مصر: كيف استرد "أمن الدولة" دوره كجهاز قمعي بعد انقلاب 2013؟
السبت - 24 سبتمبر 2022
- تقرير حقوقي: الأمن الوطني ينتهك حقوق الإنسان دون أي محاسبة أو مساءلة
- استرؤد دوره كجهاز قمعي ليعوض سنوات انحساره بين عامي 2011 و2013
تحت عنوان "نخدم السلطوية ونعتدى على القانون: تقرير حول تغيرات قطاع الأمن الوطني وانتهاكاته في إطار منظومة العدالة الجنائية بين عامي 2016 – 2021"، أصدرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان تقريرًا يوم 20 سبتمبر 2022 حول تغيرات قطاع الأمن الوطني وانتهاكاته في إطار منظومة العدالة الجنائية بين عامي 2016 – 2021.
ركز التقرير علي أهم مظاهر استرداد الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا) دوره كجهاز قمعي أكثر مما تميز به قبل ثورة يناير، بتعديه الصارخ على منظومة العدالة الجنائية في مصر والتحكم الفعلي في كافة درجات التقاضي، بما ينتهك القانون والدستور واستقلال القضاء.
أكد أنه عقب انقلاب الثالث من يوليو 2013 وخلال السنوات التالية لإطاحة الجيش بالرئيس الراحل محمد مرسي وجد جهاز أمن الدولة بمسماه الجديد "قطاع الأمن الوطني" الفرصة ليعوض سنوات الانحسار التي عاشها بين عامي 2011 و2013، ويسترد دوره من جديد كجهاز قمعي، ويطلق يده داخل ملف العدالة الجنائية ليعبث بجميع قوانينها ويضرب بها عرض الحائط بما يهدد في أحيان كثيرة استقلال القضاء.
جهاز تعدى دوره
رصد التقرير تعدي قطاع الأمن الوطني لدوره كجهاز وظيفي يهدف في الأساس لجمع المعلومات ومحاربة الإرهاب والتجسس والجريمة المنظمة ليشمل عمليات المراقبة والاستهداف الموجهة تجاه النشطاء والمعارضين السياسيين.
توغل الجهاز في جميع مراحل عملية التقاضي بداية من عملية التتبع والتحريات ثم مرورا بعملية الضبط نهاية بالإفراج الفعلي عن الأشخاص المحتجزين، وتعديه الصريح على السلطة القضائية في كونه يحدد من يتم إطلاق سراحه بشكل فعلي، أو تتم إعادة وضعه على ذمة قضية جديدة.
وشدد التقرير الحقوقي على أن "قطاع الأمن الوطني المصري أصبح جهة ترتكب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان دون أي محاسبة أو مساءلة".
حماية النظام فقط
تناول الجزء الأول من التقرير نظرة تاريخية على نشأة أجهزة الأمن السياسي في مصر بداية من العصر الملكي ثم مجيء نظام يوليو.
أوضح أنه على الرغم من تفكيكه لبنية النظام الملكي إلا أنه أبقى على جهاز الأمن السياسي ولكن بشكل مختلف من حيث التنظيم والهيكل، وظل جهاز المباحث العامة يمارس دوره في ملاحقة المعارضين والتوغل داخل جميع المؤسسات وإفساد الحياة السياسية، حتى تحول إلى الإدارة العامة لجهاز مباحث أمن الدولة في عهد أنور السادات ثم مباحث أمن الدولة في عهد مبارك.
أكد التقرير أن أجهزة الأمن السياسي في مصر مرت عبر الأزمنة بالكثير من التغيرات على المستويين الهيكلي والشكلي، لكن ظل مضمون عملها ثابت يقوم على حماية الأنظمة السياسية ورأسها من أي خطر من شأنه أن يهدد بقاء أفراد النظام في مناصبهم. واستمرت تلك الأجهزة على مر السنين في بسط نفوذها داخل جميع مؤسسات الدولة، كما استمرت في تعديها على الدستور والقوانين الوطنية.
ويسلط التقرير في الجزء الثاني منه الضوء على التطورات التي لحقت بجهاز أمن الدولة بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير والتهديدات التي تعرض لها الجهاز بعد محاصرة المحتجين لمقراته وحبس رئيس الجهاز ثم محاولات إصلاح الجهاز وتغيير مسماه من أمن الدولة إلى الأمن الوطني وانحسار عمله بشكل ملحوظ خلال السنوات التالية للثورة. وفي الجزء الثالث يعرض التقرير اختصاصات قطاع الأمن الوطني الجديد عن طريق قراءة تعديلات قانون جهاز الشرطة الأخير للوقوف على حدود عمل الجهاز القانونية، وأيضا الوقوف على إشكاليات القانون.
ذكر أن "مباحث أمن الدولة" في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك )1981-2011 أصبح ذو نفوذ قوي من الممكن أن يتخطى نفوذ أي قطاع شرطي أو أمنى داخل الدولة المصرية وتوسع نشاطه، خصوصا في السنوات الأخيرة لمبارك، بحيث امتد تقريبا الي جميع أنشطة المجال العام مثل مراقبة الأنشطة الطلابية والعمالية والنقابية والحزبية والدينية والرياضية والفنية والعلمية والأدبية، وبات يتجسس على هذه القطاعات عن طريق مراقبة المحادثات الهاتفية وتجنيد مصريين لجمع المعلومات.
انتهاك القانون والدستور
أما الجزء الأخير من التقرير يناقش، وبشكل إجمالي، انتهاكات قطاع الأمن الوطني في إطار نظام العدالة الجنائية المصري ليصبح الجهاز هو المسيطر على جميع حلقات التقاضي والمتحكم الأول فيها، منتهكا للقانون والدستور في جميع خطواته التي يخطوها، بداية من تتبع المعارضين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ومحاولات اختراق حساباتهم الشخصية وهواتفهم من أجل القبض عليهم مرورا بعملية جمع الحريات وكتابتها وعمليات القبض والاختفاء القسري والتعذيب.
وتدخلات الجهاز في حياة السجناء عن طريق إدارته لجميع السجون وخصوصا المشدد منها، تم تحكمه في قرارات إخلاء سبيل المتهمين أو تدويرهم مرة أخرى على ذمة قضايا بشكل متكرر، واخيرا حتى بعد خروج المساجين من محبسهم يتحكم في حياتهم عن طريق المتابعة الامنية ورسم مستقبلهم ومنعهم من التنقل والسفر.
ثورة على الجهاز
وكانت ممارسات وزارة الداخلية عموما وجهاز أمن الدولة خصوصا عاملا قويا في قيام ثورة 25 يناير، حيث كان الجهاز هو أداة القمع التي استخدمها النظام الحاكم طيلة ثلاثين عاما من حكم مصر، وبرزت خلال الثورة عدة مطالب شعبية بإعادة هيكلة وزارة الداخلية وإلغاء جهاز أمن الدولة.
وخلال الأيام الأولى للثورة تعرض جهاز أمن الدولة لتهديدات حقيقية حيث اقتحم عدد من المتظاهرين مقراته ومن بينهم المقر الرئيسي ومقر السادس من أكتوبر، وأضرمت النيران في عدد من المقرات التابعة لبعض المحافظات قبل أن تسيطر القوات المسلحة الحاكمة آنذاك على هذه المقار.
تبع هذه الاحتجاجات عدد من القرارات نظر إليها البعض على أنها محاولة جادة لإصلاح هذا الجهاز، فعقب هذه الاحتجاجات بيومين اثنين ألقي القبض على رئيس جهاز أمن الدولة وقتها اللواء حسن عبد الرحمن والتحقيق معه بعدة تهم.
وقرار وزير الداخلية آنذاك اللواء منصور العيسوي إلغاء جهاز أمن الدولة بكافة فروعه وإداراته ومكاتبه في جميع المحافظات، وإنشاء قطاع جديد بوزارة الداخلية تحت مسمى "قطاع الأمن الوطني".
وتحددت مهام الجهاز الجديد في الحفاظ على الأمن الوطني والتعاون مع أجهزة الدولة المعنية لحماية وسلامة الجبهة الداخلية وجمع المعلومات ومكافحة الإرهاب، وأن يكون عمل القطاع وفقا للدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وذلك بناءا على قرار تنظيم عمل القطاع من وزير الداخلية رقم 445 لسنة 2011.
وتم تعيين رئيس جديد للقطاع هو اللواء حامد عبد الله ليكون بذلك هو أول رئيس لقطاع الأمن الوطني الجديد.
وتبع هذا القرار مبادرات صدرت من وزارة الداخلية لصالح عمل الجهاز الجديد وتقديم نفسه على أنه جهاز استخباراتي لجمع المعلومات ومحاربة الإرهاب فقط، ودعا الجهاز الجديد عدد من الشخصيات الحقوقية والصحفية والسياسية الي ما سمي وقتها "منتدى الأمن الوطني وآفاق المستقبل" لشرح دوره الجديد.
وتم عرض مدونة السلوك والأخلاق للعاملين بالقطاع تضمنت نقاطًا عديدة أهمها استحداث ادارة داخلية تراقب أداء ضباط القطاع، وانهاء ممارسات استدعاء المواطنين للتحقيق معهم داخل مقار الأمن الوطني والتنصت على المكالمات بدون اذن قضائي وإخضاع كافة قرارات الجهاز لرقابة مجلس الدولة باعتبارها قرارات إدارية. أما إجراءات الضبط القضائي فستخضع لرقابة النائب العام.
وخلال الفترات التالية لثورة الخامس والعرشين من يناير انحسر عمل جهاز الأمن الوطني ولم يظهر له أي دور فعال على الساحة إلا من خلال قضية واحدة كانت في أكتوبر 2012 وهي القضية التي اشتهرت باسم "خلية مدينة نصر" والتي أعلن خلالها عن القبض على 19 جهاديا، بعد اقتحام شقة في مدينة نصر، ونتج عن الاقتحام اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل أحد الموجودين داخل الشقة وانفجرت الشقة اثناء الاشتباكات ووجد بداخلها عقب ذلك أسلحة ومتفجرات.
عودة للعهد السابق
لكن في أعقاب انقلاب الثالث من يوليو 2013 وبعد عبد الفتاح السيسي الحكم عاد جهاز الأمن الوطني لعهده السابق، وبرز اسم الجهاز على الساحة من جديد، محركا آلاف القضايا ومتهام آلاف المواطنين بالإرهاب ونشر الأخبار الكاذبة ومسؤولا عن العديد من جرائم التعذيب والاخفاء القسري، وطالت يده جميع درجات نظام التقاضي وبات يتحكم في حياة آلاف السجناء السياسيين داخل جدران السجون وحتى بعد خروجهم، بحسب التقرير.
وشدد التقرير الحقوقي في الختام على أن جميع الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم مصر اتبعت السلطوية كطريقة للحكم والسيطرة على المجتمع بشكل عام والحياة السياسية بشكل خاص.
واحتاج كل نظام متعاقب لجهاز أمن سياسي يضمن له البقاء في موقع الحكم أطول فترة ممكنة، وتمكينه داخل المجتمع وتفريغ الحياة السياسية من مضمونها وإسكات المعارضين واستخدام التعذيب كورقة رابحة في وجه الجميع لتخويفهم، وهو ما يقوم به الجهاز الآن مع نظام السيسي، بأخطر مما كان عليه قبل ثورة يناير، وكرد فعل على الثورة نفسها وكأنه ينتقم من الشعب.