ممدوح الولى يكتب: المصريون بالخارج البديل الأفضل لقرض الصندوق

الخميس - 27 أكتوبر 2022

- ممدوح الولي
( كاتب متخصص فى الشأن الإقتصادي المصري )

خلال زيارة للأردن دعاني السفير المصري لحضور ندوة بالمركز الثقافي المصري، وبعد انتهاء الندوة انتحى بي جانبا أحد العمال ليطلب مني باللهجة المصرية أن أطلب من السلطات المصرية أن ترسل فرقا قوية للعب في المملكة لأنها ترسل فرقا رياضية ضعيفة تفوز عليها نظيرتها الأردنية مما يجعله وزملاءه مثارا للتندر من قبل الأردنيين العاملين معه!

علمني هذا الرجل أنه ليست كل مطالب العمالة بالخارج مادية أو خاصة، ولهذا تفهمت مؤخرا شكوى الكثيرين منهم من المعاملة غير الجيدة بالمطارات والموانئ عند عودتهم، ووضع حد أقصى مسموح للهدايا المصاحبة معهم بمبلغ 10 آلاف جنيه مصري، أي حوالي 500 دولار، الأمر الذي لا يكفي لشراء الهدايا مع ارتفاع أسعار التلفونات والألعاب والأجهزة الإلكترونية والملابس.

تحويلات العمالة تختلف في طبيعتها عن باقي الموارد، فعندما نقول إن حصيلة صادرات النفط والغاز الطبيعي العام الماضي 13 مليار دولار، فإن نصف تلك القيمة تحصل عليها الشركات الأجنبية حسب الاتفاقيات، وببلوغ الصادرات غير البترولية 23.5 مليارا فإن نسبة 60% منها مكونات مستوردة

وحسب بيانات البنك المركزي المصري، كانت قيمة تحويلات العمالة بالخارج بالعام الماضي 31.3 مليار دولار، تمثل نسبة 24% من إجمالي الموارد البالغة 139 مليارا، لتحتل التحويلات المركز الأول بين أنواع الموارد، أكبر من الصادرات السلعية غير البترولية، ومن ضعف صادرات البترول والغاز الطبيعي، وأكثر من 3 أضعاف الدخل السياحي، وحوالي 5 أضعاف دخل قناة السويس.

وبالعودة لبيانات موارد النقد الأجنبي، الثلاثين عاما الماضية، كانت تحويلات العمالة تحتل المركز الأول بالموارد في غالب سنوات تسعينيات القرن الماضي، وأحيانا بالمركز الثاني بعد السياحة، والعقد الأول من الألفية الجديدة تراجع مركزها حتى وصلت خلال بعض السنوات للمركز الخامس، بعد الصادرات السلعية غير البترولية والصادرات البترولية والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر.

تحويلات العمالة أكبر من البيانات الرسمية

منذ عام 2012 وحتى العام الماضي، عادت تحويلات العمالة لاحتلال المركز الأول، فيما عدا عامي 2015 و2016 حين تفوقت عليها القروض الخارجية. ومن المهم أن نشير إلى أن أرقام تحويلات المصريين بالخارج الحقيقية أعلى من البيانات المنشورة عنها، حتى قدر البعض ذلك بـ 4 أضعاف الرقم الرسمي، حيث تعود الكثيرون منهم لإرسالها مع أصدقائهم ومعارفهم أو بصحبتهم عند عودتهم، وتساهم في ذلك تكلفة التحويلات المرتفعة بالبنوك والتي تصل أحيانا إلى 7% من قيمة التحويلات.

هذا بخلاف ما يرسلونه من هدايا مع معارفهم أو يحملونها معهم، إلى جانب أنه وقت أزمات نقص العملة المتكررة منذ الستينيات من القرن الماضي، تقوم جهات وسيطة بشراء العملات الأجنبية منهم لتمويل واردات سلعية لمصر، وهو ما استمر حدوثه حتى عام 2016 والعام الحالي.

الأهم من ذلك، أن تحويلات العمالة تختلف في طبيعتها عن باقي الموارد، فعندما نقول إن حصيلة صادرات النفط والغاز الطبيعي العام الماضي بلغت 13 مليار دولار، فإن نصف تلك القيمة تحصل عليها الشركات الأجنبية حسب الاتفاقيات، وببلوغ الصادرات غير البترولية 23.5 مليارا فإن نسبة 60% منها مكونات مستوردة.

وببلوغ إيرادات السياحة 9 مليارات دولار فإن هناك شركات أجنبية تحصل على نصيب منها، وبالاستثمار الأجنبي المباشر يحصل الأجانب على أرباحهم التي يحولونها للخارج، حتى أن جزءا من دخل قناة السويس يدخل في عمليات تكريك مستمرة لمجرى القناة وخدمات إرشاد، فيما عدا التحويلات التي لا تكلف البلاد شيئا حتى تكلفة إرسالها يدفعها هؤلاء.

وإذا كانت قروض صندوق النقد الدولي منذ 2016 وحتى الآن قد بلغت 23.3 مليار دولار خلال 6 سنوات، فإن أقل رقم لتحويلات العمالة منذ عام 2017 كان 22 مليارا، بينما بلغت مخصصات وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج بالموازنة، العام المالي 2021/2022 نحو 53 مليون جنيه أي ما يعادل 3.4 ملايين دولار بسعر الصرف حينذاك.

جمارك وضرائب ورسوم بخلاف التحويلات

ويجب عدم النظر إلى أن استفادة الدولة تقتصر على التحويلات النقدية والعينية، حيث يدفع العاملون بالخارج جمارك على ما يحملونه من سلع خلال عودتهم وضريبة قيمة مضافة على تلك السلع، كما يدفعون رسوما للخدمات التي يحصلون عليها من القنصليات المصرية بالخارج، وقيمة مشترياتهم من السوق الحرة ومدفوعات خدمات الاتصالات والتأمين والتعامل مع شركات الطيران المصرية.

كما تزخر موارد الموازنة بالعديد من الضرائب والرسوم التي يدفعونها، والتي تقارب قيمتها عشر مليارات جنيه، نذكر منها بموازنة العام المالي الحالي 2022/2023 نحو 4.6 مليارات جنيه رسوما للإجراءات القنصلية، وملياري جنيه رسوم تنمية على أجهزة المحمول والإكسسوارات.

وهناك 608 ملايين جنيه ضريبة تضامن اجتماعي لتذاكر السفر بخلاف 537 مليونا رسوم تنمية لتذاكر السفر، و400 مليون رسوم تنمية لجوازات السفر بخلاف 279 مليونا رسوما على جوزات السفر، و285 مليونا رسوم تصاريح العمل بالخارج و36 مليونا رسوم تنمية للشراء بالأسواق الحرة.

هذا كله يعني الأهمية الكبيرة والضرورة للتعامل مع ملف العمالة المصرية بالخارج بشكل جاد، إذا كانت الحكومة راغبة بتخفيف مشكلة نقص العملة المتكررة عبر عقود، وأول تلك المهام عمل قاعدة بيانات للمصريين بالخارج حسب الأعمال والمهارات ونحو ذلك، والعمل على تطوير مهاراتهم، وكانت وزيرة الهجرة السابقة قد ذكرت أن عددهم ما بين 10 و14 مليون مواطن.

ولعل في تجربة كوريا الجنوبية إفادة، حيث كانت ترسل لدول الخليج العربي بالثمانينيات عمالة منخفضة ومتوسطة المهارات للعمل بمجال العقارات والبنية التحتية، وأصبحت الآن ترسل مستشارين لحكومات تلك الدول بتخصصات علمية وعملية.

وقبل ذلك، ضرورة مساندة العمالة المصرية والتي يعمل معظمها بدول الخليج، والتي تتسم عقودها بعدم الاستدامة لمدة طويلة، وعلاج مشكلة ارتفاع تكلفة التحويلات، وحسن معاملتهم عند تعاملهم مع الجهات الحكومية خلال إجازاتهم، ولا أنسى قول إحدى السيدات المغتربات خلال انتظارها لدورها بخدمة العملاء بأحد البنوك "في بلدنا يعاملوننا كمغتربين وهناك يعاملوننا كوافدين".

لذا يجب أن يجد المسجون بالغربة يد الدولة بجواره، وكذلك من يشكو من بلاغ كيدي من كفيله بهروبه، ومن لم يستطع دفع إيجار سكنه، وتقديم تحسين ولو بصورة جزئية لأماكن الإقامة، وقد زرت أماكن تجمعهم بمنطقة خيطان بالكويت ورأيت مدى المعاناة المعيشية بها.

التجربة النوبية والسودانية لرعاية المغتربين

هناك العديد من النماذج الناجحة للتكافل والتي يجب تشجيعها، مثل التجربة النوبية التي تقيم جمعيات ببلاد الغربة، يستقبلون فيها القادمين من مصر ويتكفلون بنفقات إقامتهم حتى يجدوا عملا، وعندما يشتغلون يتبرعون للجمعية حتى تستقبل آخرين، وكذلك النموذج السوداني بتقديم كافة وسائل المعيشة للسوداني القادم للعمل، من قبل أقرانهم الموجودين بالغربة بدون سابق معرفة فقط لمجرد أنه سوداني.

يجب أن نعترف أن هناك أزمة ثقة تراكمت أسبابها عبر سنوات، وتحتاج وقتا لعلاجها وإجراءات لبناء تلك الثقة، وأذكر هنا الثناء الشديد من أحد العاملين بالخارج على شخص شارك في تأسيس شركة، فيعطَى نصيبه من الربح بعد بيع الشركة، وعندما تعجبوا من ثنائه رغم أن ما حصل عليه ليس بكثير، قال لهم لقد دخلت شريكا مع كثيرين من قبل، وهذه هي المرة الأولى التي أدخل فيها شريكا وأحصل على أصل ما دفعته، فما بالك بإعطائي ربحا.

وكانت دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية قد أشارت إلى أن نسبة 43% من استخدامات التحويلات تتجه للإنفاق على الأسرة و16% للتعليم و12% للصحة، و10% للادخار و4% للاستثمار العقاري، ولهذا يجب أن تستفيد الحكومة المصرية من تجربة كل من الهند والمكسيك، للجمع بين الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الاستثماري للتحويلات.

وذلك حتى يتوجه قدر منها للتنمية من خلال إشراكهم في تأسيس الشركات من خلال الأسهم، وهنا يتبين الفرق بين الاستثمار الأجنبي الذي يحول أرباحه خارج البلاد، وبين استثمار المغتربين الذي ستبقى أرباحه بالداخل.

وقبل ذلك -ولاستعادة الثقة- لابد من تسهيل وسيلة شرائهم لأدوات الدين الحكومي ذات العائد المرتفع، بديلا عن الإيداع الحالي بالبنوك والذي يحقق لهم عوائد سلبية، نتيجة ارتفاع نسبة التضخم عن نسبة العائد الذي يحصلون عليه، وهنا أيضا سنجد الفرق بين الأجانب الذين يشترون أذون وسندات الخزانة المصرية ثم يحولون أرباحهم للخارج، مثلما تكرر ذلك عدة مرات السنوات الأخيرة، وبين المصريين الذين سيحتفظون بالعوائد داخل البلاد.

لابد أن تتنبه الجهات الرسمية إلى أنه -مع الاعتماد على العمالة الوطنية بدول الخليج- فإن فرص التشغيل للعمالة المصرية لن تكون مستمرة بنفس العدد مستقبلا، إلى جانب مخاطر تقلبات أسعار النفط وأثرها على التحويلات، وهو ما يدفع بشكل أقوى لتوظيف جانب أكبر من التحويلات في الأنشطة التنموية، بما يحقق استدامة أطول وعوائد مستمرة لهم.

وهكذا.. بمزيد من الرعاية، يمكن زيادة تحويلات المصريين بالخارج بأكثر مما سيقدمه صندوق النقد الدولي، وهي (أي تحويلات المواطنين) موارد بلا شروط مسبقة ولا تتطلب خفض الدعم أو قيمة الجنيه، والمزيد من بيع الأصول وفرض الضرائب والرسوم كما يطلب الصندوق الدولي.
المصدر الجزيرة نت