مصر: السطو على الوقف وأموال الزكاة..أحدث خطوات تجفيف العمل الخيري

الخميس - 12 يناير 2023

  • نظام السيسي يستولى على أموال بيت الزكاة ببروتوكول بين صندوق "تحيا مصر" والأزهر 
  • "تحالف العمل الأهلي والتنموي" يهدف إلى السيطرة على أموال المؤسسات الخيرية الكبرى
  • الحكومة تخطط  لإنفاق أموال الزكاة والصدقات على مشروعات تطوير القرى الأكثر احتياجاً!  
  • الهجوم على الأزهر جاء لرفضه تمرير قوانين مشبوهة و سيطرة الدولة على اموال الزكاة
  • رأس الكنيسة نجح في وقف مخطط السيسي للسطو على أموال التبرعات والوقف المسيحية
  • السيسي التقي وزير الأوقاف في نوفمبر 2022 لترتيب خطوات تقنين  سرقة أموال الأوقاف
  • شيخ الأزهر أكد للحكومة أن "كبار العلماء"  لا توافق على العبث بأصول وممتلكات الأوقاف
  • أموال الأوقاف تقدر بـ 1.37 تريليون جنيه ونصف مليون فدان يحاول النظام الاستيلاء عليها
  • السيسي كان وراء قرارات انتهت بإنشاء صندوق الوقف الخيري لإطلاق يد الدولة في أمواله
  • أجمع علماء الأمة على عدم جواز التصرف في أموال الوقف إلا فيما تم الوقف من أجله فقط

 

إنسان للإعلام- خاص:

أموال الزكاة والوقف الإسلامي ، أصبحا هدفا واضحا للنظام العسكري المصري في ظل قيادة السيسي المأزوم، مع تصاعد الأزمة المالية التي تعصف بمصر.

قام السيسي ونظامه بخطوات متتالية من أجل السيطرة على هذه الاموال وتذويبها في ميزانية  دولته الفاشلة .

هذه الدراسة ترصد، الضغوط المستمر على الأزهر وشيخه، من أجل إخضاع أموال بيت الزكاة لتمويل مشروعات السيسي، وتكشف الصراع القائم بين المشيخة ورئاسة المنقلب حول هذا الأمر . كما ترصد الدور المشبوه لوزير الاوقاف في إخضاع اموال الوقف الخيري بمصر لأهداف السيسي ونظامه وأطماعهم فيها. كذلك نرصد التطور التاريخي لمحاولات العسكر للاستيلاء على أموال الوقف الخيري، منذ عهد عبد الناصر وحتى السيسي.

محاور الدراسة:

  1. ضغوط على الأزهر للتحكم بأموال الزكاة
  2. مختار جمعة وسيطرة السيسي على أموال الأوقاف
  3. حجم أموال الوقف الخيري بمصر
  4. العدوان على الوقف الإسلامي في عهد عبد الناصر
  5. السادات وتأسيس «هيئة الأوقاف»
  6.  الوقف الإسلامي في عهد السيسي
  7. قانون  يتيح الاستيلاء على أموال الوقف الخيري
  1. ضغوط على الأزهر للتحكم بأموال الزكاة

أثار بروتوكول التعاون الذي وُقِّع بين صندوق "تحيا مصر"، ومؤسسة "بيت الزكاة والصدقات المصري"،مؤخرا،  جدلاً واسعاً، وسط مخاوف بشأن مصير الأموال التي يحويها بيت الزكاة في حال سيطرة الصندوق وأجهزة الدولة عليها، بعدما كان هناك ارتياح كبير بين المواطنين والمتعاملين مع المؤسسة، لكونها خاضعة للأزهر بأشراف شيخه.

وفي مطلع 2022، أُعلن تأسيس ما يُسمى "التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي"، الذي ضم كل المؤسسات الخيرية الكبرى، ومن بينها "بيت الزكاة والصدقات" التابع لمشيخة الأزهر.

وبحسب مصدر قريب الصلة بمجلس أمناء "بيت الزكاة والصدقات"، فإن "خطة السيطرة على البيت بدأت بتعيين وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي السابقة سحر نصر في منصب المدير التنفيذي للمؤسسة، بقرار من الطيب، نتيجة ضغوط من جهات سيادية في الدولة".

وبحسب مسؤولين سابقين في الحكومة، فإن نصر من المقربين من الرئاسة وجهاز المخابرات. وقال المصدر قريب الصلة بمجلس أمناء "بيت الزكاة"، إن "نصر تحكّمت في إدارة المؤسسة، وتسبّبت فى إنهاء عمل عدد كبير من المسؤولين والمستشارين الكبار بها، في بداية توليها المنصب، ومنهم مستشار شيخ الأزهر للشؤون الطبية طارق سلمان الذي قدم استقالته احتجاجاً على أسلوب إدارتها للبيت، لكن شيخ الأزهر أصدر قراراً بتعيينه بعد ذلك أميناً عاماً مساعداً لبيت الزكاة للشؤون الطبية والعلاجية".

وأكد المصدر أنه "على الرغم من تحكّم نصر في إدارة بيت الزكاة والصدقات، إلا أنه حتى الآن، لا تُصرَف أي أموال من أموال الزكاة إلا بتوقيع شيخ الأزهر شخصياً على الشيكات".

ووفقاً لبيان رسمي، فقد وقّع صندوق "تحيا مصر" نهاية نوفمبر 2022، بروتوكول تعاون مع مؤسسة "بيت الزكاة والصدقات"، لتنفيذ عدد من مشروعات التنمية المستدامة وبرامج الحماية الاجتماعية.

ويأتي البروتوكول بعدما أقرّ البرلمان في يونيو/حزيران من العام الماضي، قانون الوقف الخيري، الذي أخضع أموال الأوقاف الخيرية لسيطرة الحكومة، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في حينه.

وبحسب مصدر في مشيخة الأزهر، فإن الخطوة الأخيرة "لم تكن بترحيب من جانب هيئة كبار العلماء التابعة للمشيخة"، لافتاً إلى أن شيخ الأزهر "كان قد كلف إدارات متخصصة إعداد دراسة جدوى بشأن المقترح الذي قُدِّم من إحدى الجهات بالدولة، لتوقيع مثل ذلك البروتوكول".

وقال المصدر، لـصحيفة "العربي الجديد"، إن الخطوة "جاءت بعد سلسلة من القرارات والضغوط التي مورست على المشيخة من أجل إخضاع أموالها لسيطرة صندوق تحيا مصر، وإدخالها ضمن منظومة الأموال التي تديرها الحكومة أو مؤسسة الرئاسة مباشرةً".

وبموجب بروتوكول التعاون بين الصندوق وبيت الزكاة والصدقات، سيُساهَم في مشروعات تطوير القرى الأكثر احتياجاً، وتُدشَّن مجمعات تقديم الخدمات الحكومية والشبابية، فضلاً عن تنفيذ أنشطة مبادرات "بالهنا والشفا" لتوفير الدعم الغذائي للمستحقين، ومبادرة "دكان الفرحة" لتجهيز الفتيات المقبلات على الزواج.

 ووفقاً للمصدر، "فإن حملة الهجوم التي كان يتعرض لها شيخ الأزهر في وقت سابق، والتي كان يقودها إعلاميون في قنوات وصحف مملوكة لأجهزة بالدولة، لم تكن بسبب مواقفه المرتبطة برفض بعض التوجهات الرسمية الخاصة بتمرير قوانين وقرارات تتعارض مع صحيح الدين، بالأساس، ولكن بسبب أمور أخرى مرتبطة بعمل قطاعات في المشيخة، إضافة إلى أمور مالية كان بينها بالتأكيد أموال مؤسسة بيت الزكاة والصدقات"

وبحسب المصدر، "كان من بين الضغوط التي مورست على شيخ الأزهر خلال تلك الفترة، إبعاد المستشار القانوني له، محمد عبد السلام، بعد إنهاء انتدابه من مجلس الدولة على غير رغبة الشيخ أحمد الطيب، حيث كان يحظى بثقة كبيرة من جانب الشيخ"، بحد تعبير المصدر.

وقال نائب مصري، طلب عدم ذكر اسمه، إن "التوجّه الراهن للحكومة، هو مركزية التعامل مع كل أموال الوقف والتبرعات، سواء الإسلامية أو المسيحية، إلا أنه حتى الآن، تواجه الخطط الرامية من جانب أجهزة الدولة للسيطرة على التبرعات والأوقاف الكنسية، معارضة شديدة من جانب رأس الكنيسة".

وأوضح أنه "كلما اشتدت الأزمة المالية، وزادت أزمة السيولة النقدية بالنسبة إلى الدولة، تتجه الأنظار نحو الصناديق الخيرية والأهلية االتي تملك أرصدة كبيرة، كما هو الحال مع أموال الأوقاف ومؤسسة بيت الزكاة المصري"."1"

  1. مختار جمعة.. وسيطرة السيسي على أموال الأوقاف

تحت غطاء "البر والحماية الاجتماعية وصيانة أموال الأوقاف” التقى قائد الانقلاب العسكري، عبد الفتاح السيسي ومحمد مختار جمعة وزير الأوقاف،خلال نوفمبر 2022،  إلا أن اللقاء لم يكن اجتماعا  روتينيا، بل كان من أجل فلسفة جديدة اتخذها المنقلب لسرقة وتقنين أموال الأوقاف.

السيسي، زعم الحفاظ على أصول ومال الوقف، وما تمثله من خصوصية شديدة تستوجب ليس فقط الحفاظ عليها ، ولكن حسن إدارتها وتنميتها، والعمل الدؤوب على التحصيل الدقيق لمستحقات الأوقاف بالقيمة السوقية العادلة صونا للوقف، مشددا على أهمية أموال الوقف وضرورة الحفاظ عليها وحسن إدارتها وتنميتها والعمل الدؤوب على تحصيل مستحقات الأوقاف بالقيمة السوقية العادلة صونا للوقف.

بعدها عرض وزير الانقلاب إيرادات هيئة الأوقاف البالغة 2.035 مليار جنيه بالعام المالي 2021/ 2022 وقد حققت إيرادات هيئة الأوقاف زيادة قدرها 216 مليون جنيه عن العام المالي 2020/ 2021 بل وزيادة الإيرادات بالربع الأول من العام (2021/2022) ما يعادل 22% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

وفي وقت سابق أطلق عدد من الاقتصاديين والسياسيين تحذيرا من تكليفات السيسي الأخيرة لوزير الأوقاف، بإعادة دراسة الوضع القانوني والتشريعي والشرعي لأموال الوقف، للاستفادة منها في خدمة الاقتصاد المصري. واعتبر هؤلاء المختصون، في تصريحاتهم لموقع “عربي 21″ أن هذا التكليف، يمثل التفافا جديدا للسيسي من أجل السيطرة على أموال الأوقاف للاستفادة منها في علاج عجز الموازنة العامة للدولة، وهو ما سبق وأن صرح به رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل، بوجود تكليفات رئاسية لحكومته لاستغلال أموال الوقف في علاج عجز الموازنة، وتمويل المشروعات القومية الكبري.

وقتها طالب السيسي بتفعيل نظام الحوكمة وتنظيم العائدات من أصول وأراضي الوقف، وتحويلها إلى ركيزة اقتصادية، بينما أعلن وزير الأوقاف، بأن هيئة الأوقاف انتقلت من مرحلة الحصر إلى مرحلة الدراسة الاستثمارية لأعيان الوقف.

من جانبه أكد عضو البرلمان السابق، عزب مصطفى، أن الحكومات المصرية المتعاقبة كان لديها هدفان أساسيان، لسد عجز الموازنة، أولهما الاستيلاء علي أموال التأمينات والمعاشات، والمضاربة بها في البورصة، وهو ما استطاعت حكومة أحمد نظيف خلال حكم حسني مبارك تنفيذه، بينما فشلت في تنفيذ المخطط الثاني بالسيطرة والاستيلاء على أموال الوقف الإسلامي.

وأشار مصطفى إلى أن نظام السيسي، يعمل منذ استيلائه على الحكم في انقلاب يوليو 2013 للسيطرة على أموال الوقف، والتي تزيد عن 1000 مليار جنيه (61 مليار دولار) وهي نفسها قيمة القروض التي تحاصر الموازنة المصرية من كل اتجاه.

وبحسب البرلماني السابق، فإن الأزهر الشريف، سبق وأن تصدى لخطوات نظام الانقلاب السابقة للاستيلاء على أموال الوقف، ولكن لا يدري أحد، هل يمكن أن يصمد الأزهر، في ظل سيطرة السيسي على البرلمان والمحكمة الدستورية العليا، ومختلف الهيئات القضائية التي كان يمكن أن تتصدى لخطته، مثل محكمة مجلس الدولة، بعد التعديلات الدستورية الأخيرة والتي وسعت من قبضته على القضاء

وفي مقال له بعنوان “للبيع ،  من مصر حتى اليونان” قال رئيس تحرير جريدة الأهرام السابق عبد الناصر سلامة إن “وزارة الأوقاف تبيع أملاك الوقف المصري بأسعار غير مسبوقة عبر مزادات في كل المحافظات تقريبا بشكل لم يحدث من قبل، مشيرا إلى إقامة مزادات بـ 22 محافظة في الفترة الأخيرة لبيع أراض متعددة ومحال تجارية ووحدات سكنية وجراجات”.

وجاء الكشف عن حجم أموال وزارة الأوقاف بناء على طلب السيسي في ديسمبر 2017، وذلك ضمن مساع حكومية لضم أملاك هيئة الأوقاف من الأراضي والمباني إلى الصندوق السيادي الذي أنشأته الحكومة في أبريل 2018 برأس مال يبلغ مئتي مليار جنيه (11.2 مليار دولار تقريبا) لدعم الاقتصاد.

وكان الرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية الحكومية أحمد السيد النجار قد وصف هذا الصندوق السيادي بـ”البوابة الملكية للخصخصة” وقال إن “الظروف المالية اللازمة لإنشاء أي صندوق سيادي لإدارة الفوائض غير موجودة من الأساس في مصر”.

واستكمالا للخطة الحكومية التي تسعى إلى السيطرة على أموال الأوقاف وافقت برلمان السيسي مؤخرا على مشروع قانون إعادة تنظيم هيئة الأوقاف المصرية.

وكشفت مدى مصرفي تقرير لها سابق حيث قالت “جاء تحرك وزير الأوقاف في خضم جدل دائر حول إدراج بعض أملاك الأوقاف في الصندوق السيادي، وهو ما نفاه مجلس الوزراء رسميا في 2019 في المقابل، ذكر المجلس حينها أن هيئة الأوقاف، التي تدير الأصول داخل الوزارة، ستقوم بتعظيم أرباحها من خلال الاستثمار في بعض أصولها من الأراضي”.

وبحسب مصدر في الأوقاف، وآخر في الأزهر، تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما، أوضح شيخ الأزهر، أحمد الطيب، لمحدثيه من جهات تنفيذية، أنه لا يستطيع الموافقة على العبث بأصول وممتلكات الأوقاف، بما يخالف قواعد الشريعة الصريحة التي تقيد أي تعامل في أصول الأوقاف.

كان هذا الخلاف من بين بضعة خلافات ظهرت بين الأزهر من جهة، ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء من جهة أخرى، خاصة منذ 2013، وهو ما يُفسر على أنه خلاف متنام بين السلطة التنفيذية وشيخ الأزهر.

في المقابل ،أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أيمن النجار، أن أموال الأوقاف تمثل كنزا كبيرا، لم تحسن الدولة استغلاله لصالح الأغراض المخصصة له، مشيرا إلى أن محاولات نظام السيسي في الاستيلاء عليه لن تتوقف، لأنه يعتبرها أموالا ليس لها صاحب، باعتبار أن أصحابها الواقفين غير موجودين، وهو أحق بها من غيره.

ووفق النجار فإن مواقف وزير الأوقاف، متناغمة مع توجهات السيسي في دمج أموال الوقف ضمن خطة الدولة وموازنتها، مستدلا بتصريحات الوزير المتكررة عن عدم استفادة الدولة من أموال الوقف، ومطالبته بإصدار تشريعات جديدة تساعده في استخدامها كركيزة هامة في الاقتصاد المصري، رغم أن الوقف في الأساس عمل أهلي، ليس له علاقة بخطط الدولة أو موازنتها."2"

  1. حجم أموال الوقف الخيري بمصر

ولكي نعرف لماذا يخطط السيسي ونظامه للسطو على اموال الوقف الخيري ، فلابد من معرفة حجم هذا الوقف  حيث تشمل أموال الوقف الإسلامي 250 ألف فدان ووحدات عقارية، ومبان ذات قيمة تاريخية، بمختلف أرجاء مصر، وممتلكات قدرها رئيس هيئة الأوقاف سيد محروس، في تصريحات صحفية بـتريليون و37 مليار جنيه كحد أدنى،  بخلاف ما لم يتم تثمينه ماليا لقيمته التراثية والأثرية، أو الممتلكات التي عليها خلاف مع جهات أخرى، تزيد عن نصف مليون فدان.

وأوضح محروس -خلال اجتماع للجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب في وقت سابق- أن مساحة الأملاك الزراعية التابعة للهيئة نحو 390 بقيمة تقديرية تبلغ 759 مليارا و181 مليون جنيه، مبينا أن هناك أطلسا خاصا بأراضي الأوقاف، وأن ذلك الحصر يتم لأول مرة لأملاك الهيئة، وفق ما أوردت صحفية “الوطن” الخاصة.

وأضاف رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية، أنه تم عقد برتوكول بين الهيئة والمساحة والاتصالات لحصر كل الأراضى والأملاك التعدى عليها والتى يتم إزالة التعديات عليها كما صدر قرار من وزير الأوقاف لتدقيق البيانات فى سجلات الهيئة وتطابقها على أرض الواقع مع هيئة المساحة، وهناك منشور لتقنين وضع اليد وإزالة التعديات على الأملاك.

وتبلغ مساحة الأملاك " مبانى وعقارات " المملوكة للهيئة 7 ملايين و391 مترا مسطح، وقيمتها التقديرية 136 مليارا و824 مليونا و95 ألف جنيه، بينما بلغت مساحة الأرض الفضاء المملوكة للأوقاف 9 ملايين و714 ألف متر بقيمة 141 مليارا و364 مليون جنيه وبذلك تتخطى أملاك الهيئة تريليون.

وقال محمود الزيات مدير الشئون المالية بهيئة الأوقاف، إن إيرادات الهيئة فى العام المالى 20171/ 2018 بلغت مليارا و210 ملايين و55 ألف جنيه منها 450 مليون جنيه إيرادات أطيان زراعية و400 مليون جنيه إيرادات إيجار أرض فضاء ومساكن ووحدات وهناك استثمارات اوراق مالية وأخرى 550 مليون جنيه."3"

  1. العدوان على الوقف الإسلامي في عهد عبد الناصر

ويعتبر الوقف الإسلامي الخيري من أعظم المشروعات التي أنتجتها الحضارة الإسلامية على الإطلاق؛ وليس لنظام الوقف في الإسلام مثيل في أي دين أو حضارة أخرى في العالم. والوقف هو مصطلح إسلامي، لغويا يعني الحبس أو المنع، واصطلاحاً هو “حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح”.

وتعرض الوقف الإسلامي على مدى 70 عاما، لمحاولات العسكر للأستيلاء عليه، ففي مرحلة ما بعد انقلاب 23 يوليو 1952م، شن النظام العسكري بقيادة الدكتاتور جمال عبدالناصر، حربا ضارية ضد الأوقاف الإسلامية؛  وقد اتخذ الجنرالات إجراءات صارمة لتدمير الوقف الإسلامي يمكن رصدها في الآتي:

  • أولا، في تلك السنوات (1952 ــ 1970) تمت السيطرة على وزارة الأوقاف بشكل غير مسبوق في التاريخ الإسلامي كله؛ وجرى عسكرتها على نحو لافت؛ حيث تناوب على منصب وزير الأوقاف أحد عشر وزيراً كان منهم ستة وزراء من ضباط يوليو وهم حسب أسبقية توليهم وزارة الأوقاف:الصاغ صلاح سالم (من 5 أغسطس 1953 إلى 10 أغسطس 1955)، والبكباشي كمال الدين رفعت (من 10 فبراير 1959 إلى أول سبتمبر 1959م)، والبكباشى على صبري (من أول سبتمبر إلى 24 أكتوبر 1959)، والصاغ أحمد عبد الله طعيمة (من 24 أكتوبر 1959 إلى 10 أكتوبر 1961)، والبكباشي حسين الشافعي (من 10 فبراير 1967 إلى سبتمبر 1967).
  • ثانيا، خلال فترة ما بعد انقلاب 23 يوليو 1952م، وطوال الـ18 سنة التي حكم معظمها الدكتاتور جمال عبدالناصر، صدر عشرون قانونا خاصا بالوقف بمعدل قانون كل سنة، إضافة إلى عشرات القرارات الوزارية الخاصة بهذا القطاع؛ بمعدل خمسة قرارات أساسية كل سنة.

 ومن أبرز هذه القوانين والقرارات التي دمرت الوقف الإسلامي بكل أنواعه ما يلي:

  • في 14 سبتمبر 1952 صدر المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952(بعد 52 يوما فقط من الانقلاب)، وقد قضى هذا المرسوم بالإبقاء على الوقف الخيري فقط (الذي لا نصيب في ريعه لذرية الواقف)، ومنع إنشاء أوقاف جديدة على غير الخيرات، وحل الوقف الأهلي وقسمة أعيانه على مستحقيه، بحسب الطريقة التي نص عليها هذا المرسوم ذاته.

وكان الحرص على نجاح قانون الإصلاح الزراعي هو الهدف الأساسي من إلغاء الوقف الأهلي بذلك الإجراء المبكر(وكانت مساحة أراضي الوقف تربو على نصف مليون فدان وفق الأرقام الرسمية سنة 1952م). أمّا القول بأن الإلغاء كان للتخلص من سلبيات الوقف الأهلي وسوء استغلاله وفساد نظَّاره ومدرائه -أو إدارته الأهلية- فلا يعدو أن يكون تبريراً إضافياً لما حدث، وخاصة أن قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946م كان قد تكفل بمعالجة معظم تلك السلبيات والمفاسد التي كانت موجودة فعلاً وبدرجات متباينة في بعض الوقفيات. ومن جانب آخر فقد جاء حل الوقف الأهلي في سياق الإجراءات التي اتخذتها العسكر الجدد لتقويض الدعائم الاجتماعية والاقتصادية للنظام القديم، وللحد من سلطة كبار ملاك الأراضي -بصفة خاصة- الذين شكلوا القاعدة الاجتماعية والسياسية للنظام الملكي، وكانوا في الوقت نفسه يمثلون المصدر الرئيسي المحتمل لمعارضة النظام الجديد؛ ومن ثم كان لابد من إضعاف قوتهم لتأمين مستقبل النظام الجديد، ولو على حساب الأوقاف الأهلية والخيرية. وكانت سياسة «الإصلاح الزراعي» من أهم السياسات التي انتهجتها حكومة يوليو لتحقيق هذا الهدف.

  • من الضربات التي تلقاها الوقف الإسلامي، مصادرة عشرات الآلاف من أفدنة الوقف الخيري وأكثر من 160 ألف فدان من الوقف الأهلي، وحسب إحصاءات المملكة المصرية في سنة 1952م فإن مساحة الأراضي الزراعية الموقوفة بلغت 582.950 فداناً، وتم مصادرة نحو 130 ألف فدان وهي الأوقاف التي كانت تحت إدارة ديوان الأوقاف الملكية، وكان معظمُها أوقافاً لأعضاء الأسرة المالكة، وقد صادرها العسكر ووزعوها طبقاً لأحكام قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952م.

 ولم يكثرث العسكر بأن هناك 75.804 من الأفدنة (خمسة وسبعين ألف فدان وثمانمائة وأربعة فدادين) من تلك الأوقاف الملكية كانت أوقافاً خيرية (وليست أهلية) وكان ريعها يجري صرفه على مصالح ومنافع عامة. ولو أن ما يسمى بمجلس قيادة الثورة طبق عليها أحكام المرسوم بقانون 180 لسنة 1952م لما تم حلُّها، ولكن حكومة يوليو عاملتها معاملة أراضي الإقطاع فصادرتها ووزعتها،  وبناء على ذلك؛ تلقَّى نظام الوقف ضربةً قوية أضرت بأصوله العقارية من الأراضي والمباني ضرراً بليغاً.

  • في 21 مايو 1953م، صدر القانون رقم 247 لسنة 1953 الذي جعل من سلطة وزير الأوقاف تعديل مصارفها على جهات البر، دون التقيد بشرط الواقف؛ ومن ثم أطاح بالنصف المتبقي من إرادة المجتمع الحرة، وأطاح معها حرية اختيار مؤسسي الأوقاف الخيرية؛ حتى أولئك الذين ماتوا من أزمنة بعيدة. ونص هذا القانون لأول مرة في تاريخ الوقف البالغ آنذاك أكثر من ألف وثلاثمائة سنة على معاقبة صاحب المبادرة بعمل خيري أو ذويه بالحبس والغرامة في حال عدم تبليغهم عن الأوقاف التي لديهم
  • في 7 أكتوبر 1954م صدر القانون رقم 525 لسنة 1954م بتخويل وزارة الأوقاف حق نزع ملكية بعض العقارات الموقوفة للمصلحة العامة، وتحويلها إلى «النفع العام».
  • في 13 يوليو 1957م أصدر رئيس الجمهورية (عبد الناصر) القانون رقم 152 لسنة 1957م بتنظيم استبدال الأراضي الزراعية الموقوفة على جهات البر في مدة أقصاها ثلاث سنوات (كانت تنتهي في سنة 1960م)، وتتسلمها اللجنة العليا للإصلاح الزراعي لتوزعها وفقاً لأحكام قانون مجلس قيادة الثورة رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعي. على أن تؤدي الهيئة العامة للإصلاح الزراعي لوزارة الأوقاف سندات بقيمة تلك الأراضي تستهلك على مدى ثلاثين عاماً بفائدة سنوية 3% .

وفي هذا السياق جرى ضم ريع الأوقاف الإسلامية إلى ميزانية الدولة لأول مرة في التاريخ ابتداء من السنة المالية 1958/1959م وبعدها أضحت وزارة الأوقاف بلا أوقاف. ونظراً لاشتداد الأزمة الاقتصادية في البلاد آنذاك، أسرعت السلطة بإصدار القانون رقم 133 لسنة 1960م بتخفيض الفائدة (الربوية) على سندات تعويض الأوقاف إلى واحد ونصف في المائة بدلاً من 3%.

 وبذلك يكون عبدالناصر هو من أول من أدخل الربا المحرم شرعا إلى الأوقاف، تحت سمع وبصر الأزهر والإفتاء والأوقاف لكنهم تحولوا إلى شياطين خرس ولم يجرؤ أحدهم على الصدع بالحق في وجه الطاغية الظالم. بل إن أحد نواب مجلس الأمة سأل الشيخ أحمد حسن الباقوري (تولى وزارة الأوقاف من 1952 إلى 1959م) كيف ننفق على المساجد من مال مشكوك فيه؟ فأجاب مدافعا عن قوانين وقرارات عبدالناصر بشأن الوقف بأن تلك الفوائد عبارة عن «ريـع طبقاً لنظام أخذت به الدولة». ثم وجّه كلامه للعضو صاحب السؤال وقال له: إن كنت تسألني كوزير للأوقاف فقد أجبتك، وإن أردت الفتوى فليس هنا موضــعها. بحسب مضبطة المجلس.

  • في 21 ديسمبر 1959م صدر قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف ولائحة إجراءاتها، وتضمن هذا القانون لأول مرة في تاريخ وزارة الأوقاف النص على اختصاصها بتعيين أئمة المساجد التي تشرف عليها الوزارة، على أن يصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية، إلى جانب اختصاصها بإدارة بعض الأوقاف!
  • استثنى عبدالناصر أوقاف الكنيسة الأرثوذوكسية من هذه القوانين والقرارات التعسفية وذلك خوفا من نفوذ الكنيسة وتأليب الرأي العام الأميركي والأوروبي عليه، فعندما صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 55 لسنة 1960 بشأن قسمة الأعيان التي انتهى فيها الوقف، وفي 19 يوليو 1960م. وبعد أن اشتدت الإجراءات السلطوية ضد الأوقاف واقتربت من أن تشمل أوقاف ومؤسسات المواطنين المسيحيين، وتحت ضغوط مختلفة صدر قرار جمهوري بقانون رقم 264 لسنة 1960م بشأن استثناء أراضي الأوقاف الخاصة بجهات البر العامة للأقباط الأرثوذكس من أحكام تلك القوانين والقرارات التي كانت قد مزقت أكثر من نصف مليون فدان من أوقاف المواطنين المسلمين، والتي كانت موقوفة على المدارس والمساجد ودور الأيتام والمستشفيات…إلخ.
  • في 31 يناير 1962 صدر قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم 44 لسنة 1962م بشأن تسليم الأعيان التي تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي والمجالس المحلية، وهو ما حدث خلال الستينيات. والمفاجأة الكبرى أن ما يقرب من نصف مساحة الأراضى التي خضعت فعلاً لقوانين الإصلاح الزراعي وتمت مصادرتها وجرى توزيعها من سنة 1952م، إلى سنة 1970م كانت من أراضي الأوقاف وتصل وفق الوثائق الرسمية إلى (349,786 فدانا)، وهذا المجموع نفسه يساوى حوالي 48% من جملة الأراضي الزراعية التي تم توزيعها طبقا لقوانين الإصلاح الزراعي الثلاثة التي صدرت تباعاً من سنة 1952 م إلى سنة 1970م؛ إذ بلغت جملتها 817،538 فداناً وأن حوالي 28% من جملة أراضي الإصلاح التي تم تمليكها أو تأجيرها، أو احتفظت هيئة الإصلاح بإدارتها خلال الفترة نفسها تساوي مساحة الأراضي الزراعية التي كانت موقوفة على البر العام والبر الخاص؛ وهي المساحة عينها التي تسلمتها هيئة الإصلاح الزراعي من وزارة الأوقاف بموجب القانون رقم 152 لسنة 1957م والقانون رقم 44 لسنة 1962م.
  • من أهم القرارات الإدارية ما أصدرته «لجنة شئون الأوقاف» بتاريخ 12/5/1967م، ونص على تغيير مصارف ريع الأوقاف الخيرية جميعها دفعة واحدة، ويشمل ذلك ما كان متجمدًا من أموالها أيضًا، وجعلها على مصرفين اثنين فقط هما: نشر الدعوة الإسلامية في الداخل والخارج، والبر على اختلاف ألوانه بأولوية أقارب الواقفين. واستهدف عبدالناصر بهذا القرار تشديد قبضة السلطة على موارد الأوقاف وتقنن عمليات النهب المنظم لها بدعوى فك أزمة الدولة الاقتصادية بغض النظر عن شروط الصرف وأوجه الإنفاق التي نص عليها الواقفون.

 وكان من أهم النتائج التي ترتبت على هذا القرار أنه قطع الصلة نهائيا بين الأوقاف وبين المؤسسات الخيرية الأهلية التي كانت تعتمد على ريع الأوقاف، ومنها: مستشفيات ، ومدارس، وملاجئ أيتام… الخ، وهي المؤسسات التي أنشأتها الأوقاف أو أسهمت في إنشائها وتمويلها، ومن ثم حُرمت تلك المؤسسات من التمويل الوطني الذاتي المستقل الذي كانت تحصل عليه من ريع تلك الأوقاف، ومن ناحية أخرى فإن هذا القرار قد وضع إرادة السلطة الحكومية محل الإرادة الاجتماعية المعبر عنها في شروط الواقفين، واختزل الأهداف التي نصوا عليها في هدفين فقط اتَّسَمَا بالعمومية الشديدة، والغموض الأشد. وبالعمومية والغموض انفتح باب الفساد المؤسسي ليتغلغل كيفما شاء في إدارة الأوقاف منذ ذلك الحين. معنى ذلك أن “شرط الواقف لم يعد كنص الشارع” كما هو مجمع عليه في أحكام الوقف، ولكن باتت إرادة السلطة أعلى من القانون وتبرر لنفسها نهب القوقف رغم أنه من أموال الصدقات التي حرم الله السطو عليها. وبموجب القوانين والقرارات الجمهورية والوزارية التي صدرت خلال الفترة من سنة 1959م إلى سنة 1969م بشأن إعادة تنظيم وزارة الأوقاف، أصبحت هذه الوزارة جزءاً من البيروقراطية الحكومية. وانتزعت السلطة منها ماكان لديها من مدارس ومستشفيات ومؤسسات خيرية اجتماعية أخرى وسلمتها إلى وزارات: التعليم، والصحة، والشئون الاجتماعية، على التوالي. وسلَّمت أيضًا جميع الأعيان الموقوفة على الخــيرات للإصلاح الزراعي والمجالس المحلية.

  • لقد كان الهدف الأساسي من هذه القوانين والإجراءات هو تعبئة كافة موارد الأوقاف -في إطار التعبئة العامة لكافة موارد الدولة- وتوظيفها في خدمة السياسات التي انتهجتها سلطة يوليو في الداخل والخارج؛ دون مراعاة لخصوصية أموال الأوقاف، أو اكتراث بالحصانة التي أسبغتها عليها الشريعة الإسلامية.
  • وكان عبد الناصر يستهدف من هذه الحرب الضروس على الوقف الإسلامي تقنين عمليات نهب أموال الوقف بدعوى الإصلاح الزراعي من جهة، أو دعوى دعم مشروعات الدولة من جهة آخرى، ومن جهة ثالثة، احتواء مؤسسة الأزهر وتطويعها لتكون أداة من أدوات السلطة، وتجفيف منابع التمويل الخاصة بها، وهي أموال الوقف الإسلامي التي كانت تدر على الأزهر 8 ملايين جنيه سنويا، وبعد مراسيم عبد الناصر تراجع الريع إلى “800” ألف جنيه فقط في السنة!. فضلا عن امتناع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق، الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة، فضلا عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد؛ وبهذا ضرب عبد الناصر الركيزة الاقتصادية لعلماء الأزهر، تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة، الأمر الذي كان يكفل لهم الاستقلال عن الحكومة ويتيح لهم معارضتها، دون الخوف من قطع رواتبهم أو تشريد أسرهم من بعدهم.

وعلى حين عوملت أوقاف المسلمين هذه المعاملة، تم استثناء أوقاف غير المسلمين من أحكام هذه القوانين، حيث وضعت لها قوانين خاصة، وتركت لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان، وما زاد عن هذا كانت الدولة تأخذه وتدفع ثمنه بسعر السوق، وهو ما أدى في أواخر السبعينات إلى مناداة عدد من الأصوات في مجلس الشعب بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين.

  1. السادات وتأسيس «هيئة الأوقاف»

أرتبطت نشأة «هيئة الأوقاف» بما عرف بـ”ثورة التصحيح”، في 15 مايو 1971م، حيث أصدر السادات القرار الجمهوري رقم 80 لسنة 1971م بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية، التي كانت في تقدير البعض إحدى الثمرات المبكرة لتلك الثورة.

 وكانت أيضاً إنجازاً له دلالته الرمزية المهمة في إطار سلسلة الإجراءات التي اتخذها السادات لإرساء شرعية نظام الحكم في جانب منها على أسس إسلامية.

 وكان للدكتور عبد العزيز كامل -وزير الأوقاف آنذاك- دورٌ بارز في نشأة هيئة الأوقاف المصرية، كما كان له دور كبير في محاولة رد الاعتبار لنظام الوقف وإحياء دوره، بعد أن كان قد تم تقويض هذا الدور تماماً في الخمسينيات والستينيات. وقد كان إنشاء هيئة الأوقاف المصرية في سنة 1971م، ثم إصدار القانون رقم 42 لسنة 1973م بشأن استرداد جميع الأراضي الزراعية والعقارات الموقوفة التي سبق أن تسلمتها هيئة الإصلاح والمجالس المحلية.

 وقضى هذا القانون بردها مرة أخرى إلى وزارة الأوقاف لتديرها عن طريق «هيئة الأوقاف المصرية» وحدها، وتستثمر أموالها حتى «توفر الدعم المالي لحركة الدعوة الإسلامية، ورعاية شروط الواقفين»؛ كان كل ذلك يعني: أن تظهر سلطة الحكم بمظهر الحريص على «مال الله»، وأنها جادة في استرداده من الذين بددوه، ومن مغتصبيه الذين سرقوه في عهد مراكز القوى.

شرعت هيئة الأوقاف المصرية في جمع أموال الأوقاف المبعثرة، لكنها لم تخرجها عن سيطرة الدولة. بيد أن هذا الوضع كان أفضل بكثير مقارنة بما كان عليه حال الأوقاف في الستينيات. وبذلك أخذت “هيئة الأوقاف” صفة الكيان الاقتصادي البحت، بهدف إدارة أموال وممتلكات الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها بما يحقق لها أكبر عائد ممكن «على أسس اقتصادية» دون التقيد بالروتين الحكومي باعتبارها أموالاً خاصة، حسب ما ورد في قانون إنشائها، كما أن الهيئة قامت أيضاً على أساس «مبدأ اللا مركزية» في تصريف شئونها الإدارية والمالية، مع استقلالها بميزانية خاصة غير مدمجة في الميزانية العامة للدولة، ويتقاضى موظفوها وعمالها مرتباتهم وأجورهم من حصيلة إيراداتها من ريع الأعيان الموقوفة التي تديرها وتقوم باستثمار أموالها.

ومن أهم مكاسب الأوقاف بإنشاء الهيئة هو إلزام المجالس المحلية وهيئة الإصلاح الزراعي برد ما سبق أن سلمته إليها وزارة الأوقاف من الأراضي الزراعية والعقارات الموقوفة، وذلك بنصوص قانونية قاطعة. وألزم القانون 42 لسنة 1973م هيئة الإصلاح الزراعي برد جميع الأراضي الموقوفة لوزارة  الأوقاف، وأن يتم تقدير قيمة الأراضي التي تصرفت فيها بتمليكها لصغار المزارعين لتقوم الدولة بدفعها نقداً لهيئة الأوقاف. وأن توضع جميع الأراضي والأموال المستردة تحت إدارة هيئة الأوقاف لتقوم باستثمارها نيابة عن وزارة الأوقاف، ولتقوم أيضاً بتسليمها الريع السنوي لتتولى الوزارة «صرفه طبقاً لشروط الواقفين». وقد  اتضح أن الإصلاح الزراعي باعت نحو (61.937) واحدا وستين ألف فدان وتسعمائة وسبعة وثلاين فدانا و2 قيراط و12 سهما من أطيان أراضي الوقف الخيري والأهلي. وبذلك أصبحت هيئة الإصلاح الزراعي مديونة للأوقاف بثمن هذه الأراضي التي وزعتها على صغار الفلاحين، طبقاً لما نصت عليه المادة الثالثة من قانون الرد رقم 42 لسنة 1973م.

كسبت الأوقاف أيضاً قيام هيئة الأوقاف بالسعي لاسترداد أعيان الأوقاف المغصوبة، أو المستولى عليها بدون وجه حق في الخمسينيات والستينيات، وخاصة في الفترة التي تولت فيها المجالس المحلية إدارة الأعيان الموقوفة الواقعة في نطاق المدن منذ سنة 1962م، وتصرفت فيها على أنها «مال سائب»، على حد ما ورد في الكتاب الصادر عن هيئة الأوقاف المصرية نفسها في سنة 1974م. ورغم تشكيل العديد من اللجان لاسترداد أموال الوقف منذ ذلك التاريخ إلا أن الكثير من أصول وأعيان الوقف لاتزال منهوبة حتى اليوم من جانب هيئات ومؤسسات حكومية وشركات وأشخاص لهم نفوذ في الدولة.

  1. الوقف الإسلامي في عهد السيسي

بقي تعامل السلطة مع الوقف الإسلامي على حاله منذ تأسيس “هيئة الأوقاف” سنة 1971م خلال عهدي السادات ومبارك، ومع الإطاحة بمبارك بعد ثورة 25 يناير ارتفعت أصوات تطالب بتحرير أصول وعقارات وأموال  الوقف من الغاصبين الذين نهبوها منذ عشرات السنين.

ومع نجاح الانقلاب في 3 يوليو 2013م، بدأ النظام العسكري بزعامة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي في العودة إلى منهج عبدالناصر في التعامل مع الوقف الإسلامي والعمل على تقنين نهبه بدعوى الاستثمار الأمثل ودعم المشروعات القومية وهو ما يمكن أن نوجزه في المحطات الآتية:

  • في 14 يوليو 2016، أصدر السيسي، قرارًا بتشكيل لجنة لحصر أموال هيئة الأوقاف برئاسة المهندس إبراهيم محلب، مساعد السيسي للمشروعات القومية والاستراتيجية. ونص القرار، الذى نشرته الجريدة الرسمية، برقم 300 لسنة 2016، على تشكيل لجنة تختص بحصر كل أملاك هيئة الأوقاف المصرية من أراض، ومبان، ومشروعات، ومساهمات فى شركات، وتعظيم عوائد الاستثمارات واتخاذ اللازم لتعظيم أملاك الهيئة. كما تختص اللجنة، بإعداد التقارير اللازمة التى تتضمن المشاكل والمعوقات، التى أدت إلى الاستيلاء على هذه الأراضي، واقتراح الحلول للحيلولة دون تكرارها مستقبلًا، وإنشاء أرشيف إلكترونى لحفظ الحجج والخرائط وممتلكات الهيئة، ودراسة إمكانية استغلال مقومات الهيئة فى دعم الاقتصاد القومى وتقديم خطة تنفيذية للدراسة، وإخطار جهات التحقيق بالجرائم التى تشكل عدوانًا على المال العام وباقى جهات الدولة لتحصيل مستحقاتها. القرار نص أيضًا، على أن للجنة فى سبيل أداء مهامها أن تستعين بما تراه من المسئولين والخبراء والفنيين من كل الجهات الحكومية وغير الحكومية، ولها أن تطلب من الجهات المعلومات والمستندات، وأن تشكل لجانًا فرعية إذا اقتضى الأمر بما يعينها للقيام بأعمالها، وأن ترفع اللجنة تقريرها النهائى وما انتهت إليه من توصيات إلى رئيس الجمهورية.
  • في 20 نوفمبر 2016،أصدر وزير الأوقاف مختار جمعة القرار رقم “274” والذي يسمح بالتصرف في بعض أصول الوقف بناء على تقديرات هيئة الأوقاف سواء بالبيع عبر المزاد العلني أو استبدالها بأراضي أخرى لبناء مشروعات تحتاج إليها الحكومة. وهو ما يخالف الأحكام الشرعية والقوانين المعنية بإدارة شئون الوقف الخيري؛ الغريب في  الأمر أن هذا القرار جاء باسم (قرار تحصين وحماية مال الوقف”،  وبالفعل عقدت الوزارة مزادات بـ22 محافظة، أعلنت الوزارة رسمياً بها بيع أراضٍ متعددة الاستخدامات، ومحال تجارية، ووحدات سكنية، وجراجات، لا نتحدث هنا عن قطعة أرض واحدة فى كل محافظة، بل قطع متعددة، ولا عن البيع فى عاصمة المحافظة فقط، إنما امتد أيضاً إلى المراكز والقرى، والعزب، والنجوع.
  • في 25 ديسمبر 2017،دعا عبدالفتاح السيسي إلى استثمار أموال الأوقاف ومساهمتها فيما أسماها بالمشروعات القومية، حيث وجّه السيسي، خلال اجتماع مع وزير الأوقاف، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة الأوقاف المصرية، بضرورة تحقيق الاستفادة المثلى من أصول وممتلكات الأوقاف، مشدداً على أهمية حصْر وتقييم تلك الممتلكات بشكل شامل، والنظر في تنفيذ “خطط استثمارية متطورة” لأصول وممتلكات الأوقاف، وتعظيم مساهمتها في المشروعات القومية، بما يساعد على نمو الاقتصاد ويضمن زيادة قيمة الأصول ومواردها؛ الأمر الذي رضخت له الأوقاف رغم مخالفة ذلك للشرع وقوانين الوقف
  • تزامنت إجراءات السيسي تجاه الوقف الإسلامي مع تعديلات جرى إقرارها على قانون إنشاء الصندوق السيادي رقم 177 لسنة 2018م؛ وهي التعديلات التي تمنح رئيس الجمهورية سلطة بيع أصول الدول المصرية بدعوى تعظيم الفوائد والاستثمار  وكشفت قائمة أصول الدولة التي أعدتها جهات حكومية بالتزامن مع إنشاء الصندوق السيادي في 11 إبريل 2018م، عن مجموعة  من المفاجأت، حيث ضمت القائمة عدة أصول، وعلى رأسها أملاك هيئة الأوقاف المصرية من الأراضي والمباني، ومباني وزارة الداخلية الموجودة في مقر منطقة وسط البلد فى لاظوغلى. وتكتسب ممتلكات وزارة الأوقاف أهمية كبيرة  بالنسبة للسيسي ويصر على السيطرة عليها  ووضعها  فى حيازة الصندوق السيادى الجديد، حيث تقدر أصول الوقف التي ستضم للصندوق كمرحلة أولى بنحو 180 مليار جنيه، و114 ألف قطعة، ونحو نصف مليون فدان زراعى وحدائق مستولى عليها، بالإضافة إلى 104 ألف فدان زراعية و65 ألف فدان مزارع حدائق فواكة، كما تدير هيئة الإصلاح الزراعى 420 ألف فدان من جملة النصف مليون فدان، وتملك وتشارك الأوقاف فى نحو 20 شركة وبنك .
  • في ديسمبر 2020م صادق السيسي على قانون رقم 209 لسنة 2020م الخاص بإعادة تنظيم «هيئة الأوقاف المصرية»؛ وبذلك جرى إلغاء القانون رقم 80 لسنة 1971 الذي حصَّن به السادات أموال الوقف وألزم الحكومة برد ما اغتصبته منه خلال الخمسينات والستينات. ويستهدف السيسي بهذا القانون الجديد قوننة إجراءات بيع الوقف بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، تحت ذريعة تشجيع نظام الوقف، وضمان استقلاله، وإدارته على نحو يعظم الاستفادة منه.

ويحظى استثمار عوائد أموال الوقف باهتمام بالغ من السيسي، لا سيما أنه يعول عليها كثيراً في خفض نسبة العجز في الموازنة العامة، وتمويل مشروعات كبرى يتبناها، ويرى خبراء أنها غير ذات جدوى اقتصادية  وكانت هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية قد انتهيا في مارس 2018م إلى رفض مشروع قانون تعديلات هيئة الأوقاف المصرية، والتأكيد على أنه (لا يجوز شرعًا تغيير شرط الواقف، فشرط الواقف كنص الشارع، وعلى ذلك اتفقت كلمة الفقهاء قديمًا وحديثًا، ومن ثم لا يجوز بأي ذريعة مخالفة شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه، وبناء على ذلك لا يوافق مجمع البحوث الإسلامية على مشروع النص المقترح على خلاف هذه القواعد الشرعية المتفق عليها)، وهو ما أيدته هيئة كبار العلماء في اجتماعها.  لكن السيسي ضرب بكل هذا عرض الحائط وصادق على القانون المشبوه."4"

  1.  قانون  يتيح الاستيلاء على أموال الوقف الخيري

وفي سبتمبر  2021 ، صادق قائد الانقلاب العسكري في مصر،عبد الفتاح السيسي،   على القانون رقم 145 لسنة 2021 بإنشاء صندوق الوقف الخيري، والذي أقره مجلس النواب في 28 يونيو 2022، بغرض تسهيل إجراءات الاستيلاء على أموال الوقف الخيري من جانب الحكومة، وتوجيهها لإقامة المشروعات الخدمية والتنموية مثل العاصمة الإدارية الجديدة، بحجة معاونة الدولة في ملف التطوير.

ونص القانون على أن ينشأ صندوق باسم الوقف الخيري تكون له الشخصية الاعتبارية، ويتبع رئيس الوزراء، لدعم الأجهزة الحكومية في إقامة وتطوير المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، وغيرها من المشروعات الاجتماعية والاقتصادية التي تُساهم في دعم الموقف الاجتماعي والاقتصادي للدولة. ولوزير الأوقاف سلطة التصرف في أموال صندوق الوقف، بما يتضمنه من أموال صناديق النذور، وإعمار المساجد، وتوجيهها لصالح مشروعات التطوير في الدولة.

ويجمع علماء المسلمين على أنه إذا وقف الإنسان شيئاً لزم الوقف، وانقطع حق الواقف في التصرف في العين الموقوفة، فلا يُباع، ولا يوهب، ولا يورث، وليس للواقف الرجوع في وقفه، حتى وإن احتاج إليه. ومن استولى على الوقف وباعه، فهو غاصب لهذا الوقف، حتى وإن كان هو مالكه الأصلي قبل أن يصير وقفاً، والواجب عليه أن يرده. 

وسبق أن أصدرت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف بياناً، في مارس 2018، ترفض فيه السماح باستغلال الدولة أموال الوقف، لأنه "لا يجوز شرعاً تغيير شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه"، لكن وزير الاوقاف يسهل للسيسي الاستيلاء على أموال الاوقاف الخيرية أيضا بالدخول في مشاريع تخدم السيسي بأموال الوقف."5"

المصادر:

  1. "مصر: ضغوط على الأزهر للتحكم بأموال الزكاة"، العربي الجديد، 26 نوفمبر 2022، https://cutt.us/4q84k
  2. "كشف تفاصيل اجتماع السيسي ومختار جمعة.. ومخاوف من السيطرة على أموال الأوقاف" ، بوابة الحرية والعدالة ،25 نوفمبر، 2022، https://cutt.us/j4MGo
  3. محمود حسين ،"هيئة الأوقاف: إجمالى أملاكنا تريليون و37 مليار والإيرادات مليار و210 ملايين" ، اليوم السابع ، 28 نوفمبر 2018،  https://cutt.us/BEwXj
  4. "العدوان على الوقف الإسلامي من عبد الناصر إلى السيسي"، موقع الشارع السياسي ، 14سبتمبر 2021 ، https://politicalstreet.org/4358
  5.  "السيسي يصادق على تشريع يتيح الاستيلاء على أموال الوقف الخيري" ، العربي الجديد، 7 سبتمبر 2021، https://cutt.us/Eqvp8