مصر: حمى التهجير القسري تطارد المواطنين لصالح مشروعات "السيسي"

الخميس - 22 سبتمبر 2022

  • نظام السيسي تبني مخطط لتهجير الفقراء وبناء مشروعات استثمارية بأموال خليجية 
  • التهجير القسري بلغ ذروته في الأعوام الثلاثة الماضية.. ومخطط الوراق بدأ قبل ربع قرن
  • حكومة السيسي تستهدف إنشاء مدينة حورس على أرض الوراق بتكلفة 17.5 مليار جنيه
  • سيناريو الوراق مرشح للتكرار في 16 جزيرة أخرى بعد استبعادها من المحميات الطبيعية
  • 36 جزيرة نيلية مأهولة خصصها السيسي للجيش  بقرار جمهوري وتنتظر مصير الوراق
  • إزالة 4500 شقة بالحيين السادس والسابع بمدينة نصر وتهجير قسري لـ 77 ألف مصري
  • تهجير أكثر من 50 ألف شخص من مثلث ماسبيرو لصالح مشروعات الإمارات الاستثمارية
  • مثلث ماسبيرو تحول إلى غابة من الأبراج السكنية الشاهقة دون أي منظر جمالي بالمنطقة
  • تطوير منطقة "نزلة السمان" تسبب في تهجير 53 ألف مواطن واستهدف إزالة  4800 منزل

 

إنسان للإعلام- خاص

اتخذت الحكومة المصرية قرارات حكومية متلاحقة على مدار الأعوام  التسعة الماضية،  بإزالة مناطق تحمل تاريخ أصحابها وتقع بالقرب من مصادر أرزاقهم، وذلك لصالح مشروعات استثمارية ضخمة تمولها دول عربية في مقدمتها دولة الإمارات، كجزيرة الوراق ومثلث ماسبيرو ونزلة السمان، أو تحت عباءة التطوير، كما في مناطق القاهرة القديمة والحيين السادس والسابع بمدينة نصر.

ورغم أن هذه المشروعات لا تحظى بتوافق شعبي أو ليست ذات جدوى اقتصادية، ولا تمثل أولوية للشعب، يمارس السيسي ونظامه أشد أنواع التنكيل والإرهاب ضد المواطنين، بإزالة مناطق سكنية بأكملها ، بعد  أن أصابتها حمي إنشاء الكباري كما في مناطق الطريق الدائري بفيصل والمنيب والمطرية.

كما شن النظام حملة إزالات لبيوت الفقراء بهدف جمع الجبايات من خلال تنفيذ قانون التصالح في المخالفات.

ومن خلال هذا الملف، نرصد أهم حلقات هذا المسلسل غير المسبوق في تاريخ مصر.

عشوائيات الفقراء جنةٌ للإسكان الفاخر

المناطق العشوائية في مصر هى نتاج طبيعي لسياسات فاشلة للأنظمة العسكرية، خاصة في عهد السادات ومبارك، ولم تلتفت الدولة لتضخم تلك الظاهرة إلا بحلول تسعينيات القرن الماضي، وكانت قد بلغت ذروتها عام 2008 عقب سقوط صخرة ضخمة من جبل المقطم فوق مساكن بمنطقة الدويقة العشوائية، أدت إلى وفاة 119 شخصاً.

على إثر الحادث صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 305 بشأن إنشاء "صندوق تطوير المناطق العشوائية"، وجهزت خريطته الأولى حول المناطق غير الآمنة عام 2010، وحُدِّثت عام 2014، دون أن يحدد القرار كيفية احتساب التعويض المناسب للأهالي، ولكنّه قرر توفير مساكن إيواء في مادته الرابعة "لمن تقرر إخلاؤهم سواءً لاعتبارات الأمن والسلامة، أو لتخطيط المنطقة عمرانياً".

وبين عامي 2014 و2020 توالت عمليات التهجير القصري وبلغت ذروتها في الأعوام الثلاثة الماضية  بداية من 2019 الي 2022.  "1"

جزيرة الوراق.. ربع قرن من الصراع مع الحكومات   

إذا انتقلنا لحلقة من حلقات التهجير  القسري للمصريين لصالح الاغنياء ، سنجد خير مثال سكان جزيرة الوراق ، وهى واحدة من كبرى الجزر الواقعة في نهر النيل بمصر، وتتبع إداريًّا محافظة الجيزة، موقعها المتميز كمحطة التقاء محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) وضعها منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، في نزاع على الملكية بين الأهالي والحكومات المتعاقبة. وتبلغ مساحة الجزيرة 1516 فدانًا (الفدان الواحد يساوي نحو 4200 متر).

ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد سكان الجزيرة، لكن "مجلس عائلات الوراق (يضم ممثلين عن أهالي الجزيرة)" ذكر عبر صفحته بموقع فيسبوك في ديسمبر/كانون الأول 2018، أن العدد يقارب 100 ألف نسمة، فيما تشير تقديرات وزارة الإسكان، منتصف أغسطس/آب 2022 إلى وجود قرابة 6 آلاف منزل بالجزيرة.

ظهرت بوادر النزاع على ملكية الجزيرة، حين قررت الحكومة عام 1998 وضعها ضمن نطاق المحميات الطبيعية أي "تبقى على نموها الطبيعي ولا يقطنها البشر" ، وفي عام 2000، قررت الحكومة تحويل الوضع القانوني للجزيرة إلى جانب جزيرة الذهب (نيلية تقع بالقرب من الوراق) من محمية طبيعية إلى أملاك ذات منفعة عامة (تعني عدم جواز تقنين وضع اليد).

وقتها احتج قرابة 40 ألفًا من قاطني الجزيرتين على القرار، وتبنت الحكومة موقفها باعتبار الجزيرتين "منافع عامة" كونهما طرح النهر وظهرتا بعد تشييد السد العالي (1960 – 1970)، فيما يؤكد مؤرخون وجود الجزيرتين على خرائط رسمية تعود إلى ما قبل بناء السد بعقود، وأنهما كانتا مأهولتين بالسكان وتمارس فيهما الزراعة والعمران القروي.

في عام 2002، حصل الأهالي على حكم لصالحهم بتملك أراضي الجزيرة، وفي عام 2010، أعلنت الحكومة، ترسيم الحدود الإدارية لـ5 محافظات، كانت بينها محافظة الجيزة، وضمنها الوراق، ووضعت خطة لتطوير الجزيرة، قبل أن تهدأ الأمور في الجزيرة لبضع سنوات بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981 – 2011).

عاودت السلطات المصرية مساعيها في نزع ملكية أراضي الوراق بداية من عام 2017، بدعوى أنها أملاك للدولة، وهو ما قابله السكان بالاحتجاج المتكرر ورفع دعاوى قضائية تختصم رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان.

وبموجب قرار حكومي في العام ذاته، تم استبعاد 17 جزيرة من قرار المحميات الطبيعية، وتحويل الوراق إلى منطقة استثمارية.

في يونيو/حزيران 2017، كلفت رئاسة الجمهورية وزارة الإسكان وهيئة التخطيط العمراني بإعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية الذي تم إعداده عام 2010، على أن تكون البداية جزيرة الوراق، بحيث تصبح مركزًا كبيرًا للمال والأعمال.

وبالتزامن مع تصاعد الأزمة، نشر المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي شهادة وفاة لسيدة ولدت على الجزيرة منذ 100 عام، وعقود بيع مشهرة خلال عامي 1905 و1923، وعقدا مشهرا بسنة 1313 هجرية (1895)، ورخصة مبان عام 1994، مشددًا على أنها أوراق ثبوت للملكية، وفق قوله.

في فبراير/شباط 2018، وافق البرلمان المصري على قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، وهو القانون الذي منع الطعن على قرارات نزع الملكية للمصلحة العامة ومقدار التعويض، على خلاف ما كان معمولاً به.

وفي سبتمبر/أيلول 2018، وافق مجلس إدارة المجتمعات العمرانية على مذكرة بشأن إنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي الجزيرة، تحت مسمى جهاز تنمية جزيرة الوراق الجديدة

وفي أبريل/نيسان 2019، وافقت الحكومة على استصدار قرار جمهوري، بنقل تبعية الجزيرة لهيئة المجتمعات، تمهيدًا للبدء في تنفيذ مخططات تطويرها بالكامل، وذلك بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

وفي يوليو/تموز 2020، وافق مجلس الوزراء على إعلان منطقة جزيرة الوراق كمنطقة إعادة تخطيط، في إطار الحد من النمو العشوائي غير المخطط.

بعدها بعامين، نشرت الهيئة العامة للاستعلامات صورًا لمخطط تطوير الجزيرة التي اختير لها اسم جديد هو "مدينة حورس (إله الشمس عند الفراعنة)".

ووصفت الخطة التي نشرتها الهيئة بأنها: "مدينة ومركز تجاري عالمي على أرض مصرية يضاهي أبرز المراكز التجارية حول العالم"، مشيرة إلى تكلفة إجمالية للمشروع تبلغ 17.5 مليار جنيه (الدولار=19.50 جنيها)، في حين تبلغ الإيرادات السنوية 20.422 مليار جنيه لمدة 25 سنة.

وفي 18 أغسطس/آب 2022، كشف وزير الإسكان عن خطة الدولة لتطوير الجزيرة، معلنًا بدء تنفيذ ما أسماه "سياسة الشراء الرضائي".

واجه الأهالي الإجراءات الحكومية المتلاحقة منذ عام 2017 لنزع ملكية الجزيرة، باحتجاجات ومظاهرات لرفض الإخلاء والاشتباك مع الشرطة، ما دفع السلطات إلى تأجيل قرار الإخلاء.

ومنتصف أغسطس/آب 2022، ألقت قوات الأمن القبض على 23 من أهالي الجزيرة بسبب محاولاتهم مقاومة عمليات رفع قياسات منازل بها تمهيدًا لنزع ملكيتها، وهدمها لاحقًا.

وحاول جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية التواصل مع عدد من الأهالي لحضور اجتماع يجمع الطرفين مع أعضاء لجنة الـ15، التي تضم ممثلين عن 15 عائلة من عائلات الجزيرة، والتي تأسست عام 2019 لاحتواء التوترات لكن الاجتماع لم يتم.

وزير الإسكان عاصم الجزار أعلن في 18 أغسطس/آب 2022، عن بدء تنفيذ سياسة "الشراء الرضائي" من الأهالي، بموجب 6 ملايين جنيه للفدان، موضحًا أن الحكومة اشترت 888.6 فدانًا حتى أغسطس/آب 2022 تمثل نسبة 71% من مساحة الجزيرة

وأكد توفير وحدات سكنية بديلة في المدن الجديدة أو التي ستبنى بالجزيرة، إضافة إلى توفير بديل للأراضي الزراعية بمبادلة فدان أرض بالجزيرة بـ19 فدانًا بمدينة السادات بمحافظة المنوفية (شمال) وسط رفض كبير من الأهالي لهذه الحلول ."3"

"الوراق وأخواتها".. وشبح التهجير

وقد كشفت أزمة تطوير جزيرة الوراق وما نتج عنها مؤخرًا من اشتباكات بين قوات الأمن والأهالي الرافضين لعملية الإجلاء “القسري”، وجهًا لغياب الحوار المجتمعي الذي تحتاجه مصر بشدة، إذا ما قارناه بما قد تسفر عنه حالة الغضب والاحتقان بين المواطنين والحكومة.

و انتهت هذه الأزمة إلى مرحلة صعبة من رفض مشروع تطويرها وحتى بدائله المقترحة، في وقت لم تعتمد الأجهزة التنفيذية لتجاوز الأزمة سوى سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، تحت غطاء المنفعة العامة، الأمر الذي لم يحل الأزمة إلى الآن.

سيناريو أزمة الوراق مرشح كذلك للتكرار في 16 جزيرة أخرى، بموجب إعلان الحكومة استبعادها من القرار رقم 1969 لسنة 1998 للمحميات الطبيعية، وإعادة طرحها للاستثمار كأحد المناطق المميزة التي يجب استغلالها اقتصاديًا

وقد أصدر السيسي، في يناير/ كانون الثاني2022 ، قرارًا جمهوريًا رقم 18 لسنة 2022، بالموافقة على تخصيص عدد 36 جزيرة نيلية، بالإضافة إلى جزيرة بحرية واحدة، لصالح القوات المسلحة. بينها الوراق وأخواتها الـ16: وردان الكبرى، والصغرى، والقيراطيين، وأبو غالب، وأبو عوض، وأم دينار، والدهب، والقرصاية، وكفر بركات، والرقة، وحلوان البلد، والشوبك البحرية، وكفر الرفاعى، والديسمى والكريمات.

الوراق وأخواتها من الجزر الأخرى تشغل الأراضي الزراعية 90% من مساحاتها، بينما تشغل مساكن الأهالي الـ 10% المتبقية، في مقابل عوائد سنوية بسيطة وقيمة إيجارية تتراوح ما بين 4800 إلى 5000 جنيه عن كل فدان، تسدد لهيئة استصلاح الأراضي.

وتكمن صعوبة خروج سكان الوراق وأخواتها من طبيعة البيئة التي ارتبطوا بها عبر أجيال. فالزراعة المتواضعة والصيد التقليدي باب الرزق الرئيسي لغالبية السكان، توارثوها لأجيال، إلا فئة قليلة تعمل في وظائف ومهن بسيطة في المحلات التجارية والحرفية، لذا فإن الحوار المجتمعي ضرورة حول البدائل الأنسب والمتاحة لهذه الطبيعة السكانية المختلفة في مثل هذه المناطق.

طرد أصحاب الأرض لصالح "المستوطنين" الإماراتيين

في ضوء القوانين المحلية والدولية، يعتبر ما تقوم به الدولة حاليا من نزع ملكية أجود الأراضي الزراعية  ومنحها للإمارات لأقامه مشروعات استثمارية “جريمة قانونية”، خاصة أن الأراضي المطروحة كبديل من الحكومة على المتضررين بمدينة السادات صحراء غير صالحة للزراعة ولا توجد بها خدمات. كما أن الشقق التي يتم التعويض بها موجودة بحدائق أكتوبر والعبور وهي “غير مشطبة” وليس بها مرافق كهرباء أو مياه ومواصلاتها صعبة. ما دفع الموجودين للتمسك بوضعهم على أرض الجزيرة.

الإخلاء القسري للموطنين مجرم وفقا المادة 63 من الدستور. خاصة أن المشروع البديل لا يخضع للمنفعة العامة. بل يتم تهجيرهم والتعدي على أملاكهم لاستثمارات تجارية وتربيح الغير على حساب أمنهم وحقهم في الاحتفاظ بنمط اجتماعي وثقافي معين قائم على التكافل والاكتفاء الذاتي، ما يعد تجاوز من الدولة في حق مواطنيها.

وتم نزع ملكية 61 فدانا لإعادة التخطيط لتوفير السكن البديل بعدد 4 آلاف وحدة سكنية بديلة لصالح المشروع الاماراتي،  فيما تم شراء 45 فدانا بشكل رضائي لإقامة 250 مبنى. إضافة لشراء 105 منازل برضا الأهالي لإعادة خط تنظيم النيل عليها. كما تم نزع ملكية 91 فدانا منها  67 فدانا بالتراضي و550 منزلا منها 330 بالتراضي لحساب محور “تحيا مصر”. وذكر الوزير أن حجم التعويضات التي تم صرفها للأهالي حتى الآن 6 مليارات جنيه، منها  4 مليارات تعويضات أراضي، و2 مليار للسكن البديل."4"

77 الفا من سكان مدينة نصر من ضحايا التهجير

ومن ضحايا قرارات التهجير القسري بمصر مؤخرا، سكان الحي السادس والسابع بمدينة نصر، وتقدر المنازل التي يتم إزالتها بحسب التصريحات الرسمية 4500 وحدة سكنية ومحال، كمرحلة أولية، تمهيدًا لإزالتها "لتعارضها مع مشروع التطوير"!

نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية، إبراهيم صابر، كشف عقده اجتماعات عدة مع أهالي الحي السادس والسابع والاستماع لهم وعرض تفاصيل قرار الهدم عليهم ومحاولة التوصل معهم لحلول مرضية، مؤكدًا أن هناك توجيهات مباشرة بإزالة المنطقة لإعادة تخطيطها مرة أخرى على غرار مثلث ماسبيرو، بحى بولاق أبو العلا.

وبحسب الإحصاءات شبه الرسمية فإن عدد سكان حي غرب مدينة نصر الذي يشمل الحيين السادس والسابع يتجاوز 77 ألف نسمة، ما يعني أن الغالبية العظمى من هذا العدد سيقع تحت مقصلة الهدم وإزالة منازلهم خلال الفترة المقبلة، سواء كان دفعة واحدة أم على عدة مراحل كما أشار مسؤولو المحافظة.

السواد الأعظم من سكان تلك الأحياء يرفضون فكرة ترك بيوتهم التي نشأوا فيها بذكرياتهم والانتقال لمكان جديد حتى لو كان أفضل وأكثر تطورًا، فالأمر أكبر وأعقد من مسألة شقة بديل أخرى، وسكن بديل آخر، وهو ما يفسر عدم استجابة الكثير حتى الآن للمبالغ الكبيرة التي تتعهد المحافظة بدفعها كتعويضات مقارنة بالمناطق الأخرى.

يذكر أن المناطق الأخرى لا يتم التعامل فيها بالمتر كما هو الحال في الحيين السادس والسابع بمدينة نصر، لكن بالغرفة، فقد وضعت الحكومة سعرًا موحدًا للغرفة قرابة 40 ألف جنيه، وعليه يحدد سعر الشقة وفقًا لعدد الغرف بها، ومن ثم كانت هناك فروق كبيرة بين سعر الوحدة السوقي وسعرها التعويضي، الأمر الذي أثار غضب واحتقان المتضررين، إذ كانت الوحدة تتجاوز قيمتها في السوق 600 ألف جنيه لكن قيمة التعويض لا تتجاوز 120 ألف جنيه وفقًا لعدد الغرف بها.

عدد من السكان أعربوا عن استعدادهم الكامل للتعاقد مع مكاتب هندسية لتطوير العقارات التي يسكنون بها بما يتماشى مع المخطط الهندسي للمحافظة، وعلى نفقتهم الخاصة، نظير البقاء في أماكنهم دون الانتقال إلى مكان آخر، فأشار "محسن" مهندس مقيم في الحي السادس، إلى أنه تقدم بهذا العرض لمسؤولين في المحافظة لكنهم استبعدوا ذلك بزعم أن القرار "فوقي" وليس لهم من الأمر شيء."5"

وفي نفس السياق ، كشف الدكتور إبراهيم صابر، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية، عدد الأسر التي تقدمت بطلبات تعويضات عن إزالة بلوكات الحيين السادس والسابع بمدينة نصر ، وقال صابر، لمصراوي،  إنهم تلقوا نحو 350 طلبا من المواطنين حتى الآن من إجمالي 3000 أسرة موجودة بالمناطق المستهدف إزالتها وقد تم إجبار كل أهل المنطقة على إخلاء منازلهم قسرا .."6"

تهجير سكان مثلث ماسبيرو لصالح مشروعات الإمارات

كما شهدت أحياء الفقراء في منطقة ماسبيرو تهجيرا قسريا لصالح  للاستثمارات الإمارتية والتي حولت المنطقة بعد هدمها لغابة من العمارات الشاهقة التي شوهت المنطقة ولم تضف لها أي مناظر جمالية، ومنح أهالي مثلث ماسبيرو ثلاث خيارات مقابل إخلائهم، الخيار الأول هو الحصول على مساكن بمنطقة الأسمرات، مقابل إيجار شهري لا يتعدى الـ 300 جنيه، ويمثل نسبة 12 في المئة من الحد الأدنى للأجور وقتها وكان 2500 جنيه.

 ووافقت فقط نسبة 9 في المئة من سكان مثلث ماسبيرو على الانتقال إلى الأسمرات، وكان إجمالي عدد السكان يبلغ 4500 أسرة، علماً بأنّ بعض الأسر المشار إليها تتكون من عدة أجيال (الأجداد والآباء وأولادهم المتزوجين)، فالمساكن بالمنطقة كانت تتسم بالتشاركية نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة لتلك الشريحة من السكان، ولارتفاع كلفة السكن في مصر. كما أنّ القيمة التأجيرية المذكورة تعتبر باهظة بالنسبة لسكان مثلث ماسبيرو، بسبب اعتماد أغلبهم على المعاش الحكومي، علماً بأن مدينة الأسمرات تبعد 22 كيلومتر عن المنطقة المزالة، وأما الخيار الثاني فتمثل في التعويضات المالية، وحددها صندوق تطوير العشوائيات بـ 60 ألف جنيه للغرفة، إضافة إلى 40 ألف جنيه دعماً اجتماعياً، وقد فضل هذا الخيار 70 في المئة من السكان ولم تعط لهم بشكل كامل .

والخيار الثالث كان العودة مرة أخرى للسكن في المنطقة المميزة بقلب القاهرة لكن بشروط، وهي دفع 700 ألف جنيه ثمن الوحدة السكنية تُقَسّط على 30 عاماً، يخصم منها ثمن التعويضات المقررة، وقد اختاره 21 في المئة من إجمالي الأسر

ووقعت أثناء الاخلاء مواجهات عنيفة بين السكان والشرطة، إذ فرقت هذه الأخيرة التجمهرات بالغاز المسيل للدموع وقبضت على بضع عشرات من أهالي المنطقة الرافضين لتنفيذ قرارات الإزالة.  "7"

نزلة السمان  تخضع لمخطط التهجير القسري

كما كان من ضحايا التهجير القسري لحكومة السيسي، أهالي منطقة "نزلة السمان"، خاصة مربع "سن العجوز" ، الذي يقع   بموقع متميز بالقرب من أهرامات الجيزة، ويعمل سكانه بالمهن المرتبطة بالنشاط السياحي بالمنطقة. وبدون إنذار أو ترتيبات، جاء تنفيذ الإخلاء لسكان منطقة سن العجوز بنزلة السمان سابقاً للقرار الحكومي رقم 3503 لسنة 2021، باعتبار مشروع نزع ملكية الأراضي بالمنطقة من "أعمال المنفعة العامة".

رفع الأهالي في العام الماضي 2021، بمساندة "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، احتجاجاً على إزالة عقارات مملوكة لهم دون صدور قرارات رسمية بنزع الملكية وبدون تحديد بدائل لهم، مع تسليمهم وحدة سكنية بنظام حق الانتفاع بمنطقة "حدائق أكتوبر". وكانت أولى جلسات القضية في 2 كانون الاول/ ديسمبر من العام الماضي، بينما صدر القرار الحكومي بتاريخ 21 من الشهر نفسه.

تطوير منطقة "نزلة السمان" يتضمن مشروع خليجي تشرف عليه شركات إماراتية، لتحويلها إلى مزار سياحي عالمي، ضمن المنطقة الواقعة بين الأهرامات والمتحف المصري الكبير، وتهيئتها كمتحف مفتوح يشمل حدائق وساحات عامة.

ويتطلب ذلك نقل 53 ألف مواطن من مساكنهم، ومارس نظام السيسي العسكري بلطجة غير مسبوقة بإزالات لبيوت ومساكن أهالي منطقة سن العجوز وسط استغاثات غير مسموعة للسكان الذين أكدوا مرارا عبر وسائل إعلام النظام أنهم ليسوا ضد التطوير، لكن بحاجة لحوار مجتمعي حول شكل التعويضات والمناطن البديلة ومراعاة الظروف الإنسانية من تعليم وعمل للسكان، إلا أن النظام المعتمد على الدبابة من أول لحظة استيلائه على السلطة لا يسمع لأحد، ولا يستجيب و لايكترث حتى بمراعاة قوانينه بإصدار قرارات إزالة تعلق في حي الهرم أو في محافظة الجيزة يمكن الاطلاع عليها.

ووفق مرقبين، فإن مخطط محافظة الجيزة، فإن إجمالي المستهدف في إزالة «نزلة السمان»، نقل 4800 أسرة.

ويعد ما يجري في نزلة السمان بالهرم بمحافظة الجيزة نموذجا لما يحصل في عموم مصر، من أجل البزنس تحت شعار التطوير، حيث كان السيسي قد وقع اتفاقية مع الإمارات لتطوير منطقة الأهرامات، تستمر لمدة 20 عاما، تديرها شركات إماراتية عبر بناء إنشاءات سياحية وإدارة مبتكرة لمنطقة الأهرامات، ومنع العمال واصحاب الأعمال الحرة والخيل والكاريتات والباعة الجائلين من العمل في المنطقة، المتواجدين فيها منذ عقود من الزمن."8"

هدم مقابر أثرية لصالح أحياء الأثرياء

لم يرحم النظام الأموات ومقابرهم كما حدث في منطقة مقابر المماليك بالقاهرة ، فعلى مدى قرون، تم دفن السلاطين والأمراء ورجال الدين والعلماء والنخب والعامة في مجموعتين من المقابر على أطراف العاصمة المصرية، وهو ما أدى إلى تشكيل ما يمكن تسميته "مدينة تاريخية للموتى" في القاهرة، عرفت باسم "صحراء المماليك" أو "القرافة".

ويقول الكاتب لي كيث -في تقرير نشرته وكالة "أسوشيتد برس"عن هذا الأمر ،  إن الحملة التي تقوم بها الحكومة المصرية   لإعادة تهيئة القاهرة تتضمن شق طرق سريعة عبر هاتين المقبرتين، وهو ما يثير قلق المهتمين بالمحافظة على المعالم التاريخية والتراث الجنائزي المصري. والمقابر من بينها بعض الأضرحة التي تعود لكتاب وسياسيين معروفين.

كما أن مقبرة مزخرفة مقببة وفخمة عمرها 500 عام تعود للسلطان المملوكي قانصوه الغوري، توجد في طريق هذه الأشغال التي تقوم بها الحكومة، ورغم أنها لم تتعرض للضرر فإنها ستكون في المستقبل محاطة بشبكة من الطرق.

ويشير تقرير "أسوشيتد برس" إلى أن المقبرة الجنوبية أيضا شهدت جرف المئات من المقابر، وإقامة جسر علوي، يوجد في ظلاله ضريح ومسجد واحد من أشهر علماء الإسلام في مصر، وهو الإمام الليث بن سعد، الذي يعود إلى القرن الثامن الميلادي.

ويشير الكاتب إلى أن الحكومة المصرية تقوم بحملة كبيرة لبناء الجسور والطرق السريعة في القاهرة وحولها، وتقول السلطات إن ذلك ضروري لتخفيف الازدحام المروري في العاصمة التي يعيش فيها 20 مليون ساكن، وتحسين الربط بين مختلف مناطق البلاد، من خلال مشاريع تندرج ضمن الرؤية القومية لمصر الجديدة

ورغم تحذير خبراء الآثار من أن هذه الأعمال التي تشهدها مقابر القاهرة تمثل ضربة للجهود الرامية للحفاظ على الهوية التاريخية للعاصمة، حيث إنها تضم آثارا تعود إلى العصر المسيحي الروماني، والعديد من السلالات المسلمة التي حكمت البلاد حتى العصر الحديث.

وفي هذه المنطقة تم تهجير سكان رغم أنوفهم ، وتم إزالة معظم هذه المنطقة منذ العام الماضي ، دون مراعاة لطبيعتها التاريخية واثارها. "9"

  • حمي إنشاء الكباري في عهد السيسي  تسببت في التهجير القسري لمئات الآلاف من المصريين
  • البرلمان أقر تعديلاً  يقضي بمنح  السيسي سلطة تقرير المنفعة العامة مما سرع إجراءات نزع الملكية  
  • إزالة آلاف العقارات المأهولة بالسكان لتوسعة الطريق الدائري حول القاهرة مقابل تعويضات زهيدة
  • حكومة السيسي قطعت المرافق عن  387 عقارا بالبستانين ضمن مخطط توسعة الطريق الدائري
  • بلدوز الحكومة وصل لأقدم كمباوند منشأ على الطريقة البلجيكية بحي ألماظة منذ60 عاما
  • محافظات مصر لم تكن في مأمن من التهجير القسري.. وإزالة آلاف المنازل في القرى المصرية
  • جبايات لوقف هدم المنازل بلغت حصيلتها 9 آلاف مليار جنيه وتستهدف جمع 70 ألف مليار

 

التهجير لصالح الكباري 

ضحايا التهجير القسري لم يكونوا ضحايا لمشروعات استثمارية فقط، ولكن كان من ضمن المناطق المنكوبة  التي أصابها حمي التهجير سكان المناطق التي قرر الجيش- بإيعاز من السيسي- انشاء كبار وشق طرق بها، مثل شارع التروللي في حي المطرية، شرقي العاصمة المصرية القاهرة، حيث قامت الأجهزة المحلية بوضع علامات على منازل السكان من أجل إزالتها، وهدم أكبر مجمع إسلامي يخدم أهالي المنطقة، وهو مجمع "عبد المرضي" الذي يقدّم خدمات طبية واجتماعية بأسعار رمزية، من أجل إنشاء جسر جديد يصل إلى محور مسطرد باسم عمر المختار.

وأرسل الأهالي، في الاسبوع الثاني من سبتمبر 2022، استغاثات مكتوبة إلى السيسي، ورئيس مجلس وزرائه مصطفى مدبولي، يطالبون فيها بعدم إزالة منازلهم التي يقطنون فيها منذ عشرات السنوات، لا سيما أنّ الشارع يسكن فيه ضباط جيش متقاعدون، وشاركوا في حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، في حين أن التعويضات التي أعلنتها محافظة القاهرة "هزيلة"، ولا تتناسب مع القيمة الحقيقية للعقارات في المنطقة.

وحددت المحافظة تعويضاً يقدر بـ2900 جنيه لسعر المتر في الشارع، فضلاً عن تحميل السكان تكاليف هدم العقارات، علماً بأنّ سعر المتر يتجاوز 7 آلاف جنيه في هذه المنطقة، مشددة على ضرورة إخلاء السكان للبنايات المقرر إزالتها في غضون أسابيع قليلة، من دون توفير وحدات سكنية مماثلة لها، أو منح الأهالي تعويضاً مالياً عادلاً. (الدولار = 19.50 جنيهاً).

وتشمل الإزالات القصر التاريخي للأميرة نعمة الله توفيق، ابنة الخديوي توفيق، وحفيدة محمد علي باشا، الذي يمتد على مساحة كبيرة في المرج تبلغ 16 فداناً تقريباً، وكان ضمن استراحات الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، ومنفى للرئيس محمد نجيب بعد فرض الإقامة الجبرية عليه عام 1954، إلا أنه تحول مع الوقت إلى مكب للقمامة إثر تعرضه للنهب والحرق مرتين.

وقبل عامين، أقر مجلس النواب المصري تعديلاً حكومياً على قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، يقضي بمنح رئيس الجمهورية أو من يفوضه، سلطة تقرير المنفعة العامة، تسريعاً لوتيرة إجراءات نزع الملكية من المواطنين بشكل جبري، بغرض الانتهاء من مشاريع الطرقات والجسور في بعض المحافظات، ومنح المحافظ المختص سلطة إصدار قرارات الاستيلاء المؤقت على بعض العقارات المملوكة للمواطنين في حالات الضرورة.

ومنح التعديل المحافظ المختص سلطة إصدار قرارات الاستيلاء المؤقت على بعض العقارات المملوكة للمواطنين في حالات الضرورة، حتى ولو كانت مقننة بالكامل، ولا تخالف أياً من قوانين البناء في مصر.

ونصت المادة 78 من الدستور المصري على أن "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية، ويحقق العدالة الاجتماعية. وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة، ومدها بالمرافق الأساسية، في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى، واستراتيجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام، وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة".

يذكر أنّ محافظة القاهرة انتهت مؤخراً من إزالة 127 عقاراً في منطقة عرب الحصن التابعة لحي المطرية، بزعم استكمال توسيع جسر الخصوص الذي تنفذه الهيئة الهندسية للجيش بـ"الأمر المباشر"، تنفيذاً لتوجيهات عبد الفتاح السيسي بشأن ربط طريق منطقة مسطرد والطريق الدائري.

ولا تستعين الأجهزة التنفيذية في مصر بآراء الخبراء، أو تنظر إلى البعد التاريخي والنسيج العمراني للمناطق قبل اتخاذ قرار هدمها، فيما يسعى نظام السيسي لتغيير معالم أحياء القاهرة، من خلال وصمها بالعشوائية ومخالفة قوانين البناء، والمضي قدماً بعمليات التحديث العمراني القسري المخالفة لأحكام الدستور والقانون."10"

وأزالت الحكومة مئات من العقارات المأهولة بالسكان من أجل توسعة الطريق الدائري الذي يربط بين محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، في مقابل منح المواطنين تعويضات هزيلة تبلغ 40 ألف جنيه للغرفة الواحدة، مع اعتبار صالة الاستقبال والمطبخ غرفة واحدة، أي ما يصل إلى 160 ألف جنيه عن الوحدة السكنية المكونة من ثلاث غرف، وهو ما لا يتجاوز نسبة 30 في المائة من سعر الوحدة السوقي في أفضل الأحوال."11"

وفي 2014 بدأت المشكلة بإزالة وتهجير سكان منطقة المرج ، وقد أعربت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وقتها عن بالغ قلقها من خطر التهجير القسري الذي يهدد نحو ألف أسرة من سكان عشش التوفيقية المهجرين بحي المرج، الذين بدأت بالفعل عملية إخلائهم وإزالة مساكنهم

وبحسب شهود العيان بالمنطقة، أخلت الأسر مساكنها بعد أوامر من قوات الأمن، وهى الآن تنتظر بالطريق العام مع ممتلكاتها البسيطة، هل ستكون أسماؤهم بكشوف الحصر لإعادة تسكينهم أم لا. فقد بدأت سلطات الحي النداءَ على الأسماء التي بكشوف الحصر، وتم رصد عدد من التجاوزات في تسليم وحدة واحدة لأكثر من أسرة. كما حدثت بعض الاشتباكات المحدودة، التي أسفرت عن إلقاء القبض على أحد الأهالي."12"

هدم منازل الدائري بالمنيب والبساتين والعمرانية

ومن المناطق المتضررة من التهجير القسري لصالح حمى  الطرق والكباري التى انتابت مصر في عهد السيسي منطقة المنيب وخاتم المرسلين بالعمرانية، حيث تم هدم   500 برج سكني على الطريق الدائري رغم ابتعادها عن حرم الطريق بنحو 25 مترا، كمسافة قانونية، إلا أن العسكر لا يعبئون بذلك ويصرون على تنفيذ مخططاتهم بلا رحمة أو ترو مع الأهالي، وهو ما يدفع نحو الانفجار المجتمعي

وعبر أهالي منطقة المنيب بمحافظة الجيزة المصرية عن رفضهم قرار السلطات إزالة البنايات التي يمتلكون شققا سكنية بها ونظموا  أكثر من وقفة احتجاجية على دائري المنيب رفضا للقرار وقالوا إن التعويضات المعروضة عليهم لا تعادل قيمة شققهم السكنية المزمع إزالتها، معربين عن تمسكهم الشديد ببيوتهم ورفضهم المغادرة.

وكان وزير النقل المصري كامل الوزير قد صرح لوسائل إعلام مصرية سابقا بأنه يجرى العمل حاليًا على تزويد الحارات بدائري المنيب، مشيرًا إلى أنه سيجرى اتخاذ قرار بإزالة بعض المنازل المتضررة ، وأوضح أنه تم إزالة 50 بناية من أجل تسهيل حركة السير على الكوبري، مشيرا إلى أنه سيتم تعويض أصحاب المنازل بمنازل أخرى أو مقابل مادي"13"

كما تم إزالة عقارات السكنية بمنطقة “حي البساتين”، أحد أحياء جنوب القاهرة، المجاورة للطريق الدائري، في ظل التوسعات التي تقوم بها الحكومة للطريق حاليا، حالة من الغضب بين قاطني تلك المنطقة. إذ تستمر عملية إزالة المساكن من دون تحديد قيمة التعويض أو إيجاد أماكن بديلة لهم في ظل الشتاء، فضلاً عن ارتباط العشرات من الطلاب بالمدارس والجامعات والامتحانات التي أوشكت على البدء، ولا يعرفون مصيرهم فى ظل هذه الأزمة."14"

وكشفت تقارير المحافظة تحديد 387 عقارا ستتم إزالتها ضمن مخطط توسعة الطريق الدائري بالمنطقة، تقيم فيها 1368 أسرة، وإجمالي عدد المحال التي تم حصرها بالمنطقة بلغ 313 محلا، فيما بلغ عدد الورش 122 ورشة و35 مصنعا للقطاع الخاص.

والأغرب أنه كان من المفترض تسليم المواطنين المقرر إزالة بيوتهم التعويض قبل أشهر، إلا أنه لم يتم، فيما تطالب الجهات الحكومية المواطنين بالإخلاء.

ووجهت أكثر من 250 أسرة مهددة بهدم عقاراتها في شارع ترسا استغاثة إلى رئاسة الجمهورية، بعدما أدخلت منازلها ضمن مخططات توسعة الشوارع البديلة لشارع الهرم، رغم أنها مرخصة بالكامل، مقابل الحصول على 40 ألف جنيه فقط عن الغرفة الواحدة تعويضاً من المحافظة، أو الانتقال للسكن في وحدة لا تتجاوز مساحتها 63 متراً تقع في منطقة نائية بمدينة السادس من أكتوبر."15"

هدم إجباري للعقارات بحي ألماظة لصالح العاصمة الجديدة

وصلت معاول الهدم وآليات السيسي العسكرية إلى أقدم كمباوند حضاري منشأ على الطريقة البلجيكية، في حي الماظة بمصر الجديدة، والذي انشاته منذ اكثر من 60 عاما شركة مصر الجديدة للاسكان والتعمير، على نسق حضاري متميز.

كما جاء قرار إزالة حي ألماظة بمصر الجديدة، لتوسعة شارع حسين كامل لتسهيل الوصول إلى العاصمة الإدارية الجديدة!!

وأرسل سكان منطقة حي ألماظة استغاثات إلى كافة المسئولين، يشكون فيها من قرار نزع ملكيتهم الخاصة بما يمثل ضرراً جسيماً بأمن وملكية أسر وعائلات عاشت لعقود طويلة في المنطقة، وكانت الحلول المطروحة من المحافظة هي الحصول على مسكن بديل في حي أهالينا 3، وموقعه في نهاية شارع جسر السويس بالقرب من مساكن قباء (منطقة شعبية)، أو في مدينة السلام أو في مدينة الشروق، أو الحصول على تعويض مالي وفقاً لتقدير خبراء مثمنين من الحي، وهو ما يصل لـ40 ألف  جنيها  للغرفة الواحدة."16"

محافظات مصر ليست بعيدة عن الهدم

ولم تكن محافظات مصر بعيدة عن التهجير القسري الذي يتبناه السيسي ونظامه ، ففي الإسكندرية تعرض أهالي منطقة سيدي كرير، غربي مصر،   لعمليات تهجير ،  وقال  أهالي  المنطقة إن السلطات ترغب في إخلاء  مساكنهم  وببيعها واستغلالها من قبل مستثمرين ، ودشن أهالي المنطقة وسم (#لا لتهجير أهالي سيدي كرير) عبروا من خلاله عن رفضهم للتوجه الحكومي الحالي بطردهم من أراضيهم، داعين إلى الوقوف أمام هذا القرار ومقاومته للدفاع عن حقهم في أراضيهم التي تسكنها قبائلهم منذ أكثر من 100 عام."17"

تكرر  سيناريو التهجير  مع سكان منطقة  "عزبة نادي الصيد" بالقرب من مطار النزهة، وحدثت صدامات  بين الاهالي والحكومة  وأدت إلى إحالة عدد منهم إلى محكمة جنح أمن الدولة طوارئ (في القضية رقم 1334 لسنة 2021)، ونسب إليهم قيامهم بالتجمهر واستعراض القوة، والتعدي على رجال الضبط القضائي، وحيازة وإحراز مواد تُستخدم في الاعتداء على الأشخاص، وإتلاف ممتلكات عامة وخاصة، وانتهت القضية بتبرئة كافة المتهمين.

وذكرت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في بيانٍ لها أنّ الأهالي احتجوا على خطة تهجيرهم بعد تخصيص حوالي 115 مليون جنيه في عام 2019 لتطوير المنطقة والانتهاء من إصلاح شبكات الصرف الصحيّ بها، لكنّ تمّ العدول عن استكمال التطوير في بداية عام 2020 وصدر قرار بالإزالة.

ووفقا للمخطط الاستراتيجي لمدينة الإسكندرية عام 2032 بمشروع الهيئة العامة للتخطيط العمراني، فالمنطقة حول مطار النزهة ستتحول إلى مدينة على مساحة 357 فدانا، وتتيح فرصة استثمار للقطاع الخاص تصل إلى 271 فدانا، ومنطقة خدمات عامة على حوالي 42 فدانا، فيما ستوفر 22 ألف فرصة عمل، وبين التأكيد والنفي، ليس هناك معلومة موثوقة حول ما إذا كانت عزبة نادي الصيد ستنضم إلى المخطط المستقبلي."18"

هدم المنازل يجتاح القرى

وعلى مدار عامي 2019 و2020 ، قامت الحكومة بحملة هدم منازل بحجة مخالفة قانون البناء ، وواجه الآلاف خطر إزالة منازلهم في القرى المصرية، والتي تختلف قصصها من شخص إلى آخر، إلا أن الرابط بينها هو قيامهم بالبناء كما اعتادوا دون الحصول على ترخيص بالبناء من السلطات المحلية، وهو أمر كان منتشرا في الريف وتغض السلطات النظر عنه.

لكن ما يشعر الناس بالقلق أكثر هو شعورهم بأن الدولة تقوم بالهدم لإخافة الباقين بهدف الإسراع بالتصالح ودفع مبالغ باهظة، مما يعني أن الأمر أقرب إلى جباية الأموال منه إلى فرض النظام أو تطبيق القانون.

ويحدد القانون رقم 17 لسنة 2019 سعر المتر المخالف بحد أدنى 50 جنيها، وحد أقصى يصل إلى ألفي جنيه، وهو ما يتحدد وفق سلطة المحافظة وطبيعة البناء.

ويجوز التصالح وفق اشتراطات محددة، منها على سبيل المثال السلامة الإنشائية للعقار، وعدم البناء داخل أرض ملك للدولة، وألا يكون البناء حديثا، بحيث يكون قد تم قبل 22 يوليو/تموز 2017، وهو آخر تاريخ للتصوير الجوي للمخالفات.

ويهدف القانون إلى تحصيل أموال من المخالفين لخزانة الدولة، وإنفاقها على مشاريع البنية التحتية بواقع 39%، ولصندوق الإسكان الاجتماعي بواقع 25%، ونسبة لا تزيد على 1% لإثابة أعضاء اللجان ، ونجحت دولة السيسي في جمع 9 ألاف مليار جنية وتستهدف تحصيل 70 ألف مليار من هذه المخالفات.

وتعكس القرارات التي تنفذها المحليات تهديدات السيسي بعدم التهاون مع المخالفين في البناء، خاصة مع انفعاله على الهواء مباشرة، وتهديده باستخدام الجيش لإبادة المخالفات، قبل أن يعود ويستخدم مصطلح الإزالة.

المصادر

  1. موقع السفير نشر بتاريخ 22 – 5- 2022
  2. الجزيرة نت نشر بتاريخ 28 /8/2022
  3. موقع أخبار الغد  نشر بتاريخ  11 سبتمبر, 2022 
  4. موقع الناس نت نشر بتاريخ  4 يناير, 2022 
  5. مصراوي نشر بتاريخ   17 يوليه 2022
  6. جريدة المال نشر بتاريخ  3 أكتوبر 2017
  7. موقع السفير نشر بتاريخ 22 – 5- 2022
  8. بوابة الحرية والعدالة  نشر بتاريخ 4 ديسمبر  2021
  9. موقع الخليج الجديد نشر بتاريخ 2/8/2020
  10. العربي الجديد نشر بتاريخ 10 سبتمبر 2022
  11. العربي الجديد نشر بتاريخ 22  يناير 2022
  12. موقع المبادرة المصرية لحقوق الانسان  نشر بتاريخ 18 فبراير 2014
  13. موقع علامات نشر بتاريخ  2020-11-16 
  14. موقع  ميدان  نشر بتاريخ  21 فبراير2021
  15. الشارع السيسي نشر بتاريخ يونيو 21, 2021
  16. الخليج الجديد نشر بتاريخ   18 نوفمبر 2020  
  17. موقع السفير نشر بتاريخ 22 – 5- 2022
  18. الجزيرة نت نشر بتاريخ  6/9/2020