من القيادات البارزة، حيث تمت إحالة الغالبية العظمى منهم إلى التقاعد، فيما لم يتم التجديد لآخرين، وجرى نقلهم إلى مناصب إدارية بعدد من الوزارات الخدمية، منها الإسكان، والبترول، والتموين.

ورجح دبلوماسي مصري أن تكون التغييرات الأخيرة "جاءت في ظل عدم الرضا من جانب مؤسسة الرئاسة عن أداء الجهاز بشكل عام، على ضوء الشائعات التي طاولت شخصيات رفيعة في الدولة، ورددها بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان من بينها معلومات صحيحة، ما يشير إلى أنه يقف وراءها أطراف عليمة"

واعتبر الدبلوماسي أن "حركة التغييرات التي شهدها الجهاز أخيراً لا يمكن وصفها بأنها تأتي في إطار صراع سياسي داخلي بين أجنحة، ولكن يمكن اعتبارها منافسات على نفوذ داخل الجهاز، الذي بات يمثل إمبراطورية اقتصادية تمتلك محفظة مالية ضخمة".

ويمتاز الجهاز، الذي يملك استثمارات واسعة في مجال الإعلام والقطاع العقاري والمواد الغذائية والسياحة والطيران والبترول، عن الأجهزة السيادية الأخرى في مصر، بأنه يسمح بتعيين عسكريين وشرطيين ومدنيين

ووفقاً لدبلوماسي غربي في القاهرة، متابع للشأن المصري، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الفترة الأخيرة "تشهد تنافساً من أجل الإبقاء على مصالح بعض القيادات، في ظل محاولات متواصلة منذ نحو 5 سنوات، من جانب شخصيات مقربة للغاية من عبد الفتاح السيسي، لتغيير التركيبة العمرية في الجهاز، للتخلص من قيادات لا تزال تحمل ولاءً لقيادات وفترات مضت، وبالأخص فترة مبارك"

وبحسب الدبلوماسي الغربي فإن "محاولات التغيير هذه، التي يرجح أنها ربما تكون مدعومة من السيسي، ورئيس الجهاز الحالي اللواء عباس كامل، والتي انتقصت من نفوذ ومصالح قيادات كبيرة في الجهاز خلال الفترة الماضية، أزعجت هؤلاء، ما دفعهم إلى التعبير عن غضبهم بطرق أثارت غضب السيسي، فجرى التحري بين القيادات الحالية عما إذا كان هناك امتدادات لا تزال لمجموعة القيادات التي أطيح بها على مدار السنوات التي أعقبت تولي السيسي الحكم".

ومنذ تولي السيسي ، أصدر نحو 10 قرارات متعلقة بتشكيلات الجهاز، أطاحت بنحو 120 من قياداته. وصاحب ذلك تعيين قيادات جديدة من مراحل عمرية أصغر. كما شهدت الفترة التي أعقبت تظاهرات سبتمبر/ أيلول 2019، التي دعا لها المقاول والفنان محمد علي، تعيين عدد كبير من ضباط جهاز الأمن الوطني بالمخابرات العامة

من جانبه، رأى دبلوماسي مصري أنّ "التغييرات الأخيرة ربما يكون بعضها منطقياً، كونها طاولت أفراداً في ملفات لم تُدر بالشكل الأنسب، وشهدت تقديرات كثيرة خاطئة طوال الفترات السابقة، وعلى رأسها على سبيل المثال ملفا سد النهضة وليبيا، بالإضافة إلى الملف السوداني".

وكان دبلوماسيون مصريون قد كشفوا، في وقت سابق أن "هناك حالة ارتباك في الأوساط الدبلوماسية والأمنية المسؤولة عن إدارة الملفين الليبي والسوداني".

وقال أحد الدبلوماسيين: إن "الأزمات الأخيرة التي حدثت في السودان وليبيا كشفت عدم صحة التقديرات المصرية بشأن التعامل مع الملفين". وأكد أن "الرهانات المصرية مؤخراً كانت خاطئة، والأطراف التي راهنت مصر عليها واستثمرت فيها طوال الفترة السابقة، لم تكن على قدر التوقعات"

تلك الأجواء، بحسب خبير سياسي مصري، "تجعل صانع القرار دائماً يتحسس مواقع القلق، كما تجعله في حالة مراقبة وتتبع للأجهزة التي تحيط به، خشية التقاء مصالح أفراد بها مع أطراف داخلية مناوئة تسعى لاستثمار الغضب الشعبي لصالحها"

وبشكل مفاجئ قام السيسي، فجر السبت قبل الماضي، بجولة تفقدية للكلية الحربية، رافقه خلالها القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق أسامة عسكر، وقادة الأفرع الرئيسية، وعدد من قادة الجيش، تحدث خلالها في طابور عسكري عن الأوضاع الداخلية للبلاد، وقضايا دولية وإقليمية أخرى.

وقال السياسي المصري إنّ "السيسي قدم ما يشبه كشف حساب لحكومته أمام الجيش، وهو عادة لا يفعل ذلك مع أي مؤسسة مدنية أخرى، وذلك لأنه يعلم أن الخطر يمكن أن يأتي من المؤسسة العسكرية".

تعديل قانون المخابرات المصرية

وفي فبراير الماضي ، قام برلمان السيسي بتعديلات  على قانون جهاز المخابرات العامة، متسقة مع سياسة النظام المصري التي عبّر عنها السيسي، في أكثر من مناسبة، والتي تتوجه نحو تحويل شركات المخابرات العامة والقوات المسلحة إلى شركات خاصة بالمعنى الحرفي، تمهيداً لطرحها للاكتتاب العام في البورصة، استجابة لضغوط غربية وأميركية على وجه الخصوص، من أجل فتح المجال أمام القطاع الخاص.

وعلى الرغم من أن الهدف الظاهر لتلك التعديلات، هو الإيحاء بفتح السوق أمام القطاع الخاص، للمشاركة في "بيزنس" المخابرات والجيش، إلا أن الحقيقة، بحسب ما وصفته مصادر خاصة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، هي أن "التعديلات تكرّس سيطرة الجهتين على الاقتصاد المصري، وهي مجرد محاولة لتجميل وجه النظام في ظل الضغوط الغربية، التي تسعى لمنع احتكار الدولة للأنشطة الاقتصادية"

التعديلات تمنح جهاز المخابرات العامة الحق في تأسيس الشركات بجميع أنواعها، أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، فضلاً عن تولي أفراد الجهاز مناصب أعضاء ورؤساء مجالس الإدارة في الشركات المختلفة، بعد موافقة رئيس الجهاز.

كما شدد التعديل العقوبة لكل من ينتحل صفة عمل رجل المخابرات، بالإضافة إلى إقرار امتيازات مالية جديدة للعاملين في الجهاز، ومد الخدمة لهم بعد بلوغ سن التقاعد، بذريعة الحاجة إلى بعض الخبرات التي يتعذر الاستغناء عنها.

وقالت مصادر خاصة تحدثت لـصحيفة "العربي الجديد"، إنه بحسب ما هو معروف عن أنشطة جهاز المخابرات العامة في مصر، فإن تعديل قانون الجهاز، لن يخلق واقعاً جديداً، لكنه فقط سيقنن ما هو قائم بالفعل.

وأوضحت أن الجهاز يستحوذ فعلياً على عدد من الشركات والمؤسسات المالية الكبرى في مصر، ولعل أبرزها مجموعة "إيغل كابيتال للاستثمارات المالية"، التي تمتلك بدورها "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، المهيمنة حالياً على أغلب وسائل الإعلام المصرية.

وتمتلك المخابرات العامة المصرية من خلال ما يسمى "المجموعة الاقتصادية" في الجهاز، العديد من الشركات العاملة في السوق المصرية، مثل شركة "النيل" للمقاولات وغيرها من شركات التسويق العقاري.

بالإضافة إلى شركات جديدة مستحدثة مثل مصنع المستنسخات الأثرية بمدينة العبور، والذي يعد الأول من نوعه في مصر والشرق الأوسط، وشركة "كنوز مصر للنماذج الأثرية".

إنشاء شركات بالتحايل على القانون

وأشارت المصادر إلى أن "المجموعة الاقتصادية التابعة لجهاز المخابرات العامة، كانت تقوم بإنشاء مثل هذه الشركات عبر استخدام أسماء مستعارة لضباط الجهاز للتحايل على القانون، وعادة ما كانت تحدث بعض الإشكالات في هيئة الاستثمار أو في هيئات أخرى مثل التأمينات الاجتماعية، عند تسجيل أحد أفراد الجهاز من دون استيفاء جميع الأوراق اللازمة".

وأوضحت "لكن مع صدور التعديلات الجديدة على قانون الجهاز والقانون الخاص بأفراده، ستكون العملية أسهل بكثير".

وأشارت المصادر إلى أن جهاز المخابرات كان يقوم أيضاً باستخدام شخصيات مدنية من خارج الجهاز في تأسيس شركات، مثل رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، رئيس مجلس إدارة شركة "أبناء سيناء" للمقاولات.

وتستحوذ هذه الشركة على جميع مقاولات إعادة الإعمار بقطاع غزة، ولكن في الفترة الأخيرة، تسببت الشركة ورئيسها العرجاني، في الكثير من الجدل، لا سيما مع احتكارها الكثير من الأعمال، والهجوم عليها من قبل محسوبين على أجهزة أمنية أخرى، مثل النائب محمد أنور عصمت السادات، رئيس حزب "الإصلاح والتنمية"

وقال السادات أخيراً إنه "اجتمع مع خبراء الاقتصاد والمال للتقدم بسؤال لرئيس مجلس الوزراء والأجهزة الرقابية المستقلة، حول نشاط بعض رجال الأعمال في مصر، وما تردد في الفترة الأخيرة في مجتمع المال والأعمال من شائعات وغمز ولمز على بعض الشخصيات التي لمعت في الآونة الأخيرة ونسب إليها القيام بعمليات استحواذ واحتكار وشراء لبعض المشروعات والشركات والفنادق مثل رجلي الأعمال صافي وهبة وإبراهيم العرجاني وغيرهما".

وأضاف السادات في بيان أن "الجميع يتساءل كيف لهؤلاء وخلال فترة قصيرة في عمرهم في مجال الاستثمار، أن يكون لديهم هذه القدرة والنفوذ، فيما لم يسمع بهم أحد على مدار السنوات الماضية... من يقف خلفهم ومن يساندهم؟!".

وأكدت مصادر مطلعة  أن "تعديل القانون والسماح لجهاز المخابرات العامة وضباطه، برئاسة مثل هذه الشركات، وتأسيسها وإدارتها، من شأنه أن يضبط هذه العملية، لكنه في الوقت ذاته سيكرس سيطرة المخابرات العامة والقوات المسلحة على الأنشطة الاقتصادية الكبرى في مصر".

ولفتت المصادر إلى أن المادة 77 من قانون المخابرات العامة تنص على أن "تدرج ميزانية المخابرات العامة كمبلغ إجمالي في ميزانية وزارة الحربية أو القوات المسلحة، على أن يتم التصرف فيها من دون الرجوع إلى السلطات المالية بهاتين الجهتين".

وأضافت المصادر أن "تعديلات القانون الجديدة، ستعطي أفضلية لشركات المخابرات العامة، على باقي شركات القطاع الخاص، لتجعل المنافسة غير عادلة، لا سيما مع وجود قوانين تسمح بمنح الأعمال الحكومية بالأمر المباشر للشركات، والتي بالطبع تكون من نصيب شركات المخابرات والقوات المسلحة".